اللقاحات في بلد المئة مليون.. سعي محمود وإنجاز محدود

لا يتاح التسجيل إلا إلكترونياً في بلد تصل نسبة سكان الريف فيه إلى 57.8 في المئة، وسكان العشوائيات إلى 40 في المئة من سكان المدن، و نسبة الأمية إلى 35.8 من السكان. لم يزد عدد من تلقوا جرعة واحدة من اللقاح داخل مصر عن 3.8 مليون مواطن من أصل المئة مليون، وذلك حتى 10 آب/اغسطس 2021.
2021-08-19

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
| en
الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية Vacsera

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

بلدٌ يبلغ تعداد سكانها الـ 100 مليون، يصنفها البنك الدولي ضمن قائمة الاقتصاديات النامية الواعدة، وتحرص سلطتها على المشاركة بالتطوع والدعم في كثير من الأوضاع الإنسانية الصعبة على مستوى العالم، ومن بينها التبرع بمستلزمات طبية لكل من الصين وإيطاليا وأمريكا خلال الموجة الأولى للوباء.. وعلى الرغم من كل ما سبق، لم يزد عدد من تلقوا اللقاحات المضادة لفيروس كورونا داخل مصر عن 3.8 مليون مواطن، بعد مرور ما يزيد عن عام ونصف على بدء الإصابات حول العالم.

فوفق البيانات الصادرة عن مكتب المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ( ECDC ) بتاريخ 10 آب/ أغسطس 2021، بلغ عدد من حصلوا على جرعة واحدة من اللقاح في مصر3.8 مليون شخص، ومن حصلوا على الجرعتين 1.8 مليون، وهو ما يعادل وفق الإحصاء ذاته نسبة تلقيح لا تزيد عن 7.1 جرعةً لكل 100 ألف مواطن.

فهل الأمر يتعلق فقط بحالة انعدام عدالة تسيطر على سوق صناعة اللقاحات بالعالم، وحيازة الدول الكبرى للحصص الأعلى؟ أم كان هناك تأخر وتقصير في خطوات الحكومة المصرية من أجل إنجاز هذه الخطوة، ومن ثَمّ جاء المنجز محدوداً على الرغم من السعي المحموم في الأشهر الأخيرة للإعلان عن اتفاقات وصفقات؟ وهل للأمر ارتباط بتشعب الجهات المسؤولة عن الملف داخل مصر؟ وماذا عن حجم التكلفة وحجم المنح، ولماذا طرحت الدولة في بادئ الأمر تقديم اللقاح بمقابل مادي، في سابقة لم تشهدها أي دولة بالعالم؟ وكيف ومتى يمكن أن تصل مصر للحد الأدنى من منح اللقاحات (10 في المئة إلى 30 في المئة من عدد السكان وفق تصنيفات منظمة الصحة)، والتي يمكن معها القول إن المجتمع على درب الاقتراب من الهدف، في حين تتحدث منظمة الصحة العالمية في أحدث تقاريرها عن أن تأخر منح اللقاح يساعد الفيروس على التحوّر، مما يقلل من تأثيره الوقائي... وإنه لا فعالية لعملية التلقيح قبل أن تشمل 70 في المئة من سكان العالم.

الأرقام .. أبعاد ودلالات

لا يقاس حجم ما شهده الواقع من إنجاز بحساب عدد الملقحين فحسب من تعداد السكان في مصر (لا يزيد عن 4 في المئة)، ولكن يقاس أيضاً بمعدلات أخرى هامة، منها متوسط عدد الحاصلين على اللقاح يومياً، وحجم الفارق بين عدد المتقدمين بطلب للحصول على اللقاح وعدد الحاصلين عليه، وكذلك معدلات الحصول على اللقاح وإتاحته في الدول المجاورة جغرافياً، أو المقاربة اقتصادياً.

فعند مقارنة الأرقام التي سُجّلت وفق الإحصاء الدولي ذاته في شهري حزيران/ يونيو، وآب/ أغسطس 2021، نجد أن عدد من حصلوا على الجرعة الأولى قد ارتفع من 3.3 مليون إلى 3.8 مليون، بينما عدد من حصلوا على الجرعتين ارتفع من 695 ألفاً إلى 1.8 مليون.

وهو ما يعني ـ على عكس المتوقع ـ التركيز على صرف الجرعة الثانية للمواطنين في الموعد المحدد لها (عقب ثلاثة أشهر من تلقي الجرعة الأولى) عوضاً عن التوسع في صرف الجرعة الأولى لمواطنين يتم مخاطبتهم للتوجه لتلك المقرات للمرة الأولى. هذا الفارق يعكس حدود إمكانات السلطات على التقدم بوتيرة واسعة للوفاء بالخدمة في وقت قريب لكل المتقدمين للحصول على اللقاح. يأتي هذا التعثر بينما وزارة الصحة تعلن بنفسها أن عدد من سجلوا أنفسهم لطلب اللقاح حتى شهر نيسان/ أبريل 2021 لم يزد عن 850 ألف مواطن. وقد ارتفع العدد على مدار الأشهر التالية ليصل مع بداية شهر حزيران/ يونيو 2021 إلى 6.5 مليون مواطن بما يمثل أقل من 7 في المئة من عدد السكان في مصر .[1]

بدأ صرف اللقاحات في مصر في منتصف شباط/ فبراير 2021، مع البدء بتسجيل الفرق الطبية العاملة في مستشفيات العزل. ثم أتيح التسجيل أمام المواطنين، وبالاخص كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. ولم يزد عدد المراكز المتاحة بدايةً عن 40 مركزاً على مستوى الجمهورية، ارتفعت مع نهاية آذار/ مارس إلى 148 مركزاً، لتصل مع نهاية حزيران/ يونيو إلى 420 مركز.

وقد بدأت خلال الشهر الأخير تموز/ يوليو تتراكم الشكاوى من تأخر موعد منح اللقاح ووصول مدة الانتظار لأكثر من 3 أشهر، وفق شهادات صحافية.

يمكن قراءة الأرقام في مصر في ضوء الأهداف الدولية قصيرة المدى التي حددتها منظمة الصحة العالمية، والتي تضمنت تلقيح ما لا يقل عن 10 في المئة من سكان كل بلد بحلول أيلول/ سبتمبر 2021، وفي المئة على الأقل بحلول نهاية العام، وأهمية توفير250 مليون جرعة إضافية بحلول أيلول/ سبتمبر، و100 مليون جرعة في حزيران/ يونيو، وتموز/ يوليو فقط، حتى يتسنى تطعيم ما لا يقل عن 70 في المئة من سكان العالم بحلول العام المقبل، لإنهاء الوباء، بالإضافة إلى ما أعلنته "مجموعة الدول الصناعية السبع G7" عن التبرع بمليار جرعة حتى نهاية 2022.

أرقام، تستدعي من الشرح الكثير، نبدأها بطرح الأسئلة التالية:

المنظومة والآلية .. كيف بدأت وتستمر؟

بدأ العمل على صرف اللقاحات في مصر في منتصف شباط/ فبراير 2021 تحديداً، مع بدء تسجيل الفرق الطبية العاملة في مستشفيات العزل. تلى هذا، الإعلان عن إتاحة التسجيل أمام المواطنين، وبشكل خاص فئات كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

لعبت تصريحات سابقة حول اللامجانية دورها في تأخر الاستجابة الشعبية. فقد صرحت وزيرة الصحة بداية العام 2021 عن نية الحكومة لطرح اللقاح للقادرين مقابل 100 جنيه للجرعة، وحصر إتاحته مجاناً لغير القادرين المسجلين لدى الدولة تحت مظلة الحماية الاجتماعية، ولا يزيد عددهم عن 3.5 مليون أسرة أي حوالي 15 مليون مواطن.

لم يزد عدد المراكز المتاحة بدايةً عن 40 مركزاً على مستوى الجمهورية، ارتفعت مع نهاية آذار/ مارس إلى 148 مركزاً لتصل مع نهاية حزيران/ يونيو إلى 420.

لا يتاح التسجيل إلا إلكترونياً في بلد تصل نسبة سكان الريف فيه إلى 57.8 في المئة وسكان العشوائيات إلى 40 في المئة من سكان المدن، وتصل نسبة الأمية إلى 35.8 من السكان. (كافة الأرقام صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء).

وهو ما جعل الغالبية العظمى غير قادرة على تسجيل نفسها علاوة على إمكانية تشكيل موقف من تلقي اللقاح في ظل تأخر إطلاق حملات توعية عبر الوسائل الإعلامية حتى منتصف شهر أيار/ مايو 2021 (ولعل في ذلك تفسير لزيادة نسبة التسجيل خلال شهرٍ واحد). وتغير ذلك مع بدء إطلاق حملة السيارات المتنقلة قبل أسابيع، والتي تستهدف تطعيم كبار السن خلال صرفهم للمعاش الشهري أمام بعض مكاتب البريد، لكنها خطوة لم تشهد اتساعاً بعد، علاوةً على اقتصارها على المدن الرئيسية.

وقد لعبت تصريحات سابقة حول اللامجانية دورها في تأخر الاستجابة الشعبية. فقد صرحت وزيرة الصحة بداية العام 2021 عن نية الحكومة لطرح اللقاح للقادرين مقابل 100 جنيه للجرعة، وحصر إتاحته مجاناً لغير القادرين المسجلين لدى الدولة تحت مظلة الحماية الاجتماعية، ولا يزيد عددهم عن 3.5 مليون أسرة أي حوالي 15 مليون مواطن. وقد شهدت الأوساط السياسية والقانونية والطبية في مصر حملة مطالبات بهدف إقرار صرف اللقاح مجاناً لجميع الفئات الاجتماعية، إسوةً بكل دول العالم.

ومن جانب آخر، لا تشهد عمليات صرف اللقاح في مصر إجراءات مؤسسية لمتابعة الحالة الصحية لمتلقي اللقاح وتسجيل شكواهم الطبية، بل يقتصر الأمر على توقيع أوراق "الموافقة المستنيرة"، وإتاحة أرقام تليفونية لتلقي الشكاوي في حال وقوع أي مضاعفات صحية.

خريطة اللقاحات: ما المتحقق وما الوعود؟

أياً كانت درجة دقة إجراءات الصرف والتوزيع، فقد بقي السؤال الأكثر إلحاحاً مع بداية فتح ملف اللقاحات في مصر، هو ما هي اللقاحات التي سيتم توفيرها، ومتى؟

ففي تصريح في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، قال مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة :"مصر عاملة حسابها"، أضاف: "هناك اتفاق قوي جداً مع مظلة "جافي" ((GAVI) والمؤسسة العالمية "كوفاكس" اللذان يشرفان على إجازة اللقاحات، وعندما تصل هذه اللقاحات لمرحلة التداول تجارياً "هنجيب لقاحات لمصر.

سبق ذلك الإعلان عن دخول مصر كشريك بالتجارب السريرية على اللقاح الصيني "سينوفارم"، وهو ما يعطي مصر حقوقاً أدبية في الحصول على حصص واسعة منه مع بدء الاعتماد والتصنيع، وتمّ تشجيع المواطنين عبر حملات إعلانية للانضمام كمتطوعين.

بدأت أولى حملات التطعيم بطبيعة الحال للفرق الطبية، وتم الاعتماد على اللقاح الصيني الذي قالت مجلة "نيتشر" العلمية الدولية إن نسبة فعاليته لا تتجاوز 50.4 في المئة، وذلك في دولة ترتفع نسبة الوفيات بين الفرق الطبية بها، وبشكل خاص بين الأطباء (ما يقارب الـ 600 طبيب حتى الآن).

وضح أن السبب في اعتماد اللقاح الصيني في تطعيم الفرق الطبية بشكلٍ خاص هو قصر المدة الزمنية بين الجرعتين (3 أسابيع) مقارنةً بنظيره المتاح دون غيره في مصر، وهو اللقاح الإنجليزي السويدي (أسترازينكا) بينما تزايدت مطالبة الأطباء بعقد الصفقات لشراء كميات من اللقاح الروسي باعتباره أكثر فعاليةً وأقل سعراً مقارنةً بنظيريه الأمريكي والأوروبي.

دخلت مصر كشريك بالتجارب السريرية على اللقاح الصيني "سينوفارم"، وهو ما يعطيها حقوقاً أدبية في الحصول على حصص واسعة منه مع بدء الاعتماد والتصنيع، وتمّ تشجيع المواطنين عبر حملات إعلانية للانضمام كمتطوعين.

ما تم رصد وصوله رسمياً إلى مصر، هو وصول أول شحنة من لقاح "سينوفارم" في شباط/ فبراير 2021 بواقع 200 ألف جرعة، وبعد ثلاثة أشهر وصلت الدفعة الثانية بواقع 400 ألف جرعة، وقال بيان رسميٌّ صادر عن وزارة الصحة إن مجمل ما تم الاتفاق عليه هو 900 ألف جرعة تصل مصر من الصين تباعاً.

وفي خطابها أمام مجلس النواب في شباط/ فبراير 2021 قالت وزيرة الصحة: تم توقيع اتفاقية تفاهم بين مصر ودولة الصين الشعبية، لتعزيز التعاون بين البلدين في البحث والتطوير والإنتاج، وتم الحصول على الدفعة الأولى من لقاح "سينوفارم"، وتوزيعها على الأطقم الطبية بمستشفيات العزل والفرز والصدر والحميات في عدد من محافظات الجمهورية، وجاري استلام الدفعات التالية خلال الفترة المقبلة. وأضافت الوزيرة أنه تم الاتفاق أيضاً للحصول على لقاح "أسترازينكا" واستصدار موافقة الاستخدام الطارئ من مصنع معهد سيرم للقاحات في دولة الهند، والحصول على 50 ألف جرعة أولى، كما التعاقد مع الهيئة الدولية للأمصال واللقاحات "جافي" للحصول على 40 مليون جرعة لقاح فيروس كورونا (بواقع جرعتين لـ 20 مليون مواطن)، مشيرةً إلى نجاح مصر في إبرام اتفاقيات للحصول على 100 مليون جرعة من اللقاحات.

جاء الإعلان عن الحصاد بعد زيارة وزيرة الصحة لجنيف منتصف حزيران/ يونيو حيث التقت بالمدير العام لمرفق"كوفاكس" التابع للتحالف الدولي للقاحات والأمصال (جافي)، فقالت: "وجهت الشكر لمرفق "كوفاكس"، لإمدادهم مصر بحوالي 2.2 مليون جرعة من لقاح أسترازينكا على مدار الفترة الماضية، ووضع مصر ضمن أولوية الدول لتوريد اللقاحات إليها وسط التحديات العالمية في محدودية الإنتاج وزيادة الطلب على تلقي اللقاح."، وأضافت: "من المتوقع أن تستقبل مصر خلال أيام حوالي 1.9 مليون جرعة من لقاح فيروس كورونا". كما أشارت أنه تمت مناقشة خطة استكمال توريد حصة الـ 40 مليون المعلن عنها، على أن يبدأ وصول الدفعات المستقبلية ضمن الربع الثاني للاتفاقية على مدار شهري تموز /يوليو، وآب/ أغسطس 2021.

التصنيع المحلي.. هل وجدت مصر مخرجاً؟

كان تصنيع اللقاحات داخل مصر ولا يزال حلماً يراود المجتمع، خاصةً في ظل تجربة رائدة في مجال تصنيع اللقاحات ومد أفريقيا بها منذ خمسينيات القرن الماضي. إلا أن هذه القاطرة الكبيرة المعروفة باسم "الشركة القابضة لتصنيع اللقاحات ـ فاكسيرا" قد أصابها على مدى السنوات العشر الأخيرة ما أصاب أغلب القطاعات الصناعية التابعة للدولة، وسط اتهامات من مختصين بتفريغها من التكنولوجيا المتطورة، وهو ملف بالغ الأهمية، ونحن اليوم أمام مشهد، إعلان إعادة تأهيل مصانع الشركة، انتهى صباح 5 تموز/ يوليو بإعلان إنتاج 300 ألف جرعة كتجربة أولى ـ لم تنزل للأسواق بعد ـ بالتشارك مع الشركة الصينية المنتجة للقاح "سينوفاك".

ففي منتصف حزيران/ يونيو 2021، أعلنت وزيرة الصحة عن لقاء عبر خاصية الفيديو كونفرانس جمعها وممثلي منظمة الصحة العالمية ونظراءها في عدد من دول العالم، بينها الصين والبرازيل بهدف عرض إمكانات انضمام مصر لخطة التصنيع المحلي للقاحات، وإتاحتها قبل الربع الأخير من العام الحالي، أشارت خلاله إلى توجيهات رئيس الجمهورية للحكومة من أجل توفير الموارد اللازمة لزيادة قدرات الإنتاج الوطني من المستلزمات والمستحضرات الطبية، وذلك من خلال ما أسمته "الاستراتيجية الوطنية في مصر للاستثمار في مجال الإنتاج المحلي للأدوية"، وأشارت إلى تعزيز ذلك عبر افتتاح "مدينة الدواء المصرية" ( وهي منصة صناعية جديدة تتبع جهات سيادية في مصر).

كان تصنيع اللقاحات داخل مصر، ولا يزال، حلماً يراود المجتمع، خاصةً في ظل تجربة رائدة في مجال تصنيع اللقاحات، ومد أفريقيا بها منذ خمسينيات القرن الماضي. إلا أن هذه القاطرة الكبيرة المعروفة باسم "الشركة القابضة لتصنيع اللقاحات ـ فاكسيرا" قد أصابها على مدى السنوات العشر الأخيرة ما أصاب أغلب القطاعات الصناعية التابعة للدولة.

وبعد ذلك قامت الوزيرة بزيارة مصانع الشركة، وأدلت بتصريحات أخرى حول خطة تستهدف توفير التكنولوجيا اللازمة والتجهيزات بكلفة تصل إلى 17 مليون دولار، بهدف الوصول إلى إنتاج 3 ملايين جرعة لقاح يومياً من أجل تغطية الاحتياج المحلي والتصدير إلى الدول الأفريقية. وجاء التحرك الأخير للوزيرة عبر اجتماع ضمها هي ورئيس "هيئة الشراء الموحد" اللواء طبيب بهاء الدين زيدان، الذي سبق وأن وجه له رئيس الدولة الحديث في عدد من الاجتماعات العامة لمناقشة تطورات مواجهة الفيروس بدلاً عن الوزيرة المختصة.

في 5 تموز/ يوليو الماضي زار رئيس الوزراء مصانع اللقاح، وتم الإعلان عن أولى بشائر إنتاج مليون جرعة من لقاح (فاكسيرا/ سنوفاك)، ونشرت الصور والوعود ببدء الصرف في المراكز المختلفة على امتداد الأراضي المصرية. غير أن هذا لم يبدأ بعد رغم انقضاء ما يقارب الشهرين.

على جانب آخر برز التساؤل حول دور القطاع الخاص وإمكانية إتاحة مشاركته، وقد عاشت مصر تجربة مميزة خلال حملة القضاء على "فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي" بنجاح ممثلي ما يعرف "اللجنة القومية لعلاج الفيروسات الكبدية"، وهي جهة طبية تفاوض ممثليها مع شركة "جلعاد" الأمريكية المنتجة للعلاج الشهير "ٍسوفالدي" من أجل إسقاط حق الملكية الفكرية، وإتاحة إنتاجه أمام عشر شركات تعمل داخل السوق المصري، مما ساهم في إنتاج وفرة من البدائل الفاعلة، وبسعر يوازي أقل من 10 في المئة من السعر الأول الذي طرحت به الشركة الدواء بالأسواق الأمريكية، وهو ما دعا بعض من تلك الشركات المحلية لإعلان رغبتها في دخول سوق إنتاج اللقاح عبر تعاون رسمي ـ دولي.

غير أن هناك تخوفاتٌ ذات وجاهة من السماح للقطاع الخاص بالمشاركة، ومن سيناريوهات التسعير وذلك في ضوء التجربة شديدة السوء التي شاركت بها المستشفيات الخاصة في مصر خلال مواجهة وباء كورونا، وطرحت قائمة أسعار مبالغ بها دون قدرة حقيقية على التدخل من جانب الدولة.

الشهادات الحية .. ماذا تقول؟

تصريحات كبرى، لكنها لم تنعكس بشكل كافٍ على الأرض حتى الآن. تقول الصحافية "رحمة سامي" على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي: "تقدمتُ بطلب الحصول على اللقاح منذ أربعة أشهر، وإلى الآن لم يتم تحديد موعد"، وتقول الصحافية شيماء عادل: "على مدار شهر تلقيت رسائل بتأجيل موعد تلقي الجرعة الثانية، على الرغم من كونها مرتهنةً بموعد زمني محدد، وحين حاولت الاستفسار والشكوى تمت مطالبتي بالالتزام بالإجراءات وأنه سيصير إلى التواصل معي لاحقاً"، أما الصحافية "إيناس كمال" فقد كتبت عن شعورها بالذنب بعد وفاة والدتها: "لا أعرف هل تأخرتُ في تسجيلها؟ مر شهران قبل أن أتلقى رسالة بتحديد موعد لها، وجاء هذا بدوره بعد أسبوعٍ من وفاتها إثر الإصابة بالفيروس".

وفي مقال بعنوان "تأخر اللقاح" كتبت الناقدة والصحافية "عبلة الرويني" على صفحة جريدة حكومية": لم أتمكن حتى الآن من تلقي تطعيم الكورونا، على الرغم من تسجيلي طلب الحصول على اللقاح (مدينة نصر) منذ أكثر من شهرين!! وعلى الرغم من متابعتي، وتكرار سؤالي عن تأخر موعد اللقاح، ليكون الرد دائماً "اسمك مسجل لدينا، لكن لم يحن بعد موعد تطعيمك". التأخير نفسه أشارت إليه إحدى الطبيبات (من صاحبات أولوية تطعيم) التي لم تتمكن طوال أكثر من شهرين من الحصول عليه، بسبب عدم توافر اللقاحات (الصيني والإنجليزي)...

هناك تخوفاتٌ وجيهة من السماح للقطاع الخاص بالمشاركة، ومن سيناريوهات التسعير، وذلك في ضوء التجربة شديدة السوء التي شاركت بها المستشفيات الخاصة في مصر خلال مواجهة وباء كورونا، وطرحت قائمة أسعار مبالغ بها دون قدرة حقيقية على التدخل من جانب الدولة.

مناشدات واحتجاجات تعضد الأرقام، فتشير جميعاً إلى أن حجم الطلب هو أضعاف حجم الإنجاز، ويبقى الرقم المنشود هو "30 مليوناً" كعدد تقريبي متفق عليه، يمثل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة في مصر. وقد بدأت الموجة الرابعة للإصابة بفيروس كورونا في مصر بالانتشار مرةً أخرى مع تسجيل معدل إصابات يومي وإن كان يبقى طفيفاً، وهو 100 إصابة يومية. وقد بلغ إجمالي عدد الإصابات المسجلة رسمياً مساء العاشر من آب/ أغسطس 2021 أكثر من 285 ألف إصابة، وهي أرقام لا تمثل حجم الإصابات الحقيقية التي قد تصل لعشرة أضعاف وفق نموذج إحصائي أعلن عنه مجلس الوزراء مع بداية انتشار الوباء في مصر.

***

لا يزال الهدف بعيداً، والحلم ممتداً، والوصول لإنجاز حقيقي تحصّنه الشفافية والتخلص من الدعاية المحمومة هو المطلب. 

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________

1)  - اضغط على هذا الرابط للإطلاع على كامل الإحصاء الدولي

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...