ظاهرة العنف ضد النساء في المغرب

في خضم المعارك وحملات الترافع التي خاضتها الحركة النسائية المغربية في بداية التسعينيات من القرن الفائت من أجل إصلاح مدونة الأحوال الشخصية، برزت قضية العنف ضد النساء، وبدأ الاهتمام بالظاهرة بمختلف أشكالها، وبضرورة العمل على التصدي لها. تمّ تأسيس أول مركز للاستماع والدعم النفسي والقانوني للنساء ضحايا العنف بمبادرة من فعاليات المجتمع المدني سنة 1995 بمدينة الدار البيضاء. وقد تلتها
2016-01-14

لطيفة البوحسيني

أستاذة جامعية مختصة بقضايا النساء، من المغرب


شارك

في خضم المعارك وحملات الترافع التي خاضتها الحركة النسائية المغربية في بداية التسعينيات من القرن الفائت من أجل إصلاح مدونة الأحوال الشخصية، برزت قضية العنف ضد النساء، وبدأ الاهتمام بالظاهرة بمختلف أشكالها، وبضرورة العمل على التصدي لها.

تمّ تأسيس أول مركز للاستماع والدعم النفسي والقانوني للنساء ضحايا العنف بمبادرة من فعاليات المجتمع المدني سنة 1995 بمدينة الدار البيضاء. وقد تلتها مبادرات أخرى سمحت بالتوسع الجغرافي لهذه المراكز التي أصبحت تغطي عدداً من جهات المغرب. وتواصلت هذه الدينامية المدنية بوتيرة متصاعدة وأثرت على الفاعلين الحكوميين والمؤسساتيين وأثارت اهتمامهم. ونُظّمت أول حملة وطنية واسعة للتعريف بهذه الظاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر 1998، إبان حكومة التناوب (1998-2002) التي كانت التزمت في بيانها الحكومي على لسان الوزير الأول آنذاك (عبد الرحمن اليوسفي) بإيلاء الأهمية اللازمة لأوضاع المرأة. وشكلت حملة مناهضة العنف ضد المرأة التي دامت لأكثر من أسبوع نقطة مفصلية، لأنها كانت المرة الأولى التي رفع خلالها "تابو" في وقت كان المجتمع لا زال يتعامل بالكثير من التسامح مع العنف ولم يكن الاعتراف بوجودها وارداً أصلاً.

سياسة الحكومة: خطوة إلى الأمام

كانت الخطوة الأولى بعد الحملة التحسيسية الواسعة، هي تنظيم ورشات للتفكير في وضع اللبنات الأولى لاستراتيجية وطنية شكلت حينها خطوة في إطار السياسات العمومية التي تهدف للقضاء على هذه الظاهرة. وبالرغم من جدة الإشكالية (لم يسبق الاهتمام بها من طرف الحكومات السابقة)، فقد سمح السياق العام الوطني حينذاك والمتميز بنوع من الانفتاح على مكونات المجتمع، بطرح الموضوع في إطار حكومي. اقتضت المنهجية المتبعة من طرف الحكومة بأن تجمع إلى جانب القطاعات الرسمية عدداً من مكونات المجتمع المدني، وخصوصاً المنظمات العاملة في حقل الدفاع عن حقوق المرأة، من أجل المساهمة معاً في صياغة تلك الاستراتيجية. سجلت السنوات الأولى للألفية الثالثة إنجاز بعض الخطوات، خصوصاً تلك المتعلقة بوضع بعض الخلايا للنساء ضحايا العنف في بعض المستشفيات ومراكز الشرطة والدرك الملكي، كما تم تخصيص وحدة لهن في المحاكم الابتدائية.. علاوة على تنظيم حملة سنوية ممتدة لأكثر من أسبوع، أصبحت تقليداً حكومياً لم تتخلَّ عنه أي من الحكومات التي تعاقبت على المغرب منذ نهاية التسعينيات وإلى يومنا هذا.

وبالنظر إلى غياب المعطيات حول ظاهرة العنف حينها، قامت المندوبية السامية للتخطيط (قطاع حكومي) بإنجاز دراسة/بحث وطني سنة 2009 لعينة من النساء والفتيات تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاماً. أظهرت النتائج أن حوالي 63 في المئة من النساء تعرضن لشكل من أشكال العنف، أي ما يمثل 6 ملايين امرأة من مجموع 9.5 ملايين امرأة. أكد هذا البحث، من خلال المعطيات الإحصائية، أنه وبعكس الاعتقاد السائد، فالعنف لا يمس النساء في الفضاء العام فقط، بل هو منتشر بشكل كبير داخل الأسر، في العائلة وبين الأزواج. حصر الظاهرة والتعرف على درجة انتشارها سمح بالحصول على ما يلزم من معطيات تساعد على بلورة سياسات عمومية منطلقة من الواقع.
الجديد هو التركيز على العنف الزوجي والعائلي الذي يتم بين الجدران، ويُعتبر شأناً خاصاً وداخلياً، والحرص على إخراجه من الفضاء الخاص إلى الفضاء العام وإلى دائرة النقاش العمومي، مع تسليط الضوء على أنواعه وأشكاله والفئات التي يمسها. فهو عنف لم يسبق أن تم الاعتراف به ولم يسبق أن اتخذت إجراءات لمحاربته وظل يلفه فراغ قانوني مهول. فحتى في الحالات التي تتقدم فيها النساء بطلب الطلاق للضرر والعنف اللذين يتعرضن لهما من طرف أزواجهن، كان القانون يشترط إبراز أدلة وحجج لإثباتهما، وتوفر شهود عيان (12 شاهداً!)، الأمر المستحيل بالنظر لأن هذا النوع من العنف يتم بعيداً عن الأنظار.

عدم التقدم هو تراجع بالضرورة

يُعتبر القانون وسيلة من وسائل الحماية من العنف بشكل عام، ومن بينه العنف الزوجي والأسري، وقد أصبح يسمى بـ "العنف القائم على النوع" (gender) الذي يختار ضحاياه من النساء باعتبارهن كائناً ضعيفاً تُمارَس بحقه كل أشكال العنف: الجسدي، والنفسي، والاقتصادي، واللغوي، والجنسي.. عنف تأسس على منظومة الهيمنة الذكورية منذ آلاف السنين، القائمة على فكرة التفوق الذكوري واختزال المرأة في جسدها وفي وظائفها البيولوجية وأدوارها الإنجابية، وقام بقمع إمكانية انتفاض النساء ورفضهن لما يمسهن من تمييز، وتعنيفهن لدى كل محاولة لإثبات ذواتهن وكرامتهن. القانون لوحده ليس كافياً بالتأكيد، ولكنه ضروري. ولا يزال هذا الجانب يشكو من نقص واضح وفراغ كبير في المغرب. فإذا كانت الخطوات التي تم اتخاذها من أجل التصدي لهذه الظاهرة مهمة، إلا أن هناك غياباً لاتخاذ إجراءات قانونية وملء الفراغ القائم.. ما يفسر الترافع القوي والمستمر للحركة النسائية التي لم تدّخر جهداً من أجل إقناع الحكومات المتعاقبة بضرورة تبني قانون يحمي النساء من العنف. وكانت الحكومة السابقة (2007-2011) قد هيأت مشروعاً إلا أنها لم تتمكن من اقراره، فجاءت الحكومة الحالية (منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011)، وأعدّت الوزيرة المكلفة بالموضوع مشروعاً آخر يستجيب لتوجهاتها (العدالة والتنمية) عملت على تقديمه للبرلمان خلال سنة 2013، لكنها لم تنجح في الإقناع به، إذ لاقى معارضة من طرف عدد من الفرقاء السياسيين، كما لم يحظَ باستحسان الحركة النسائية التي اعتبرته لا يرقى لانتظاراتها وللتحديات المطروحة.. فما كان من رئيس الحكومة إلا أن قرر تكليف لجنة لدراسته وتدقيقه، لا تزال إلى يومنا هذا لم تقدم حوله أية نتيجة.
وبين المطالبة بـ "قانون إطار" أو قانون خاص، لا يزال التلكؤ والتردد وغياب الإرادة هو سيد الموقف لدى الحكومة، التي توحي بأنها لا تستشعر هول الظاهرة المتزايدة بشكل مخيف مع تزايد العنف العام، ومع انحسار الآفاق، وغياب قوانين زجرية وردعية من شأنها الحد منها حتى وإنْ لن يكون من السهل القضاء عليها.
مشكل الإرادة السياسية مطروح بقوة، ولا يتعلق الأمر باللون السياسي للأغلبية الحالية فقط. صحيح أن المغرب لديه اليوم دستور متقدم فيما يتعلق بالحقوق والحريات، غير أن تنزيله يفتقد للإرادة، خصوصاً في ظل ميزان قوى سياسي يبدو أنه لا يضع ضمن أولوياته قضية مناهضة العنف كحق من الحقوق الإنسانية للنساء. بل يوحي الخطاب السياسي المتداول اليوم بأن قضايا من هذا القبيل تشكل ترفاً ولا تستحق اهتماماً ولا عناية.
لم يبقَ على انتهاء ولاية الحكومة الحالية إلا شهورٌ معدودة من دون أن يُسجّل أي تقدم، وذلك بالرغم من أن وتيرة المطالبة والترافع من أجل اتخاذ ما يلزم من إجراءات، بما فيها القانونية، ارتفعت وتعددت وتنوعت أشكالها. لقد أصبح الصمت والتجاهل لغة التعامل مع هذه القضية. وبدل تحقيق التراكم، علاوة على تطوير وتقوية ما تم في الماضي من خطوات ـ على محدوديته ـ فالجمود الحاصل اليوم سيساهم، على العكس من ذلك، في التراجع خطوات إلى الوراء.

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه