رحيل غادر للضابط السوداني محمد صديق.. عزاء واجب في ضابط إنحاز للثورة

خبر مقتل محمد صديق، بعد أسره حيّاَ، أحدث صدمة شديدة بين السودانيين ودا لأنه صديق كان أكبر من مجرد ضابط مظلي، وأهم من كونه مقاتل شجاع، بل كان أحد الرموز الأيقونية لثورة ديسمبر في السودان اللي أطاحت بالبشير
2024-05-23

شارك

- يوم الأحد اللي فات، استُشهد الضابط السوداني، الملازم أول (معاش) محمد صديق، بعد وقوعه أسيراً لدى ميليشيا "الدعم السريع" اللي بتحارب الجيش السوداني، في معركة محور "مصفاة الجيلي"، على بُعد نحو 70 كلم شمال الخرطوم.
- الضابط المظلي "المفصول" بيقاتل إلى جانب قوات الجيش كمتطوع من بداية الحرب اللي بدأت في منتصف أبريل 2023.

- قبل قتله، ميليشيا الدعم السريع، نشرت مقطع فيديو مُهين بيتعرَّض فيه محمد صديق لصفعة من أحد عناصر الميليشيا بعد سؤاله عن المكان اللي هيهجم منه الجيش، فبيجاوب عليه بعزة وثقة بالغتين: "من ياتو ناحية" (من أي ناحية).

- خبر مقتل محمد صديق، بعد أسره حيّاَ، أحدث صدمة شديدة بين السودانيين ودا لأنه صديق كان أكبر من مجرد ضابط مظلي، وأهم من كونه مقاتل شجاع، بل كان أحد الرموز الأيقونية لثورة ديسمبر في السودان اللي أطاحت بالبشير.

ضابط ينحاز للثورة

- في ظهر يوم 6 أبريل 2019 انطلق طوفان جماهيري هادر من المتظاهرين السودانيين إلى مبنى القـيادة العامة للجيش، للإطاحة بنظام عمر البشير، وحاولت قوات الشرطة، عبر إطلاق الغاز المسيل للدموع، والاعتقالات، والرصاص الحي، منع المتظاهرين من الوصول لمبنى القيادة العامة، لكن شجاعة الجماهير تفوقت على رصاص البوليس، ليبدأ اعتصام لا مثيل له في التاريخ السوداني.

- في خضم تلك الموجة الثورية بزغ نجم محمد صديق بعد رفضه للأوامر العسكرية بالهجوم على المتظاهرين، بل والانضمام للجماهير الثائرة واستخدام جنوده في حماية الثوار من هجوم شرطة وعصابات البشير.

- في الأثناء دي أطلق صديق عبارته الشهيرة "الناس ما تدفن دقن"، واللي بتعني ما بقاش فيه مجال لدفن الرؤوس في الرمال وأنه وقت اقتلاع نظام البشير قد حان، وعبارته الأخرى: "الرهيفة تنقد" (ليكن ما يكون).

- عبارة "الناس ما تدفن دقن" تحولت إلى جزء أصيل من أهازيج الغناء الثوري على مدى فترة الاعتصام، وبقت دارجة على الألسن عند كل موقف يحاول فيه العسكريون التحايل على الثورة وعلى الديمقراطية وعلى مدنية الدولة.
- مشاركة محمد صديق في الاعتصام وإعلانه الثورة على سلطة البشير، كان بمثابة انشقاق مبكر حاولت القيادة العسكرية تحجيمه، وبالفعل تعرّض صديق للمحاكمة لكن لم يتم فصله حتى لا تُستفز جماهير الثورة اللي صديق ورفاقه كانوا بيمثلوا لها رموز ذات مصداقية عالية، وشركاء أساسيين للأيادي التي صنعت الثورة

يوم كانت تنفع الحكمة

في سنوات العسل بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع ما بين أبريل 2019 وحتى أكتوبر 2021 (لحظة الإطاحة بالطرف المدني من السلطة) كان معظم السياسيين السودانيين بيتجنبوا انتقاد ميليشيا الدعم السريع، بحكم أنها جزء من شراكة المدنيين والعسكريين في حكم البلاد، وبالطبع كان العسكريون أشد تجنباً لأي خطاب ممكن يأثر بالسلب على علاقتهم بحليفهم الميليشوي حتى أبريل 2023.

- في ليل ذلك الصمت الحالك، وبالتحديد في فبراير 2020 خرج الضابط ملازم أول مظلي محمد صديق، مع مجموعة من زملائه الضباط، بتصريحات مُحرِجة لقياداتهم العسكرية، عملاً بشعار صديق الأثير: "الناس ما تدفن دقن" وطالبوا بحل "الدعم السريع" وقالوا إنها بتمثل خطر على الأمن القـ..ـومي للسودان.

- قائد الجيش ورئيس البلاد عبد الفتاح البرهان اللي أدمن دفن التراب تحت السجادة، بدل ما يدي نفسه يفكر ولو لحظة في تصريح الضابط الوطني الشجاع، قرر فوراً تحويل صديق للمعاش وهو لا يزال برتبة ملازم أول، مع 100 ضابط آخرين!

- المفارقة المشرقة، إنه آلاف من أنصار الثـ..ـورة السودانية نظموا مظاهرة لدعمه وهو ورفاقه تحت شعار مليونية "رد الجميل"، في وقت التزم فيه السياسيون المدنيون الصمت المطبق حفاظاً على علاقتهم بالشريك الميليشوي في الحكم

**

فضلت الرؤوس مدفونة في رمال الوهم السياسي، على سبيل التيقن بأن الميليشيا اللي كانت من صنيعة الجيش لن تتجاوز الخطوط الحمراء، إلى أن فوجئ الجيش بهجوم خاطف على معسكراته من مقاتلي "الدعم السريع" في أبريل 2023.

- بعد ساعات من انتشار الأنباء، قرر محمد صديق التطوع للقتال مع الجيش، لكن الغريب إنه القيادات رفضوا قتاله ضمن صفوف القوات المسلحة، رغم أنه اللي حذّر منه تحقق، لذلك اضطر يقاتل في صفوف المقاومة الشعبية (المُستنفرين).

- خلال الأيام اللي فاتت صديق بلغ القيادات الميدانية بأنه هيهاجم مع رفاقه المتطوعين في المقاومة، مواقع الميليشيا في مصفاة الجيلي شمال الخرطوم، عملاً بمبدأه "الرهيفة تنقد"، ودا لأنه الجيش السوداني تأخر في حسم المعارك مع "الدعم السريع" في محيط العاصمة.
- الميليشيا كان عندها علم بالمواقف دي، وكانت قلقة من تحركات محمد صديق بحكم رمزيته الثورية وخطابه اللبق وحشده للمتطوعين اللي بيثقوا فيه وبيمثل لهم مصدر إلهام نادر.

- محمد صديق، الضابط الثوري، كان مرابط في المحور الشمالي لمصفاة الجيلي، وبدأ يشدد الحصار على الميليشيا في مدينة شندي، لغاية ما تمكنت من أسره بعد نفاد ذخيرته في المعارك، ونشروا له فيديو مصور بتاريخ 18 مايو 2024.

- وبعد نشر الفيديو، بيوم واحد، نفذت الميليشيا إعدامًا ميدانياً بحق الضابط الشجاع ليستشهد مرفوع الرأس، أعزلاً إلا من الكرامة.

- رحم الله الشهيد البطل، وتقبله الله بواسع رحمته، وعزاؤنا الصادق لأهله ورفاقه ومحبيه والسائرين على دربه في تخليص الشعب السوداني من جلاديه والمتلاعبين بمصيره.

مقالات من العالم العربي

معاداة الأخضر ومجزرة الأشجار

أمنية خليل 2024-07-11

ما يحدث هو نزع مباشر لأهلية المواطنة، بمعناها الأوسع. من أن المواطنين يمكنهم اختيار شيء، بل والتحكم بعض الشيء في حياتهم اليومية. نزع صفة التحكم، والقول لهم بكل الأشكال المباشرة...