فلسطين: الحق والبلطجة

بين الضمير العالمي الذي يعي مقدار ما يتعرض له الفلسطينيون من ظلم، وبين الإجرام الإسرائيلي المنفلت وبين حرتقات الأمير السعودي الساعي لإرضاء ترامب ونتنياهو: الحق والبلطجة!
2017-12-21

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
ما رافق نشرة لوموند البريدية اليومية

أولاً وقبل كل كلام آخر، هاكم أعلاه الصورة التي حملتها اليوم النشرة البريدية اليومية لجريدة "لوموند" الفرنسية. الصحيفة ليست يسارية ولا عُرف عنها تأييدها للقضية الفلسطينية بأكثر مما تمليه القرارات الدولية في الشأن، ويحدث أن تُنشر فيها نصوص، سواء لبعض صحافييها أو في مجال "الرأي"، تحوي كثيراً من التأييد أو التبرير لإسرائيل وحتى لسوء النيّة المتعمدة. ولكنها هنا عبّرت عن مزاج عام يشير إلى الكيل الذي طفح من ممارسات هذه الأخيرة وعجرفتها المطلقة، ومن الخطوة الخرقاء التي اتخذها ترامب باعتباره القدس عاصمتها.
والصورة الفوتوغرافية هي بذا معايدة طيبة بالميلاد، لأهل فلسطين خصوصاً، أرض الميلاد. وهي لحظة تعكس أن الضمير العالمي يعي مقدار الظلم والانتهاك الذي يتعرض له الفلسطينيون، وهذا تأويل للحد الأدنى من المعنى. لا يوجد شك في أن السلطات الاسرائيلية ستعترض بقوة على هذا النشر، وستضغط لمحاسبة المسئول عنه.. وستمتطي وقاحتها المعهودة في السجال بصدد الواقعة. ولكن نشر "صورة اليوم" تلك على "نيوزليتر لوموند" التي تصل لمئات الآلاف على الأقل في كل العالم، وهو شيءٌ مفرح، يثبت جدوى نضال الفلسطينيين، تضحياتهم الجسام وصمودهم على مدى ثلاثة أرباع القرن، ومعهم الحركات والافراد ــ أينما كانوا وأياً كانت أجناسهم وأديانهم ــ الذين وجدوا في القضية الفلسطينية صدى لقناعاتهم المبدئية حول العالم والبشر، وحول تعريف الحق والظلم. ميلاد مجيد وكل عام وأنتم بخير.

 

***

 

بمقابل ذلك، يغضب أمير السعودية لأن رئيس السلطة الفلسطينية وملك الأردن لم يستجيبا لضغوطه بمقاطعة قمة اسطنبول الاسبوع الماضي، وهي التي انعقدت لصياغة جواب رسمي، عربي وإسلامي، على قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة إسرائيل ونقل سفارته إليها. يعني أن الشاب الأرعن الذي يحكم الجزيرة العربية يعتقد أن حرتقاته مع أنقرة وإيران خصوصاً، ومع قطر أيضاً، هي أعلى وأهم من أي شأن آخر في هذه الدنيا.. وهو الذي استدعى محمود عباس قبل إعلان ترامب ذاك وقال له أن عليه أن يقبل بالخطة التي عرضها عليه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره للشرق الاوسط، الذي يتفوق على حماه بصهيونيته الايديولوجية المتطرفة (بينما قد يكون لدى الرئيس الأميركي بعض الدوافع التي تتعلق بمصالح انتخابية ومالية يرى أن اللوبي الصهيوني يحققها له، ما لا يغير على أية حال شيئاً من النتيجة).


اقرأ أيضاً: في أي عالم نعيش؟


الأمير المفتتن بنفسه والمعتد بها حد السذاجة الشديدة، يرفّه عن شخصه بالبذخ المجنون في أوقات فراغه من ضرب الشعب اليمني المسكين بالصواريخ. وهو اشترى قصر الملك لويس الرابع عشر بالقرب من باريس بـ300 مليون دولار، وأفخم يخت في العالم بـ450 مليون دولار ولوحة ليوناردو دا فينشي "المخلص" ــ وهي رسم للسيد المسيح ــ بـ450 مليون دولار. المبالغ هو يمتلكها أصلاً (بغض النظر عن مصدرها وعن حملته على الفساد)، ولكن لو دعا الأمر يعوضها مما "يشلحه" لسائر الامراء وكبار رجال الأعمال السعوديين الذين يحتجزهم ويساومهم على الإفلات مما وصفته الصحف البريطانية بالتعذيب الشديد الذي يقع عليهم وتقوم به فرقة من مرتزقة "بلاك ووتر"، التي صار اسمها "أكاديمي" تأدباً بعد جرائمها في العراق، والتي يقع مقرها في.. الامارات المجاورة. كما يعوضها من جيوب عامة الناس بإعفاء الدولة السعودية من مهامها التقليدية في إعادة توزيع جزء من الريع النفطي على رعاياها والذي كانت تقوم به على شكل اعفاءات من الضرائب أو من كلفة خدمات أساسية. تلك هي مجالات إهتمامه، وهو لا يعرف فلسطين إلا كهدية ترضية يدفعها لترامب ونتنياهو مقابل دعمهما له.

 

***

 

لم يكتف ترامب بفعلته، ثم بوقوفه وحيداً في مجلس الأمن بينما حتى أقرب حلفائه يصوّتون بالإجماع ضد فعلته، فها هو يقرر تهديد الدول التي قد تُصوت في الجمعية العامة للامم المتخدة ــ حيث لا فيتو ولا من يحزنون ــ لمصلحة إدانة قراره. ماذا تفعل سفيرته؟ تعلن أن "الولايات المتحدة ستأخذ أسماء الدول المصوِّتة ضد خيارنا". يا سلام! ثم ماذا؟ وهذه بلطجة أخرى..


اقرأ أيضاً: هل الاستسلام حل؟


مقالات من فلسطين

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....

وليد دقة الذي عاش ومات حرّاً

2024-04-11

عاش وليد دقّة غصباً عن القيد، غصباً عن السجان، غصباً عن الزنزانة، غصباً عن دولة الاحتلال بأكملها، غصباً عن العالم المختلّ بأسره، غصباً عن المرض أيضاً، غصباً عن العمر المنهوب...

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...