رقابة الانترنت ومخاوف المدونين الموريتانيين

«لا لرقابة الانترنت»، «حريتنا خط أحمر»، «يسقط الإطار القانوني لمجتمع المعلومات»، «لا تلمس خصوصيتي»... هذه شعارات ضمن أخرى رفعها بعض المدونين الموريتانيين في وقفة احتجاجية منددة بقانون أعلنت الحكومة الموريتانية نيتها طرحه على البرلمان ليصادق عليه، وهو يهدف إلى تأطير ما ينشر على الشبكة. وكان ذلك مطلع نيسان/إبريل، في افتتاح جلسة
2014-04-30

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
من الانترنت

«لا لرقابة الانترنت»، «حريتنا خط أحمر»، «يسقط الإطار القانوني لمجتمع المعلومات»، «لا تلمس خصوصيتي»... هذه شعارات ضمن أخرى رفعها بعض المدونين الموريتانيين في وقفة احتجاجية منددة بقانون أعلنت الحكومة الموريتانية نيتها طرحه على البرلمان ليصادق عليه، وهو يهدف إلى تأطير ما ينشر على الشبكة.
 وكان ذلك مطلع نيسان/إبريل، في افتتاح جلسة البرلمان الطارئة.لم يكتف المدونون بالوقفة الاحتجاجية، بل شنوا حملة على الشبكة ضد القانون، للتوعية بخطورته. وقد سيطرت النقاشات بخصوصه على الإعلام بكل وسائطه.ويبرر المدونون الموريتانيون انزعاجهم من «الإطار القانوني لمجتمع المعلومات» لأنه ترسانة من المواد القانونية حمالة أوجه، تسمح للسلطة الحاكمة بتكييف التهمة التي تشاء للمدون الذي يزعجها...
فمثلا تتحدث المادة 28 عن حبس كل من يخالف «الأخلاق الحسنة» من ستة أشهر إلى سبع سنوات أو تغريمه بخمسمئة ألف أوقية إلى خمسة ملايين أوقية (الدولار= 280 أوقية). ولكن من وما الذي يحدد تلك الأخلاق؟ويعاقب القانون كذلك على الشتائم من ستة أشهر إلى سبع سنوات، أو بغرامة مليون إلى ستة ملايين أوقية. ولكن القانون الجنائي الموريتاني يعاقب على الشتائم بعقوبات «المخالفات البسيطة»، بينما القانون الجديد يعاقب عليها بعقوبات الجنايات، وهو ما اعتبر تعطشا لسجن كل صاحب رأي مخالف، علاوة على خرقه مبدأ جسامة العقوبة تبعا لجسامة الفعل. ومن ضمن ما تداوله المدونون، المادة 18 التي تلغى كل الأحكام المخالفة لها، فاعتبر الصحافيون والمدونون أن في ذلك إلغاء للمواد القانونية التي تمنع ملاحقة الصحافيين في قضايا النشر، ما يتعارض مع قانون حرية الصحافة الصادر في 2006. وعبرت نقابة الصحافيين في بيان لها عن هذه المخاوف، وكذلك رابطة الصحافيين واتحاد المواقع الالكترونية، معتبرين القانون انتكاسة في مجال الحريات، خاصة أن القانون الجديد معني بـ: «الإذاعة والتلفزيون والسينما والصحافة والملصقات والمعارض ونشر المكتوبات أو الصور من كل نوع، والخطابات والأغاني والصيحات والتهديدات التي تطلق في أماكن أو اجتماعات عمومية، وكل منظومة تقنية موجهة لبلوغ الجمهور، وعموما كل وسيلة اتصال بطريقة الكترونية، خاصة الانترنت والهاتف»!
أُحكِم الأمر إذاً. اعتبر المدونون كذلك أن القانون جاء ليشرع التجسس على مستخدمي الشبكة، بحيث يفرض وصاية الحكومة على مزودي الخدمة ويجعلهم تحت رحمتها ويجبرهم على إعطائها كل البيانات التي تريد، ويسمح للحكومة بأن تنتهك خصوصية المستخدمين بمجموعة من المبررات الضبابية. فالمادة 5 من الجانب المتعلق بالبيانات تسمح بأن تقوم الحكومة بمعالجة البيانات الشخصية للمواطنين دون موافقة الشخص المعني، تنفيذاً «للمصلحة العامة».
ويقيد القانون الجديد مجال التشفير فيفرض أن يحصل من يتداول أدوات التشفير وحماية البيانات على ترخيص من السلطات، وضرورة أن يُطْلعها على طبيعة الاستخدام، وهو ما اعتُبر محاولة لتجريم حماية الأفراد لبياناتهم الشخصية عبر تشفيرها باستخدام برامج التسفير وكسر الحجب.الحكومة الموريتانية أكدت عبر وزير التشغيل والتكوين المهني أن القانون لا يهدف إلى منع الحريات ولا التضييق على الصحافة.ولكن، لماذا هذا القانون الآن؟يشهد مجتمع المعلومات الموريتاني طفرة، وهي حال المواقع الإخبارية والمدونات والنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تزدهر التجارة الالكترونية، ما يحتِّم وضع إطار قانوني ينظم حركية الشبكة.المدونين يرون أن القانون سنَّ بعد ازدياد الانتقادات الموجهة للنظام على الشبكة، وشدة وطئتها، ومنهجيتها، وأن الفضاء الالكتروني أصبح يصنع الرأي العام ويوجه النقاشات السياسية، وهو ما جعل السلطة تخاف من نتائج ارتفاع وتيرة انتقاداته لها وكشف فسادها، فاندفعتْ إلى وضع هذا القانون ترهيباً، وكذلك من أجل تشريع التجسس عليهم.
وينتقد المدونون الطريقة التي أعد بها القانون بطريقة مخالفة لأسس حوكمة الانترنت، ولا سيما ان السلطات لم تناقش قط الخطوة مع الفاعلين على الشبكة، لبلورة قانون غير قامع للحريات، ومستجيب للضرورات العملية في آن.خوف السلطات مما ينشر على الشبكة مرده تحرره من مقص الرقيب التقليدي، فتحاول هذه كبت كل صوت مخالف، خاصة أن القنوات الموريتانية الخاصة مرتبطة بعقود مجحفة مع «السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية» (الهابا)، تجعلها تحت وصايتها ورحمتها. والقانون سيستخدم ضد الخصوم السياسيين، وهو خطير لأن الأحكام القضائية تصدر بالأمر المباشر من رأس السلطة، ولا أسس فيها لدولة القانون والعدالة. وعلى كل ذلك، فهناك من يبرر القانون بالقول إنه وضع للوقوف في وجه «الإساءات للرموز الإسلامية» أو لمواجهة «الخروج على تقاليد المجتمع»!

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه