في مصر: إزاء سد يهدد السيادة.. وعي وبلادة!

يواجه "إعلان المبادئ الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان" الموقع في آذار/ مارس 2015، انتقادات حول عموميته، أو حتى "ميوعته"، كمثل إغفاله لحظر مبدأ تسعير المياه، والسماح بالاستفادة من أعمال هذا السد خارج حدود الإقليم أو المصب، وذلك في إشارة لمخاوف حول الدور الصهيوني الداعم، علانية، للحكومة الإثيوبية، وأغراضه الأبعد المتعلقة بمد مياه النيل إلى الأرض المحتلة.
2021-06-27

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
سد النهضة اليوم.

يرتفع بناء السد محاولاً، من مبعثه على حدود إثيوبيا والسودان، مناطحة سماء القاهرة. "لا وقت / لا خطر".. وما بين هاتين اللافتتين، تدور النقاشات الآن في مصر حول خطر سد النهضة الإثيوبي على المصلحة المصرية. مناقشات يزداد حضورها في الاجتماعات والندوات والبيوت، مع مرور الوقت واقتراب موعد الفيضان الصيفي.

 فأيهما الحقيقة؟ أيهما النجاة؟ أيهما الإجابة، إذا أتيحت حقوق المعرفة والتعبير كحقوق أصيلة في الحياة؟

هناك من يتفقون، وهم كُثر، ويرون أنه "لا خطر" لأن هناك "ثقة" في الرجل الذي سيتحرك لإنقاذ الموقف إذا "تفاقم الخطر"، ولكنه الآن يتعامل بـ"حكمة". بينما لا وسيلة علمية للتأكد من حجم من تملكتهم الدهشة والغضب منذ لحظة القسم وحتى لحظة التهديد. لعلهم الأكثرية الشعبية، لا مجال لتحسس توجهات الرأي العام في ظل مناخ مصادرة الحريات في مصر، غير أن العنوان صار واضحاً صريحاً: "لا وقت". تقول بلا مواربة أصواتٌ إن الخطر بدأ مرحلته الأكثر حساسية، وهو لا يتعلق فقط بالأمور الفنية، وحصة مصر من المياه التي تعاني الآن من فقر مائي، إنما هي حماية السيادة.

يبقى الخطر الأكبر دوماً هو افتقاد المصريين للقدرة على صياغة "تقدير موقف" في ظل سياسات "تجفيف" منابع الوعي، حتى وإن تعلق الأمر بالنيل الذي لا يطيقون مجرد تصور أن تطوله يد "الجفاف".. وأن يبقى الأمر رهين حسٍ ذكي أو فصاحة شعبية. فعلام يستوي الأمر؟

حصاد السنوات

منتصف العام 2013، تحديداً في 30 أيار/ مايو منه، أعلنت الحكومة الإثيوبية نيتها البدء بتحويل مجري النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل، إيذاناً ببدء التنفيذ الفعلي لسد النهضة، وهو ما وصفته الخارجية المصرية حينها بـ "الإجراء المفاجئ"، وهو وصف جاء بعد عامين كاملين من إعلان الجانب الإثيوبي بدء تشييد السد في نيسان/أبريل 2011. وفيما سبق ذلك، كانت تتوالى السنوات بمحطات تداعٍ غير خفي، لعل أقربها زمنياً، وأكثرها حضوراً وتأثيراً، إعلان الحكومية الإثيوبية في العام 2009 عن انتهاء الشراكة مع ما يعرف بـ"مكتب الاستصلاح الأمريكي" الذي وضع المخطط النهائي لسد النهضة، والاستقرار على موقعه، على بعد 15 كيلومتراً من الحدود السودانية. كما تم التوقيع مع شركة أمريكية أخري هي "وي بيلد" على أولى أعمال التجهيز والبناء، بقيمة 4.8 مليار دولار. تلا ذلك توقيع خمسٍ من دول حوض النيل على اتفاقية عنتيبي حول حصص تقسيم المياه، على الرغم من اعتراض كل من مصر والسودان والكونغو عليها.

لا وسيلة علمية للتأكد من حجم من تملكتهم الدهشة والغضب منذ لحظة القسم وحتى لحظة التهديد. لعلهم الأكثرية الشعبية، لا مجال لتحسس توجهات الرأي العام في ظل مناخ مصادرة الحريات في مصر، غير أن العنوان صار واضحاً صريحاً: "لا وقت"!

لم تكن مصر خلال أي من تلك السنوات بلا سلطة مركزية، أو تعاني من انفلات مجتمعي يعيق الإدارة السياسية للملف الأشد خطورة. وعلى الرغم من ذلك، لم تشهد تلك السنوات الكثير من الخطوات التحفيزية. وفي نيسان/ أبريل 2011، زار إثيوبيا وفد شعبي مصري، ضم وجوهاً رئيسية في ثورة يناير، كرسالةٍ تحمل دعوةً للحفاظ على حقوق مصر التاريخية في النيل، وتؤكد في الوقت نفسه على ضرورة التعاون الأفريقي من أجل تحقيق التنمية والسلام لجميع الشعوب.

____________
من دفاتر السفير العربي
مسألة المياه / سدّ النهضة
____________

بديهياً، لا يتوقع عاقلٌ أن تكون الأجهزة المخابراتية بعيدةً عن مساحات الرصد، وقد تصل للتحريك غير المباشر، إلا أن خطورة الموقف جعلت المتابعين ينتظرون تحركاً رسمياً يضاهي حجم الخطر، ولا سيما أن المصريين اختاروا رئيسهم في العام 2014 من أجل الأمن والاستقرار أولاً. وجاءت أولى النُذر مع الصورة الشهيرة لمطالبة الرئيس المصري لنظيره الإثيوبي بـ "القسم" بعدم إيذاء المصريين، وتوقيع "إعلان المبادئ الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان" في آذار/ مارس 2015.

نص هذا الاتفاق، من ضمن ما نص (1) ، على:

-مبدأ التنمية: الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، المساهمة في التنمية الاقتصادية، الترويج للتعاون عبر الحدود، والتكامل الإقليمي من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يُعتمد عليها (مادة 2).

-مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن: سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في "ضرر ذي شأن" خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسي. على الرغم من ذلك، وفي حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضرٍرة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً (مادة 3 ).

- مبدأ التسوية السلمية للمنازعات: تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير، أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/ رئيس الحكومة (مادة 10).

تواجه البنود الثلاثة أعلاه انتقادات رئيسية باعتبارها مدخلاً أفضى لتكوّن المشهد الحالي. ففيما يتعلق بالتنمية، قال بيان صادر باسم "الجبهة الشعبية للدفاع عن النيل" (تضم أحزاباً سياسية ومختصين وشخصيات عامة ومؤثرين ومواطنين عبر التوقيع المباشر): "تيقّن المصريون عبر تصريحات المسؤولين الإثيوبيين من نية ارتهان مياه النيل الأزرق (التي تشكل 85 في المئة من المياه الواردة إلينا) بيد دولة واحدة، تمنعها وتمنحها وقتما شاءت على نحو متناسب أو غير متناسب مع حاجاتنا، وطاقة وقدرة سدودنا وقناطرنا، بما يتيح لإثيوبيا التحكم في النهر من المنبع، وإقامة مشروعات عليه دون موافقة دولتي المصب مصر والسودان، في الوقت الذي لا تعاني فيه إثيوبيا من أي فقر مائي، بل تهدر عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه دون استخدام، كما ترفض في الوقت نفسه بدائل التنمية المشتركة لصالح جميع شعوب دول حوض نهر النيل".

لم تكن مصر، خلال السنوات التي مهدت لبناء السد، بلا سلطة مركزية، ولكنها لم تشهد الكثير من الخطوات التحفيزية. وفي نيسان/ أبريل 2011، زار إثيوبيا وفد شعبي، ضم وجوهاً رئيسية في ثورة يناير، حاملاً دعوة للحفاظ على حقوق مصر في النيل، ومؤكداًعلى ضرورة التعاون الأفريقي من أجل تحقيق التنمية والسلام لجميع الشعوب.

أما عن مبدأ "الضرر ذي الشأن"، فنقرأ من البيان ذاته: "إن الإصرار على زيادة سعة سد النهضة (الذي أقيم ضد قواعد القانون الدولي، والاتفاقيات الدولية الجماعية والثنائية الخاصة بنهر النيل) عن 14 مليار متر مكعب، وهي السعة الكافية لإنتاج الكهرباء التي تدّعي إثيوبيا حاجتها إليها، والتي قدمت مصر بدائل توفيرها، لهو برهانٌ أكيد على قصد الإضرار بحقوق مصر التاريخية، ومصالحها المائية إلى الحد الذى يهدد وجودها. إذ تعتبر مصر واحدةً من أكثر الدول جفافاً في العالم، ويؤمن نهر النيل 98 في المئة من احتياجاتها المائية. إن المصريين يرون بعين اليقين أن استكمال بناء هذا السد، وزيادة سعته إلى 74 مليار متر مكعب يشكل خطراً داهماً على الوجود الحضاري والبشري لمصر ذاتها، كما يمتد لجعل " المياه" أداة تهديد وضغط استراتيجية على الاستقلال الوطني للدولة المصرية، كما يؤدي إلى انتقاص السيادة الوطنية، وارتهان القرار الوطني المصري فضلاً عن كونه تهديداً لحقوق الشعب المصري في الحياة".

ويعتبر الاختلاف حول تعريف الضرر هو محل الخلاف الرئيسي داخل مصر، في حين أصبح النقاش حول "التسوية" مساحة شبه اتفاق. فقد أعلنت الحكومة المصرية أكثر من مرة فشل المفاوضات نتيجة تعنت الجانب الإثيوبي، تبعتها في ذلك السودان، وما بين هذا وذاك، يلقي نص الاتفاق بظلاله، حيث جعل التفاوض والتسوية سبيلاً وحيداً للحل من ضوء إعطائهما صفة "الإلزام"، ففشلت الوساطة الأفريقية عدة مرات، ولم تفضي الأمريكية إلى شيء حتى الآن .

وفي ملمح عام، يواجه الاتفاق انتقادات حول عموميته، ولدى البعض "ميوعته"، كمثل إغفاله ما كان يمكن النص عليه بوضوح من حظر مبدأ تسعير المياه، والسماح بالاستفادة من أعمال هذا السد خارج حدود الإقليم أو المصب، وذلك في إشارة لمخاوف حول الدور الصهيوني الداعم، علانية، للحكومة الإثيوبية وأغراضه الأبعد المتعلقة بمد مياه النيل إلى الأرض المحتلة.

على مستوى البناء، فقد بدأ بشكلٍ فعلي بعد توقيع الاتفاق السابق ودخول أطراف دولية. فقد رصدت مجلة "إيكونومي بلس" على سبيل المثال قائمة الدول الممولة والمشاركة في عملية بناء سد النهضة الإثيوبي عبر شركاتها متعددة الجنسيات، وأذرعها التمويلية من خلال البنوك، وهي قائمة تضم جنسيات شركات ألمانية وإيطالية وصينية بتكلفة تخطت 8.4 مليار دولار . (2)

 ليس هذا فقط، بل انخرطت كل من المملكة السعودية والإمارات في ذلك على الرغم من كونهما الحليفين اللذين اختارهما النظام المصري الحالي منذ اللحظة الأولى.

 بناءً على هذا كله، تمكنت إثيوبيا في 2020، وبشكل منفرد (قبل توقيع اتفاق ملزم) بعملية الملء الأول، والذي ترتب عليه تخزين 4.9 مليار متر مكعب قالت الحكومة الإثيوبية إنه يمثل 6.6 في المئة من مجمل الكمية المستهدف تخزينها بعد استكمال أعمال البناء، وهي 74 مليار متر مكعب تمتد على مرحلة زمنية من 5 إلى 15 عاماً لتوليد كهرباء بسعة مخططة تبلغ 6.45 جيغاواط ، وأعلنت عن بدء توليد أولى الكميات في آذار/ مارس 2021.

حافة اللحظة

هم يسيرون على قدمٍ وساق. فلعلها اللحظة وحدها تكون قادرةً على توحيد الصفوف الداخلية مهما تباينت النوايا والظروف. ففي وتيرة متسارعة، تتلاحق التصريحات الرسمية في مصر نحو التصعيد. لم تعلن عن نيتها استخدام حقها الشرعي إزاء أي تصرف منفرد، لم تعلن عن نفاذ مساعيها الدبلوماسية، لم تعلن عن أفق للحل، ولكنها في الوقت نفسه تتحدث عن أن اللحظة حرجةٌ، ولم تعد تحتمل بقاء الأمور على حالها.

انخرطت كل من المملكة السعودية والإمارات في تمويل المشروع الاثيوبي لبناء سد النهضة، على الرغم من كونهما الحليفين اللذين اختارهما النظام المصري الحالي منذ اللحظة الأولى.

في تصريح غير بعيد، قال الرئيس المصري "النيل خط أحمر واللى عايز يجرب يقرب"، وفى تصريح أخير قال: "من أول لحظة توليت فيها المسؤولية قلت إني أتفهم التنمية للشعب الإثيوبي ولأي شعب، من حق الشعوب إنها تعيش، ولكن وهي بتعمل ده ميكونش على حساب حياة الآخرين".

جاء هذا التصريح وما لحقه من تصريحات لمسؤولين عن الملف خلال اجتماعات للوزراء العرب لإعلان دعم الموقف المصري والسوداني. غير أن هذه الموجة نفسها جاءت بعد تصريح باهت لوزير الخارجية أثار حفيظة الكثيرين قال فيه: "نسعى للوصول لاتفاق منعاً لتأزم العلاقة مع الأشقاء في إثيوبيا والتصعيد المترتب على ذلك، ولكن لدينا رصيدٌ من الأمان متوفراً بخزان السد العالي، وثقة في أن الملء الثاني لسد النهضة لن يؤثر على المصالح المائية المصرية، ونستطيع أن نتعامل معه من خلال الإجراءات المحكمة في إدارة مواردنا المائية، وأي تفاقم للأمر مرتبط بوقوع الضرر، وسوف نستمر في التعامل مع الأمور دون الحاجة لتصعيد، طالما أنه ليس هناك ضرر على الأمن المائي".

تسبب هذا التصريح في بلبلة في الإعلام المصري الخاص والعام، الذي يسوس موقفه وفق توجه بوصلة التصريحات الرسمية. فهل نحن على حافة الخطر، أم إننا نملك زمام الأمر؟ سريعاً تمّ الربط بين هذا التصريح وصور للأقمار الصناعية تقلل من احتمالات إقدام الجانب الإثيوبي على استكمال الملء، حتى الحد المعلن عنه لعدم اكتمال أعمال البناء بالمنطقة الوسطى من جسد السد، وأن ما تم بناؤه فعلياً لا يزيد عن 4 ـ5 أمتار على عكس ما هو معلن، وبناءً عليه لن تتمكن من تخزين ما يزيد عن 2 مليار متر مكعب.

تبلغ حصة السودان من مياه النيل، وفق اتفاقات دولية سارية، 18.5 مليار متر مكعب تهدر منها 6.5 ملياراً نتيجة ضعف الإمكانيات التقنية، وتقدر موارد المياه الجوفية بحوالي 15,2 تريليون متر مكعب. هذا المخزون الاستراتيجي يمثل أكثر من 200 ضعف إجمالي تدفقات المياه من النيل. وحصة مصر 55.5 مليار متر مكعب كمصدر رئيسي للمياه فيها بما نسبته 98 في المئة.

وقد أصدرت وزارة الموارد المائية والري بياناً بخصوص مناسيب الفتحات بسد النهضة الإثيوبي ذهبت فيه عبر الأرقام للقول أن السيناريو الأقرب للتحقق أنه لن يتخطى تخزين 15 مليار خلف السد. وجاء في النص: "لكي تقوم التوربينات السفلى بتوليد كهرباء، فإن الأمر يتطلب أن يكون أقل منسوب للمياه المحجوزة أمام السد عند منسوب "560" متراً، والمناظر لإجمالي حجم تخزين حوالي 4 مليار. كما يتضمن السد 11 فتحة مخارج للتوربينات العليا تقع على منسوب "578" متراً. ولكي تقوم التوربينات العليا بتوليد الكهرباء فإن الأمر يتطلب أن يكون أقل منسوب للمياه المحجوزة أمام السد عند منسوب "590" متراً، والمناظر لإجمالي حجم تخزين حوالي 15 مليار، وهذا يعني أن فتحات تمرير المياه تقع على منسوب أقل من أقصى منسوب للسد بمقدار يتراوح بين 103 إلى 67 متراً، وأن القدرة الاستيعابية لعمل هذه الفتحات على مدار العام يمكنها من تصريف التصرفات السنوية للنيل الأزرق".

تطور موقف الحكومة السودانية من الدعم القوي قبل سنوات تحت عنوان "التنمية المشتركة" إلى إعلانٍ تلقى"طعنة في الظهر"، وذلك مع استكمال أعمال الملء الأول، فأعلنت الحكومة رصد تراجع منسوب المياه عند محطة الديم الحدودية مع إثيوبيا قرابة 90 مليون متر مكعب يومياً، وهو ما أرجعه البيان إلى إغلاق بوابات سد النهضة. وتبلغ حصة السودان من مياه النيل وفق اتفاقات دولية سارية 18.5 مليار تهدر منها 6.5 مليار نتيجة ضعف الإمكانيات التقنية، وتقدر موارد المياه الجوفية بحوالي 15,2 تريليون متر مكعب، وهي توجد في نصف مساحة السودان. هذا المخزون الاستراتيجي يمثل أكثر من 200 ضعف إجمالي تدفقات المياه من النيل. وحصة مصر 55.5 مليار متر مكعب كمصدر رئيسي للمياه فيها بما نسبته 98 في المئة.

وقبل شهرين، أعلنت الحكومة السودانية رسمياً، على غرار الحكومة المصرية، فشل المفاوضات. إلا أنها عادت منذ فترة قريبة للإعلان عن احتمال القبول بـ"اتفاق مرحلي" مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، بشروط تضمن استمرار التفاوض، بحسب ما قال وزير الري السوداني.

على صعيد آخر، تتواتر الأنباء عن مناوشات ومواجهات محدودة على الحدود الإثيوبية السودانية في إقليم القفشة، ويدور نقاش معلن على المنصات المختلفة حول الدور المصري في ذلك، بهدف خلق مساحات ضغط على الجانب الآخر لضفة النهر.

في السودان، قالت "قوى إعلان الحرية والتغيير" في بيانٍ لها عقب الاجتماع مع ممثلي الحكومة في التفاوض حول سد النهضة: "لا نقبل السياسات الأحادية وفرض الأمر الواقع والإضرار بالمصالح الحيوية لبلادنا، نرفض تحويل السد الذي شيد بالدعم والتعاون الثنائي إلى أداة للهيمنة والسيطرة، ووسيلة سياسية لتعديل التوازنات الإقليمية، لتحقيق أهداف تتجاوز الأهداف المعلنة للمشروع والمتمثلة في توليد الكهرباء".

وفي تعليق حول حقيقة الدور الأمريكي الذي يتزعم أعمال التفاوض الآن، قال البروفيسور كاميرون هاديسون، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما: "الأولوية الآن للوساطة حول مصير إقليم تيغري الذي تتسارع حدة المواجهات فيه، أما سد النهضة فهو غالباً مرتهنٌ بالتطورات على الأرض". جاء تصريحه كإقرار لا غبار عليه عن السبل التي يفهمها العالم لفرض حقائق والدفاع المباشر عنها.

من جانبها تستمر الحكومة الإثيوبية في إطلاق التصريحات الثابتة على موقفها، والذاهبة به إلى أقصى درجات المواجهة، بدايةً من إعلان بدء الملء الثاني وفق الجدول الزمني المسبق (في تموز/يوليو 2021) ووصولاً إلى إعلان أن سد النهضة ليس الأخير، ولكنه بداية لسلسلة من السدود لاستكمال طموح البلد الاقتصادي في مشروع تنموي كبير.

حدود القادم

على الرغم من استمرار الإشارة إلى احتمال محدودية الملء المتوقع هذا الصيف، يبقى عامل الخطر لامعاً كالسيف، ويبقى التساؤل: ما الخطوة الوشيكة القادمة؟

في السودان، قالت "قوى إعلان الحرية والتغيير" في بيانٍ لها عقب الاجتماع مع ممثلي الحكومة في التفاوض حول سد النهضة: "لا نقبل السياسات الأحادية وفرض الأمر الواقع والإضرار بالمصالح الحيوية لبلادنا، نرفض تحويل السد الذي شيد بالدعم والتعاون الثنائي إلى أداة للهيمنة والسيطرة، ووسيلة سياسية لتعديل التوازنات الإقليمية، لتحقيق أهداف تتجاوز الأهداف المعلنة للمشروع والمتمثلة في توليد الكهرباء"، ودعا البيان كافة القواعد السياسية والاجتماعية السودانية للاصطفاف الواسع حول التأكيد على سودانية إقليم الفشقة، وسيادة السودان على أراضيه ومياهه. في مصر، لا شيء غير الهوة. لا حوارات ونقاشات سياسية ومجتمعية معلنة حول الأمر.

حتى الآن لا شيء يلوح في الأفق. تأتي كافة الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، في بلد يملأ شوارعه الضجيج ويفرغ قلبه الصمت. وإلى أن تلتقي يوماً طموحات التحرر بالحرية، يبقى أمن النهر قضيةً وجودية على حافة التعتيم والقهر والخطر، تحاصرها حفنة احتمالات يُطْبق عليها جميعاً ضيقُ حيز الوقت. 

"إما حلٌّ سلمي حقيقي أو حل عسكري متاح"، كان عنوان رسالة موجهة للسلطة بثها النائب البرلماني السابق رئيس حزب الكرامة "أحمد الطنطاوي"، وهو ضلع رئيسي في قوى المعارضة داخل مصر، ومن مؤسسي "الجبهة الشعبية للدفاع عن النيل" داخل مصر. أما خارجها فتتبنى جماعة الإخوان المسلمين وروافدها الإعلامية والسياسية المختلفة موقفاً مشابهاً عدا في الحديث عن ضرورة "وحدة الصف" في مواجهة تلك القضية الحرجة، وهو ما حرصت عليه المعارضة داخل مصر بقدرٍ كبير وكررته أكثر من مرة، فقال المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، "أمام هذا الواجب يتضاءل كل خلاف. لا وقت لمكايدة أو تلاوم. في مواجهة الخطر يجب أن نكون على قلب رجل واحد".

فهل تعلن الدولة المصرية عن منحًى جديد خلال الفترة القادمة المحدودة؟ هل تستفيد دولياً مما يمكن تسويقه عن الاستنفار الشعبي ضد الخطر الجاثم؟ هل تستثمر إمكانات المجتمع المدني من أحزاب سياسية وجماعات ضغط ومؤسسات حقوقية في الداخل والخارج للضغط من أجل خلق رأي عام دولي حول القضية التي يتفق كل المصريين على كونها عادلة؟

***

حتى الآن لا شيء يلوح في الأفق. تأتي كافة الرسائل والبيانات والمناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، وكلٌّ يتحدث من بيته ولا يأمن داخله، في بلد يملأ شوارعه الضجيج ويفرغ قلبه الصمت. وإلى أن تلتقي يوماً ما طموحات التحرر بالحرية، يبقى أمن النهر قضيةً وجودية على حافة التعتيم والقهر والخطر، تحاصرها حفنة احتمالات يُطْبق عليها جميعاً ضيقُ حيز الوقت. فلعله وحده يوحدها، يصهرها، ينضج إحداها، فتفرض حضورها القوي على سواها. 

______________

1) لقراءة النص كاملاً
2) للإطلاع على القائمة تفصيلاً  

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...