كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى البحث عن رغيف!
على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة للنقابات المهنية أو العمالية، أو الجامعات، ووزارة الثقافة، أو مشروعات خاصة، ومشاتل زهور، ومساحات مزروعة، وهي قد ضُمّت إلى ولاية "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة"، إلا أن السلطة في مصر تتغاضى عن ذلك.
لا أريد الرحيل، لأني أعرف أن تحمّل الحرب عن بُعد أصعب من عيشها على الأرض... كنت ممتلئة بوهم العودة إلى المنزل، منزلنا الكائن في "الضاحية الجنوبية"، المنزل الذي لطالما مللتُ العيش فيه. الآن، لا أفهم طبيعة وقوعي في حبّه، بعد اثنين وثلاثين عاماً من العيش تحت سقفه.
لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات رنانة. وبذلك أُفُرِغ مفهوم الصمود من دلالاته التطبيقية، وتمّ حرف مساره من قبل المانحين. وهناك جزء من المجتمع الفلسطيني، تماهى مع أجندة المانحين، بدليل تبني عددٍ من المشاريع التنموية (الوهمية) ضمن إطار "الصمود".
وقع النصيب الأكبر من الحرائق الأخيرة في محافظتي"اللاذقية" و"حمص". ووفق معلومات محلية مصدرها مديريات الزراعة في هاتين المحافظتين، فإنّ هناك ثمانين موقعاً اشتعلت فيها النيران بشكل مفاجئ، ودفعة واحدة، مما يجعل من حضور العامل البشري في إشعالها كبيراً. وفي حمص، بلغ عدد أشجار الزيتون المحترقة 68.8 ألف شجرة. ولم يُعلن حتى الآن عن الخسائر في "اللاذقية"، والمتوقع أن تكون أكبر من "حمص"، بسبب المساحات الشاسعة التي احترقت.
خوف الناس من وحشية آلة الحرب الإسرائيلية قد تحوّل إلى خوف من بعضهم البعض. وصار هاجسهم ألا يكون الشخص الذي يقف إلى جانبهم، أو ذاك الذي يقود السيارة التي تسير أمامهم، أو ذاك الذي يقطن في الشقة التي تعلو شقتهم هو من المصنفين HVT.
شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف فارس، الذي لم يغادر شمال القطاع منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية. أظهر يوسف فارس مع هذه الصور التي التقطت، على بساطتها، ما يصدم: ملامح تمرّدٍ وسط العنف الدميم، وإعلان حياة طالعٍ من قلبِ الموت العميم...
المصطفّون في معسكر الجيش، صاروا يحرِّمون مجرد السؤال عن دوره في حماية الناس، أو حتى محاولة إنقاذهم، ويعتبرونه سؤالاً موغلاً في الخيانة الوطنية، ويخدم أجندة الطرف الآخر. بل بلغ العته ببعضهم إلى إسقاط هذا الدور عن الجيش تماماً. وبين هذا وذاك تستمر مذابح المدنيين، طالما أن الحواضن السياسية للطرفين تقوم بدور الشيطان: تزّين لـ"قوات الدعم السريع" أفعاله، وتُهوِّن على الجيش تملصه من المسؤولية الأخلاقية والدستورية.
حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة شديد البطئ، والمساعدات دون المستوى، وعمليات الإجلاء جاءت متأخرة جداً.
يتعلّق قلب أبي بأرضه، وهذا ما جعلني الآن أُدرك كيفَ تعلقَ أجدادنا بأرضهم، ويجعلني أُدركُ كيف يتعلق أولئك الذين نزحوا أو هاجروا ببلادهم، ثم يقررون بعد عشرات السنين العودةَ إليها. إنهُ يُحبها بشكلٍ لا يُحتمل ولا يُصدّق. يُحب موسم الزيتون، وقد انتهى موسم، ولم يجني من تعبه وأيام زيارته واعتنائه الطويلة بها، شيئاً. وأدركَ أنها لن تعودَ لوقتٍ طويل.
تهدف التغيرات الكبيرة التي تحدث في تلك البقعة من القاهرة، وبشكل تدريجي ومن دون تراجع، إلى محو ذلك الحنين إلى الميدان، ومنع إمكانية تكرار المظاهر الاحتجاجية في منطقة "وسط البلد"، لتتحول إلى مكان للتنزه والاستهلاك، بينما يُسحب منها أيضاً بساط الأنشطة الثقافية والسياسية، بفعل قانون منع التظاهر والتضييق على الحريات.
في أيار/ مايو الماضي، استهجن عدد من الصحافيين الإلكترونيين في مصر، عبر مجموعة إلكترونية على فيسبوك تسمى "عضوية النقابة حق للصحافيين الإلكترونيين"، تهميش مجلس نقابة الصحافيين لمطالبهم المستمرة منذ سنوات، بإعادة النظر في قانون النقابة ولائحة قيد الصحافيين داخلها، إذ دعا النقيب للمؤتمر العام السادس للصحافة المصرية الذي ينعقد الشهر الجاري، من دون الإشارة إلى أزمة الصحافة الإلكترونية في مصر.
اختلفت الآراء حول قرار عبد الناصر تأميم "شركة قناة السويس البحرية". وفيما ذهب البعض إلى نعته بالرعونة والتسرع، وإلى الإشارة إلى "ثمنه"، إذ اضطرت مصر إلى تأدية تعويضات للأجانب من المساهمين وحمَلة حصص التأسيس، وكانت فادحة، رأى آخرون أنه كان قراراً وطنياً ثورياً وصائباً، بعد أن سحب البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية عرضهم بتمويل مشروع السد العالي، الذى عُقِدت عليه الآمال في إحداث طفرة زراعية واقتصادية كبيرة في البلاد .
الحدث الأصعب في تاريخ "السكة الحديدية"، معروف بكارثة "قطار الصعيد"، في العام 2002، عندما اندلعت النيران في عدد من عربات قطار الركاب المتّجه من "القاهرة" إلى "أسوان"، وقد وصل عدد الضحايا حينها إلى أكثر من 350 مسافراً. واستحوذ العام 2009 على العدد الأكبر من الحوادث، بمعدل 1577 حادثاً، كان أبرزها وقوع فاجعة جديدة نتيجة تصادم قطارين، مما أودى بحياة 30 راكباً وإصابة آخرين. ثم تصادم قطار بحاجز أسمنتي داخل محطة...
أما هم، فيأتون خفافاً. هؤلاء الشهداء والجرحى والأيتام والثكالى، ممن تسقط على رؤوسهم في كل صباحٍ "كربلاء"، يأتون على الرغم من هذه الأحمال العجاف والهول، يأتون أحياءً على الرغم من الموت. أما نحن، فمدفونون في أعماق الجب، مدفونون بعظامٍ منخورة حد الرعب، ودُفنت معنا أحلام "يناير" في أعماق الطين، الذي يُخشى أن يَضِن عليه النهر. الحزن علامتنا الصحية للرغبة في العصيان، حتى لو غابت الإرادة، علامتنا للرغبة في الحياة، ولو...
تعيش تونس اليوم مأزقاً جماعياً، يتمظهر أساساً في طبيعة العلاقة بين أضلاع مثلث العملية السياسية: سلطة لم تُظهِر إلى حد الآن قدرة حقيقية على تغيير الأوضاع نحو الأفضل، وتُصر على القطيعة مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، ومعارضة عاجزة عن التأثير في المشهد السياسي والساحات الشعبية، وأغلبية شعبية تريد "التغيير" لكن من دون "تغيير" حقيقي، مع حنين إلى نماذج قديمة، حققت بعض النجاحات، لكنها أدت ـ كذلك ـ إلى أزمات وانفجارات...
نحن اليوم كلبنانيين، على كل علاتنا ومشاكلنا وتناقضاتنا، وعلى الرغم من شعورنا بأننا أفراد مهمّشون في وطننا، قد نكون بأمس الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى خلق جبهة داخلية تَحُول دون تحقق المشروع الصهيوني، كي نحافظ على الوطن.
على الرغم من أن تحركات الجيش مؤخراً وتحقيقه لانجازات، لا تزال محدودة بالمقارنة مع حجم انتشار وتوغل "قوات الدعم السريع"، إلا أنها تعتبر تحوّلاً استراتيجياً في وضع الجيش، الذي استكان طويلاً في مواقع الدفاع، وتوالت عليه الهزائم وسقوط المدن. معركة "الفاشر"، غربي السودان، فاصلة في مجريات الحرب في جميع أنحاء البلاد، وسيترتب على ما ستنتهي إليه المشهد النهائي.
يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء" هي العاصمة. وعلى ذلك، فإن هذا الإجراء يحيل على نسق من اتصال الحاضر بالماضي، من خلال صور متكررة لتحوّلات العاصمة في اليمن، على امتداد التاريخ اليمني، منذ أقدم العصور حتى اللحظة الراهنة.
تُظهِر فلسطين اليوم بوضوح تام قبحَ النظام الحالي وتُكثّف تناقضاته القاتلة. وهي تُظهِر أيضاً ميله إلى الانتقال نحو استخدام العنف الوحشي الخالص على نطاق واسع. ما يجري أيضاً هو إبادة بيئية أو ما وصفه بعضهم بالإبادة الكلّية، أي إبادة نسيج اجتماعي وبيئي برمّته.
المزيد