إعداد وتحرير: صباح جلّول
نزل السوريون إلى الشارع والساحات في عدة مناطق على امتداد البلاد، رداً على التصريحات الإسرائيلية التي تهتك سيادة بلادهم - المنهَكة أصلاً- ووحدتها. يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، مجرم الحرب المطلوب دولياً، "بنيامين نتنياهو"، أنه سيّد هذه المنطقة، يخربش خطوطاً على خريطة، يجتاح، يُقسّم، يضمّ، يلغي، فيصبح ذلك واقعاً بأمره. هكذا يتصرف في العدوان على سوريا، كما على غزة والضفة الغربية ولبنان، فيقول الآن "الجيش الإسرائيلي سيبقى في منطقة جبل حرمون والمنطقة العازلة لوقت غير محدد"، ويطالب بـ"جنوب سوريا، بمحافظات "القنيطرة" و"درعا" و"السويداء"، منطقة منزوعة السلاح"، ويضيف "لن نسمح لقوات "هيئة تحرير الشام" أو الجيش السوري الجديد بدخول جنوب دمشق". بل ويتكلّم بالنيابة عن طائفة الموحِّدين الدروز في سوريا، قائلاً بخبث كبير أنه "لن يتسامح مع أي تهديد" لها، كأنه وصيّ على تلك المنطقة ومن فيها.
لم يعد كلّ هذا صادماً. جاءت تصريحات "نتنياهو" الاخيرة هذه، ليضاف إليها كلام وزير الحرب الإسرائيلي "كاتس" أن "جنوب سوريا لن يُسمَح له أن يتحول إلى جنوب لبنان"، بمعنى أن يشكل أي تهديد أو مقاومة لدولة الاحتلال. ثمّ بعد يومين، في 25 شباط/فبراير الجاري، قَصَفت الطائرات الإسرائيلية "القنيطرة" و"درعا" ومناطق في "ريف دمشق".
الأمر لا يتعلق بغزة أو بفلسطين فحسب
09-02-2024
لكن ردّ أهالي المناطق السورية جاء سريعاً، على شكل تجمعات غاضبة، ومظاهرات مندِّدة في عدة مناطق، من "السويداء" و"مصياف" و"دمشق"، إلى وغيرها. تجمّع المئات في "ساحة الكرامة" في "السويداء" ذات الغالبية الدرزية، للتعبير عن الرفض القاطع لتصريحات "نتنياهو" المستفزة حول "حماية دروز سوريا" ونزع السلاح من الجنوب، معتبرين أنه إنما يحاول بذلك اقتياد سوريا نحو التقسيم، وعزل كل منطقة عن الأخرى، ومؤكدين أنهم غير معنيين نهائياً بعرض "حمايته"!

"لا فيدرالية ولا تقسيم، سورية لكل السوريين"، هتفوا في الساحة، وتوجهوا إلى "نتنياهو" بالقول "يا نتن لو بتموت، على بلادنا ما بتفوت".
وفي مصياف أيضاً وفي القنيطرة، ردد الأهالي شعاراتهم، "من مصياف لغزّة، كلّك كرامة وعزّة" و"غصباً عنك يا صهيون، غير الوحدة ما بتكون"، وغيرها من الشعارات.
في مقابلة مع صفحة "مكتب مصياف الإعلامي"، تعبّر إحدى المشاركات الناشطات في التظاهرة، "زهراء درويش"، عن مشاعر المتظاهرين وموقف السوريين اليوم، بعد سقوط نظام "الأسد" البائد ومحاولات النهوض والتمسك بأملٍ جديد، تقطعه عليهم شتى أنواع المحَن والهموم: "اليومين الماضيين كانوا صادمين للشعب السوري.. لا نعرف من أين نبدأ بلملمة البلد"، تقول. "نحن فقدنا الأمل بالمجتمع الدولي... لكن لازم ينحطّ حدّ للاحتلال. لدينا الكثير من العمل، والاحتلال لا يعطينا أي مجال لنقف على رجلينا".
قول "زهراء" لسان حال كثر وجدوا أنفسهم اليوم وحيدين في مواجهة احتلال جديد، وهم الرافضون أي وجود أجنبي محتل لأراضيهم من الشمال إلى الجنوب، فكيف إذا كان الاحتلال إسرائيلياً؟ "نحن نعرف هذا الاحتلال. منعرفه كتير منيح. ونعرف لماذا يفعل هذا الآن"..

لقد استبشر السوريون خيراً برحيل نظامٍ حاصر شعبه وقمعه، وقصفه، وارتكب جرائم فظيعة. واستبشروا بهدوء جبهات حربٍ شنيعة استطالت، وأكلت الأعمار، وهجّرت الملايين إلى أصقاع الدنيا، ليجدوا بانتظارهم ألماً هائلاً يحمله أهالي المفقودين والمخفيين قسرياً، الباحثين عن أبنائهم، ومعها صدمات تَمادي الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المفتوح على بلادهم، بل محاولات تفتيتها وتقليب بعضها على بعض.
الجولان السوري: كثافة التحوّلات الهادئة
18-09-2013
يبقى نبض هذه المناطق فخوراً بتاريخها الثوري (من "ثورة الجبل" ضد الانتداب وحتى الثورة السورية ضد نظام "الأسد")، والناس لا يستطيعون صبراً مع الاحتلال الإسرائيلي ومسايريه. يطالبون بردّ واضح من السلطات الحالية في سوريا، ومن المجتمع الدولي والدول العربية، وإنْ كانت في الأخير من رمقٍ باق، وبعودة فورية للالتزام باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، على الأقل. ويرددون: "من النهر إلى البحر" شعار يصلح لفلسطين، ولسوريا أيضاً.