اضحك لتهضم جيداً في رمضان

ننشر بدءاً من هذا العدد نصوصاً حرة، ذاتية او سوسيولوجية، عن رمضان. ولكن هل حقاً ثمة فارق بين النوعين؟ منذ سنة بالتمام، قدمت السفير العربي، وكانت في بداياتها، وصفات للإفطار من مختلف بلدان المنطقة، يمكن مراجعتها على موقعنا http://arabi.assafir.com/articles.asp?tag=14. وكانت تقصد بذا الإشارة الى أهمية الطعام: ما تقوله خيارات مكوناته، وطريقة طهيه، والطقوس المحيطة بتقديمه
2013-07-17

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
خضير الحميري ــ العراق (خاص "السفير العربي")

ننشر بدءاً من هذا العدد نصوصاً حرة، ذاتية او سوسيولوجية، عن رمضان. ولكن هل حقاً ثمة فارق بين النوعين؟ منذ سنة بالتمام، قدمت السفير العربي، وكانت في بداياتها، وصفات للإفطار من مختلف بلدان المنطقة، يمكن مراجعتها على موقعنا http://arabi.assafir.com/articles.asp?tag=14. وكانت تقصد بذا الإشارة الى أهمية الطعام: ما تقوله خيارات مكوناته، وطريقة طهيه، والطقوس المحيطة بتقديمه والتهامه... أهميتها في البناء الاجتماعي، وفي نظام علاقاته، وفي دلالات كل "حركة" يؤتى بها. وخلال هذا الرمضان، تستقبل السفير العربي مساهماتكم وتعليقاتكم حول هذا الموضوع الممتع.
******************************

يتفاعل المغاربة مع حلول رمضان بحيوية. أهلا وسهلا بكم في هذه الساحة التي يكثر فيها الدعاء والاستغفار من جهة، والمزاح الحلو بلغة العسل من جهة أخرى. بدأ مسلسل هذا العام عندما أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عندنا أنها اتصلت بنُظّارها وبوحدات القوات المسلحة الملكية المساهِمة في مراقبة الهلال، فأكدوا لها جميعا عدم ثبوت رؤيته، وعليه فإن شهر شعبان يكون قد استكمل الثلاثين يوما، ويكون فاتح شهر رمضان المعظم هو يوم الأربعاء. تساءل أحد الظرفاء: ولماذا لم يستكمل واحدا وثلاثين؟ رد عليه آخر أنه سيكملها إن شهد هلالا أخضر مضاء على باب صيدلية.
منذ اليوم الأول لرمضان اشتدت الحرارة، فاقترح بعضهم على وزارة الأوقاف أن تراقب الشمس لا الهلال. بينما زعم الرواة أن ذلك عقاب إلهي. قديما كان العقاب الرباني بطير أبابيل وبالجراد والضفادع، والآن بالطقس. تعيش الأرض أكثر سنواتها حرارة، وتم اقتراح حل: أن يجري نقل شهر رمضان ليتزامن مع شهر يناير. وقد ظهرت شعارات مثل "الشعب يريد إسقاط القيظ". تأثر البعض من الحرارة، وروي أن رجلا اعترف بأنه لولا المضمضة أثناء الوضوء لما أكمل صيام يومه.
بعد اليوم الأول، تكيف الناس مع الشر الميتافيزيقي وراحوا يبحثون عن النوادر. النادرة الأولى تأخر إعلان حركة "ما صايمينش" (آكلو رمضان) لموقفها بالإفطار نهارا جهارا، كما حصل في السنوات الماضية. مع الأسف، هاجر معظم نشطاء الحركة إلى الغرب. بعدها كتب الصحفي رشيد البلغيثي، وهو من "حركة 20 فبراير" عن حيلهم ضد المنع الحكومي وضد ذويهم. وقد استجوب الصحافي عددا منهم وأعطاهم أسماء مستعارة لحمايتهم. صرحوا أنهم يعمدون إلى تخزين الأكل والسجائر في غرفهم. شابة منهم تزعم أن لديها عادة شهرية لا تنتهي. شاب يحرص على إغلاق النوافذ أمام عيون الفضوليين المفتوحة. لكن رائحة السجائر والشاي المنعنع تكون نفاذة في رمضان وتكشف... تساءل مُعلق كيف يسجن المفطر ستة أشهر بينما لا يعاقب تارك الصلاة، وهي عماد الدين؟ للإشارة، يُعد أعضاء "وكالين رمضان" على رؤوس الأصابع، ويثيرون جدلا أكثر من حجمهم في الصحف التي لا تجد ما تقدمه لقرائها كل صباح.
بدل السجن، يمكن للمفطر أداء كفارة. كتب صحافي على صفحته في الفايسبوك أن من أفطر يوما عمدا بإمكانه إطعام ستين صحافيا، أما من أفطر شهرا فعليه إطعام الصين.
بعد ذلك انتقل المُنكّتون من غير المؤمنين إلى المؤمنين الموسميين؛ ففي رمضان يكثر الذين يؤمنون فجأة. يحثون أنفسهم على غض البصر لتجنب مشاريع الإفطار التي تمر أمامهم. يرددون جملة "إإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا"، وهم يعِدون بالتعفف في كلامهم على أن يعودوا لاستخدام الشتائم المعتادة في عيد الفطر... يقول الناس إن ليس لهؤلاء من رمضان إلا الجوع، وجلهم يخشى المخلوق أكثر مما يخشى الخالق... وقد ذكّرهم الفايسبوك بعدد ركعات الصلوات الخمس... بعضهم يزيد إيمانه، لأن الإيمان يزيل الجوع. زعم فقيه أن إيمانه يزداد في رمضان، فسأله أحدهم: إن كنت تصلي وتسلَّط عليك أسد هل تتابع صلاتك؟ أجاب الفقيه: طبعا، إذا حافظتُ على الوضوء.
في هذا الصيف الحار، يقضي جل الصائمين أيامهم في تأمل دلع رقّاص الساعة. يشتكون من ثقل الزمن. ومن باب الاستعجال يتساءلون كل يوم كم بقي لعيد الفطر؟
مع تقدم رمضان، تتعرض ميزانيات الأسر للإنهاك بسبب تزايد مصاريف التغذية. في رمضان تزيد الأسعار، ليس لأن السلع قلت بل لأن الناس يعتقدون أن الزيادات في رمضان طبيعية. ويركب التجار هذا الاعتقاد فيضاربون... السلعة الوحيدة التي يزداد سعرها بسبب شدة الاستهلاك هي الكرفس. يقال إنه مفيد جنسيا حتى في سن اليأس. ويرتفع ثمنه في رمضان لأن النساء يتعمّدن إكثاره في "الحريرة" (الحساء)، والعهدة على الراوي، وهو رجل. ولكي لا يُفوِّت المساهمة في التنكيت الرمضاني، أفتى الشيخ الشهير، عبد الباري الزمزمي، بأن "الاحتكاك بين المرأة والرجل في الحافلات لا يفسد الصيام حتى لو نتج عنه قذف". بذلك لن يكون الزحام في الحافلات مضرا برمضان. ففي هذا الشهر الكريم تتقوى صلة الأكل والحُب. يحكى أن شابا أهدى حبيبته ببغاء يقلد صوت الآذان. بعد أسبوع، سأل الحبيب عن حال الببغاء. أجابته الحبيبة: وزنه خفيف لكن مذاقه لذيذ مثل مذاق الدجاج.
في رمضان يحاول المغربي أن يبلع في وجبتين كل الكمية التي يتناولها عادة في ثلاث وجبات. وبما أن الليل قصير، فبطنه ينتفخ فيغط في "سابع نومة" ويمكن جره من رجله دون ان ينتبه.
ولتجنب النوم الفوري الثقيل، يغادر المغاربة البيت للسهر في مقهى أو مطعم. وهناك يتابعون النقاش حول الأكل. يستغربون فتح المطاعم نهارا للسياح. فهل يجوز للصائم إعانة غير المسلم على الإفطار في أرض الإسلام؟ هذا سؤال موجه للشيخ القرضاوي.
بين حكاية وأخرى، يتحدث المنكتون عن أحوال مصر، والجديد أن السلوك السياسي للإخوان المسلمين قد زاد من جرعات السخرية. خطاب مرسي كان طويلا لأنه الأخير، وهو خطاب فيه أخطاء لغوية، ويؤكد أن الرئيس الإخواني المخلوع لا يحفظ القرآن... لم يعد واضحا أن "الإسلام هو الحل"، حتى أن السعودية فضلت العسكر على أصحاب الشعار.
الغاية من الصيام في كل الأديان هي تذكير المؤمنين بالجوع والتفكّر في حال الجياع. لكن زيادة الاكل تحرف الغاية والنوم الزائد يعرقل التفكر... لذا يسخر الصائمون من حالهم. وهكذا يصير المقدس موضوعا للنكتة. الموقف الديني من الضحك واضح: إنه يميت القلب. لكن الأطباء يزعمون أن الضحك يوصل الدم إلى كل أطراف الجسم، يساعد على الهضم. والمهم أن الضحك لم يقتل أحدا بينما قتل الهَم الملايين...
كاتب وسينمائي من المغرب

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه