تستمر "التغريبة السودانية" في رسم مصير العائدين، الذين يغادرون القاهرة مثقَلين بضغوط الغلاء والأزمات الاقتصادية، ليواجهوا وطناً لا تزال ملامحه غير واضحة، بين سيطرة واستعادة. وبينما تحرِّكهم دوافع اقتصادية قاهرة أو الاستجابة إلى نداء إعادة بناء مؤسسات الدولة (كما في حالة موظفي الكهرباء)، يبقى السؤال معلّقاً على مفترق طرق النيل: هل هذه العودة هي حقاً "عودة طوعية" إلى الوطن المستقِر، أو هي هروب اضطراري، من منفى صارت تكاليفه غير محتملة،...
يُمكن النظر إلى الماء كعنصر يُعيد إنتاج التفاوتات الاجتماعية. فمن جهة، تحظى الفضاءات السياحية والمناطق الصناعية بوفرة مائية نسبية، تضمن لها الاستمرارية والاستقرار، بينما تُترك الأحياء الشعبية والقرى الفلاحية في حالة "تعطّش" . هذا التفاوت لا يَعكس فقط خللاً في التخطيط، بل يدل على أولوية سياسية منحازة إلى منظومة إنتاجية تُراكم القيمة، على حساب شبكات الحياة اليومية للمواطنين.
خلصت دراسة صدرت عام 2020 حول العنف الإلكتروني ضد النساء، شملت آراء عينة من 400 امرأة مصرية، عبر استبيان إلكتروني، إلى أن 41.6 في المئة من المشاركات تعرضن لعنف رقمي خلال عام 2019، أي نصف العينة، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي هي أكثر الوسائل التي تعرّضت من خلالها النساء للعنف الرقمي، بنسبة 72.8 في المئة من الحالات. أما مرتكبو العنف فكانوا مجهولين من الضحايا بنسبة 92 في المئة.
تزامن سقوط الفاشر على يد قوات الدعم السريع، مع تسريبات كثيفة حول تفاوض غير مباشر بين الجيش وتلك القوات في واشنطن. وعلى الرغم من النفي الرسمي الصادر من مجلس السيادة السوداني، إلا أن تقارير غربية عديدة لا تزال تتحدث عن التفاوض. وإذا كان بالفعل هناك بداية لأي شكل من التفاوض، فإن التطورات الهائلة، بسيطرة قوات الدعم السريع على إقليم دارفور، يمنحها موقفاً تفاوضياً أقوى، مقابل موقف أضعف للجيش وشركائه، بعد...
غياب العاصمة ــ كقلب نابض للبلاد ــ يُضعِف من قدرة الدولة على إدارة شؤونها، ويعمِّق من حال التشرذم والانقسامات الجهوية والمناطقية. وتبقى عودة الحياة إلى الخرطوم رهينة بتوافر إرادة سلام حقيقية، تعبِّد الطريق أمام عملية إعمار شاملة لكي تستعيد العاصمة مكانتها.
عُدت إلى المدينة، وهي لم تزل بعيدة عن تلك التي أعرفها. أفتحُ الشباك، أشعرُ بها شاحبة، متألمة، بلا ضجّة، ولا ضوضاء، ولا أطفال يلعبون. حتى في ذلك الوقت، الذي كانت القذائف تسقط فيه، قبل النزوح بأيّام، كان الأطفال يهربون من الخوف إلى اللعب في الشارع. الآن لا أراهم، أكلهم شبحُ النزوح، وهمّ المدينة المسلوبة. كأنّ وحشاً مرَّ من هنا وهرس المدينة تحت قدميه. نتأمّل وكأننا نقول: "أعيدوا مدينتنا التي نعرفها"....
شهدت مناطق طرح النيل في بعض مراكز محافظة المنوفية، غرقاً واسعاً لأراضٍ زراعية ومنازل خلال الأيام الماضية، جراء ارتفاع منسوب مياه نهر النيل إلى مستويات غير مسبوقة.. وفي مشهد يعيد إلى الأذهان كوارث الفيضانات التاريخية، اضطر الأهالي إلى استخدام المراكب للتنقل، بينما غرقت مئات الأفدنة من المحاصيل. وبحسب تصريحات مديرية الزراعة المحلية بالمحافظة، فإن أغلب هذه المساحات تقع في فواصل زراعية، عقب رفع محصول الذرة، ما يهدد الأسر الفلاحية بأضرار...
قابس الوديعة والصبورة تعيش منذ أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الفائت، حالة من الغضب والسخط الشديدين، تعبِّر عنهما بأشكال مختلفة لكن بمطالب موحَّدة. هذه المطالب تريد نهاية لـ"جريمة" تعيشها قابس منذ حوالي نصف قرن وليس نصف شهر. وتتفاعل السلطات الجهوية والمركزية بـ"تكتيكات" متعددة، في محاولتها لتفكيك الأزمة في قابس بأقل التنازلات، فيما ينقسم الرأي العام في تعامله مع الأحداث وفقا لحسابات سياسية واقتصادية.
أحمد نبيل الهلالي، ابن الباشا رئيس الوزراء الأسبق، الذي انحاز إلى الشيوعية كأيديولوجيا، كان من أكبر المدافعين عن سجناء ومعتقلي التيارات الإسلامية، وغيرهم، وهم يقفون في الناحية الأخرى من أفكاره وقناعاته. ولكن الرجل أدرك منذ وقت مبكر للغاية أنه يجب أن يدافع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان، قبل الانتماءات الفكرية. كان الهلالي ينطلق من بديهية أثبتتها الأيام العجاف: فقمع أي فصيل سياسي يمكن أن يطال فصائل أخرى فيما بعد، طالما...
من بين حكايات صمود الأقمار، التي تستحق أن تُروى، ما حدث عند دخول وزير داخلية الكيان الغاشم إلى ميناء أسدود حيث احتجز المناضلون. وحين بدأ في توجيه كلامه البذيء تجاههم، وتهديدهم، خرج له صوت هادر يهتف ب"الحرية لفلسطين". ثم قام التونسي مهاب السنوسي برفع علم فلسطين الذي كان يخفيه في ثيابه، رافضاً أن ينحني للعسف. كانت حركة عميقة، صفعة للتجبر في وضح النهار، ما جعل عناصر شرطة الاحتلال يعتدون عليه.
كثيراً ما يُوصف شباب هذا الجيل بأنهم يفتقرون إلى النزعة التأطيرية الكلاسيكية، ويَنْزعون إلى الانفعالية والعنفوان، ويحتجون من دون تبنيهم لمشروع مجتمعي مؤطَر أو رؤية ناضجة. لكن يحضر خلف هذا الحكم القطعي واقعٌ أكثر تعقيداً. فهم يعيشون في سياق اجتماعي مثقل بتدهور الخدمات العمومية، ومستشفيات ومدارس لا ترقى إلى تطلعاتهم، وفساد ينهش ما تبقّى من ثقة في المؤسسات، في وقت تُوجَّه فيه الموارد المالية والاستثمارات إلى مشاريع كبرى، مثل التحضير...
على مدار سنتيْن أسس بعض الناس حياتهم أكثر من مرة في كلّ رحيلٍ ونزوح، واضطروا إلى الاستغناء عن أغراضهم. لكنهم هذه المرة، أخذوا أغلب ما يحتاجون للاستمرار في الحياة، إلّا البيت.
الثِقل الحقيقي لا يُحمَل على عربات، بل يسكن القلوب. لا أحد ينجو بأبوابه ونوافذه، النجاة الوحيدة أن نحمل ذاكرتنا عارية، بلا خشب ولا حديد. ليبقَ البيت في مكانه، وليُدفن مع ذكرياته إذا سقط.
تحدّثت المشهري في حوار صحافي، عن تجاوزات مهولة وضغوط شديدة تحيط بها. لم تعلن عن عدد الموظفين الوهميين المحسوبين على إدارة الصندوق، لكنها قالت إنها تمكنّتْ من استبعاد 200 اسمٍ منهم. لم تتحدّث عن المبالغ التي تذهب إلى شبكة الفساد، لكنّها قالت إنّ العجز الذي كان على الصندوق حين تسلمَت إدارته بلغ 400 مليون ريال (ما يعاد 266 ألف دولار). إيرادات الصندوق كانت لا تتجاوز 90 مليونًا (60 ألف دولار)،...
ما يبدو مجرّد إجراء إداري هو في الواقع ممارسة سياسية واجتماعية، لإعادة توزيع الحق في الزمن، بين من يُسمَح له بالعبور ومن يُجبَر على الانتظار.. أو على الحرقة. الإقصاء هنا ليس عقوبة فردية بل آلية جماعية، تعيد إنتاج علاقة الهيمنة بين الشمال والجنوب: مجتمع بأكمله يوضَع في خانة الخطر، وتُبنى حوله جدران غير مرئية، تعيق الحركة وتُرسّخ الشعور بالدونية.
بدلاً من النزوح، وتأسيس حياةٍ جديدة، والبحث عن مستلزماتها التي ستكون مُكلفة بشكلٍ كبير، يأخذ الناس حياتهم معهم، ويُغيّرون المكان. ويا ليتَ تغيير المكان سهل، فالمكان في كلّ نزوح ليس مكاناً، ولا يتعدّى أن يكون محاولة أُخرى للعيش في جحيمٍ صغير.
قُدِّمت قبل أسابيع قليلة "مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الأحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري"، التي أطلق عليها قانون رقم (1) لسنة 2025، وهي سارية ابتداءً من شباط/ فبراير 2024، ويمكن تطبيقها بأثر رجعي على أي زواج سابق. فبحسب التعديل، للزوج حق تغيير عقد الزواج الذي أُبرم سابقاً بحسب قانون الأحوال الشخصية 188، الى ما اصطُلح عليه بالمدونة الشرعية، أي قانون رقم 1 لسنة 2025، حتى من دون علم الزوجة.
العمل المركزي للمرأة اليمنية هو الزراعة. وهي اعتادت على ممارستها في شتى مراحلها، سواء بمعية الرجل أو بدونه. وأما العلاقة بين الإنسان والأرض، فقد تجاوزت في حياة الإنسان اليمني مسارها النفعي، إلى فاعليتها في تشكيل المدخل والبعد الأساسي لتكوين شخصيته، ونمط تفكيره، وعلاقاته الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والحضارية بصفة عامة. ووقد فتح دور المرأة المحوري في العمل الزراعي، نافذة للحرية، وأتاح لها الخروج إلى الرجال، غير متحرِّجة من الحديث معهم بأريحية،...
هَرّبت أغلب العائلات شبابها إلى مدن أوروبا، حيث ذابوا في الجدران هناك، فوقعتْ المسؤولية الكاملة على عاتق الفتيات، كي يحفظن مدينة اللجوء هذه من التحول إلى أنياب جائعة. يعملن، لأن الجوع غيمة ستسافر في سماء الجميع، وتُمطر كالسيل. وحدهن الشجاعات سيحتمين ويحمين أهاليهن بمظلات من عزيمة.
يُخيِّم على العالم شبحٌ من السواد الخانق. وثقوا أنه إن لم يكن اليوم، فغداً: لا نجاة من دون نجاة غزة.
المزيد