كيف استقبل النظام الصحي في لبنان جائحة كورونا؟

أن يتحوّل "مستشفى رفيق الحريري الجامعي" من مستشفًى حكومي مهمل، لونه الأزرق باهت، يعاني أزمات مادية ولوجستية، ونقص في الصيانة، ويعتصم موظفوه مراراً وتكراراً لنيل حقوقهم ومستحقاتهم... إلى المستشفى الرائد والرئيس في مكافحة وباء كورونا في لبنان، فإن المشهد يختصر بذلك إشكالية النظام الصحي العام في لبنان.
2021-04-20

ملاك مكي

باحثة وكاتبة صحافية من لبنان


شارك
| en
حيدر جبار - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

أن يتحوّل "مستشفى رفيق الحريري الجامعي" من مستشفًى حكومي مهمل، لونه الأزرق باهت، يعاني أزمات مادية ولوجستية، ونقص في الصيانة، ويعتصم موظفوه مراراً وتكراراً لنيل حقوقهم ومستحقاتهم... إلى المستشفى الرائد والرئيس في مكافحة وباء كورونا في لبنان، فإن المشهد يختصر بذلك إشكالية النظام الصحي العام في لبنان.

فخلا بعض المنجزات القليلة في الفترة الأولى من حياة لبنان المستقل، بعضها موروث فعلياُ عن الانتداب الفرنسي، وبعضها الاخر يعود الى مرحلة رئاسة فؤاد شهاب المميزة على صعيد انشاء المؤسسات العامة (1958-1964)، لم تعمل الدولة اللبنانية على تعزيز القطاع الاستشفائي العام.ومنذ نهاية الحرب الأهلية (1975-1990)،لم يتم الاستثمار في تطوير المستشفيات الحكومية، ولم تكتسب المستشفيات الحكومية ثقة المجتمع وناسه في ظل قطاع استشفاء خاص قوي أصلاً، ولم يتوقف عن النمو و.. نهب جيوب اللبنانيين. لم يتعوّد المواطن اللبناني على فكرة أنه يمكن له أن يتلقى علاجاً مناسباً، سريعاً، وفعالاً في مستشفًى حكومي، من دون أن يضطر للدفع النقدي، أو الانتظار على أبواب المستشفيات، أو حتى الموت أمامها. لم تكن (ولم تزل) فكرة الاستشفاء العام المجاني، المتطور، ضرباً من الخيال عند المواطن اللبناني، وليست حقاً أساسياً من حقوق الإنسان: الحصول على رعاية صحية مجانية.

غير أنه مع تسجيل الإصابة الأولى بفيروس كورونا في لبنان، في شباط/فبراير 2020، ومع بدء الانتشار العالمي، وفي ظل خوف وقلق من الفيروس الجديد، غير واضح المعالم، وفي ظل تدابير وقائية واحترازية سريعة ومتخبطة في الغالب، وفي ظل مشاهد الفزع والشوارع الخالية والمطارات المقفلة في مختلف مدن العالم.. نفض "مستشفى رفيق الحريري الجامعي" الغبار عن نفسه، وأصبح المستشفى الأول، المرجع في مكافحة الوباء. وكذلك، بدأت المستشفيات الحكومية الأخرى في مختلف المدن اللبنانية، باختلاف الإمكانيات والتجهيزات - على الرغم من الخارطة الاستشفائية الواضحة في مركزيتها، والمهملة لأطرافها - في التجهيز لاستقبال المرضى ومتابعتهم، بينما تنصّلت المستشفيات الخاصة في العاصمة وفي الأطراف، من مهماتها وواجباتها. تلك المستشفيات الخاصة، التي تغنت على مدى عقود عدة، وفي برامج دعائية عصرية، أنها مستشفى الشرق، وأنها تضمن لزائريها عناية وصحة وعافية، وأنها تواكب التطور وتمتلك أحدث الأجهزة والمشاريع الرؤيوية.

خلال 72 ساعة بعد الاعلان عن الاصابة الاولى في 21 شباط/فبراير 2020، وللتخفيف من خطر انتقال العدوى، تقرّر إنشاء مستشفًى منفصل مخصّص لمرضى الكورونا، معزول عن باقي الأجنحة، وأصبحت له ممرات منفصلة وطواقم طبية خاصة.

وكأن جائحة كورونا شكلت فرصة "انتقامية" للقطاع الصحي العام في لبنان في وجه القطاع الخاص، فرصة لإعادة "التموضع"، وللبرهان على أنه يمكن للقطاع الصحي العام أن يشكل المرجع الصحي والسند للمجتمع، وأن يؤمن للمواطنين مادة "الأوكسجين" بالمعنيين الحرفي والمجازي، وأنه يجب إعادة النظر في السياسات الصحية وتغييرها، وتعزيز القطاع الصحي العام وتطويره، وضمان حق الصحة للجميع.

تجربة هذا المستشفى

قبل سنوات عدة، أجريتُ عملية جراحية في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وهو مستشفًى حكومي، والمستشفى الوحيد الذي استقبلني من دون أن يكون لدي تغطية صحية. وأنا جالسة في سرير المستشفى، تلقيت اتصالاً للاطمئنان من قبل أحد الأصدقاء ليعلق مازحاً " آخرتك مستشفى رفيق الحريري!!".. نسيت العملية الجراحية والتأم الجرح، غير أن الجملة الاستهزائية ظلت عالقةً في ذهني، إلى أن طرح أمر مواجهة الوباء في لبنان.

منذ نهاية الحرب الأهلية (1975-1990)،لم يتم الاستثمار في تطوير المستشفيات الحكومية، ولم تكتسب المستشفيات الحكومية ثقة المجتمع وناسه في ظل قطاع استشفاء خاص قوي أصلاً، ولم يتوقف عن النمو و.. نهب جيوب اللبنانيين. لم يتعوّد المواطن اللبناني على فكرة أنه يمكن له أن يتلقى علاجاً مناسباً، سريعاً، وفعالاً في مستشفًى حكومي.

في 21 شباط/ فبراير 2020، أعلن وزير الصحة العامة في لبنان تسجيل الإصابة الأولى بفيروس كورونا المستجد في لبنان، لدى امرأة كانت على متن طائرة قادمة من إيران، وأن هناك حالتين مشتبهٌ بهما تم نقلهما إلى الحجر الصحي في "مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي"، مع متابعة حثيثة لوضعهما الصحي.

خلال 72 ساعة، وللتخفيف من خطر انتقال العدوى، تقرّر إنشاء مستشفًى منفصل مخصّص لمرضى الكورونا، معزول عن باقي الأجنحة، وأصبحت له ممرات منفصلة وطواقم طبية خاصة.

تحوّل المشهد! من غياب شبه تام للاستشفاء العام والمجاني في أذهان المواطنين وفي سياسات الحكومات، ومن إهمال متعمّد لقطاع استشفائي عام، وللمستشفيات الحكومية، في ظل ميزانيات منخفضة ومحدودة، وفي ظل محسوبيات نفعية سياسية وطائفية تطال جميع المؤسسات الحكومية في مختلف قطاعات الصحة، والتعليم، والبنى التحتية، وغيرها.. إلى تجربة جديدة وفريدة في هذا البلد.

يضمّ المستشفى 433 سريراً، و14 غرفة عمليات. وكان معتمداً من قبل وزارة الصحة العامة، ومنظمة الصحة العالمية، ومرجعاً أساسيّاً لمواجهة الكوارث. إذ تم تجهيز غرفة وحدة إدارة الطوارئ وقسم الأوبئة والأمراض المعدية داخل حرم المستشفى لاستقبال حالات الأوبئة (قبل كورونا)، والكوارث الطبيعية والحروب، إضافةًإلى اعتماد المستشفى مرجعاً أساسياً لطبابة اللاجئين السوريين، وهم أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ في بلد تعداد سكانه لا يتجاوز أربعةَ ملايين نسمة.

ومع تسجيل الإصابة الأولى بفيروس كورونا، جُهزت جميع أقسام المستشفى طبيّاً، فنيّاً وهندسيّاً. نفذت دائرة الهندسة والصيانة، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أكثر من 30 مشروعاً لتأهيل المستشفى، وتابع 14 فريقاً الشؤون الهندسية والمدنية، وتأمين إمدادات الكهرباء والاتصالات، الهواتف، والإنترنت. وتمكّنت هذه الفرق من عزل المستشفى عن الجناح الخاص من خلال آليات عدة، منها مصاعد منفصلة لا تتوقف إلا عند الطوابق المخصصة لكورونا. وخصصت أجهزة غسيل خاصة بالكورونا فحسب. ووضع نحو 80 تلفازاً في الغرف مجهّزة بكاميرات مراقبة. وتمكّن الفريق الطبي والتقني من تجهيز أربعة أجنحة مخصّصة لاستقبال المرضى، تتضمن 80 سريراً، إضافة إلى 25 سريراً في العناية الفائقة، واستحداث غرفة توليد للنساء الحوامل المصابات بالكورونا، وأربعة أسرة حديثة في العناية الفائقة للأطفال الخُدّج. وجهزت أيضاً غرف خاصة بمرضى غسيل الكلى للمصابين بالكورونا.

وخلال 24 ساعة فقط، تم تجهيز قسم طوارئ خاص، وأربع غرف ضغط سلبي للإجراءات الطبية، وغرفة للمراقبة للعناية الفائقة، وتجهيز مبنًى من أربعة طوابق منفصل عن المستشفى، ويتضمن 50 سريراً لمنامة الممرضين والممرضات، ولسكن الأطباء والطبيبات.

وشكّل قسم طوارئ الكورونا مستشفى مصغّراً كان قد تمّ تأهيله، في السابق، بهبة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومؤسسة "أفينا" (مؤسسة خيرية في أمريكا اللاتينية)، وخصص للكورونا.

اهتمت إدارة المستشفى بتدريب العاملين الصحيين على ارتداء الملابس الواقية، وبالتنسيق بين مختلف الأقسام، وبوضع بروتوكولات خاصة معتمدة من قبل دائرة مكافحة العدوى، ومنها على سبيل المثال معالجة النفايات الطبية الخاصة بالفيروس.

منذ العاشر من شباط / فبراير2020، وقبل حتى تسجيل أول حالة بفيروس كورونا، تم تجهيز وتحضير قسم المختبر الطبي، وصار هذا المختبر الأول لفحص فيروس كورونا في لبنان، وطلبت الكواشف من "منظمة الصحة العالمية". ويساعد المختبر في تأمين حملات الترصد الوبائي لوزارة الصحة العامة، وفي إجراء الفحوص للمرضى الذين يجيئون إلى قسم الطوارئ. كما يوزع فحص الضمان والجودة (External quality control) لكل مختبرات كورونا في لبنان المرخصة من قبل وزارة الصحة.

وكأن جائحة كورونا شكلت فرصة "انتقامية" للقطاع الصحي العام في لبنان في وجه القطاع الخاص، فرصة لإعادة "التموضع"، وللبرهان على أنه يمكن للقطاع الصحي العام أن يشكل المرجع الصحي والسند للمجتمع، وأن يؤمن للمواطنين مادة "الأوكسجين" بالمعنيين الحرفي والمجازي، وأنه يجب إعادة النظر في السياسات الصحية وتغييرها، وتعزيز القطاع الصحي العام وتطويره، وضمان حق الصحة للجميع.

كان عدد المستشفيات الحكومية المخصصة لمواجهة فيروس كورونا في المرحلتين الأولى والثانية 12، عدد الأسرة في المرحلة الأولى 343 سريراً، العناية الفائقة 59 سريراً، أجهزة التنفس 57 جهازاً، أما عدد الأسرة في المرحلة الثانية فوصل إلى 1197سريراً.وحالياً(نيسان/أبريل 2021)، يبلغ عدد الأسرّة المخصصة لكورونا في المستشفيات، 2217 سريراً، وعدد أسرّة العناية الفائقة المخصصة للكورونا 1176 سريراً.

خصّص المستشفى مبالغ مادية بدل مستلزمات حماية الطواقم الطبية والعاملين الصحيين، من البدلات الواقية إلى أدوات التعقيم، إذ يحتاج يومياً إلى 150 ليتراً من المعقمات اليدوية، فقام قسم الصيدلة في المستشفى، وبالارتكاز على توصيات منظمة الصحة العالمية، بتصنيع المادة المعقمة وتوزيعها على الأقسام.

فتح المستشفى المجال أمام التطوع في أقسام التمريض، الصيدلة، وتلقى مساعدات من جهات ومنظمات دولية ومنها منظمة الصحة العالمية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والهيئة العليا للإغاثة، وفتح المجال للتبرعات المادية وللتقديمات العينية.

وأُطلق في نيسان /أبريل 2020، مركزٌ مخصص للاتصالاتللاستجابة للطوارئ وذلك بدعم من وزارتي الصحة العامة والاتصالات وهيئة "أوجيرو". وهدف المركز إلى زيادة القدرة على تلقي الاتصالات، وجمع قاعدة معلومات توفر المؤشرات الضرورية للأوضاع الصحية. غير أن هذا المركز لم يعد يعمل اليوم.

شكّل مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي تجربةً رائدة وشجاعة في إمكانية الاستثمار في القطاع العام والوثوق به، وواجه تحديات عدة، منها عدم توافر مادة المازوت بشكل دائم في بعض الأحيان، أو النقص في تأمين المستلزمات الطبية والألبسة الواقية. غير أن الطاقم الطبي والممرضين والممرضات تحدوا القلق والابتعاد عن عائلاتهم، وأظهروا تفانياً واضحاً في سبيل خدمة المرضى وإنقاذهم. وهم من خريجو وخريجات الجامعة اللبنانية ، الحكومية والمجانية، التي غالباً ما كانت، هي الاخرى، موضع إهمال وتشكيك من السلطة.. وهو مشفى "جامعي" يتولى تدريبهم.

في الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير 2021، انطلقت الحملة الوطنية للتلقيح ضد كوفيد 19 من هذا المستشفى، وتلقى رئيس قسم العناية الفائقة في المستشفى اللقاح الأول في لبنان. واليوم، ووفق التقرير اليومي الصادر عن المستشفى (بتاريخ 12 /4/ 2021)، يبلغ عدد المرضى المصابين بفيروس كورونا داخل المستشفى 111، وعدد الحالات الحرجة 52، ومجموع حالات شفاء المرضى من داخل المستشفى منذ بداية الأزمة حتى تاريخه 1091. كما يساعد مركز الاتصالات الخاص بخدمة اللقاح المواطنين بتعبئة استمارة التسجيل ومتابعتها، ويتابع إعطاء اللقاحات للمواطنين.

الخطة الوطنية للاستجابة لوباء كورونا

في العاشر من آذار/مارس 2020، وضعت "الخطة الوطنية للاستجابة لوباء كورونا" بناءً على توصيات منظمة الصحة العالمية بهذا الصدد. وشملت المرحلة الثالثة من الخطة، أي مرحلة احتواء الوباء، مراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية، منع السفر إلى الأماكن الموبؤة، إجراء فحص مخبري لكل شخص مشتبه به في مختبر مرجعي واحد هو مختبر مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وضع جميع الحالات الإيجابية في الحجر...

تستثمر ما نسبته1.8 في المئة من ميزانية وزارة الصحة العامة فقط في المستشفيات العامة، بينما يتم استثمار أكثر من 80 في المئة في المستشفيات الخاصة والأدوية. تعود نسبة 15 في المئة من أسرّة المستشفيات للقطاع العام ونسبة 85 في المئة للقطاع الخاص.

أما بالنسبة إلى القطاع الاستشفائي، فقد ارتكزت المرحلة الأولى على تخصيص 11 مستشفى حكومي، بالإضافة إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي لاستقبال حالات كورونا، على أن تضاف مستشفيات أخرى في المرحلة الثانية، مع إعطاء الوقت للمستشفيات الخاصة للتجهيز. وكانت جهوزية المستشفيات الحكومية في المرحلتين الأولى والثانية على الشكل التالي:
مستشفى طرابلس: عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (16)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (170)، عدد أجهزة التنفس (7)

مستشفى الياس الهراوي-زحلة: عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (19) عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (49) عدد أجهزة التنفس (3)

مستشفى نبيه بري الجامعي-النبطية :عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (22)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (127)، عدد أجهزة التنفس (5)

مستشفى الهرمل: عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (20)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (58)، عدد أجهزة التنفس (3)

مستشفى بعلبك: عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (22)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (103)، عدد أجهزة التنفس (6)

مستشفى صيدا: عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (8)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (80)، عدد أجهزة التنفس (4)

مستشفى بنت جبيل :عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (25)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (60)، عدد أجهزة التنفس (6)

مستشفى مشغرة: عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (40)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (40)، عدد أجهزة التنفس (4)

مستشفى بشرِّي :عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (22)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (36)، عدد أجهزة التنفس (2)

مستشفى حلبا: عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (9)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (84)، عدد أجهزة التنفس (3)

مستشفى كسروان-البوار:عدد الأسرة للكورونا للمرحلة الأولى (20)، عدد الأسرة الإجمالي للمرحلة الثانية (40)، عدد أجهزة التنفس (3)

فبذلك كان عدد المستشفيات الحكومية المخصصة لمواجهة فيروس كورونا في المرحلتين الأولى والثانية 12، عدد الأسرة في المرحلة الأولى 343 سريراً، العناية الفائقة 59 سريراً، أجهزة التنفس 57 جهازاً، أما عدد الأسرة في المرحلة الثانية فوصل إلى 1197سريراً.

تكشف خريطة المستشفيات مركزية مدينة بيروت على حساب المدن الأخرى، فعلى سبيل المثال، كان مستشفى "الياس الهراوي" في زحلة بحاجة إلى تأهيل لاستقبال الحالات التي لا تحتاج إلى العناية الفائقة، ولا إمكانية فيه للعزل لأسباب تقنية، وأن بعض المستشفيات مثل صيدا، الهرمل، وفتوح كسروان-البوار كانت تحتاج لفترة زمنية تمتد على أسبوع للجهوزية، كما أن هناك 3 مستشفيات حكومية مقفلة وغير عاملة.

أصدر "مركز ترشيد السياسات الصحية" في الجامعة الأميركية في بيروت تقريراُ تقييمياً للخطة الوطنية، لاحظ أن نظام المعلومات الصحية في لبنان ضعيف، مجتزأٌ، وغير متجانس، ويظهر قدرة محدودة على جمع البيانات الصحية وتحليلها وتفسيرها من أجل اتخاذ القرارات الفعالة والحاسمة في مواجهة انتشار الوباء.

ارتكزت مصادر التمويل في خطة الاستجابة على قرض من البنك الدولي، وعلى موارد الهيئة العليا للإغاثة، وعلى رصيد لدى اليونيسيف، وميزانية الوزارة والمستشفيات. وتشكلت لجان لتحديد الاحتياجات الطبية، وتجهيز المستشفيات، وأجهزة التنفس، وفحوص الـPCR.

أما عن المستشفيات الخاصة، فتمت مخاطبتها لتكون بجهوزية كاملة عند تخطي المستشفيات الحكومية القدرة الاستيعابية، وهي المستشفيات الخاصة من الفئة الأولى والمصنفة T1 وعددها يبلغ 53، وموزعة على كامل الأراضي اللبنانية. وكان عدد الأسرّة في المستشفيات الخاصة في المرحلة الأولى ( 230 سرير)، وعدد أجهزة التنفس للأطفال (65)، وللكبار (220).

كما استحدث نظام للمعلوماتية لجمع البيانات من مختلف المستشفيات المرتبطة بتشخيص حالات كورونا وعلاجها، ووضع جدول لجمع المعلومات بشكل دوري على المستوى الوطني بما يخص المعدات الطبية المتوافرة، والعاملين الصحيين وغيرها.

تقييم علمي للخطة الوطنية للاستجابة: غياب السياسات

لاحظ التقرير الصادر في شهر آذار/مارس 2020عن "مركز ترشيد السياسات الصحية" في الجامعة الأميركية في بيروت (1) ( Knowledge to Policy center-K2P)، وفي اطار ما يسمونه"الرد السريع"، بشأن الخطة الوطنية للاستجابة إلى وباء كورونا،أن الإجراءات كانت تفاعلية أكثر منها استباقية، مع ضعف الاستعداد والجهوزية للعديد من المستشفيات العامة والخاصة، وفي ظل تنسيق محدود بين القطاعات المعنية، ومن دون وجود خطة واضحة متعلقة بفئات المجتمع الأكثر هشاشة مثل اللاجئين والسجناء، ومن دون توفير خطط المساعدات المالية والاجتماعية للقطاعات المتأثرة، ومن دون تقديم الدعم النفسي للمحتاجين له.

ولحظ التقرير تحديات عدة في النظام الصحي اللبناني تعيق مواجهة تفشي الفيروس، ومنها عدم كفاءة النظام الصحي العام الذي يعتمد على مقاربة علاجية بدل الوقائية (يتم تخصيص نحو 5 في المئة فقط من ميزانية وزارة الصحة العامة للرعاية الصحية الأولية)، وعدم دعم القطاع الصحي العام منذ نهاية الحرب الأهلية لأسباب سياسية وللصراعات والتجاذبات الطائفية، وهو يعاني نقصاً في التمويل، وقلةً في العاملين وسوءاً في التجهيز. وتستثمر نسبة 1.8 في المئة من ميزانية وزارة الصحة العامة فقط في المستشفيات العامة، بينما يتم استثمار أكثر من 80 في المئة في المستشفيات الخاصة والأدوية. تعود نسبة 15 في المئة من أسرّة المستشفيات للقطاع العام ونسبة 85 في المئة للقطاع الخاص.

لم تشارك المستشفيات الخاصة، في بداية الأزمة، في إدارة حالات فيروس كورونا المستجد، بسبب ارتفاع تكاليف العلاج، وعدم وجود تطبيق واضح لقانون الأمراض المعدية لعام 1957 فيما يتعلق بالسلطة ومسؤولياتها والتنسيق بين مختلف القطاعات، ما أضعف القدرة على إجراء الفحوصات، والتتبع السريع للأفراد المشتبه بهم في المراحل المبكرة من مسار العدوى، وعدم وجود خطة عملية واضحة حول التنسيق بين المستشفيات الخاصة والعامة، بما فيها زيادة القدرات الطبية واللوجستية، وتوافر محدود من الإمدادات والمعدات الطبية اللازمة، ومن أسرّة العناية الفائقة وأجهزة التنفس الاصطناعي التي تعتبر غير كافية حيال تفشي الفيروس.

وفي عملية تقييمية للخطة الوطنية، لحظ الباحثون في المركز الذين أعدوا التقرير أن نظام المعلومات الصحية في لبنان ضعيف، مجتزأٌ، وغير متجانس، ويظهر قدرة محدودة على جمع البيانات الصحية وتحليلها وتفسيرها من أجل اتخاذ القرارات الفعالة والحاسمة في مواجهة انتشار الوباء.

يشير (2) مدير مركز ترشيد السياسات الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فادي الجردلي، إلى أن جائحة كورونا كشفت القرار الخاطئ الذي اتخذته الدولة اللبنانية، ومنذ عقود عدة، في عدم الاستثمار في القطاع الاستشفائي العام لمصالح نفعية لصانعي القرار. فمع بدء انتشار الوباء، تنصلت المستشفيات الخاصة من واجباتها ولم تكن مجهزة، ولم تكن المؤسسات العامة قادرة على مواجهة التحدي، ولم تكن الموارد كافية، ولم يكن هناك تنسيقٌ كافٍ بين القطاعين الخاص والعام في مواجهة الأزمة، وجاءت خطة الاستجابة متأخرةً، وليست في الوقت المناسب. كما كشفت جائحة كورونا عدم وجود عدالة اجتماعية في تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية، وفي ضمان الحق بالصحة للجميع، إذ لم تؤمن أبسط الحقوق للمواطنين بطريقة عادلة وشاملة.

ويضيف أن المستشفيات العامة شكلت خط الدفاع الأول في مواجهة الأزمة، وفي الوقوف إلى جانب المواطنين، وشكلت تجربة مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي تجربةً جديدة وجريئة يمكن الارتكاز عليها في تعزيز قدرات النظام الاستشفائي العام، وفي تعميمها على باقي المستشفيات العامة.

سجلت وزارة الصحة العامة في لبنان، وحتى تاريخ 12 نيسان/أبريل2021، عدد الحالات المتراكمة منذ بداية انتشار الفيروس، وهي 497854 حالة مثبتة، وبلغ عدد حالات الوفاة 6703، وعدد حالات الشفاء 408659. وتم تسجيل 2670 حالة مثبتة من الإصابات بالفيروس بين العاملين الصحيين.

أظهر تفشّي فيروس كورونا، وفق مدير المركز، وجود نقص حاد في المنطقة على صعيد الخبرة في مجال الصحة العامة. وحتى في البلدان التي تتوفر فيها الخبرة، فالحكومات لم تستخدمها لمواجهة الأزمة، وبدلاً من ذلك، غُلّبت الاعتبارات السياسية والاقتصادية على التوجيهات الصحية. وأظهرت تجربة لبنان فشلاً في التنسيق في وضع السياسات،ولم تؤخذ مشورة الاختصاصيين بالصحة العامة بالبراهين وبالأدلة ذات الصلة، وإن تضمنت بعض اللجان خبراء بالصحة العامة، لكن دون سلطة تنفيذية. يشدد مدير المركز على أن جائحة كورونا شكلت درساً في الصحة العامة للعالم أجمع، في مدى أهمية الاستثمار في الصحة العامة بطريقة صحيحة وفعالة، إذ ترتبط الصحة العامة بمحددات سياسية واجتماعية واقتصادية متداخلة.

واقع لبنان اليوم

سجلت وزارة الصحة العامة في لبنان، وحتى تاريخ 12 نيسان/أبريل2021، عدد الحالات المتراكمة منذ بداية انتشار الفيروس، وهي 497854 حالة مثبتة، وبلغ عدد حالات الوفاة 6703، وعدد حالات الشفاء 408659. وتم تسجيل 2670 حالة مثبتة من الإصابات بالفيروس بين العاملين الصحيين.

ويبلغ عدد الأسرّة المخصصة لكورونا في المستشفيات، وحتى 11 نيسان/أبريل 2021، 2217 سريراً، وعدد أسرّة العناية الفائقة المخصصة للكورونا 1176. وتشير معطيات منظمة الصحة العالمية إلى أن خمسة مستشفيات في لبنان تشارك في التجارب السريرية العالمية التي تقودها منظمة الصحة العالمية، وتشارك نتائجها بالمعطيات العالمية في شأن تقييم فعالية العلاجات المستخدمة في علاج إصابات فيروس كورونا.

وبلغ العدد التراكمي للفحوص التي أجريت، وفق منظمة الصحة العالمية منذ 10 نيسان/أبريل 2020: 3،629،646.

وبلغ عدد المسجلين لأخذ اللقاح، وحتى 12 نيسان /أبريل 2021: 1،145،451 بينما تم إعطاء 285،203 جرعة من اللقاحات حتى الآن بنسبة 53.12 في المئة للإناث، و46.88 في المئة للذكور.

يشير التقرير الأخير، الصادر في 8 نيسان/أبريل 2021، عن معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن ( IHME)، أن عدد الإصابات بفيروس كورونا والوفيات يتراجع في لبنان، غير أن الوضع ما زال حساساً خصوصاً مع انتشار النسخة البريطانية من الفيروس. وتتوقع بيانات التقرير تسجيل 3000 حالة وفاة جديدة بسبب الفيروس من شهر نيسان/أبريل، وحتى أوائل شهر آب/أغسطس المقبل في لبنان.

وتبيّن أرقام التقرير أن المعدّل اليومي للوفيات بفيروس كورونا في لبنان يتجاوز الأربعة بالمليون، ويشكل بالتالي السبب الأول للوفيات في لبنان في هذه الفترة الزمنية. ويقدر أن نسبة 26 في المئة من الشعب اللبناني أصيب بالفيروس، وأن نسبة 71 في المئة من المواطنين اللبنانيين يضعون الكمامة عند خروجهم من المنزل، وأن نسبة 78 في المئة من المواطنين وافقوا على أخذ اللقاح (مقارنة بنسبة 23 في المئة في جيبوتي، و86 في المئة في البحرين).

ويشير التقرير إلى أنه سوف يتم إنقاذ نحو 900 حياة بحلول أوائل شهر آب/أغسطس في لبنان بفضل اللقاح، غير أن الضغط على المستشفيات، وعلى أسرّة العناية الفائقة، وعلى الطاقم الطبي سيظل مرتفعاً في الفترة المقبلة.

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

*المراجع:
-رئيسة دائرة العلاقات العامة في مستشفى رفيق الحريري الجامعي نسرين الحسيني.
-الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة.
-مقابلة مع مدير مركز ترشيد السياسات الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فادي الجردلي.
-التقارير الصادرة عن مركز ترشيد السياسات الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت.
-مقابلة مع الباحث في معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن الدكتور علي المقداد.
-التقارير الصادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن.
-التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

______________

1- El-Jardali F, Fadlallah R, Abou Samra C, Hilal N, Daher N, BouKarroumL, Ataya N. K2P Rapid Response: Informing Lebanon’s Response to theCOVID-19 Pandemic, Knowledge to Policy (K2P) Center. Beirut,Lebanon, March 2020
2-في مقابلة لـ"السفير العربي"

مقالات من لبنان

للكاتب نفسه