"مكافحة العنف ضد النساء": النسخة المصرية لم تَحضر بعد

وفق إحصاءات رسمية، هناك تزايد في انتشار العنف داخل المجتمع المصري بشكل عام. ولا يزال العنف ضد المرأة عرفاً مقبولاً. أما "قانون مكافحة العنف ضد النساء" فلم يقر بعد على الرغم من المشاركة المصرية الرسمية في كافة المنتديات العالمية، وتوقيع المدونات التي تنص على حماية "حقوق النساء".
2020-08-10

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
مظهر نزار - اليمن

تقول الروائية المصرية "رضوى عاشور" في روايتها "سراج"، إن تاريخ المواطن في العالم الثالث هو "إرث الموؤدة"، تلك الرضيعة البدوية التي اختار أبوها أن يدفنها حيةً حتى يعفي نفسه من مآلات ما قد يضطر لمواجهته معها.

مر الكثير، مُرٌّ كسير.. فما يسري على الرجل ـ ها هنا ـ حملاً، يسري على النساء أحمالاً، ويبقى "العنف" أهم وأقوى عنوان، يحكي كيف عاشت ملايين "السيدات" يحصدن نصيب الأسد من ذاك الكمد الممتد عبر "بلادٍ" يمتهنها الفقر والقهر وقبح العادات. يتقدمن حيناً.. يتقهقرن أحياناً، ولا تتساوى مواقعهن ومراكزهن، فـ"هي" وحظها من التعليم والرفاهية والتفهم والدعم والتمكين. فإما كل أو بعض أو دونها جميعاً.

وقائع شكلت موجة مؤثرة

خلال الأسابيع الماضية عايشت البيوت المصرية ـ على الرغم من مخاوف انتشار وباء كورونا ـ خطر اقتراب الجرائم الجنسية من بناتهن، مع كشف عشرات من الضحايا عن وقائع استغلال وتصوير وتحرش واغتصاب قام بها شاب يحتمي بما لأهله من نفوذ مجتمعي ومالي كبير. اعتمد دفاع أسرته على عدم ثبوت الأدلة في ادعاءات الشاكيات، بل وحاصرهن بالاتهام بالسب والقذف. لكن الضغط المجتمعي ساعد في النهاية على فتح التحقيقات والقبض على الشاب ومقارنة أقوال الضحايا والشهود، مما أدى إلى توجيه اتهامات جادة له.

ساهم هذا المناخ في خروج مسارات أخرى، فشهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة اتهام/ اعتراف قامت بها منتميات ومنتمون لأوساط ثقافية وسياسية "نخبوية"، وسط جدل لا يزال يحتاج لسنوات حتى تنضج ثماره حول خصوصية كل حالة، وحاجتها للدراسة على حدة، وحول صحة أو عدم صحة نشر الأسماء مقترنة بالوقائع، وما يعنيه ذلك من مخاطر التشهير. وقد توجهت شاكيات إلى القضاء، وحين صدر قرار بإخلاء سبيل المتهم عاد من جديد الجدل حول الرضاء بنظام التحكيم.

مسار آخر شهد استحساناً من مهتمين بملف "النسوية" وهو صدور قانون "حماية سرية بيانات الشاكيات"، ولكن آخرين حذروا من أن يكون في ذلك مدخلاً لحظر الإعلان عن وقائع تشمل أسماء متحرشين.

أما الواقعة الأكثر تأثيراً جماهيرياً فكانت قضية "أمل".. تلك الشابة التي لا يزيد عمرها عن 20 عاماً وعلى الرغم من ذلك، فهي تحمل على كتفها طفلة قالت إنها حملت بها نتيجة اغتصاب. كانت الشكوى التي تقدمت بها آنذاك قد تم حفظها نظراً لعدم قدرة الطب الشرعي على تحديد تاريخ تقريبي لواقعة الاغتصاب، وإن كانت تمت كرهاً. تعرضت أسرة الفتاة القروية لحملة تشهير وتهديد من أسرة الشاب، فما كان منهم إلا الرحيل وإجبارها على الزواج من آخر، ونسب الطفلة إليه. لكن "أمل" التي تم وأد كل أحلامها وإهدار كرامتها، واتتها الشجاعة ـ في ظل المناخ الحالي ـ وعادت لمراسلة عدة جهات رسمية، تبنت قضيتها، وأعيد فتح التحقيق اعتماداً على التحليل الوراثي للطفلة، وعلى توفير الحماية لشهود أقروا باعتراف "الجاني" بما اقترفه بل والتباهي به، فتم القبض عليه.

يتابع الجميع منتظرين أحكاماً عادلة، وسط مخاوف من مقدار العوار الذي يعاني منه نظام التقاضي نفسه، وهذا يواجه مؤخراً اتهامات بممارسة "السلطوية الأبوية" بعد صدور حكمٍ بالحبس عامين، وغرامة باهظة على فتيات بتهمة "هدم مبادئ الأسرة المصرية" بعد نشرهن فيديوهات "جريئة" على بعض منصات التواصل.

الأرقام

وفق إحصاءات رسمية، هناك تزايد في انتشار العنف داخل المجتمع المصري بشكل عام. ولا يزال العنف ضد المرأة عرفاً، وقد صنفت الدراسات العنف ضد المرأة في ثلاث فئات هي البدني، النفسي، الجنسي.

ونقرأ من تقرير جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي لعام 2017 المؤشرات التالية: من سن 19 عاماً وحتى 69 عاماً، فإن 37 في المئة من النساء كمتوسط، يتعرضن للعنف البدني، و14.5 في المئة هو متوسط التعرض للعنف الجنسي. العنف النفسي هو الأكثر شيوعاً حيث بلغت نسبة النساء اللاتي تعرضن له 42.5 في المئة.

من تعرضن لـ"الختان" باعتباره اعتداءً يضم أنواع العنف الثلاثةَ، وصلت نسبته إلى 90 في المئة بين نساء مصر. كما تناول الإحصاء "الزواج الجبري" باعتباره شكلاً آخر لمختلف أنواع العنف، مشيراً إلى ارتفاع نسبة الزواج الجبري مع التقدم بالعمر، حيث بلغت 4.1 في المئة فى الفئة العمرية 18-19 سنة، لترتفع إلى 10.1 في المئة لمن هن بين 40 و44 عاماً، فيما سجلت الفئة العمرية 60 إلى 64 عاماً أكبر نسبة للزواج الجبري بمعدل 22.2 في المئة، لافتاً إلى انخفاض نسبة النساء اللاتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً إلى 12.3 في المئة.

وأشارت الدراسة الرسمية إلى "الأب" باعتباره المرتكب الأول للعنف البدني ضد المرأة عند بلوغها 18 سنة، وربطت بين الفهم الخاطئ للدين وارتفاع معدلات ما يسمى "عقاب المرأة"، بينما اعتبرت الفقر مسبباً رئيسياً لحرمان 29.6 في المئة من الفتيات من حق الذهاب إلى المدرسة في الريف.

ينتظر الجميع أحكاماً عادلة، وسط مخاوف من مقدار العوار الذي يعاني منه نظام التقاضي نفسه. وهذا يواجه مؤخراً اتهامات بممارسة "السلطوية الأبوية" بعد صدور حكمٍ بالحبس عامين، وغرامة باهظة على فتيات بتهمة "هدم مبادئ الأسرة المصرية" بعد نشرهن فيديوهات "جريئة" على بعض منصات التواصل.

إحصاءات وقراءات تفوق ما تم الإعلان عنه في "استراتيجية تمكين المرأة 2030" التي أطلقها المجلس القومي للمرأة بدعوة من رئيس الجمهورية، وجاء فيها أن 5 ملايين و600 ألف امرأة مصرية يتعرّضن للعنف على يد الزوج أو الخطيب سنوياً، في حين لم يتعدَ عدد النساء اللاتي يبلّغن الشرطة عن تعرضهن لجرائم عنف الـ 75 ألف امرأة، وكذلك لا يزيد عدد النساء اللاتي يسعين للحصول على خدمات المجتمع المحلي طلباً للحماية والوقاية من العنف 7 آلاف امرأة. ويبلغ عدد الإناث في مصر 47.5 مليوناً.

قوانين لا ترى النور

على الرغم من هذه الأرقام الرسمية، وما رصدته الحركات الحقوقية في مصر واشتبكت معه على مدار سنوات طويلة، فإن "قانون مكافحة العنف ضد النساء" فكرةٌ لم تجد التطبيق إلى الآن، وذلك على الرغم من المشاركة المصرية الرسمية في كافة المنتديات العالمية، وتوقيع المدونات التي تنص على حماية "حقوق النساء".

على الطاولة تشريعان رئيسيان، الأول هو مشروع قانون أعده المجلس القومي للمرأة، تم إرساله مع قانون "الأحوال الشخصية" إلى مجلس النواب منتصف 2019 إلا أنهما لم يدخلا مرحلة النقاش بالجلسات العامة.

في اتجاه موازٍ، أعدت " قوة عمل المنظمات النسوية"، وهي رابطة تضم 9 من أبرز المؤسسات الحقوقية العاملة على قضايا المرأة، مشروع قانون أكثر تفصيلية، تبنته البرلمانية "نادية هنري"، وقالت إنها حصلت على موافقة 60 من الأعضاء لعرضه على اللجنة التشريعية. إلا أن هذا لم يحرك أي ساكن، ولم يشهد مجلس النواب دعوة ـ سواء من نواب المعارضة أو الأغلبية ـ تطالب بفتح نقاش. تعجبت رئيسة المجلس القومي (هيئة رسمية) من تجاهل مجلس النواب لمناقشة القانون، وقالت في تصريحات "هل لا يجدونه أمراً مهماً؟"، وإلى الآن، لا تزال النسخة المكتوبة حبيسة الأدراج.

على العكس، اتجه مشروع القانون المطروح حقوقياً إلى الفضاء الإلكتروني ساعياً لخلق حالة نقاش وتبني عبر المنصات. شمل المشروع في جزء رئيسي منه إعادة النظر بتعريفات العنف وأنواعه، ثم قدم نقداً لإجراءات التقاضي الحالية وما تحتاجه من تطوير، وشمل أبواباً كاملة عن جرائم العنف الأسري، وخطف واستغلال النساء، والجرائم الجنسية، والإجراءات الوقائية.

في التقاضي، حاول مشروع القانون تلافي آفات النظام القائم، ومنها تعنّت وتنمّر عاملين بجهاز الشرطة ضد المشتكيات. فتم طرح تعيين وحدة شرطية متخصصة بشكاوى العنف، كما يمكن للمشتكية التوجه مباشرةً بالادعاء أمام المحكمة المختصة.

كما ناقش مشروع القانون الفترات الزمنية المتاحة للتقدم بالشكوى، أو سقوط الأحكام وفق قانون العقوبات المعمول به حالياً، فنص على أن قضايا العنف لا تسقط بالتقادم، كما طرح نظاماً يحقق الحماية الشخصية للمشتكية والشهود، وضمان سرية البيانات، ومعاقبة كل من يمارس الضغط على ضحية للتنازل عن شكواها.

أعدت " قوة عمل المنظمات النسوية"، وهي رابطة تضم 9 من أبرز المؤسسات الحقوقية العاملة على قضايا المرأة، مشروع قانون أكثر تفصيلية، ولكن مجلس النواب لم يدعَ ـ سواء من نواب المعارضة أو الأغلبية ـ الى فتح نقاش. وإلى الآن، لا تزال النسخة المكتوبة حبيسة الأدراج.

وتأتي هذه النسخة الحقوقية من مشروع "قانون مكافحة العنف ضد المرأة" ضمن سياقٍ عام يشمل خطوات مماثلة في عدة دول عربية، على رأسها تونس وفلسطين.

تنتظر هذه المواد القانونية مواسم الضغط والتصعيد حتى تجد فرصة للتنفس والمطالبة بالخروج للنور، وقد جاءت الموجة الأخيرة عاتية.

***

سياقات وسباقات لا تزال جميعها مفتوحة، مجتزأة، مجروحة، ويبقى صدور وتفعيل قانون مجتمعي رادع ونزيه هو الأمل الحقيقي لوقف هذا النزيف، ومنع كل شطط، وفتح المدى الواسع أمام كل ضحية للبدء من جديد.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...