"بنك الأهداف"

"لذكراه" لأنّه لم يعد معنا. قتلته إسرائيل من ضمن ما يزيد عن 60 صحافياً وصحافية حتى تاريخ كتابة هذه السطور، قُتلوا في الإبادة المستمرة التي ترتكبها في غزة.
2023-11-24

شارك

"لذكرى رُشدي السرّاج"، كُتب في أعلى الصفحة على موقع مؤسسة الفيلم الفلسطيني، حيثُ يُعرض فيلمه القصير "بنك الأهداف"[1] المنتّج عام 2021. "لذكراه" لأنّه لم يعد معنا. قتلته إسرائيل من ضمن ما يزيد عن 60 صحافياً وصحافية حتى تاريخ كتابة هذه السطور، قتلوا في الإبادة المستمرة التي ترتكبها في غزة.

الشهيد الصحفي رشدي السراج

للمفارقة، وأيضاً أثناء كتابة هذه السطور، ورد خبر استشهاد الصحافيَين فرح عمر وربيع المعماري بقذيفتين إسرائيليتين في جنوب لبنان. عمداً، مجدداً، بعد استهدافٍ سابق لمجموعة صحافيين الشهر الماضي في الجنوب، راح ضحيته الصحافي عصام عبد الله وعدة صحافيين جرحى. يعود السؤال الملحّ الذي طرحه الشهيد رشدي السراج عن "بنك الأهداف" الإسرائيلي غير المعلَن...

يوثّق فيلم "بنك الأهداف" الاستهداف الإسرائيل القَصدي للبنى التحتية المدنية في غزة، خلال عدوانها على القطاع في أيّار/ مايو 2021. بعد هبّة الكرامة في الأراضي المحتلة، كانت معركة "سيف القدس" انطلقت رداً على الاعتداءات الإسرائيلية السافرة والمتكررة في القدس وحيّ الشيخ جرّاح. وكما في كلّ مرة، سرعان ما كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف الآمنين في غزّة، في عدوان أطلقت عليه اسم "حارس الأسوار".

يروي الفيلم الأجواء المحيطة بقصف برجٍ سكَني مدّني واحد، يحكي قصة ناسٍ كثر، مُركّزاً على جهود الصحافيين الفلسطينيين لإنشاء سجل لجرائم الحرب الإسرائيلية بشكل حيّ وفيما هي تحدث أمامهم. "يتوجب على الصحافي في الحرب أن يكون استثنائياً في عمله"، يقول وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة الذي شهدنا مثابرته "الاستثنائية" فعلاً في التغطية خلال هذا العدوان الحالي، رغم خسارته المفجعة لزوجته وبعض أولاده. يذكر الدحدوح أنّ الاحتلال أعلن بشكل واضح في عدوانه على القطاع عام 2014 وما بعده من اعتداءات أنه "سيبدأ من حيث انتهى" في حربه القادمة. وكان الاحتلال قد انتهى إلى تدمير عدة أبراج سكنية مدَنية بالكامل. الدحدوح وغيره من أهالي غزة قالوا أن هذه الجملة بقيت في أذهانهم طويلاً، وأدركوا أنها حقيقة وانتظروا تلك "البداية من حيث انتهى"، فكانت.

يتابع الوثائقي الحدث من لحظة تلقّي مالك برج الجلاء اتصالاً من ضابط مخابرات إسرائيلي ينذره بشكل حاسم بأن عليه إخلاء البرج لأنه سيُقصف خلال ساعة. يصف مراسل الجزيرة، وائل الدحدوح، كيف عرف بنيّة إسرائيل ضرب البرج أثناء تغطيته من شمال القطاع، حين سمع المذيعة في الاستوديو تقول "وردنا الآن أن الجيش الإسرائيلي أنذر بإخلاء برج الجلاء"، وهو الذي يحتوي على مكاتب قناة الجزيرة في غزة. أنهى الدحدوح مداخلته فوراً وانطلق إلى البرج ليجد سكانه في الشارع، وسط محاولات حثيثة من المالك للتفاوض للسماح للناس بإخراج ممتلكاتهم الأساسية وللسماح لصحافيي مكاتب الجزيرة وأسوشيتد برس بالعودة إلى داخل العمارة لإحضار معداتهم الثمينة، أمام تعنت الإسرائيليين التامّ، وعدم انتظار مهلة الساعة حتّى، لقصف المكان.

إلى جانب شهادات بعض الصحافيين والغزيين المدنيين عن قصف الأبراج والبيوت المدنية ومكاتب الصحافة بالتحديد، يعتمد الفيلم أيضاً على مشاهد مصورة بكاميرا هاتف طفلة كانت تحاول الهروب من القصف مع إخوتها بعد أن فقدت الاتصال بأهلها. تظهر هذه المشاهد واقعاً قاسياَ اضطرت الطفلة فيه إلى أخذ دور المسؤول عن إخوتها الأصغر منها، وردة فعلها الأولى عندما اكتشفت أن أختها الكبرى استشهدت أثناء هربهم.

يصعب التصديق أن هذا الرعب غيضٌ من فيض ما سيشهده هؤلاء العزّل بعد عامين فقط، الآن في 2023. يصعب ألّا يفكّر المرء بهم وبحالهم الآن، بالشهيد رشدي السرّاج الذي حاول نقل واقعهم حينها وحينَ استشهد، وبالشهداء الكثر جداً، ضحايا بنك الأهداف هذا. رشدي وغيره ممن رحلوا يعرفون ما يتطلّب العالم دهراً ليفهمه. يعرفون أنهم هم الأهداف!

****

استكمالاً لفعاليات "أيام الفيلم الفلسطيني" حول العالم، تتيح منصّة "أفلامُنا" عدداً من الأفلام الفلسطينية بشكل مجاني، منها فيلم "جنين جنين" (2002) لمحمد بكري، وفيلم "كأننا عشرون مستحيل" (2003) لآن ماري جاسر، وفيلم "نادي غزّة لركوب الأمواج" (2016) من إنتاج ألماني، وغيرها من الأفلام.

كما تنظم الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بالتعاون مع مؤسسة الفيلم الفلسطيني إتاحة أفلام فلسطينية متعددة مجاناً حتى الأسبوع المقبل، يمكن إيجاد روابطها بالتفصيل على صفحة الهيئة.

_________________________________________________

  1. حائز على الجائزة الثانية في فئة الأفلام الوثائقية في مهرجان العودة في سردينيا

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...