ملاحظات حول داعش

هناك شيء غير مفهوم في أغلب فيديوهات داعش: الضحايا لا يبدو عليهم علامات الهلع ولا حتى الفزع من الموت. فالطيار الأردني اتسم بثبات نال عليه إعجاب الجميع حتى صار بطلاً متوجاً على صفحات التواصل الاجتماعي وتكرر ذلك أيضاً مع الأقباط المصريين، بالرغم من أن طرق القتل هنا تتميز بعنفها المرعب، وتسبقها استعراضات فنية وعسكرية. الترويع هو منهج أصيل في كل ما يقوم به داعش. وهو رسالة بحد ذاته عند هذا التنظيم
2015-02-22

علي الرجّال

باحث في علم الاجتماع السياسي متخصص في الدراسات الأمنية، من مصر


شارك
| en
ياسر صافي-سوريا

هناك شيء غير مفهوم في أغلب فيديوهات داعش: الضحايا لا يبدو عليهم علامات الهلع ولا حتى الفزع من الموت. فالطيار الأردني اتسم بثبات نال عليه إعجاب الجميع حتى صار بطلاً متوجاً على صفحات التواصل الاجتماعي وتكرر ذلك أيضاً مع الأقباط المصريين، بالرغم من أن طرق القتل هنا تتميز بعنفها المرعب، وتسبقها استعراضات فنية وعسكرية. الترويع هو منهج أصيل في كل ما يقوم به داعش. وهو رسالة بحد ذاته عند هذا التنظيم الذي يتفنن في إخراجها سينمائياً وبشكل متطور فنياً: وضوح الصورة بلا أي اهتزاز، والإخراج عالي الجودة. ويقال إن داعش يقوم بتمثيل عملية الشروع بالقتل مرات متعددة حتى تتوقف الضحية عن القيام بأي رد فعل. ولو افترضنا صحة الأمر، فعندها سيكون السؤال هو: لماذا يتجنب داعش تصوير رعب وهلع الضحايا؟ لا يعني هذا أن عمليات القتل لم تقع، كما يقال أيضاً. ويهتم داعش بالزي والجسد والتناسق العام للمشهد. ثم كيف نجح داعش في تكوين هذه المجموعات القتالية المتناسقة الحركة في وقت قصير نسبياً بينما يحتاج الأمر عادة لسنوات من التدريب ومن خوض القتال المشترك؟
.. ولا يكفي القول بأن نشأة داعش كان ضد القوات الأمريكية في العراق في 2006، وبالتالي أتيح له ما يكفي من الوقت للإعداد والتدريب، وهذا لعدة أسباب. أولاً، هذه النشأة كانت تحت ضغط كبير ومطاردة مستمرة انتهت بمقتل زعيمه الأول أبو مصعب الزرقاوي. ثانياً هذه السنوات الطويلة كانت محصورة في أرض العراق، أما التوسع فهو حديث العهد، ومن الصعب جداً، تكوين مجموعات قتالية بهذا الانضباط، حتى لو افترضنا أن أغلب أعضائها من خلفيات عسكرية سابقة، وهى ليست حالة داعش في الواقع، أو على الأقل ليست الحالة في عموم جنوده، وربما تكون صحيحة على مستوى بعض القيادات لديه، مثل واقع الحال في مصر، حيث يقود عمليات التدريب والإعداد التكتيكي والتخطيط ضابط سابق بقوات الصاعقة المصرية. ثالثاً، كيف يتوفر لداعش معسكرات تدريب آمنة ومتطورة، حيث يتطلب هذا المستوى من التناغم مساحات واسعة ومعدات حديثة ومدربين أكفاء، كما أن أغلب الأجساد التي يظهرونها، سواء في العراق أو سوريا ومصر وأخيراً بليبيا، يبدو عليها القوة، وهي ليست أجسادا تنتج عن ممارسة الحديد لشهرين في الصالات المغلقة، ولكنها أجساد قتالية لا تتسم فقط بالقوة العضلية - التي يمكن إنتاجها في شهور قليلة ومن خلال تدريبات ليست متطورة بالضرورة - ولكنها تتسم بالمرونة ومعدة جيداً لمستوى مرتفع من القتال والمناورة. وحتى يتسنى للجسد الوصول لتلك المرحلة فعليه أن يقوم بتدريبات شاقة ما يتطلب مدى زمنيا طويلا. فهل يعني ذلك أن تلك الأجساد قليلة داخل صفوف داعش، ويظهرها للعرض فقط. المؤكد أننا نتحدث عن تنظيم ليس على وعي فحسب بأهمية استخدام الصورة - سواء الثابتة أو المتحركة - وإنما بأدق التفاصيل التي تحملها تلك الصورة من المعاني والرسائل والمجازات والدلائل. وهى رسائل متعددة ومتنوعة وموجهة للهواة والمحترفين، وللشعوب والقادة والسياسيين، كما أنها موجهة للخبراء العسكريين، بل وللمتخصصين في مجالات بعينها مثل التدريب والاعداد.
أما أن يكون ذاك هو المستوى العام للقوات والمجموعات القتالية المختلفة التي استطاعت هضم تجربة القاعدة ثم قامت بتجاوزها، فالقاعدة، وعلى الرغم من انتشارها في العديد من بلدان العالم، من أفغانستان إلى اليمن والصومال، لم تقوَ يوماً على الاشتباك والقتال المباشر، كما تجلى ذلك في أفغانستان، المعقل الرئيسي لها، حيث تولت طالبان العمل العسكري الصريح والقتال الميداني. واتسمت عمليات القاعدة بغياب وجود تنظيم متماسك يربط بنية القاعدة المبعثرة في أماكن مختلفة. وكان الاعتماد الرئيسي في الانتشار الأفقي وإعلان تبني العمليات قائما على نشر الفكرة وتبني أي مجموعة لها، ثم مباركة تلك العمليات وإعطائها الشرعية السياسية والدينية من القيادات الروحية، بن لادن ثم الظواهري. كان هناك بالطبع مستويات مختلفة من التواصل والتنسيق، ولكن عمليات الصومال لم تكن تدار من أفغانستان أو أن خيطاً تنظيمياً واضحاً كان يربط بين قاعدة اليمن والقاعدة بالسودان. وفكرة "القاعدة" كانت أسهل بكثير لجهة إمكانية تكوين نسق ونمط بين الأماكن المختلفة ولا تحتاج إلى تدريب شاق وطويل الأمد. فزرع قنابل، أو خطف بعض الصحافيين، سلوك قابل للتكرار بسهولة الى أن يصير نسقاً. والتقنية متوفرة أو على الأقل يمكن توفيرها بسهولة، فتجار السلاح كثر ومكاتبهم منتشرة في كل أرجاء العالم. وإخراج عمليات الخطف أو التهديد، لا يتطلب أكثر من شريط فيديو وبضعة أقنعة حتى يخرج علينا أي كان في زي الملثم وهو يتحدث أو يذبح أو يطلق الرصاص على أحد المخطوفين. كما لم تزد عمليات الأسر عن ثلاثة إلى خمسة أفراد. أما داعش فيقوم بأسر العشرات.
التطور الطبيعي للقاعدة يتمثل في "أجناد مصر"، المجموعة التي تقوم بتفجيرات نوعية – مثل تفجير مديرية أمن القاهرة- أو عمليات اغتيال مثل محاولة اغتيال وزير الداخلية. والقاعدة كانت تقوم على مبدأ "أضرب واهرب"، أما داعش فيحتل ويدير ما قام باحتلاله من موارد وسكان وحياة، بينما لم تتمكن القاعدة يوماً من احتلال بقعة واحدة من الأرض، ولم تتمكن يوماً من إدارة السكان، لا بشكل حديث أو قديم. ولا بد أن هناك فروقات في المناحي الفقهية بين الحالتين.
وقد انتقد الظواهري بوضوح وحشية داعش في تسجيله الأخير، وهو التنظيم الذي يرث القاعدة في أماكن عدة منها مصر. "أجناد مصر" لم يعلن ولاءه حتى الآن لداعش بينما فعل أنصار بيت المقدس في سيناء. وعند استحضار طبيعة العمليات في سيناء قبل إعلان أنصار بيت المقدس ولاءه لداعش يتضح أنها كانت تخص تفجير خطوط الغاز إلى إسرائيل، أو استهداف حافلات الجنود. أما بعد إعلان الولاء، فقد حدث تطور نوعي في طبيعة تلك العمليات التي صارت تتسم بالمواجهة العسكرية والاشتباك المباشر والاستيلاء على معدات الخصم (عملية كرم القواديس، والهجوم الأخير على عمق مدينة العريش). ولم تدع القاعدة إمكانية النصر في زمننا هذا، بل كانت تقوم صراحة على تكدير النظام العالمي والنظم العربية والإسلامية الموالية له. أما داعش فيعد بالنصر الآن. واتسمت عمليات القاعدة بالتباعد الزمني الطويل بين العمليات بينما لا تتوقف عمليات داعش القتالية للحظة. ويوجد لدى داعش ما لم يحز به غيره من مصادر التمويل الخاص، سواء بسبب البنوك الكبرى التي قام بنهبها أو بسبب السيطرة على مصادر مختلفة للنفط، علاوة على الدعم والتمويل الخارجيين.
الأهم هو قدرة داعش على استقطاب وتجنيد قطاع كبير من الشباب. فكل شيء متوفر لديه: من النساء إلى التحقق الذكوري والذاتي من خلال القتال والسيطرة والسلطة، إلى مجتمع صاحب القضية - بغض النظر عن قيمة تلك القضية من عدمها - إلى الزي والزهو العسكري، إلى نشوة النصر. كما أن طبيعة التجنيد المطلوبة لتنظيم مثل القاعدة مختلفة بالكلية عن طبيعة التجنيد المطلوبة لداعش. فلدى داعش جيش حقيقي يتطلب كافة أشكال التجنيد ومستوياته، أما القاعدة فتعمل بنظام الخلايا النوعية وأقرب للطبيعة الاستخباراتية منها إلى الوحدات المقاتلة. ونجح داعش في استقطاب مسلمين أوروبيين يشاركون بالقتال والترويج والتجنيد لصالح التنظيم، وهو ما لم نره من قبل مع التنظيمات الجهادية. واتاح هذا تنوعا لغويا وإمكانيات أوسع وأكفأ ومختلفة في التواصل والخبرات المتعددة، تظهر على المواقع التابعة لداعش وفي بياناته.
وهكذا يؤشر داعش إلى مرحلة جديدة في الصراع الإقليمي والى عصر جديد في الإرهاب، وذلك على كافة المستويات: من الاجتماعي إلى السياسي والاقتصادي، إلى الرمزي واللغوي والفكري والفقهي... 

مقالات من العالم

جوليان أسانج حرّ

2024-06-27

فعل أسانج المحظور الأكبر في هذا العالم. كشف اللثام عن أكبر أكاذيب العالم وأكثر أساليب الدول وحشية، وفضح تلك البرودة الفظيعة التي يتمتع بها الجميع خلف الكواليس، وتلك السهولة الرهيبة...

للكاتب نفسه

مصر: في ضرورة تحرير الفائض البشري

قراءة في مسيرة النظام المصري منذ هزيمة 1967، عبر تتبع السمات الاساسية الطابعة لكل واحدة من الحقبات الثلاث المتتالية زمنياً، والعوامل التي حددت الانتقالات بينها، وخيارات أو اضطرارات كل واحدة...