المنتجعات السكنية والمشكلة المالية المصرية

انتشرت في مصر خلال الأربعين عاماً الماضية ظاهرة بناء منتجعات سكنية شبه مغلقة، ذات مستويات سكنية واجتماعية أكثر ثراءً من غيرها من التجمعات السكنية التي أقامتها الدولة المصرية للفقراء والطبقة المتوسطة..
2013-04-03

عبد الخالق فاروق

خبير في الشؤون الاقتصادية والإستراتيجية ـ مصر


شارك
أول "كلوب هاوس" يقع داخل "ميفيدا" المشروع السكني العملاق في قلب التجمع الخامس في القاهرة الجديدة

انتشرت في مصر خلال الأربعين عاماً الماضية ظاهرة بناء منتجعات سكنية (compounds) شبه مغلقة، ذات مستويات سكنية واجتماعية أكثر ثراءً من غيرها من التجمعات السكنية التي أقامتها الدولة المصرية للفقراء والطبقة المتوسطة (مدن السلام، مساكن النهضة، العبور، الشروق، السادات الجديدة، المنيا الجديدة... إلخ ). وهنا تمرين حول امكانات الجباية الضريبية منها، بينما هي معفاة منها تماما... من دون أدنى وجه حق.

خصائص

تميزت هذه المنتجعات السكنية الجديدة بعدة خصائص ومميزات أبرزها:
1ـ أنها تكاد تكون مجتمعات مغلقة على سكانها تحيط بها أسوار وبوابات للحراسة.
2ـ أنها وحدات سكنية فخمة من حيث البناء (فيلات ـ قصور) وتتميز بالجمال والاتساع (250 مترا إلى ألف متر... واحياناً أكثر)
3ـ أنها ذات تكاليف بناء أعلى وأغلى من تلك الوحدات الخاصة بالمجتمعات العمرانية للفقراء ومتوسطي الدخول، حيث تتراوح تكاليف البناء في المتوسط بين ألف جنيه للمتر المربع إلى 30 ألف جنيه للمتر المربع، بينما هي ما بين 200 جنيه إلى 400 جنيه للوحدات الفقيرة والمتوسطة.
4ـ أنها تتميز بوجود مساحات فراغية وخضراء لا تقل في المتوسط عن 40 في المئة من إجمالي المساحة الكلية المخصصة للبناء.
5ـ أنها حققت أرباحاً طائلة للشركات المنفذة (ومعظمها غير مصري، عربي وأجنبي أو مشترك) تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات.
6ـ والمدهش أنه وفقاً لقوانين الضرائب السابقة، فأنها لم تخضع لضرائب الأرباح الرأسمالية. فهذه غير معمول بها في النظام الضريبي المصري بعد اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي (بدءاً من القانون رقم 43 لعام 1974 والقانون رقم 32 لعام 1977 انتهاء بقوانين حوافز الاستثمار رقم 7 لعام 1998)، وخصوصاً بعد تأسيس وتشغيل البورصة المصرية وسوق الأوراق المالية بعد عام 1992.
7ـ والآن، ومع تطبيق قانون الضرائب العقارية رقم 196 لعام 2008، أصبح من الضروري أن تتحمل هذه الوحدات والمنتجعات السكنية وقع ضريبي يتناسب مع حالة الثراء التي تميز أصحابها، في أطار سياسة ضريبية عادلة تٌوازِن بين المكاسب والأرباح من جهة، والعبء الضريبي المتناسب معها من جهة ثانية. وهذا يفترض أن يحصل في سياق عدالة اجتماعية يطالب بها الشعب المصري ويلح في تطبيقها الملايين الذين شاركوا في الثورة المصرية.

كيف تٌرصد؟ المبدأ

تعتبر دراسات حصر الأصول والممتلكات الخاصة، سواء تلك ذات الصلة المباشرة بالنشاط الاقتصادي في كافة فروعه ومجالاته (الصناعية، الزراعية، الخدمية، التجارية... إلخ ) المدخل الأولي للتعرف على هيكل القوى الاجتماعية، ودرجة تأثير وفاعلية هذه القوى وقياداتها في التوجه السياسي للدولة، وفي آلية عمل الهيئة التشريعية، بالنظر إلى كون القوانين، بحسب التعريفات الرسمية لها، هي الصياغة اللفظية لحقائق القوى الاجتماعية والسياسية في الدولة والمجتمع.
وتتخذ عمليات الحصر والتقييم عدة أشكال وأساليب. فقد تعتمد على أدلة الشركات التي تصدرها بعض المؤسسات والمصالح الحكومية، وقد تعتمد على عمليات الحصر والإحصاء المباشرة التي يقوم بها الباحثون، خاصة لتلك الأنشطة التي يغيب عنها نظام إحصائي أو رقابي دقيق ومنضبط (كما هو الحال في قطاع البناء والتشييد). كما تقدم البيانات الخاصة بالنشاط المصرفي والائتماني للبنوك العاملة في الدولة مؤشرات ذات دلالات هامة في تتبع حجم الأصول والممتلكات العينية أو النقدية، واتجاهات تراكمها أو انحسارها. وبالمثل فإن التغيرات التي قد تنشأ في الأصول والممتلكات بفعل السياسات العامة والحكومية الجديدة (كسياسة الخصخصة وبيع الأصول والممتلكات الحكومية) تؤدي إلى تغيّر شكل خريطة توزيعات القوى الاقتصادية. بل أبعد من ذلك، فهي تذهب إلى ما يصاحب عادة عمليات نقل الملكية من تغيير في طبيعة النشاط، ومن ثم انخفاض حصة أنشطة (كالصناعة مثلاً أو الزراعة) لصالح الأنشطة العقارية.

...وفي مصر

ما جرى في الحالة المصرية من استخدام الأراضي المملوكة للدولة وتخصيصها بطرق مختلفة، لا يخلو من فساد كثير، أدى إلى توزيع جديد للثروات والدخول، وساهم في تعزيز دور وثقل جماعات السمسرة والمضاربة داخل بنية المجتمع، وفي تراكم الثروات في مجالات لا تؤدي إلى توسعات استثمارية إنتاجية بالضرورة. وإجراء هذا الحصر والإحصاء والتحليل يحقق عدة أهداف:
1ـ ما يمكن أن نطلق عليه الرفع المساحي لمكامن الثروات والأصول العقارية أو الإنتاجية وفقاً لتطور عمليات الحصر والتحليل، وبالتالي التعرف على خرائط القوى الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
2ـ التعرف عن قرب على أحد مصادر الجباية الضريبية في إطار منظورٍ أكثر استقامة للعدالة الاجتماعية وفي الصدارة منها العدالة الضريبية.
3ـ التعرف على نمط الاستثمار والتنمية الذي ساد في مصر طوال الأربعين عاماً الأخيرة الدولة لسياسة الانفتاح الاقتصادي عام 1974، وحجم تكاليفه على المجتمع والدولة المصرية.
4ـ وفي ضوء هذا التحديد، يمكن الوقوع على البدائل و السياسات التنموية الجديرة بالاتباع في المستقبل.
والاسئلة القائمة هي:
كم هي أعداد هذه الوحدات بالمنتجعات السكانية الفاخرة؟ وكم تكلفت على أصحابها؟ وكم نستطيع أن نحصل منها ضريبياً سواء من الشركات التي حققت الأرباح الطائلة (في صورة ضريبة على الأرباح الرأسمالية أو ضرائب على الدخل)، أو في صورة ضرائب عقارية سنوية تعزز الخزانة العامة وتسد جزءاً من العجز الضخم في الموازنة العامة.
وهكذا يبدو واضحا أن المصريين قد أنفقوا طوال الثلاثين عاما الماضية ما بين 415 مليار جنيه كحد أدنى، إلى 894 مليار جنيه كحد أعلى، على هذا النوع من الإسكان الفاخر جدا. وهنا يطرح السؤال عن الطاقة الكامنة داخل الاقتصاد والمجتمع المصري، خاصة إذا تحلى القائمون على الحكم والإدارة برؤية إسـتراتيجية متكاملة تجاه قضايا التنمية. وإذا طبقنا ضريبة عقارية متواضعة، تتراوح بين ألفي جنيه للوحدة السكنية إلى خمسة آلاف جنيه، يتحقق للخـزانة العام مبلغ يقدر بين 1.5 مليار جنيه إلى 2.5 مليار جنيه من بند واحـد من بنود الضريبة العام سنويا.

مقالات من مصر

كيف جرى تكبيل مصر واستعبادها؟

رباب عزام 2024-03-21

يبدو أن السلطة المصرية لن تتوقف نيتها في بيع الأصول والأراضي، ولن تكتفي فقط بما حُسم من صفقات منذ العام 2021، بل ستسعى إلى مزيد من عمليات البيع، تنفيذاً لاشتراطات...

السيسي وثمن دماء الفلسطينيين

حسام خليفة 2024-02-26

تضاعف الدين المصري، في السنوات الخمس الأولى من عهد "نظام يوليو 2013"، أكثر من خمسة أضعاف بحسب وزير المالية المصري آنذاك، عمرو الجارحي. بينما ارتفع إجمالي الدين الخارجي المصري إلى...

للكاتب نفسه