قانون مغربي لمحاربة العنف ضد النساء

القانون لوحده غير كاف، خصوصاً في حقل تحتل فيه الذهنيات والتمثلات مكانة كبيرة، إلا أن القانون ضروري بل يمكنه أن يضطلع، من الناحية التربوية، بدور المساهمة في تغيير العقليات..

2018-03-08

لطيفة البوحسيني

أستاذة جامعية مختصة بقضايا النساء، من المغرب


شارك
هيلدا الحياري - الأردن

تم التصويت من طرف البرلمان المغربي بغرفتيه على القانون رقم 13.103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بتاريخ 14 شباط/ فبراير 2018. وتأتي هذه الخطوة بعد عدة خطوات ومراحل سبقتها.  لقد بدأ الاهتمام بهذا الموضوع / القضية من طرف الحكومة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، إذ قامت "كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة" بتنظيم أول حملة واسعة النطاق بغية التعريف بالظاهرة وإعطاء الفرصة للنساء ضحايا العنف للحديث في موضوع ظل إلى حدود ذلك الوقت ضمن المحرمات التي يصعب إثارتها.
واكبت هذه الخطوة الحكومية الأولى خطوات أخرى، يمكن إجمالها في ما يلي:
-    إعداد استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد النساء سنة 2004،
-    وضع خلايا لاستقبال حالات النساء المعنفات، بالمستشفيات ومراكز الشرطة والدرك الملكي والمحاكم،
-    وضع خط أخضر لاستقبال مكالمات الضحايا،
-    تنظيم حملات سنوية بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء،
-    دعم وتمكين مراكز الاستماع والإرشاد للنساء ضحايا العنف،
-    إنجاز دراسة / بحث وطني حول الظاهرة، من طرف المندوبية السامية للتخطيط سنة 2009.
وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوات، فقد بقي تأثيرها محدوداً في غياب قانون خاص من شأنه المساهمة في محاربة هذه الظاهرة وحماية النساء ومعاقبة مرتكبي العنف. وهو ما جعل الحركة النسائية المغربية تضع هذا المطلب ضمن أولوياتها وتلح في مرافعاتها ومذكراتها ومختلف الأنشطة التي نظمتها والتقارير التي أعدتها على ضرورة وجود قانون يحمي النساء.

اتخذت الحكومات منذ عقود خطوات وتدابير لمعالجة العنف ضد النساء إلا أنها بقيت محدودة الاثر في غياب قانون خاص لمحاربة هذه الظاهرة وحماية النساء ومعاقبة مرتكبي العنف. وهو ما جعل الحركة النسائية المغربية تضع هذا المطلب ضمن أولوياتها وتلح في مرافعاتها ومذكراتها ومختلف الأنشطة التي نظمتها على ضرورته..

في هذا الإطار، وجبت الإشارة الى أن الدستور المغربي الذي تم اعتماده سنة 2011، على إثر "حركة 20 فبراير" (الطبعة المغربية للربيع العربي) كان قد أقر في الفصل 19 منه، مبدأ المساواة بين الجنسين والمناصفة في جميع الحقوق، وإحداث هيئة لمكافحة كافة أشكال التمييز. كما نص في الفصل 22 على عدم جواز ممارسة العنف أيا كان مصدره، وحماية السلامة الجسدية والمعنوية لأي شخص وصيانة كرامته.

وأخيرا خرج القانون إلى الوجود

وعلى الرغم من أن ضرورة اعتماد قانون لمحاربة الظاهرة كان واردا منذ فتح هذه الورشات، وعلى الرغم من أن البحث الوطني الذي تم إنجازه بيَن بالأرقام استفحال العنف وانتشاره، حيث أكد أن من بين 9.5 مليون امرأة شملها البحث، يتراوح سنهن ما بين 18 و64 سنة، 6 ملايين منهن تعرضن لأحد أشكال العنف، أي بنسبة 63 في المئة، منهن 3.7 مليون تعرضن للعنف في إطار علاقة زوجية بنسبة 55 في المئة.. على الرغم من كل هذا، ظل التردد والتلكؤ في إخراج القانون هو سيد الموقف. وللتذكير، فقد سبق للحكومة السابقة (2007 - 2011) أن أعدت مشروعا، إلا أنها لم تنجح في وضعه على سكة التبني، فجاءت الحكومة اللاحقة (2011  ــ2017 ) حيث أعدت الوزيرة المكلفة بالموضوع مشروعا آخر تم تقديمه للبرلمان خلال سنة 2013، وبقي في مكانه، إلى أن جاءت الحكومة الحالية في نيسان/ ابريل 2017، وتمكنت من إخراجه إلى الوجود.
فما هو الجديد الذي جاء به هذا القانون؟ وما هي المؤاخذات التي تعرض لها؟
يتضمن القانون الجديد أحكاما إيجابية، أهمها:
1.    تعريف العنف ضد المرأة على أنه "كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة". وهو التعريف نفسه الوارد في "الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء" الذي اعتمد من طرف الأمم المتحدة سنة 1993.
2.    الرفع من العقوبات المفروضة على بعض أشكال العنف الموجودة في القانون الجنائي عند ارتكابها داخل الأسرة.
3.    الإقرار بجرائم جديدة، بما في ذلك الزواج القسري، أو تبديد المال أو الممتلكات للتحايل على دفع النفقة أو مستحقات أخرى ناتجة عن الطلاق، أو طرد أو منع الزوجة من العودة إلى بيتها.
4.    تجريم التحرش الجنسي في الأماكن العامة.
5.    تجريم التحرش الإلكتروني.

البحث الوطني الذي تم إنجازه بيّن بالأرقام استفحال العنف وانتشاره، حيث أكد أن من بين 9.5 مليون امرأة شملها البحث، يتراوح سنهن ما بين 18 و64 سنة، فهناك 6 ملايين منهن تعرضن لأحد أشكال العنف، أي بنسبة 63 في المئة، منهن 3.7 مليون تعرضن للعنف في إطار علاقة زوجية بنسبة 55 في المئة..

6.    تجريم بعض الأفعال باعتبارها صوراً من صور التحرش الجنسي، مع تشديد العقوبات عليها في حالة ارتكاب الفعل في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كأحد الأصول أو المحارم، أو زميل في العمل، أو شخص مكلف بحفظ النظام... الخ.
7.    تشديد العقوبات على بعض الأفعال الموجهة ضد "نساء في وضعية خاصة"، كالعنف ضد امرأة حامل، أو ضد الزوجة أو الطليقة بحضور الأبناء أو الوالدين.
8.    النص على تدابير للحماية التي تمنع مُتهماً بالعنف من الاتصال، أو الاقتراب، أو التواصل مع الضحية.
9.    فيما يتعلق بالتكفل بالنساء ضحايا العنف، نص القانون على إحداث وحدات مُتخصصة لتلبية احتياجات النساء والأطفال في المحاكم وفي مراكز الأمن والدرك الملكي، بالإضافة إلى لجان محلية وجهوية ووطنية لمعالجة قضايا العنف.
10.    أما في الجانب الوقائي، فقد ألزم القانون الجديد السلطات العمومية باتخاذ ما يلزم من تدابير، بما في ذلك برامج لرفع مستوى الوعي حول العنف ضد النساء والتوعية بمخاطر الظاهرة.

أهم المؤاخذات حول هذا القانون

إذا كان الجميع يقر بأهمية اتخاذ هذه الخطوة، وبإيجابية اعتماد قانون للمساهمة في اتجاه القضاء على ظاهرة أصبحت تستفحل بشكل مطرد، فإن الكثير من الفاعلين والمتدخلين ونشطاء الحركة الحقوقية والنسائية، يتوقفون عند العيوب الكثيرة التي شابت هذا القانون، من أهمها:
1.    إن التعديلات التي تم الأخذ بها، تعكس سوء الفهم لمعالجة ظاهرة العنف المبني على النوع الاجتماعي، إذ تمت إضافة الباب الخامس الخاص بالوقاية في آخر النص، على الرغم مما يشكله هذا المدخل من أهمية في اليقظة واستباق الظاهرة ومواجهة العوامل المؤدية إليها. فقد اكتفى المشرع بدعوة السلطات العمومية إلى اتخاذ كل التدابير والإجراءات اللازمة للوقاية من العنف دون التدقيق في ذلك.
2.    إن الحرص على رفض تجريم السرقة بين الزوجين وتغييرها بـ"تبديد أموال الزوجية" وعدم إدراج مختلف العلاقات التي تربط الضحية بمرتكبي بعض أفعال العنف، وغياب أي فعل من أفعال العنف النفسي وعدم الاعتراف بالاغتصاب الزوجي، يعكس التشبث برؤية محافِظة للعلاقات بين الزوجين والتشبث بالتقسيم التقليدي للأدوار داخل الأسرة والمكانة التقليدية لكل من الزوج (رب الأسرة) والزوجة (ربة البيت) داخلها. أي ذلك التقسيم القائم على خلفية الهيمنة والتفوق الذكوريين الذي يمنح الرجل سلطة على زوجته.

3.    غياب تجريم ومعاقبة مجموعة من الجرائم الرقمية التي أصبحت متفشية في المجتمع المغربي، والتي تمثل عنفاً رقميا يمارس على المرأة كل يوم.
4.    إن الباب الخاص بالحماية لا يحمل جديداً بالنسبة للعمل الجاري للخلايا والوحدات المؤسساتية حالياً، وهي الخلايا التي لم يتم تقييم عملها والتوقف عند محدودية تدخلها، كما لم يتم الأخذ بعين الاعتبار للانتقادات والمقترحات للعاملين ميدانياً، فيما يتعلق بصلاحياتها.
5.    إن القانون لا يتضمن آليات لمراقبة الوحدات أو اللجان، أو مساءلة السلطات في حالة إذا لم تقُم بواجباتها. كما لم يُحدد واجبات ملموسة للشرطة، والنيابة العامة، وغيرهم من موظفي إنفاذ القانون، والمسؤولين القضائيين في قضايا العنف الأسري.
6.     لا يوفر القانون الذي تم اعتماده المساعدة المالية للناجيات من العنف، أو تحديد دور الحكومة بوضوح فيما يتعلق بتوفير الدعم والخدمات للناجيات من العنف الأسري، بما في ذلك المأوى، الخدمات الصحية، الرعاية الصحية النفسية، المشورة القانونية، والخطوط الهاتفية لحالة الطوارئ.
7.    إن صدور نص يقوم على تتميم وتعديل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، في الوقت الذي تجمع فيه الأطراف المعنية على ضرورة إصلاحهما، يعكس رؤية تجزيئية ومحدودة، ويتعارض مع مضمون مقتضيات الدستور المغربي في هذا الباب. وهو ما يجعل بعض المنظمات النسائية، بالنظر لخصوصية العنف القائم على النوع الاجتماعي، تطالب بقانون خاص وليس تعديلاً للقانون الجنائي.

خلاصة

يعتبر اعتماد قانون لمحاربة العنف ضد النساء في المغرب خطوة مهمة للغاية وإقراراً صريحاً بانتشار الظاهرة وبالمسؤولية المؤسساتية والحكومية في هذا المجال. غير أن سيرورة اعتماد هذا القانون ومختلف المراحل التي قطعها، مع كل الصعوبات والعراقيل المختلفة التي واجهها والشد والجذب الذي تخلل النقاش حوله، يسمح باستخلاص ما يلي:
-    على الرغم من أن الوزارة المعنية كانت مجبرة مؤسساتياً على اعتماد هذا القانون، بالنظر لالتزامات المغرب في هذا المجال وبالنظر للانتشار المقلق لهذه الظاهرة، حتى وإن تم اعتماد التعريف الأممي للعنف، فقد ظل القانون محدوداً من حيث تمثل الخلفية الثقافية الذكورية للعنف كأكبر تعبير عن التمييز، بالشكل الذي يسمح بتجريم العنف الممارس في الفضاء الخاص، وخصوصا العنف الزوجي والأسري. إن القيمة المضافة لهذا القانون، كانت ستتحقق لو أنه اتسع ليشمل العنف بمختلف أنواعه، النفسي والجسدي والاقتصادي والجنسي، خصوصا وأنه يبقى من بين أصعب وأعقد أشكال العنف.
-    في غياب الإقرار بكون العنف الممارس في علاقات الزواج (بما فيه الاغتصاب الزوجي) هو تجسيد للتمييز ضد النساء المسند بخلفية ثقافية تنطلق من فكرة مفادها أن المرأة المتزوجة هي "ملك" لزوجها، من حقه أن يتعامل معها ويفعل بها ما يشاء، والمؤمنة بأن المرأة لا تملك قرارها حتى فيما يتعلق بجسدها، ستظل القوانين ولو شكلت ترسانة بكاملها، ناقصة في مواجهة هذا العنف وغير قادرة على المساهمة في الوقاية منه وحماية النساء ضحاياه.

-    القانون لوحده غير كاف، خصوصاً في حقل تحتل فيه الذهنيات والتمثلات مكانة كبيرة، إلا أن القانون ضروري بل يمكنه أن يضطلع، من الناحية التربوية، بدور المساهمة في تغيير العقليات. فحينما يستوعب فاعل العنف ومرتكبه أنه سيعاقب على جرمه وأنه لن يفلت من العقاب، سيستوعب المجتمع الذي دأب على التسامح مع هذا العنف بل وطبّع معه، أن المرأة ليست كائنا ضعيفاً ولا جسداً للتعنيف والتحقير بل كياناً وكرامة تستحق النظرة نفسها والتعامل نفسه مثلها مثل الرجل.
-    إن رفض تجريم العنف الزوجي وضمنه الاغتصاب، يخفي في عمقه عدم الإقرار بالبنية الذكورية التي تخترق النسق المجتمعي برمته والتي تتسامح مع هذا النوع من العنف بدعوى الحفاظ على التوازن الأسري، الأمر الذي قلل من أهمية القانون الذي اعتمد مؤخراً وجعله حدثاً لم يتجاوز كثيراً حدود الإعلان عنه.   
-    فبين الغموض الذي اكتنف عدداً من المقتضيات والتعميم الذي مس البعض الآخر، وبين رفض إدراج مختلف أنواع العنف التي تمارس داخل جدران مغلقة، والتي تذهب النساء ضحيتها ويبقى الصمت مطبقاً عليها، يمكن القول إن الطريق لا زال طويلاً وشاقاً حتى تتحقق خطوة نوعية وحقيقية وهادفة للقضاء على ظاهرة يذهب ضحيتها يومياً العشرات بل المئات من النساء.

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه