الأميرة سالمة، هي "اميلي رويته"، وهي ابنة إمام مسقط وسلطان زنجبار. هربت الأميرة سالمة بن سعيد، ابنة سلطان زنجبار وعمان، من بيتها في عام 1867 من وطنها زنجبار، وراء حبها لتاجر ألماني من مدينة هامبورغ، كتبت مذكراتها على شكل رسالة الى اطفالها، لكي يتعرفوا على موطن والدتهم.
تحكي الأميرة سالمة عن حياتها بين افراد عائلتها، وتصف بدقة وبساطة الحياة اليومية لأبناء الأمراء والأميرات خاصة، في بيت الحريم، في بيتهم الكبير، الذي يعتمد أثاثه على الحصر والسجاد، والمساند المنثورة على ارضية الشرفات الكثيرة.
تحكي لنا عن السماء الزرقاء، ونجوم الليل، وسهرات تحت القمر. تحكي عن الثياب المطرزة والحلي التي تزين الضفائر الطويلة.. عن الخلافات بين نساء السلطان وبناته وتحزباتهم ضد بعضهم البعض، عن الاعيب العبيد والخصيان، وتجبّرهم وسلطتهم التي يحصلون عليها على مر سنوات خدمتهم، والتي احيانا تتيح لهم الانعتاق والحصول على حريتهم.
ثم تنتقل الى وصف حياتها في الغرب، والعقلية الغربية والعادات. تدلي برأيها وملاحظاتها وتدهش بطريقة تعبيرها، مثل عندما تتحدث عن صعوبة العيش مع الآخر الذي كوّن فكرة راسخة عن المجتمعات الشرقية، وتعبر عن دهشتها لاستغلال عمال المناجم وفقرهم في اوروبا، وبالمقابل استنكار الاوروبيين للعبودية في الشرق، وتقول "ان عبيدنا ينعمون بحياة افضل من احرارهم العاملين في المناجم".
عن معطف الفراء الذي أهداه لها زوجها لتتقي الثلوج التي بلطت الشوارع، وعن اشمئزازها من لبس فراء حيوان بائس، مثل اي حمّال في بلادها. عن الابتسامة التي يتشح بها الغرب، مثل قناع، لا يمكن الوصول الى المشاعر الحقيقية من خلاله، وهو أثخن من الحجاب الذي تلبسه النساء في بلادها.
لا يعلم المرء بماذا يفكر هؤلاء الذين يرسمون ابتسامة دائمة، وكأنها جزءا من جلدهم وملامحهم.
تحكي عن الحرية المكبلة بالقوانين الثقيلة، في كل صغيرة وكبيرة من حياة الأفراد، آلاف القوانين، على المرء دراستها وحفظها وتطبيقها بالحرف وبدقة، وإلا لن يتأهل للمجتمع الحضاري المتقدم، وسيعتبر مختلا عقليا أو همجيا، رجعيا الخ.
لا أحد يعيش على سجيته، وهذا إثم لا يغتفر.
... وتحكي عن معاناتها بعد وفاة زوجها الحبيب، الذي تركها مع ثلاثة اطفال، وتعرضها لسرقة الأوصياء عليها من قبل المحكمة، وعن النصائح المالية التي اودت بثروة زوجها الى الزوال، مما اضطرها للبحث عن عمل، وهي التي لا تجيد اي مهارة على الأطلاق، سوى حبها لأطفالها.
في البداية تحدثت عن تعميدها مسيحية، لكي تتزوج من مسيحي، تقول: "لا احد انتبه الى قلبها المسلم والذي بقي مسلما"، واستهجنت اهمية ذلك بالنسبة لهم، وكأن التعميد هي عملية غسيل.
تنقلت بين المدن الالمانية، بحثا عن أرخص مدينة تمكنها من العيش بما توفر من مال قليل، هامبورج ، درمشتات، برلين الخ..
ثم انتقلت الى مدينة يافا ثم بيروت، لكنها لا تذكر اية تفاصيل عن تلك الفترة، سوى ان مدينة يافا كان لها فيها بيتا مطلا على البحر وعلى بيارات البرتقال.
من الاوصاف التي اخترعتها، لكي يفهم الالماني ما تود قوله: "حبات كرز كبيرة" لتصف لهم البرتقال. اما عن يوم الجمعة فهو "يوم الأحد للمسلمين" كما تقول مترجمة المذكرات (د. سالمة صالح).
في الجزء الثاني من مذكراتها، تتحدث عن معاناتها في المانيا. عن الناس في هذه البلاد الباردة، فإن لم تمت من البرد، متَ من الجوع او من الوحدة القاتلة او من التفكير الدائم والقلق على الاولاد وكيفية ادخالهم الى مدرسة لائقة: "انا لا أجيد شيئا، درّست اللغة العربية لبعض الطلاب في الاستشراق، ولكنه بالكاد كان يكفي لشراء الطعام. اما هذا البرد القارس الذي يحتاج الى فراء الحيوان فلم تكن لدي طاقة على تحمله".
وعن حرية المرأة التي يتحدثون عنها، فهي بنظرها تتلخص بان "أعمل داخل البيت وخارجه، مثل دابة تعمل في قصر ابي، رغم كل ذلك اقول بانني لم اندم، لكن البرد ابتلعني، وكل محاولاتي بان استرد ميراثي من ابي لم تنجح".. وبقيت سالمة تعاني من الحنين الى الدفئ الانساني والشمس كحلم لم يتحقق.