أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أنه سيسحب قواته من أفغانستان بحلول 11 أيلول/سبتمبر القادم. فإن لم يكن هناك نصر في هذا الإعلان، فهناك على الأقل حفاظٌ على الرمزية، إذ توضع نهاية للوجود العسكري الأمريكي هناك في الذكرى العشرين، يوماً بيوم، لـ"11 أيلول" 2001! وأما كبريات الصحف الأمريكية فعلقت قائلةً إن المشكلة هي أن لا الرئيس بوش الذي أعلن تلك الحرب، ولا من لحق به من الرؤساء، قد تمكن من تعيين أو من تعريف "ما هو النصر فيها"! ثم تتوالى التعليقات، فيقال: ولكنها ليست هزيمةً بالكامل، إذ تمكنت من إعادة البنات إلى المدارس، ومن الإفساح أمام النساء للعب دور في الحيز العام! كما لو أن الـ2400 جندي أمريكي من قتلاها، ومليارات الدولارات التي كلفتها – وهي خسائر الجانب الأمريكي لوحده - قد كان هدفها نصرة حق النساء في المساواة.
الدرس المتكرر - والمنسي دائماً – هو أنه لا يوجد نصر في الحروب. حتى عندما تتحقق الأهداف الموضوعة لها. فقد هاجمت أمريكا وحلفاءها العراق (في حربين حلت ذكرى آخرهما، حيث غزو واحتلال، هذه الأيام، ووقع بينهما حصارٌ مديد)، وأسقطت نظام صدام حسين، ودمرت في طريقها – أو عامدة – البلاد، ثم انسحبت منها (لتعود إليها بشكل موارب). وفي كل هذا، فهي أنجزت ما لم يكن محسوباً من قِبلها، لمصلحة... إيران، عدوها الدائم! ويكفيها أحياناً، هي وسواها من القوى "العظمى"، أن "تأسف"، ويمكنها أن تحاول نسيان الفشل والخسارات ومعهما الحماقة، ولو أن عشرات ألوف العائلات المكلومة، والجنود المصابين بعاهات جسدية ونفسية مستعصية ودائمة يتولون تذكيرها بالواقع المر، ولو أنه، وبالمقابل فالسياسيين لا يأبهون، ويحوّرون الحقائق وفق روايتهم وما يناسبهم، أو يتجاهلونها.
قصف بغداد.. أوراق من الشوارع الخلفية
10-04-2017
وفي كثير من الأحيان، تصبح الحرب ورطة وفخاً، ويستمر الإمعان فيها لأنه لا يمكن الإقرار بالهزيمة ولا تحقيق النصر. هكذا تُدمّر اليمن عن بكرة أبيها، بلا خط أفق لنهاية ما. ويظهر مجدداً أن إيران التي تدعم جماعة الحوثي، تحقق مكاسب لمصلحتها، مستنزفةً خصومها وعلى رأسهم السعودية، صاحبة المبادرة إلى التورط.
وحين تدعو واشنطن إلى هدنة، أو تدعم مفاوضات بهدف التوصل إلى تسوية، فهي وباليد الثانية، تمنح بعض أطراف الحرب أسلحةً – كما فعلت مع الرياض طوال هذه السنوات الست من حربها على اليمن. وقد قرر جو بايدن كذلك الاستمرار في الوفاء بتعهدات سلفه، وبيع أسلحة للإمارات العربية المتحدة بما قيمته 32 مليار دولار. وهي ستكون 50 طائرةً من طراز أف -35 و18 طائرةً حربية مسيرة، وصواريخ جو - جو، وجو – أرض. وتَرافق إعلانه بتجديد تعهد بلاده ذاك، وفي البيان الرسمي، بأن واشنطن "ستواصل التأكيد مع الإمارات، ومع كل من يحصل على معدات أو خدمات عسكرية أمريكية، أن تُستعمل تلك التجهيزات بطريقة سليمة، وفي إطار احترام حقوق الإنسان، والالتزام التام بقوانين النزاعات المسلحة". وهو كلام يبدو كمزحة سمجة! الإمارات بالطبع شريكةٌ بل فاعلة أساسية في الحرب على اليمن، وفي حروب أخرى في أكثر من مكان. صحيح أن تنفيذ البيع سيتم في 2025، ولكن وفي الأثناء، وحده الله يعلم أي حروب جديدة ستشتعل، ويكون للإمارات فيها دور القادح أو المسهّل، أو أي من الحروب القديمة يستمر!
... فهل تكون الحرب القادمة في القرن الأفريقي، حيث تُقرع طبولها اليوم؟ قد تدفع الحماقة البشرية، وأحلام العظمة، وانتفاخات "الوطنية"، والتمسك بتحقيق ما يبدو أنه منجزات أو مشاريع كبرى، بلداناً مثل مصر والسودان وإثيوبيا إلى خوضها، بحجة الفشل في التوصل إلى حل سلمي وتسوية تخص "سد النهضة"، ولتعنت كل طرف في تحقيق ما يراه المصلحة العليا لبلده. وقد يكون هناك من هو محق أكثر من سواه.. ولكن ذلك تفصيل، فالحرب إذا وقعت هناك، ستكون وبالاً على الجميع، وخراباً لن يبقى بعده لا سد نهضة في إثيوبيا، ولا فلاحين آمنين على ضفاف مجرى نهر النيل في السودان، ولا تجربةً انتقالية فيه متعسرة أصلاً، ولا أراضي للزراعة في مصر، ولا كهرباء لا رخيصة ولا باهظة الثمن: انظر العراق وسوريا!
فلا قدّر الله. وطالما أنها لم تقع بعد - لأن الخروج منها أشق بما لا يقاس من دخولها، وهذا درس آخر متكرر ومنسي دوماً - فلعل بذل كل جهد ممكن لتلافيها يكون ممكناً. أو على الأقل، وكما قال أينشتاين في إحدى مواقفه الهجائية للحروب، "احتقارها". (قال: أكره البطولة بالأمر، والعنف المجاني والوطنية البلهاء، والحرب هي أكثر الأشياء مدعاة للاحتقار).