يأتي المقال المنشور* في الصحيفة الإسرائيلية "هاآرتس" على ذِكر عدة حالات محددة، تفضح تورط كثر من العسكريين الإسرائيليين ورجال الأعمال– وأغلبهم ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي - في صفقات السلاح حول العالم.
فهناك الرجل الذي عُرف في تسعينات العقد الماضي بلقب "أكبر تاجر سلاح في إسرائيل"، موشي روتشيلد، هو طيار سابق في الطيران الحربي الإسرائيلي، وقد قام بإغراق البيرو بالسلاح. فقد قدرت حكومة البيرو قيمة الصفقات التجارية التي تورط فيها روتشيلد في البلاد بـ500 مليون دولار أميركي، وكانت حصته منها عشرات الملايين من الدولارات. تلك الكمية من الأموال غير المشروعة تعتبر هائلة بالنسبة لتاجر سلاح منفرد.
في الحقيقة، فإنّ الأسلحة الإسرائيلية تباعُ في مختلف أرجاء العالم منذ سنوات طويلة، إن كان ذلك لجيوش بلدان الغرب أو لتغذية الحروب الأهلية الدموية في بلدان العالم الثالث. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ تجار السلاح القادرين على جمع هذا النوع من المال، كما روتشيلد، ما هُم إلا قلة نادرة. وهُم، إن استطاعوا كسب أرباح كبيرة، فهي تكون أرباحاً من صفقة واحدة كبرى تدرّ مالاً وفيراً أو من مجموعة مبيعات متفرقة لسنة أو اثنتين لا أكثر.
عشرات تجار السلاح حول العالم..
صدّر الجيش الإسرائيلي ما مجموعه نحو 7.5 مليار دولار أميركي في العام 2018، بحسب أرقام وزارة الدفاع الإسرائيلية التي تشرف عليه. وقد رخصت الوزارة لنحو 1600 شخص لبيع المنتجات الحربية الإسرائيلية في الخارج. غير أنّ كثيراً من الصفقات التي تخصّ الدول الغربية تتمّ ما بين الحكومات مباشرة، وبالتالي فلا حاجة فيها للتجار المنفردين والمستقلين.
من ضمن هذه المليارات السبعة والنصف، هناك حوالي 300 مليون دولار تذهب لصفقات دول العالم الثالث، حسب أحد الخبراء في هذا الحقل. وهذا هو المجال الذي يستطيع فيه تجار السلاح المنفردون القيام بعملياتهم التجارية. كما أن هذا المجال هو بالذات ما تفضّل إسرائيل تجاهله وغض الطرف عنه، كما تغض النظر بالضبط عن رشوة المسؤولين أو إعانة الحكومات الأجنبية في حروبها الأهلية. وعلى أية حال، فحتى في مبيعات السلاح لدول العالم الثالث ثمة تجار سلاح مرخّصون من إسرائيل وتكون وزارة الدفاع الإسرائيلية مشرفة بشكل مباشر عليهم.
يذكر مقال "هآرتس" أن عدة عشرات من تجار السلاح الإسرائيليون يعيشون بشكل دائم في دول العالم الثالث حيث يقومون بعملياتهم التجارية، وهؤلاء غالباً ما يكونون قريبين من دوائر الحكومات والسلطة. ويأتي المقال على ذكر عدة أسماء، منها باراك أورلاند، صديق الرئيس الأوغندي ياوري موسيفيني. أحد التقارير الصحافية في مجلة "ليبرال" أشار منذ 4 سنوات أن صفقات سلاح ضخمة تجري بين إسرائيل وأوغندا بوساطة أورلاند.
تُباع الأسلحة الإسرائيلية في مختلف أرجاء العالم منذ سنوات طويلة، إن كان ذلك لجيوش بلدان الغرب أو لتغذية الحروب الأهلية الدموية في بلدان العالم الثالث.
في العام 2018، صدّر الجيش الإسرائيلي سلاحاً بما قيمته نحو 7.5 مليار دولار أميركي، بحسب أرقام وزارة الدفاع الإسرائيلية التي تشرف عليه.
تجار آخرون، مثل أورلاند، تظهر قصصهم في الإعلام العالمي بين حين وآخر، لتورطهم في صفقات في بلدان العالم الثالث. معظمهم يعيش في الظل محاطاً بالسرية ولا يعلم عنه الناس شيئاً، لكن أحياناً تظهر أسماؤهم للعلن بسبب عداوات في "البيزنس" أو صراعات عائلية أو افتضاح عمليات فساد أو غير ذلك. أحد هؤلاء الجنرال المتقاعد "إسرائيل زيف" التي وضعته الولايات المتحدة منذ عام على اللائحة السوداء للمشتبه بتمويله للإرهاب وتورطه في غسيل الأموال. ثمة أقوال بأن زيف باع بشكل غير قانوني– أي بالسر - أسلحة بقيمة 150 مليون دولار لجنوب السودان خلال الحرب الأهلية. أما الأميركيون فيقولون أن زيف كان في الواقع يسلّح طرفي النزاع في الوقت نفسه، الحكومة والمتمردين، تحت غطاء مشاريع زراعية مفترَضة. زيف الذي تقاعد من وظيفته كرئيس "إدارة عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي"، ليؤسس شركته Global CST في العام 2006، رفض التهم الأميركية جملة وتفصيلاً، مدعياً أن لا أدلة تدينه إطلاقاً. قبل فضيحة جنوب السودان، كان زيف مشهوراً بكونه مدرباً للجيوش النظامية في كل أنحاء العالم، لكن ليس بكونه تاجر سلاح. وقد درب جيوشاً حكومية في توغو، غينيا، الغابون، نيجيريا، جورجيا، كولومبيا، البيرو، وباناما.
أهل الحرب سعداء!
23-02-2017
ظهر اسم زيف عام 2011 في عدد كبير من وثائق ويكيليكس. فهو كان على علاقة شخصية مع وزير الدفاع الكولومبي آنذاك، وكسب ثقته لترويج المنتجات الحربية الإسرائيلية التي كان يبيعها بغرض الكسب، وليس لملائمة الاحتياجات الحقيقية لكولومبيا.
هيزي بيزاليل، مالك شركة الاتصالات الإسرائيلية We4g مثال آخر. قاد عدة مشاريع تجارية في أفريقيا بقيت بعيدة عن الإعلام في داخل إسرائيل، لكنه كان معروفاً بتورطه في صفقات أسلحة في أوغندا، رواندا، وإثيوبيا، كما كان وسيطاً لصفقة بيع قذائف دبابات بين الحكومة الإسرائيلية وأوغندا، بلغت قيمتها 13 مليون دولار.
أفراد ومؤسسات.. متورطون
يتابع التقرير أنه، عدا عن الأفراد، هناك شركات إسرائيلية مؤسسوها عسكريون إسرائيليون، مثل LR Group التي أتمت عدة صفقات في أنغولا، قبل أن تعتزل تجارة السلاح وتتجه إلى مشاريع ذات طابع مدني. وفي هايتي، وقعت شركة HDSi الإسرائيلية صفقة مع وزارتي الاقتصاد والدفاع عام 2015 بقيمة 50 مليون دولار، والشركة نفسها عادت لتبرم صفقة بـ195 مليون دولار عام 2017 مع الحكومة النيجيرية لتزويدها بالطائرات والهليكوبترات والسفن المراقِبة. وعلى الرغم من الشائعات التي تقول أن بأنّ الرئيس محمد بخاري قام بإلغاء االصفقة بعد أن هاجمها عدة أعضاء في البرلمان، إلا أن مصادر عدة تشير لعدم صحة ذلك الإلغاء.
يعيش عدة عشرات من تجار السلاح الإسرائيليون بشكل دائم في دول العالم الثالث حيث يقومون بعملياتهم التجارية، وهؤلاء غالباً ما يكونون قريبين من دوائر الحكومات والسلطة في تلك البلدان.
الجنرال المتقاعد "إسرائيل زيف" باع أسلحة بقيمة 150 مليون دولار لجنوب السودان خلال الحرب الأهلية. تقول الإدارة الأمريكية - التي وضعته على "قوائم الإرهاب" - أنه كان في الواقع يسلّح طرفي النزاع في الوقت نفسه، الحكومة والمتمردين، تحت غطاء مشاريع زراعية مفترَضة.
أمّا أحد أهم المشاركين الفاعلين في تجارة السلاح الإسرائيلية فهو ديفيد كوليتز، المؤسس والمدير العام لشركة Elol والذي عمل العديد من طياري سلاح الجو الإسرائيلي تحت إمرته لسنوات، وأشهرهم أهارون ("يالو") شافيت. كوليتز يدّعي أنه مجرد وسيط أو "مشارك سلبي" في عمليات يرفض بتسميتها "تجارة سلاح"، ويستبدل الاسم بـ"تصنيع للمبيع الخارجي". كما يقول أنه "يتبع القوانين الإسرائيلية" في كل عمله. كوليتز بدأ ممارسة هذا النوع من الصفقات التجارية في البرازيل في الثمانينات الفائتة.
جرائم إسرائيل في غزّة: التجارة الرابحة
19-04-2018
بعكس كوليتز، الصريح والمباشِر، هناك آخرون يبقون لوقت طويل متخفين في ممارسة هذه الأعمال، ومنهم أمين سعادة الذي فضح اسمه في عام 2018 لتورطه في رشاوى تتصل بصفقة بيع مراكب مراقبة لنيجيريا بقيمة 21 مليون دولار. بعد القبض على سعادة، اتضح أنه لطالما كان فاعلاً في هذا النوع من المعاملات لسنوات طويلة، وقد أبرم صفقة بـ250 مليون دولار عام 2014 في نيجيريا من قبل. حالة سعادة هي بالضبط النمط المتكرر الذي يصبغ تجارة السلاح الإسرائيلية المتوجهة دائماً لدول العالم الثالث: يتقرب رجال الجيش - الذين تحولوا إلى رجال أعمال ذوي شركات- من السياسيين للتمكن، من خلال صداقات، بفتح الطريق للصفقات. السرية التي تتعامل بها وزارة الدفاع في إسرائيل ورفضها الإفصاح عن الأرقام المتعلقة بهذه الصفقات تسمح لكثير من هؤلاء التجار بالاستمرار بالعمل دون الانكشاف و"تحت الرادار".
*من مقال في جريدة هآارتس، منشور بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2020: ملخص لأرقام صفقات تجار السلاح الإسرائيليين وأسمائهم في بلدان "العالم الثالث" على مدى السنوات الأخيرة.