موريتانيا: الرق.. برغم القانون

يُبدي الموريتانيون انزعاجهم من ربط بلادهم بظاهرة الرق التي ألغيت قانونيا مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وجرم البرلمان عام 2007 أي ممارسة لها. وقد استحدثت قبل أسابيع وزارة لدمج الأرقاء السابقين ومحاكم خاصة بجرائم الاسترقاق، كما تنشط في البلاد عشرات المنظمات المناهضة للرق. يتطلب القضاء على الظاهرة من بين أمور أخرى في البحث عن بديل مادي لثروات الأسياد، وتوعية الأرقاء السابقين الذين ما زال بعضهم
2014-01-29

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك

يُبدي الموريتانيون انزعاجهم من ربط بلادهم بظاهرة الرق التي ألغيت قانونيا مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وجرم البرلمان عام 2007 أي ممارسة لها. وقد استحدثت قبل أسابيع وزارة لدمج الأرقاء السابقين ومحاكم خاصة بجرائم الاسترقاق، كما تنشط في البلاد عشرات المنظمات المناهضة للرق. يتطلب القضاء على الظاهرة من بين أمور أخرى في البحث عن بديل مادي لثروات الأسياد، وتوعية الأرقاء السابقين الذين ما زال بعضهم حبيس ترهات تجعله يعتقد أن تخليه عن أسياده سيلحق به الأضرار المادية والمعنوية.يقول ابريكة ولد امبارك، وهو أول الأرقاء السابقين الذي تقلد حقيبة وزارية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إن دولا عربية وعدت موريتانيا بضخ أموال ضخمة في هذه المناطق لتعويض الأسياد من ناحية، ولتنمية مناطق الأرقاء السابقين. لكنها لم تف بتعهداتها، بل إن سماسرة للعبيد صدروا آلاف الجواري لبعض الأسر الثرية في الخليج العربي!

أين يوجد العبيد في موريتانيا

لا توجد إحصاءات أو تقديرات لأعداد الأرقاء السابقين، أو لمن بقوا عبيداً حتى اليوم رغم القانون. لكن يمكن ملاحظة تركّز بقايا الرق في ما يسمى «مثلث الفقر»، في ثلاث محافظات موريتانية جنوب شرقي البلاد (البراكنة وغورغول ولعصابة)، بينما تنتشر في المحافظات العشر الأخرى مشاريع إنتاجية ووسائل الاتصال الحديث.أطلقت الحكومة الموريتانية مشاريع تنموية لتقليص العوز في المحافظات الثلاث، الزراعية ـ الرعوية، كمشروع آفطوط الشرقي الذي يسعى لتموين المنطقة بالماء الصالح للشرب عبر النهر الذي لا يبعد أكثر من عشرة كيلومترات عن بعض مدن المحافظات المنسية، حيث يعاني أبناؤها من العطش في فصل الصيف. وما زال بعض هؤلاء يعاني من الاستعباد الذي أصبح يمارس بشكل صامت ويقتصر على مناطق نائي، بينما شكلت العاصمة نواكشوط ملاذا للكثير من الأرقاء السابقين.
وهذه حال عبد البركة ابن الاثنين والعشرين ربيعا، الذي ساعدته الأقدار على التحرر من قبضة أسياده في أقصى شمالي موريتانيا. ويضيف الشاب الذي يعمل حاليا فراشا في «منظمة نجدة العبيد» كبرى المنظمات المناهضة للرق أنه تمكن بفضل مساعي المنظمة وبدعم من الجيش في تحرير والدته واشقائه من قبضة سيدهم وابنه بعد عقود من الاستعباد. ويعتبر عبد البركة واحدا من عشرات الآلاف من الأرقاء السابقين الذين يعيشون اليوم في بعض أحياء العاصمة الموريتانية، والذين ما زالوا يسكنون في أحياء الصفيح، وخصوصا في البصرة وتل الزعتر ودار النعيم.
ومن مفارقات الأقدار أن الجفاف الذي ضرب موريتانيا أرغم أسيادهم على التخلي عنهم، فراح الارقاء السابقون، الذين يعيش معظمهم على أقل من دولار في اليوم، يبحـثون عـــن فرص للعمل كخدم في المنازل أو كعمال في القطاعات الهامشية.ويقول بو بكر ولد مسعود مؤسس منظمة نجدة العبيد، وأقدم الأرقاء السابقين المناهضين للرق (وهو يساري في عقده السابع) ان من أبرز ما تحقق اليوم في مناهضة الرق هو أن الأسياد لم يعد بإمكانهم الجهر به.
وهو يختصر القضية بالكلام على غياب العدالة، ويعطي مثلا: فمن أصل 223 من القضاة يوجد سبعة فقط من العرب السمر او الارقاء السابقين، من بينهم قاض تحقيق وحيد، ولا يوجد أي من الأرقاء السابقين في أية وظيفة قضائية أو عدلية أخرى. وبالمقابل، يتولى أرقاء سابقون رئاسة البرلمان ووزارات سيادية كوزارة العدل والداخلية ورئاسة المجلس الدستوري وغيرها من الوظائف السامية. ويقول رئيس الوزراء الموريتاني ان ما يثار اليوم هو حملات إسرائيلية لإثارة الأقليات كردة فعل على قرار السلطات قطع العلاقات مع تل أبيب.

تأصيل العبودية

ظلت الأسر الموريتانية من مختلف المحافظات تملك «جواري وخدما» يتم توارثهم من طرف أفراد الأسرة كما يُتوارث العقار والمال، كما كان تجارة الرقيق مهنة عادية كبيع الجمال والخرفان. ويُرجع الباحثون رفض الموريتانيات دخول المطبخ وإعداد وجبات لعائلاتهن، لاعتبارهن أن تحضير الوجبات والقيام بالأعمال المنزلية انتقاص من مكانتهن وذلك تأثرا بالموروث حيث كانت الأعمال المنزلية من واجبات الإماء. ويرفض علماء دين موريتانيون تبرير الاستعباد بالدين، وتقول غالبيتهم ان «معاملة العبد تقتضي أمورا وشروطا لا تتحقق فى ما عاشه الأرقاء في موريتانيا»! بينما يرى باحثون من بينهم الحسين ولد محنض أن استعباد الموريتانيين كان يتم انطلاقا من قانون الغلبة والسيطرة الذي هو أهم روافد الرق. ويؤصل الباحث الفكرة ويبسطها قائلاً أن قبائل «إيزكارن» و«إيرنكانن» شكلتا أول روافد الاستعباد المعروف في هذه البلاد، فقد اصطدمت قبائل إيزكارن بأفواج صنهاجة الأولى التي قدمت بلاد شنقيط مستهل العهد المسيحي، وما زالت مروية استعباد إيزكارن موجودة في التقاليد الشفهية حتى اليوم. ويعتبر محمد الامجد ولد محمد الامين وهو باحث في المجال الحقوقي، ان الثقافة الشائعة في المجتمع الموريتاني، بأمثلتها وشعرها الشعبي، تجسد تبرير الاستعباد وما يرتبط به من تراتبية طبقية.

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه