الانتخابات الرئاسية في موريتانيا .. هل أحلام الشباب واقعية؟

عبّر الرئيس المنهية ولايته عن أسفه لكون مدينة بحجم "نواذيبو"، وهي العاصمة الاقتصادية للبلاد، لا تزال تعاني حتى الآن من نقص في المياه والكهرباء، مؤكداً أنه من الغريب أن تطغى نقاشات مطالب توفير الخدمات الأساسية على الواجهة، في مدينة ك"نواذيبو"، ومشدداً على أنه كان ينبغي "تجاوز هذه المرحلة منذ سنوات". ووجه هذا الكلام بالسخرية والغضب على شبكات التواصل الاجتماعي، لأن الرجل أمضى خمس سنوات في الحكم، وكان قبل ذلك شريكاً فيه.
2024-05-02

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
الرئيس الموريتاني حمد ولد الشيخ الغزواني خلال حملته الانتخابية

تعيش موريتانيا هذه الأيام على وقع نقاشات ما قبل الانتخابات الرئاسية وأجواء التحضير لها، إذ أعلنت الرئاسة الموريتانية عبر مرسوم، عن أن الدورة الأولى من الانتخابات، ستجرى في 29 حزيران/ يونيو المقبل، فيما يرتقب أن تنظم دورة ثانية محتملة في 14 تموز/ يوليو.

ظروف تحيط  بالسباق نحو القصر الرمادي 

تأتي هذه الانتخابات، في ظل ترشح محمد ولد الشيخ الغزواني (67 عاماً)، الرئيس المنتهية ولايته الأولى، وتعدد الأصوات السياسية الرافضة لنهجه، وفي جو من  التذمر من الواقع المعيشي والاقتصادي والحقوقي والسياسي، واستشراء الفساد والمحسوبية واستخدام النفوذ، الواقع الذي تناوله ولد الغزواني قبل أيام، في كلمة له في مدينة "نواذيبو"، العاصمة الاقتصادية لموريتانيا.

عبّر  الرئيس عن أسفه لكون مدينة بحجم "نواذيبو" لا تزال تعاني حتى الآن من نقص في المياه والكهرباء، مؤكدًا أنه من الغريب أن تطغى نقاشات مطالب توفير الخدمات الأساسية على الواجهة، في مدينة اقتصادية ك"نواذيبو"، ومشدداً على أنه كان ينبغي "تجاوز هذه المرحلة منذ سنوات". خلق هذا التأسف حالاً من السخرية والغضب على شبكات التواصل الاجتماعي، لأن الرجل قال هذا الكلام، بعد خمس سنوات من حكمه وسنوات أكثر كشريك في الحكم، خاصة وأنه  يريد التجديد له. فقد أعلن عبر رسالة مكتوبة موجهة إلى الشعب عن خوضه السباق الرئاسي، واعداً بالضرب "بيد من حديد على كافة ممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام".

يشرح عالم الاجتماع الموريتاني "عبد الودود ولد الشيخ" علاقة المجتمع التقليدي مع الحاكم، فيقول: "لقد أورثت الأوتوقراطيّة العموديّة للإدارة الاستعماريّة موريتانيا المستقلةَ دولةً جنينيّة "مستوردة"(...). وبعد القضاء على نزعات مقاومة الهيمنة الأجنبيّة، لم يبقَ من ملاذٍ أمام السكّان المحلّييّن إلّا المسارعة إلى تقديم الولاءِ للمُستعمِر(...)، مشيراً إلى أنّ هذه التقاليدَ تمجِّد الخضوعَ للحاكم، مجنِّدةً كلَّ الترسانةِ الإيديولوجيّة لما يسمّيه "الثقافةَ السلطانيّة".

 وتأتي هذه الانتخابات كذلك في ظل وضع إقليمي ملتهب، حيث تشهد منذ سنوات دولة "مالي" ـ التي  تحد موريتانيا من الشرق والجنوب الشرقي ـ حالاً من الاضطراب الشديد وعدم الاستقرار يصل تأثيرها  إلى موريتانيا. وقد أعلنت  الخارجية الموريتانية قبل أيام، عن استدعاء السفير المالي في "نواكشوط"، احتجاجاً على ما وصفتها بـ"اعتداءات متكررة"، يتعرض لها الموريتانيون داخل الأراضي المالية، مضيفة أن هذا الاستدعاء "جاء بعد التنبيهات التي دأبت الحكومة على القيام بها حين يُعتدى على الموريتانيين في مالي". وسبق أن أُتُهم الجيش المالي و"فاغنر" الروسية بقتل مواطنين موريتانيين. وهذا الواقع يشكل بالطبع تحدياً لأي ساكن مستقبلي للقصر الرئاسي في "نواكشوط"، نظراً لطبيعة  العلاقة بين البلدين وتشابك الشعبين.

وهناك أيضاً اضطرابات في الصحراء الغربية جوار موريتانيا الشمالي، فمثلاً تشهد موريتانيا حالاً من الغضب، بسبب حوادث استهداف مسيّرات مغربية لموريتانيين، يعملون في مجال التنقيب السطحي عن الذهب، وتقع  هذه الحوادث في بعض مناطق الصحراء الغربية، التي يعتبرها المغرب جزءاً من حوزته الترابية، وتطالب جبهة "البوليساريو" باستقلالها. وسبب الحوادث هو أن  الضحايا يضلون  طريقهم خارج الأراضي الموريتانية؛ فيكونون عرضة لقصف  المسيّرات المغربية. هذه القضية  جزء من تطورات  أزمة اشتباكات منطقة  "الكركرات"، التي بدأت فصولها عام 2020، حين قام  ناشطون صحراويون في تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام، بغلق المعبر الحدودي الوحيد الذي افتتحه المغرب عام 2002؛ لإيصال منتجاته إلى غرب إفريقيا عبر الأراضي الموريتانية، ليعلن المغرب، كرد على ذلك، عن إقامة حزام أمني لتأمين تنقل الأشخاص ونقل السلع عبر المعبر الحدودي، ما اعتبرته جبهة "البوليساريو" إيذاناً بانتهاء اتفاق وقف إطلاق النار، الذي استمر سارياً قرابة 33 عاماً، ويرجح تفاقم هذه الحال مستقبلاً.

 وكذلك تعاني  دول أخرى في الفضاء الإقليمي لموريتانيا، ولو هي أبعد من جوارها اللصيق، بعض المشاكل، مثل: "بوركينا فاسو"، و"النيجر"، الواقعتين تحت أحكام عسكرية، في عودة صارخة إلى الانقلابات العسكرية.

هل لطموحات الشباب في القيادة أرضية صلبة؟

 فوز السياسي السنغالي الشاب المعارض "باسيرو ديوماي فاي" برئاسة  "السنغال"، الجارة الجنوبية لموريتانيا، بعد حصده 54,28 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي نظمت في آذار / مارس المنصرم، أحدث حالاً من الأمل في أن المشهد يمكن أن يتكرر في موريتانيا، وأعاد النقاش حول ضرورة محاولة الشباب طرق أبواب التغيير عبر الانتخابات، وهو نقاش يتكرر في كل مناسبة انتخابية. وقد أعلنت مجموعة من الشخصيات الشبابية، عن ترشحها للانتخابات. وليس تأثير "باسيرو" هو الباعث الوحيد لهذا الطموح بالطبع، لكن أثره كان واضحاً في الخطاب والنقاش العمومي.

تأتي هذه الانتخابات في ظل وضع إقليمي ملتهب، حيث أُتُهم الجيش المالي و"فاغنر" الروسية بقتل مواطنين موريتانيين. وهذا الواقع يشكل بالطبع تحدياً لأي ساكن مستقبلي للقصر الرئاسي في "نواكشوط"، نظراً لطبيعة العلاقة بين البلدين وتشابك الشعبين. وهناك أيضاً اضطرابات في الصحراء الغربية

وهناك من يجد هذا الأمل خائباً، لأن فيه تجاوزاً لواقع البلدين، فـ"السنغال" تختلف في مشهدها السياسي عن موريتانيا وكثير من جوارها، فما حدث فيها  كان طبيعياً وليس طفرة. فالجيش السنغالي،  ظل داخل ثكناته وفيّاً للنظام الجمهوري في غالب الوقت، طبعاً مع استثناء  دوره الخاطف في الصراع، الذي دار بين الرئيس "ليوبولد سيدار سنغور"، ووزيره الأول، "مامادو ديا"، سنة 1962. و"السنغال" لها  تقاليدها  الراسخة في تكريس آليات التداول السلمي للسلطة، على الرغم من المطبات التي تعترض مسارها أحياناً، عكس موريتانيا التي سيطر العسكر فيها على الحكم سنة 1978، عبر انقلاب عسكري على الرئيس الأول لموريتانيا، "المختار ولد داده"، الذي كان يحكم بنظام الحزب الواحد.

ومنذ انقلاب العسكر أصبحوا هم من يتحكم في المشهد، إما عبر الانقلابات العسكرية، وإمّا عبر الانتخابات المشكوك في نزاهتها، ومن يحكم موريتانيا حالياً هو عسكري تخلى عن زيه العسكري من أجل التمدين الشكلي للحكم. وتكفي الانتخابات التشريعية الماضية،  كدليل على عدم جدية الانتخابات في موريتانيا، حيث اتهمت المعارضة النظام بتزويرها، وكذلك وجه كثير من أطراف الطيف السياسي اتهامات بعدم الاحترافية للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات. وقد اعترف مؤخراً رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات "الداه ولد عبد الجليل"، بأن اللجنة رصدت تزوير أحد فنييها للانتخابات الماضية في مقاطعة الميناء بنواكشوط.

 وليس التزوير الانتخابي هو المعضلة الوحيدة المطروحة في النقاش العمومي، فهناك استخدام الإدارة وموارد الدولة لصالح مرشح السلطة وتدخّل الجيش لصالحه، وعدم شعور المواطن بالحرية، إذ يخاف من العقاب، في حال عارض السلطة الحاكمة.

فوز السياسي السنغالي الشاب المعارض "باسيرو ديوماي فاي" برئاسة "السنغال"، الجارة الجنوبية لموريتانيا، بعد حصده 54,28 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي نظمت في آذار / مارس المنصرم، أحدث حالاً من الأمل في أن المشهد يمكن أن يتكرر في موريتانيا، وأعاد النقاش حول ضرورة محاولة الشباب طرق أبواب التغيير عبر الانتخابات. وقد أعلنت مجموعة من الشخصيات الشبابية، عن ترشحها للانتخابات.

ويضاف إلى ما سبق، أن محددات الانتخاب في موريتانيا لا زالت تؤثر فيها القبيلة والجهة والميكانيزمات الاجتماعية التقليدية، ويشرح عالم الاجتماع الموريتاني "عبد الودود ولد الشيخ" في مقال له بعنوان،  "جيش للقبائل؟ الجيش والحكم في موريتانيا"، علاقة  المجتمع التقليدي مع الحاكم، فيقول: "لقد أورثت الأوتوقراطيّة العموديّة للإدارة الاستعماريّة موريتانيا المستقلةَ دولةً جنينيّة "مستوردة"، ضعيفةَ الاهتمامِ بالقطيعة مع ممارسات أسلافها الاستبداديّة"، مضيفاً أن جهاز القيادة الفرنسي، قد استند على الأقلّ في بدايات حكمه، "إلى التأديب العنيف من أجل احتكار الممارسة "الشرعيّة" للعنف ــ وهذا الاحتكار جاء ليحلَّ محلَّ الفوضى المتجذّرة في الصحراء. وأدّى اعتماد هذا الجهاز على وكلاءَ محلّييّن، من أجل إدارةِ الشأن اليومي، إلى تثبيت سيادة المشيخات القبليّة، التي كان التربّع عليها قبل ذلك يتطلّب صراعاتٍ غيرَ محسومةِ النتائج، تجعل القبيلة عرضةً لانشطارٍ نهائيّ أو موقّتٍ بين أجنحتها المتصارعة. وبعد القضاء على نزعات مقاومة الهيمنة الأجنبيّة، لم يبقَ من ملاذٍ أمام السكّان المحلّييّن إلّا المسارعة إلى تقديم الولاءِ للمُستعمِر، وهو ولاءٌ كان ظرفان يخفِّفان ما يقتضيه من خضوعٍ: فمن جانبٍ، يتمّ الخضوعُ لقوّةٍ أجنبيّة (لا لقوّةٍ منبثقةٍ من صفوف القبيلة نفسها أو من جيرانها)، ومن جهةٍ أخرى فهم يرجون الاستفادةَ من هذا "التحالف الالتفافيّ"،  في الخصومات الانقساميّة العريقة "في الجوار" أو في تصفية الحسابات القبليّة الأبعد"، موضحاً "أنّ التنازلَ أمام سلطةٍ لا مفرّ منها تقريباً أمرٌ تشجّعه التقاليدُ التي تدعو إلى "تقبيل اليد التي لا تستطيع قطعَها"، مشيراً إلى أنّ هذه التقاليدَ تمجِّد الخضوعَ للحاكم بشكلٍ أقوى، مجنِّدةً في سبيل ذلك كلَّ الترسانةِ الإيديولوجيّة لما يسمّيه "الثقافةَ السلطانيّة".

الواقع السياسي والمؤسسي والاجتماعي، يقابله أيضاً في هذه الانتخابات أن بعض من قدّموا أنفسهم من الشباب لهذا التنافس، مسارهم السياسي ليس بذلك الزخم والألق الشعبي، ولا اشتباك  لهم مع القواعد الانتخابية الشعبية المؤثرة، ولا تدعمهم قوى وتيارات إيديولوجية، لها قدم راسخة في النضال السياسي والحظوة الشعبية.

منذ انقلاب العسكر في موريتانيا أصبحوا هم من يتحكم في المشهد، إما عبر الانقلابات العسكرية، وإمّا عبر الانتخابات المشكوك في نزاهتها، ومن يحكم موريتانيا حالياً هو عسكري تخلى عن زيه العسكري؛ من أجل التمدين الشكلي للحكم.

أمام الواقع الانتخابي المضطرب والمخاوف المعلنة من العملية الانتخابية وما يحيط بها، أعلن مجموعة من المترشحين للانتخابات الرئاسية عن ميثاق شرف، ضمنوه اتفاقهم على العمل على"فرض شفافية الانتخابات وإلغاء النظام الحالي للتزكية الذي تسيطر عليه السلطة"

هذا، ويرى البعض أن المعركة الأهم في مسار موريتانيا الديمقراطية، ينبغي أن تكون هي  العمل على خلق بنية انتخابية مؤسسية تضمن الشفافية وتكرِّسها، وتفرض حياد الجيش والإدارة، وكذلك العمل على توعية الجماهير بشكل فعال وغير موسمي، وليس مجرد المشاركة في انتخابات صورية، معلومة النتائج مسبقاً، وتكرس سطوة الفساد، وتشرعن حكم العسكر.

المشاركة وتحدياتها

أمام الواقع الانتخابي المضطرب والمخاوف المعلنة من العملية الانتخابية وما يحيط بها، أعلن مجموعة من المترشحين للانتخابات الرئاسية عن ميثاق شرف، ضمنوه اتفاقهم على العمل على"فرض شفافية الانتخابات وإلغاء النظام الحالي للتزكية الذي تسيطر عليه السلطة"، واتفق الموقعون على اعتماد استراتيجية عدة مرشحين للمعارضة لتحقيق هدف التغيير، وتوقيع ميثاق شرف بين المرشحين ومختلف التشكيلات، وتشكيل قيادة عليا مشتركة لتنسيق وتسيير العمليات السابقة واللاحقة للانتخاب، وأكد الموقعون في بيانهم المشترك أنهم ينتظرون "وعياً وهبة شعبية تتناسب مع هذا التحدي الراهن".

ويبقى  السؤال مطروحاً: هل بإمكان من يترشحون حالياً حماية أصوات من وثقوا بهم، ومجابهة  الواقع المجحِف؟

مقالات من موريتانيا