تقديم
المجتمعات تواجه كورونا
تنقل النصوص المنشورة هنا هذا الجانب من الصورة من سبعة أماكن مختلفة: العراق واليمن ومصر ولبنان وفلسطين وموريتانيا والجزائر.
فقد أثبتت أزمة جائحة كورونا أن كل الإجراءات والتدابير والحلول التي تقررها السلطات يمكن أن تبقى بلا نتيجة طالما يعيش أغلب سكان أي مجتمع في مساكن متداعية، متكدسين بكثافة في مساحات ضيقة، ضعيفة التهوئة، وبلا بنية تحتية صحية.
تعاني الأحياء العشوائية بالطبع من هذه الأوضاع، ولكن هناك أيضاً أحياء “شرعية” تعاني منها: أحياء قديمة، أو أحياء جديدة بنيت كمساكن شعبية وتدهورت بسرعة. ولا بد في السياق من الالتفات إلى مسألة إمكانية وصول تلك المساكن إلى المياه الجارية النظيفة، وأيضاً مشاكل التنقل من والى تلك الأحياء، التي غالبا ما تتم بوسائل نقل مكتظة ومتداعية، علاوة على ندرتها.
تتطرق نصوص هذا الدفتر إلى تهالك الأوضاع الاقتصادية للناس، حيث يصبح شراء كمامة متعسراً، ناهيك عن الحصول على أي دواء، هذا عندما تكون هذه الأشياء متوفرة أصلاً! ويصعب في أغلبية مجتمعات المنطقة العربية الكلام عن حالة صحية سليمة للناس، باعتبار انهيار قدرتهم على الحصول على الغذاء أصلاً... وباعتبار وجود أمراض أخرى، بعضها وبائي وخطير، وبعضها الآخر يتعلق بالصحة العامة (كفقر الدم مثلاً، وسواه) وهي سابقة على كورونا (ومستمرة معه، أو متجددة بسببه)، وتفتك بالناس، إضافة لتأثيرها على قوة مناعتهم.
وهناك ضعف المؤسسات الصحية بشكل عام، أبنية لائقة وتجهيزات أساسية وطواقم طبية وتمريضية (مما تناولناه في الدفتر الأول عن الوباء). ضعفها الكمي والنوعي معاً، وخلو مناطق بأكملها منها، أو اكتظاظها المريع في أماكن أخرى، ووجود تفاوت طبقي حاد في الخدمات المعروضة على الناس.
كما يبرز الفارق الهائل بين ما يُفترض أنه المطلوب، ويُعلَن عنه ك”مبادئ”، وما هو فعلياً ممكن ومتوفر من قبل السلطات، المهتزة وغير الكفوءة، والتي تردد بشكل ببغائي ما تقوله المنظمات الدولية المعنية أو “تترجمه” على طريقتها...
وهناك القناعات الشائعة التي تخص هذا الوباء، وهي تتراوح بين عدم تصديق ما يقال عنه من قبل السلطات، بل والارتياب بها (وهي المعتادة بنظر الناس على الكذب وعلى تخويفهم للجمهم الخ..). ويمتلك هذا البعد - وهو سياسي بامتياز - أهمية كبيرة، إذ يَحُول دون قبول الناس للإجراءات التي تعلنها السلطات (بما في ذلك الإقبال على اللقاح)، وإهمالها أو مخالفتها. كما أن الشروط الاجتماعية التي يحيون وسطها تعزز عدم الاكتراث بالوباء واعتبار أنه “من جملة المصائب”، بل وليس أشدها من بين ما يعيشون.
وهناك بالطبع نوع من "القدرية" في التعامل مع المرض، يغرف من ثقافة وقيم راسخة، وخرافات غير علمية حوله، مما شوهد في العالم كله وليس في منطقتنا فحسب.
وهناك المناسبات الدينية – لكل الأديان والطوائف - حيث يحتشد الآلاف وتنتشر العدوى. وهناك قوة العادات التي تجعل التخلي عن المناسبات الاجتماعية سلوكاً غير مقبول.
... وهذه كلها عوامل تساهم في تصعيب المواجهة مع الجائحة.
يمكن تحميل الدفتر في صيغة ملف بي.دي.أف (PDF).