تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
"علاجات أعشاب طبيعية للمعالج سيد علي الموالي المشعشعي". هذا كله اسم صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. "سيد علي" الذي يعتمرُ عقالاً، ويسكن مدينة السماوة في محافظة المثنّى (270 كم جنوب بغداد)، حقق شهرةً لم يكن يحلم بها، والسبب مقطع فيديو يُظهره وهو يستخدم طرائقه بعلاج مصابين كبار في السن من فيروس كورونا: كان ينتزع الكمامات من على وجوه المرضى بأسنانه، ويُقبلُ أفواههم بطريقة استعراضية، أراد بها إيصال فكرة تفوّقه وانتصاره.
لم ينعم "سيد علي" بشهرته الجديدة. فبعد تداول المقطع في مواقع التواصل الاجتماعي وانتشاره، أُلقي عليه القبض، وقال إعلام القضاء في بيان إن محكمة تحقيق السماوة صدّقت أقواله، واتخذت الإجراءات وفقاً لأحكام المادة 368 من قانون العقوبات، "كونه أقدم على خداع وإيهام المواطنين بأنه قادرٌ على معالجة المصابين بكورونا وبقية الأمراض بواسطة الأعشاب دون موافقات رسمية".
بعد الإفراج عنه بكفالة، ظهر "سيد علي" في مقابلة تلفزيونية حاملاً نسخة من المُصحَف. كان حزيناً باكياً، ولم يُخفِ تفكيره بالانتحار. كان يستنكر التعامل معه كما لو كان "إرهابياً"، في إشارة لطريقة اعتقاله.
تحدّث أيضاً عن العُشبة التي اعتمدها في معالجة قاصديه المصابين بالفيروس: "بعد إصابة ابني وتأزُّم حالته، تذكرتُ عشبةً كان يستخدمها أجدادنا في معالجة الأغنام المريضة". كذلك قال إنه قصد محْجرَ المصابين بالفيروس في محافظته، المثنى، لعلاجهم خلال الموجة الأولى صيف العام الماضي 2020، مدّعياً معالجة "مسؤولين وضباط كبار" في المحافظة.
سيرة الجهل.. ذنبُ مَن؟
ليس "سيد علي" التجربة الأولى في مجال محاربة كورونا بالخرافة: بعد أيام من ظهور الداء لأول مرة في العراق في 24 شباط /فبراير 2020، انتشرت بين الناس معلومةُ أنّ "الحرمل" يقضي عليه، فَفتحت الباب أمام سيلٍ من الخرافات الأخرى التي لن تكون طريقة "سيد علي الموالي المشعشعي" آخرَ أطوارها.
حتى مع فتك الفيروس بالبشر في كل العالم، وبعد أكثر من عام على ظهوره في العراق، ما زال كثيرون يعتقدون أنه بدعةٌ سياسية صنعها "الغرب الكافر" للسيطرة على مقدراتنا.
وهنالك أنصاف المصدّقين، أولئك الذين يقرّون أن الفيروسَ "فيروس من صدك" (عن حق)، لكنّهم يبتدعون لا مبالاتهم الخاصة بهم، ليتجاهلوا أهمية الالتزام بطرق الوقاية. فمثلاً، في محافظة السليمانية في إقليم كردستان شمال العراق وهي واحدةٍ من أكثر مناطق العراق هدوءاً وأمناً وتقدماً في الخدمات الصحية - بالمقارنة مع باقي الأماكن العراقية الغارقة بالكوارث - ستكون محطَّ أنظار الناس إذا تجوّلتَ مرتدياً كمامة وجه، ولن تجد كثيرين يرتدونها، فتحتمي بتشابهك معهم.
ليس "سيد علي" التجربة الأولى في مجال محاربة كورونا بالخرافة: بعد أيام من ظهور الداء لأول مرة في العراق في 24 شباط /فبراير 2020، انتشرت بين الناس معلومةُ أنّ "الحرمل" يقضي عليه، فَفتحت الباب أمام سيلٍ من الخرافات الأخرى.
لا ذنب للمجتمعات والناس بما أصابهم. وهي فكرة أستلُّها لقراءة الحالة المجتمعية العراقية إزاء الداء المميت.
لماذا يغيب الوعي الصحي عن المجتمع العراقي؟
الإجابةً على هذا السؤال تستدعي مجموعةً أخرى من الأسئلة، لعلها هي الجذر: لماذا يتراجع مستوى الرعاية الصحية، وتتردى الصحة العمومية؟ لماذا لا يتمتع العراقي بمستشفيات، ومراكز صحية صالحة للاستخدام البشري؟ كيف يسكن ويشرب وما حالة البنية التحتية الاساسية في البلاد؟ لماذا تتراجع الصحة المدرسية، بل لماذا تغيب تماماً؟... إلى آخر الأسئلة التي تنتهي عند إجابة واحدة كبيرة: إنها السلطات المتعاقبة على حكم العراق بالقوة والفساد.
التجهيل من أجل البقاء
مؤخراً، أثار خروج العراق من "المؤشر العالمي لجودة التعليم عن عام 2021" الرأي العام العراقي، حتى أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق اعتبرت هذا الخروج "انتكاسةً للمنظومة التعليمية وتراجعاً في مستوى التعليم"، على الرغم من أنّ العراق كان غائباً عن هذا التصنيف أغلب السنوات الماضية. ولطالما اعتبرت سلطاتُه هذا الغياب عادياً، وليس مؤشراً على فشلها في خلق مؤسسات تعليمية جيدة. وبالطريقة نفسها، فهي تتعامل مع تغييبها العراق عن مؤشرات جودة كل شيء في الحياة، وتحتفل إذا حضر، دون النظر إلى تذيّله. هكذا تصنع السلطات المتعاقبة في العراق "اللا وعي" الصحي، وكذلك اللا حياة.
حتى مع فتك الفيروس بالبشر في كل العالم، وبعد أكثر من عام على ظهوره في العراق، ما زال كثيرون يعتقدون أنه بدعةٌ سياسية صنعها "الغرب الكافر" للسيطرة على مقدراتنا.
ربما سيكون مدعاةً للدهشة، إذا علمنا أن في العراق قانوناً للصحة العامة " قانون الصحة العامة رقم 89 لعام 1981". لكنه فعلياً "مجرّد" قانون فقط؟ خُصّصَت المادة 9 من القانون بكاملها للصحة المدرسية، ونصّت على:
أولاً – "توفير بيئة صحية مناسبة للدارسة"، وليس هنالك بيئة مناسبة ولا صحية لدرجة عدم توفّر حمامات صالحة في المدارس.
ثانياً – "تقديم خدمات صحية وقائية للأطفال والتلامذة والطلبة والعاملين معهم"، لكن في الحقيقة لا يُقدّم أي شيء أبداً، إلا بعض حملات التلقيح المحدودة، ولا تتوفر في المدارس الحكومية أية أدوات إسعاف أوّلي، مثلاً.
ثالثاً – "تضمين الجوانب الصحية والبيئية في المناهج الدراسية ومن خلال العملية التربوية". لكن سلطات المحاصصة والمليشيات عوّضت مناهج صدام بمناهج محاصصاتية، مررت من خلالها رموزها وأيدلوجياتها، ولم تفكر أبداً بالوعي الصحي للأطفال.
العراق 2021: العيب
06-05-2021
الإصدار الأول من سلسلة "كتب السفير العربي": الفساد والنهب في ممارسة السلطة
05-05-2021
ينشأ العراقي في بيئة تدّعي أنها تؤثث وعيه بأهمية الصحة والعلم، لكنها تهمل كل ما تعلن، فتدفعه نحو الخنوع والتحوّل إلى مجرد رقمٍ في قطيع المجتمع المدجّن، شاهداً على نكث السلطة لعهودها وكسرها للقوانين، حتى أنه إذا تأمّل ما حوله قليلاً سيجد أن كلّ فقرات "قانون الصحة العامة" بدءاً من مادته الأولى التي تنص على أن "اللياقة الصحية الكاملة، بدنياً وعقلياً واجتماعياً، حق يكفله المجتمع لكل مواطن، وعلى الدولة أن توفر مستلزمات التمتع به لتمكنه من المشاركة في بناء المجتمع وتطويره".. مروراً بالمواد الأخرى، كالثالثة التي تتشعّب إلى صحة الأسرة والطفولة والأمومة والشيخوخة والصحة النفسية واللياقة البدنية وتوفير الأدوية وبناء المؤسسات وتأمين المستوى الغذائي للفرد والمجتمع، ولن يكون بحاجة لفحص المادة التاسعة الخاصة بنُكتة الصحة المدرسية، أو فحص مدى التزام السلطات بها.
ليست صحة المجتمع أو الفرد، أولويةً للسلطات في العراق، وليس تثقيف المجتمع ورفع وعيه كذلك، وهذه بالذات، ستضرّ بمشروعهم الأكبر، مشروع المتاجرة بالخرافة والفضيلة.
الانفجار قادم
على طريقة الـ"يجي يجيب رزقه وياه" يرافق هذا التجهيل المتعمّد، نموٌ سكانيٌ يجتاز حدّ التضخّم، ويتجه نحو الانفجار بسرعة كبيرة: تجاوزت نسبة النمو السكاني، حسب وزارة التخطيط العراقية، حاجز الـ 3 في المئة، وتعدّى عدد سكان العراق 41 مليوناً، ويزداد تعداد العراقيين أكثر من مليون نسمة في العام الواحد، حتى بلغ مؤشر الكثافة السكانية 89.9 نسمة في كل كم مربع واحد عام 2018. ووفق تصريح لوزير التخطيط، فإن عدد السكان الحالي في العاصمة العراقية بغداد وحدها، يبلغ 9.5 مليون نسمة، ويصل خلال فترات النهار إلى 13 مليوناً نظراً لداخليها الذين ينشطون فيها من سكّان المناطق والمحافظات الأخرى.
يتوزع غالبية الملايين الـ9.5 على أحياء ضيقة ومصممة لاستيعاب رُبع هذا الرقم، فيما تحتوي العاصمة على نحو أربعة ملايين سيارة، الأمر الذي يجعل بغداد مزدحمةً دائماً. ولم تعد المساكنُ متوافرة بكثرة، خصوصاً في المناطق القريبة من مركز المدينة، أو المجاورة للمؤسسات الحكومية العراقية المهمة، مثل الوزارات ودوائر الجنسية أو الأسواق التجارية. وإذا توفّرت، فستكون بأسعار وبدلات إيجار مرتفعة جداً.
في أيار /مايو 2020، تبنّت لجنة المرأة والأسرة في البرلمان العراقي مقترح وضع خطّة لتوزيع منح مالية على الشباب المتزوجين بمقابل موافقتهم على "تحديد النسل وتنظيم الأسرة"، وحذّرت من أن البلاد تتجه نحو "انفجار سكاني" في حال لم يُعالَج الأمرُ سريعاً. لكنه – المشروع - لم يتعدّ حاجز التصريحات والتحذيرات. فلا وفرة مالية تسمح بذلك، ولا استعداد ثقافي عند المجتمع لتقبله والتعاطي معه.
هذا العدد المتضخّم من سكان العراق يعيشُ في مساحات شديدة الضيق، نظراً لأزمة السكن المتزايدة.
العيش في "اللا مساحة"
دفعت هذه الأزمة العراقيين للجوء إلى حلول مؤقتة أو ترقيعية. فمثلاً صارت ظاهرة انشطار البيوت، وتقسيمها إلى بيوتات صغيرة ظاهرةً عادية، حتى وصلت مساحات بعض البيوت إلى 30 متراً مربعاً فقط، الشيء الذي يُسهم مع عوامل أخرى في تبخر ملامح المدينة. ويمكن اعتباره تضحية بالهوية العمرانية لها من أجل تأمين سكنٍ، وإن لم يكن صالحاً. وتنامت على هوامش المدن وفي مساحاتها الخضراء، أحياء عشوائية ضخمة، تجاوز عدد سكانها في العراق 3 ملايين نسمة حسب الجهاز المركزي للإحصاء.
يجتاز النمو السكاني حدّ التضخّم، ويتجه نحو الانفجار بسرعة كبيرة: تجاوزت نسبته حسب وزارة التخطيط العراقية، حاجز الـ 3 في المئة، وتعدّى عدد سكان العراق 41 مليوناً، ويزداد تعداد العراقيين أكثر من مليون نسمة في العام الواحد..
بمقابل ذلك، لا تنمو مشاريع الإسكان - التي تطلقها الدولة أو توفر فرص استثمارها - بإيقاع يتناسب مع تزايد الطلب عليها، وليست بمعزلٍ عن سوق العقار العراقي: إنها مرتفعةٌ أيضاً، ولا تسدّ الحاجة.
يفتقر العراق بكل محافظاته إلى منظومة نقل جماعي داخلي كالمترو أو الترام، ويعتمد الناس في النقل إما على سياراتهم الخاصة أو التاكسي، والتي تجاوز عددها ما يمكن للطرقات والبيئة استيعابه، أو عن طريق الباصات وسيارات النقل الجماعي وأغلبها عبارة عن سيارات "كيا" أو هكذا عُرفت، لأن أول نوع عُرف من هذا التصميم كان من شركة "كيا" الكورية، وهي سيارات ضيقة تتسع ل 11-14 مقعداً في الغالب.
وكذلك يستخدم الناس، على نحوٍ ضيق، سيارات الباص الكبيرة، وهي غالباً مملوكة للشركة العامة لنقل المسافرين والوفود التابعة لوزارة النقل العراقية، والتي يبلغ عدد باصاتها حسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء عام 2019، 1891 حافلةً، منها 576 حافلةً ذات الطابقين. وبلغ طول شبكات السكك الحديد في العراق 2893 كم في سنة 2019، استخدم قطاراتها 435 ألف مسافر فقط، بمقابل 529 ألف مسافر في 2018 بانخفاض 17.8 في المئة.
في النهاية، يعود العراقي بعد رحلة مضنية في شوارع بلده المتهالكة، إلى بيته - وقد لا يعود - ليبدأ رحلة أخرى من العناء، يفتتحها انقطاع الطاقة الكهربائية، ولا شيء ينهيها.
اللا خدمات
بالمجمل، يعاني العراقيون، بمختلف جنس سكنهم، بشكل مضاعف إثر النقص الحاد بالخدمات التي يجب على الدولة توفيرها، وتعاني مناطقهم تقادمَ بنيتها التحتية وعدمَ كفايتها.
مع كل زخّة مطر، وأحياناً من دونها، تفيض مجاري المناطق العراقية، بلا استثناء، حتى أن بعض الأحياء الفخمة تتضرر بشكل أكبر من تلك الشعبية، فيضطر المواطن لتحويل غضبه إلى سخرية، مُبتكِراً طرقَه الخاصة باختراع الزوارق والـ"مشاحيف" في محاولة لعبور وجعه.
لم تتجاوز نسبةُ ما عالجته محطات المياه الثقيلة 60 في المئة من المياه العادمة المتولّدة في العاصمة المختنقة... ما ينتهي ببعض أنابيب المجاري في الأنهر، مساهِمةً برفع نسب تلوث المياه، التي يعاني العراق شُحاً فيها، وتنقطع لساعات عن البيوت خلال اليوم.
حسب وزارة التخطيط، فإن نسبة السكان المخدومين بشبكات المجاري العامة المشتركة يبلغ 34.5 في المئة، ونسبة السكان المعتمدين على نظام المعالجة المستقلة البدائي 55.5 في المئة (نظام يعتمد على تخزين المياه الثقيلة في قبو لا منفذ له ثم تفريغه عند امتلائه). وتصلُ نسبة المخدومين بمحطات المعالجة 30 في المئة فقط من السكان، وأما نسبة السكان غير المخدومين تماماً بأي نوع من المجاري فهي 10 في المئة، في حين يتمتع 41.7 في المئة فقط من سكان العراق بمياه شبكات الأمطار.
____________
من دفاتر السفير العربي
العراق ينتفض: أريد حقي، أريد وطناً!
____________
ولا تعتبر المناطق المخدومة بشبكات المجاري أو مياه الأمطار بمعزل عن الأزمة. فهي شبكات قديمة، يصل عمر أغلبها لأكثر من 40 عاماً، صُممت لأقلّ من نصف عدد المساكن والسكّان. هذا غير أن هنالك مشكلةً أخرى تتمثل بمعالجة المياه الثقيلة: في العراق يبلغ عدد محطات المعالجة المركزية ووحدات المعالجة المتوسطة والصغيرة 64 محطةً، ويوجد في بغداد العددُ الأكبر منها: 11 محطة. وفي عام 2019، لم تتجاوز نسبةُ ما عالجته 60 في المئة من المياه العادمة المتولّدة في العاصمة المختنقة... ما ينتهي ببعض أنابيب المجاري في الأنهر، مساهِمةً برفع نسب تلوث المياه، التي يعاني العراق شُحاً فيها، وتنقطع لساعات عن البيوت خلال اليوم.
تتحول بعض منافذ المجاري إلى مكبّات كبيرة للنفايات، كما تحول الجزء الذي لم تتمدّد عليه العشوائيات من المساحات الفارغة، التي صُممت كمتنفسٍ للمدن، إلى مكبّات كبيرة لتراكم النفايات.
حسب وزارة التخطيط، فإن نسبة السكان المخدومين بشبكات المجاري العامة المشتركة يبلغ 34.5 في المئة، ونسبة السكان المعتمدين على نظام المعالجة المستقلة البدائي 55.5 في المئة (نظام يعتمد على تخزين المياه الثقيلة في قبو لا منفذ له ثم تفريغه عند امتلائه). وتصلُ نسبة المخدومين بمحطات المعالجة 30 في المئة فقط من السكان.
في عموم العراق، هناك 67 موقعاً رسمياً مخصصاً لمعالجة النفايات، بينما يبلغ عددُ المواقع غيرِ المرخّصة فيه 157 موقعاً. جميعُها يعتمدُ أسلوبَ الطمر (يتم دفن النفايات تحت الأرض). وتبلغ نسبة النفايات الاعتيادية التي تُطمر في مواقع غير مرخصة 87.5 في المئة من النفايات في العراق. في وقت 63.6 في المئة فقط من سكان العراق تصلهم خدماتُ جمعِ النفايات. وحتى هذه الخدمة، هي جمعٌ عشوائيٌ غيرُ منتظمٍ، لا يَعزلُ أصنافَ النفايات ولا يلتزمُ بوقت لرفعها من المنازل، ويضطر الأهالي لدفع أجور للعاملين إزاءها. حتى أن مجموعات من عاملي هذه الخدمة تحوّلوا إلى ما يشبه الشركات، يتقاضون رسوماً شهرية مرتفعة من الأهالي بمقابل مرورهم لرفع النفايات.
الحياة المميتة
كل ذلك وأكثر، يُشغل المواطن العراقي ويُدخِلُه في دواماتٍ لا نهائية، بهدف معالجتها فردياً أو إيجاد سبل التعايش معها. وهي - بالاشتراك مع عوامل أخرى- تسهم بتفشي الأمراض والأوبئة وترفع احتمالات الموت متعدد الأسباب، بمقابل مؤسسات حكومية ينشغلُ قادتُها بنفعِ أحزابهم، غير آبهين بصحة المجتمع والمواطن.
وهذا بالضبط ما حدث مع تفشّي فيروس كورونا في العراق، حيث استثمرت أحزابٌ فيه، وحاولت الترويج لنفسها من خلال حملات خاوية، كتوزيع معونات على العوائل المتضررة من الإغلاق العام، وتوفير أسطوانات الأوكسجين أمام عدسات الكاميرات، حتى تحولت هذه الحملات إلى لوحات إعلانية للأحزاب والجهات التي قامت بالحملات (كهيئة الحشد الشعبي)، ملأت الفضاء العمومي، لتذكير المواطن العراقي أنه مدين لهذه الجهات.
الهيئات والأحزاب الإسلامية تسرق العراق
23-06-2020
بمعزل عن داء كورونا والسلاح، هنالك أسباب أخرى دائمة للموت في العراق، أول عشرةٍ منها حسب إحصائية لوزارة التخطيط هي : 1 -أمراض القلب الإقفارية، 2-الأورام الخبيثة، 3-أمراض دماغية، 4 -ارتفاع ضغط الدم، 5 -أشكال أخرى من أمراض القلب، 6 -الفشل الكلوي 7-الحوادث المرورية، 8 –السكري، 9 -اضطرابات قلبية وتنفسية وعائية خاصة بالفترة الولادية للمولود، 10 -أمراض جرثومية أخرى.
استثمرت أحزاب بتفشّي فيروس كورونا في العراق، وحاولت الترويج لنفسها من خلال حملات توزيع معونات على العوائل المتضررة من الإغلاق العام، وتوفير أسطوانات الأوكسجين أمام عدسات الكاميرات..
بلغ مجموع نسبة الوفيات من هذه الأسباب خلال عام 2019 قياساً بمجموع الوفيات العراقية 64.16 في المئة. وتحتاج كلّ هذه الأمراض إلى مؤسسة صحية متكاملة، وقبل ذلك، يحتاج أغلبُها لثقافة صحية رصينة. وهذا ما تُكرر السلطات العراقية فشلَها فيه، الى أن وصلَ عدد وفيات فيروس كورونا إلى 16589 حالةً حتى 8 حزيران/يونيو 2021، في حين ما زال إقبال الناس على تلقي اللقاحات ضعيفاً، وما زالت نسبةٌ كبيرة من المصابين حبيسة البيوت، أو في عهدة "سيد علي الموالي المشعشعي" وأمثاله من الذين يغزون عقول شرائح كبيرة من المجتمع العراقي، وحتى عقول وقناعة بعض قادة العراق الجديد.
محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.