هل موريتانيا مقبلة على حوار وطني شامل؟

هناك حاجة فعلية وملحّة للحوار الوطني في موريتانيا، إذ لا تزال العديد من القضايا العالقة، مثل: تسوية الإرث الإنساني، ومكافحة العبودية ومخلفاتها، وتعزيز التعايش المجتمعي، والتوزيع العادل للثروة، تحتاج إلى نقاش جاد لإيجاد حلول دائمة. في الوقت نفسه، تعاني العملية الديمقراطية من أزمة ثقة متجددة، حيث ظلّ التشكيك في نزاهة الانتخابات سمة دائمة منذ انطلاق المسار الديمقراطي.
2025-03-27

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
مسيرة ل"الحرَّاطين"، وهم أبناء العبيد سابقاً، في نواكشوط - موريتانيا

أعلن الرئيس الموريتاني "محمد ولد الشيخ الغزواني" في 9 آذار/ مارس الجاري، عزمه إطلاق حوار شامل خلال الأسابيع المقبلة، وذلك في مأدبة إفطار نظمها بحضور ممثلين عن الأحزاب السياسية من الموالاة والمعارضة، بالإضافة إلى المرشحين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وقال ولد الغزواني في إعلانه، إن لديه قناعة كاملة وراسخة "بأن التشاور والحوار يشكلان السبيل الأمثل لتدبير الشأن العام والتعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى"، مؤكداً أن الحوار سيكون شاملاً، ولن يستثني أي طرف سياسي، وأنه يطمح اليوم إلى تنظيم حوار "يخدم المواطن ويحقق المصلحة العليا للوطن، ويمكِّن من الحسم النهائي لملفات جوهرية لا تزال عالقة، على الرغم من تداولها في حوارات سابقة، ورغم ما بذل من جهود لحلحلتها".

أثار هذا الإعلان موجة من التساؤلات والنقاشات حول جدوى هذا الحوار، وأهدافه، والتحديات التي قد تواجهه.

هل هناك حاجة إلى الحوار في موريتانيا؟

يأتي إعلان ولد الغزواني في ظل مطالبات عديدة من أطراف سياسية معارضة بإجراء حوار وطني شامل، يهدف إلى معالجة الأزمات التي تعصف بالبلاد، ولمجابهة المخاطر المحدقة بالدولة. ولا سيما بعد فشل محاولة إجراء حوار سابق في المأمورية الأولى، للرئيس وهو ما كان يؤخذ عليه من طرف بعض المعارضين، إذ يرون أنه لا يفي بوعوده، ويسيّر البلد بشكل أحادي، ولا يفتح المجال أمام الرأي المخالف له.

ويندرج الحوار المرتقب، ضمن جولات متعددة من الحوارات، التي شهدتها موريتانيا منذ بداية "التحول الديمقراطي" في التسعينيات من القرن الفائت، تمخضت أحياناً عن توصيات أثّرت على العملية السياسية، بينما لم يُكتب النجاح لجلها.

يكمن التحدي الأساسي بالنسبة إلى السلطة في مدى استعدادها لتطبيق توصيات الحوار، خاصة في القضايا الحساسة، مثل تسوية الإرث الإنساني، حيث يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية، وشجاعة وصرامة وشفافية لمعالجة هذا الملف وتسويته بشكل جاد. ومن بين القضايا الأخرى التي تطرح تحديات كبيرة هي العلاقة بين الجيش والسياسة، إذ إن المؤسسة العسكرية ظلّت لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي خلال العقود الماضية، مع استمرار وجود شخصيات ذات خلفية، عسكرية في مواقع حساسة كرئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية. 

وفي حديث مع الباحث المساعد في "مجموعة الأبحاث حول الساحل" في "جامعة فلوريدا"، باب ولد آدو، قال عن الحاجة إلى الحوار: "هناك حاجة فعلية وملحّة للحوار الوطني في موريتانيا، إذ لا تزال العديد من القضايا العالقة، مثل: تسوية الإرث الإنساني، ومكافحة العبودية ومخلفاتها، وتعزيز التعايش المجتمعي، والتوزيع العادل للثروة، تحتاج إلى نقاش جاد لإيجاد حلول دائمة. في الوقت نفسه، تعاني العملية الديمقراطية من أزمة ثقة متجددة، حيث ظلّ التشكيك في نزاهة الانتخابات سمة دائمة منذ انطلاق المسار الديمقراطي، مما أدى إلى نزاعات مستمرة بين المتنافسين وغياب قبول شعبي واسع بنتائج الانتخابات". موضحاً أن: "تكرار الاحتجاجات والمظاهرات العنيفة بعد كل استحقاق انتخابي يعكس هشاشة الاستقرار السياسي، وضرورة البحث عن آليات توافقية للحد من التوترات التي قد تتفاقم إلى عنف يهدد السلم الأهلي".

ويرى المتحدث أن موريتانيا "بحاجة إلى مستويين من الحوار، الأول هو حوار وطني شامل يتناول القضايا الكبرى كمعالجة الإرث الإنساني، ومكافحة العبودية ومخلفاتها، والتفاوت الطبقي الناتج عن اختلالات في العقد الاجتماعي، وقضايا الحكامة الاقتصادية. أما الثاني فهو حوار سياسي يتعلق بالإصلاح الديمقراطي، ويهدف إلى إصلاح جذري وعميق للمنظومة السياسية، وتحسين للعملية الديمقراطية، وإيجاد المقاربات المناسبة لضمان الحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد، وتعزيز سيادة القانون".

تحديات أمام الحوار

يواجه الحوار المرتَقب مجموعة من التحديات، تتمثل في عدة عوامل رئيسية، أولها فرضية مقاطعة بعض الأطراف في حال غياب الضمانات الكافية لحياد الحوار وشفافيته، مما قد يؤدي إلى فقدانه الشرعية.

وبالفعل دعا ساسة معارضون إلى مقاطعة الحوار الوطني السياسي المرتقب، ووصفوه بـ"العبثي"، وطالب نواب برلمانيون ونشطاء شباب بمقاطعة ما وصفوها بـ"الحوارات واللقاءات الصورية"، وذلك في بيان أكدوا فيه أن "جميع الممسكين بخيوط لعبة الحوار متورطون في واقع البلد السيئ، وأغلب من حضر من جميع التشكيلات السياسية يعدّ جزءاً من الماضي، وليس من الحاضر". مشيرين إلى "إقصاء الشباب والقوى الشبابية من هذه المشاورات بشكل واضح، على الرغم من حجمها الديموغرافي، ومكاسبها الانتخابية وحضورها الميداني، بل وخلال جميع محطات النظام الحالي في مأموريته الأولى، وما مضى من الثانية، على الرغم من شعار "مأمورية الشباب" الخداع".

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال العقود الماضية، تم تنظيم عدة حوارات أغلبها قاطعته أطراف في المعارضة. ويرد البعض ذلك إلى سوء التخطيط، والفشل في تنظيم تلك الحوارات، وغياب الجدية عند صنّاع القرار حينها، وهو ما يُطرحُ حالياً أيضاً. فالحوار المعلن عنه قد يلاقي المصير نفسه إذا لم تُوضع آليات واضحة لإدارة النقاشات واتخاذ القرارات. أما فيما يتعلق بجهوزية الأطراف للحوار، فالمعارضة كانت دائماً تطالب به، لكنها ستظل متشككة في مدى التزام السلطة بمخرجاته.

وهنا يكمن التحدي الأساسي بالنسبة للسلطة. إلى أي مدى هي مستعدة لتطبيق توصيات الحوار؟ خاصة في القضايا الحساسة مثل تسوية الإرث الإنساني، حيث يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية وشجاعة وصارمة وشفافة لمعالجة هذا الملف وتسويته بشكل جاد.

ويعتقد ولد آدو أن: "من بين القضايا الأخرى التي تطرح تحديات كبيرة هي العلاقة بين الجيش والسياسة، إذ إن المؤسسة العسكرية ظلت لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي خلال العقود الماضية، مع استمرار وجود شخصيات ذات خلفية عسكرية في مواقع حساسة كرئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية. وبالتالي، فإن أي نقاش حول هذا الملف سيصطدم بتوازنات معقدة بين مختلف القوى الفاعلة".

طالب نواب برلمانيون ونشطاء شباب بمقاطعة ما وصفوها بـ"الحوارات واللقاءات الصورية"، وذلك في بيان أكدوا فيه أن "جميع الممسكين بخيوط لعبة الحوار متورطون في واقع البلد السيئ، وأغلب من حضر من جميع التشكيلات السياسية يعدّ جزءاً من الماضي، وليس من الحاضر". مشيرين إلى إقصاء الشباب والقوى الشبابية، من هذه المشاورات بشكل واضح، على الرغم من حجمها الديموغرافي، ومكاسبها الانتخابية وحضورها الميداني.

ويُذكرُ أن الرئيس الموريتاني الحالي يسير في بداية مأموريته الثانية، وهي الأخيرة له، بحسب الدستور. وعليه فموريتانيا من المفترض أنها مقبلة على تغيير جديد في رأس السلطة، في العام 2029، ويطمح الطيف المعارض إلى أن يكون ولد الغزواني هو آخر عسكري يحكم البلاد.

وما بين من يرى أن الحوار المرتقب في موريتانيا فرصة ثمينة لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، وعلى النخب اقتناصها لتخطى الواقع المقلق للبلد، ومن يرى أن النظام ليس جدياً في دعوته، وخطوته هذه لا تعدو كونها محاولة جديدة لكسب بعض الوقت، وشغل الطيف السياسي ببعض المناورات السياسية المستهلَكة، وتقديم صورة جيدة للغرب عن السلطة في موريتانيا، وأن النظام ليس بذلك الكرم الذي يهدي حواراً جدياً هادفاً إلى التغيير وهو لا يتعرض لضغط سياسي وشعبي حقيقي... يبقى التساؤل مشروعاً: هل حانت لحظة الاستماع بجدية إلى كل الأصوات الموريتانية؟

مقالات من موريتانيا

فيضانات الجنوب الموريتاني تشرد الأسر وتتلف الزرع

حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة...

للكاتب نفسه

فيضانات الجنوب الموريتاني تشرد الأسر وتتلف الزرع

حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة...