يبدو للوهلة الاولى أن الإجتماع الاخير لمنظمة الاقطار المصدرة للنفط (أوبك) الذي عقد يوم 22 حزيران/ يونيو قد أرضى كل الاطراف. فهو قد حقق الرغبة السعودية والروسية بزيادة الانتاج، ولكن وفي الوقت ذاته، سجلت الاسواق ردة فعل ايجابية من خلال إرتفاع الاسعار، الامر الذي أزال قلق الدول المعارضة لضخ المزيد من الامدادات، مثل إيران وفنزويلا. أهم من ذلك، أن أوبك حققت أحد أهم أهدافها، وهو عدم تسييس قراراتها، كما التوصل اليها بالاجماع، وهو ما حدث رغم ان كلاً من الرياض وطهران تقفان على طرفي نقيض في ملفات إقليمية ودولية عديدة. آثرت طهران في نهاية الامر أعطاء موافقتها على الاتفاق لتسهم بذلك في تعزيز وحدة المنظمة، بل وتعزيز الوحدة مع منتجي النفط العشرة من خارجها بقيادة روسيا، الذي قاموا بالتنسيق مع أوبك خلال العامين الماضيين ووضعوا اتفاق خفض الانتاج بمقدار 1.8 مليون برميل (المتوصل اليه في أيلول/ سبتمبر 2016) موضع التنفيذ، الأمر الذي أخرج أسعار النفط من غرفة الانعاش التي دخلتها أثر الانهيار الذي أصابها في العام 2015.
قضى ذلك الاتفاق بقيام دول أوبك بخفض 1.17 مليون برميل يومياً، وأن تقوم تلك المنتجة من خارج أوبك بإزالة 546 ألف برميل من انتاجها، وأن يستمر العمل به حتى نهاية هذا العام 2018. الاداء الفعلي لعملية الخفض هذه يشير الى ان دول أوبك قامت في واقع الأمر بعملية خفض للإمدادات تتجاوز ما إتُفق عليه. ففي شهر أيار/ مايو 2017 مثلاً، بلغ حجم الخفض 162 في المئة، متراجعاً قليلاً عما تم خفضه في الشهر الأسبق وهو 171 في المئة. ثم تكرر الشيء نفسه في الشهور اللاحقة وكان الخفض في كانون الثاني/ يناير 2018 هو الأقل ولو انه ظل أكثر مما هو متفق عليه اذ بلغت نسبته 136 في المئة.
الأداء في جانب المنتجين من خارج أوبك لم يكن بالقوة نفسها، اذ بلغ قمته في أيلول/ سبتمبر 2017 وكان بنسبة 130 في المئة من حجم الخفض المستهدف، لكن النسبة سجلت تراجعاً مستمراً حتى وصل الى 54 في المئة فقط في أيار/ مايو من السنة الجارية.
دوافع آنية ومستقبلية
الأمر الذي يلفت النظر ان القوة الدافعة وراء ذلك الإتفاق في 2016 كانت التحالف غير المعلن بين السعودية وروسيا، وهما أكبر منتجين ومصدرين للنفط في العالم، اذ تبلغ طاقتهما الانتاجية المشتركة 21 مليون برميل، وهو ما يتجاوز إجمالي القدرة الانتاجية لبقية دول أوبك الثلاثة عشر الاخرى. وهذه الوضعية المتميزة هي التي دفعت كلا من الرياض وموسكو الى التعاون لتحقيق أهداف آنية وأخرى إستراتيجية. فبالنسبة لروسيا وزعيمها فلاديمير بوتين، كان التعاون مع السعودية لرفع أسعار النفط وتحقيق قدر من الاستقرار مُهماً خاصة وبوتين كان يتهيأ لانتخابات رئاسية (جرت في آذار/ مارس هذا العام)، ورفع أسعار النفط كان يحسِّن من الوضع الاقتصادي ويعزز من فرص فوزه ومن إضعاف تأثير المقاطعة الغربية، وخاصة الامريكية منها، على نظامه. وكل ذلك في إطار استراتيجيته الكبرى القاضية بأعادة هيبة روسيا وتأكيد مكانتها لاعباً رئيسياً على المسرح الدولي. وهنا أيضا يلعب النفط وما يمكن أن يوفره من عملات صعبة دوراً مهماً. ولهذا قرر بوتين الانتقال بروسيا من مرحلة المساندة اللفظية لجهود أوبك في ضبط السوق، كما كان يحدث في السابق، الى مرحلة المشاركة العملية في خفض الانتاج ليصبح من ثمّ قوة مؤثرة.
السعودية من جانبها، وتحت إدارة ولي عهدها الجديد ىنذاك، كانت لديها أيضاً أهدافها الآنية وتلك الاستراتيجية. وعلى رأس هذه الاهداف الآنية مشروع طرح جزء من أسهم شركة النفط الوطنية، "أرامكو"، للاكتتاب العام في بعض البورصات العالمية. وكلما كان سعر برميل النفط مرتفعاً كلما جذبت عمليات الطرح المستثمرين وحققت نتائج أفضل. لكن على المستوى الاستراتيجي، يظل النفط عاملاً أساسياً في رسم السياسة السعودية وتنفيذها على الرغم من أن "رؤية 2030" التي طرحها الامير تقضي بتقليل إعتماد السعودية على عائدات النفط. ذلك أنه حتى برامج التحول هذه الى اقتصاد غير نفطي تحتاج الى توفير موارد مالية، ناهيك عن الأكلاف الاقتصادية للأدوار السياسية التي تقوم بها الرياض إقليمياً ودولياً.
التنسيق والتعاون المستمر بين روسيا والسعودية لأكثر من عامين حقق نتائج جيدة حتى الآن، ودفع الطرفين الى التفكير في تعميق تعاونهما ونقله الى المستقبل ليصبح حجر الزاوية في أي ترتيبات لإدارة السوق وتحقيق الاستقرار فيها. وقد رشحت تسريبات تتحدث عن إقامة منظمة جديدة بسكرتارية منفصلة.
وبسبب هذه المصلحة المشتركة، لعب وقتها بوتين دوراً في إقناع محمد بن سلمان بأن يتم إستثناء إيران من برنامج خفض الانتاج ذاك بغاية أن يرى الإتفاق النور. كما عمل على إقناع الشركات الروسية التي لم تكن تحبذ كثيراً فكرة خفض انتاجها. وعلى ضوء هذه الخلفية، نشأت علاقة متميزة بين وزيري النفط في البلدين خالد الفالح وألكسندر نوفاك اللذان أصبحا يجتمعان سوياً، سواء في السعودية أو في روسيا وعلى هامش المؤتمرات الدولية، وأصبح ما يجمعهما من وحدة الرؤية وكيفية التعامل مع متغيرات السوق أقوى مما يربطهما ببقية الوزراء. وآخر مثال على هذا التنسيق والتعاون أنهما خططا لإنفاذ إقتراح زيادة الانتاج القائم على حسابات العرض والطلب في النصف الثاني من العام، والاستعداد لذلك مسبقاً وقبل أن تنفجر الأسعار مرة أخرى.
واشنطن لاعب رئيسي في السوق النفطية
21-03-2018
هذا التنسيق والتعاون المستمر لأكثر من عامين حقق نتائج جيدة حتى الآن، وهو دفع الطرفين الى التفكير في تعميق تعاونهما هذا ونقله الى المستقبل ليصبح حجر الزاوية في أي ترتيبات لإدارة السوق وتحقيق الاستقرار فيها. ومع انه نُسِب الى كل من الفالح ونوفاك اشارات بهذا المعنى في أحاديث سابقة، الا ان إقتراحاً محدداً لم يطرح حتى الآن، ولو أن بعض التسريبات التي رشحت تتحدث عن إقامة منظمة جديدة بسكرتارية منفصلة. ولضمان الا تتحول الى نادي لمجرد الكلام، فأن سيكون لكل من الرياض وموسكو ثقل وقوة إضافية تتجاوز ما لدى بقية الاعضاء. أوبك تضم بين جنباتها 14 دولة وروسيا أسهمت في إضافة تسعة اليها ليصبح مجموع الدول المشاركة في إتفاق خفض الانتاج ولو بنسب وصور متفاونة 24 دولة منتجة ومصدرة للنفط.
منظمة جديدة؟
ومع الصعوبة المتمثلة في حشد 24 دولة وتنسيق سياساتها لصالح المجموعة، حيث تتضارب المصالح الوطنية في أحيان كثيرة، الا ان هناك عوامل أخرى ستلقي بثقلهاعلى الرغم من أن كل المنتجيين ــ كبروا أو صغروا ــ يفضلون الحصول على عائد أعلى وأفضل لسلعتهم الناضبة هذه. إحدى الاشكاليات أن روسيا دولة كبرى ولها ثقلها وسياساتها وأولوياتها على المسرح الدولي ولن تستنكف عن استغلال هذا المنبر خدمة لتلك الاهداف والمصالح الخاصة بها، وهو ما يحتاج الى جهد أكبر لتحقيق تفاهم أكبر في كيفية تغليب المصلحة المشتركة للمنتجين على عداها.
الاستعانة بروسيا والمنتجين الآخرين للمشاركة في برنامج خفض الانتاج جاء نتيجة فشل أوبك في القيام لوحدها بعملية ضبط السوق على الرغم من سيطرتها على أكثر من 35 في المئة من حجمه. لكن المنظمة الجديدة التي بدأت الاشارة اليها كـ"سوبر أوبك" لن تستطيع لوحدها السيطرة على السوق والتأثير على أوضاع الإمدادات والأسعار عبر قرارات أحادية، فهناك منتجين جدد..
وهناك نقطة أخرى تتمثل في أن الاستعانة بروسيا والمنتجين الآخرين للمشاركة في برنامج خفض الانتاج جاء نتيجة لفشل أوبك في القيام لوحدها بعملية ضبط السوق رغم أنها تسيطر على أكثر من 35 في المئة من حجمه. لكن وبالقدر نفسه، فإن المنظمة الجديدة التي بدأت الاشارة اليها كـ"سوبر أوبك" لن تستطيع لوحدها السيطرة على السوق والتأثير على أوضاع الإمدادات والأسعار عبر قرارات أحادية تتخذها. فهناك المزيد من المنتجين الجدد الذي يدخلون السوق، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية، حيث أسهمت تقنية الحفر الهايدرولوجي في إطلاق طاقات إنتاجية في مجالي النفط والغاز الصخريين مما ساعد واشنطن على الدخول الى السوق كمصدرة، بل وكمنافسة للمصدرين من أوبك على السوق الآسيوية التقليدية التي أصبحت الوجهة الرئيسية للمصدرين. إلا أن الولايات المتحدة تتبنى مواقف أيدلوجية ضد أي تقييد للإنتاج بغاية رفع الأسعار وتحبذ ترك الامر لقوى السوق.
أسهمت هذه التطورات في فتح الباب أمام العديد من الاسئلة، مما أضاف عاملاً جديداً الى عناصر عدم الاستقرار وعلامات الاستفهام التي تلقي بظلالها على السوق ووضعية النفط التقليدي فيه، واستخداماته المستقبلية.. مع تنامي الوعي البيئي وتأثيره السلبي على الوقود الأحفوري (كالنفط) وذلك على الرغم من حالة الهدوء التي تعيشها الأسواق في الوقت الحالي.