"تفكيك الأونروا": الحل التقني في مواجهة الحقوق التاريخية

ظهرت الدعوة في واشنطن لتفكيك "الأونروا" عبر طرح مؤيدي إسرائيل لقضيتي "المناهج" و"توريث اللجوء" في النقاش داخل الكونغرس. ومع تعاقب الإدارات الأمريكية، طُرحت ثلاثة "حلولٍ"، أولها سحب صفة "لاجئ فلسطيني" من الأبناء والأحفاد واقتصارها حصراً على الأجداد الـ 750 ألف اللذين لن يبقى منهم حيّاً في 2022 إلا المئات. وهكذا تنتهي قضية اللاجئين الفلسطينيين بفعل "الفناء" الفردي الطبيعي!
2022-06-07

فادي الشافعي

صحافي من غزة


شارك
مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان

في خطوة لافتة، أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني، في 23 نيسان/أبريل الماضي، من خلال رسالة وجهها إلى اللاجئين الفلسطينيين، عن خيار جديد تدرسه الوكالة لتقوم برامج ومؤسسات دولية أخرى بتقديم الخدمات نيابة عنها وتحت توجيهها. أثار الإعلان حفيظة اللاجئين الفلسطينيين وممثليهم، لاعتبارهم أنّ هذه الخطوة تأتي من داخل الوكالة على الطريقة الأمريكية الإسرائيلية لتفكيكها.

ميّز المجتمع الدولي اللاجئين الفلسطينيين عن غيرهم من اللاجئين بـ"الأونروا". فبينما تخدم اللاجئين حول العالم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يخدم اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبتهم في 1948 وكالة أممية تخصّهم حصراً.

آل التمييز الأممي للاجئين الفلسطينيين إلى مآلين. الأول بمثابة تمييز إيجابي بالتأكيد على البعد السياسي والفريد لقضية اللاجئين الفلسطينيين كقضية أنتجها احتلال فلسطين وتهجير أهلها وإقامة "دولة جديدة" على ترابها تعترف بها 163 دولة من أصل 193 عضو في منظمة الأمم المتحدة. أما المآل الثاني فأدى إلى تمييز سلبيٍ تجلّى بتطوير دعوة أمريكية - إسرائيلية، عبر السنوات، لتفكيك "الأونروا" بهدف إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين بحجة أنّها بـ"تأبيدها قضية اللاجئين"، تعيق "حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي" المستمر منذ 74 عاماً.

ظهرت الدعوة إلى تفكيك "الأونروا" في واشنطن، ومرّت بتطورات لافتة منذ عام 2017 حين تبنّى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو دعوة التفكيك، مخالفاً أسلافه الذين ظلوا ينظرون إلى "الأونروا" كـ"عامل استقرار" يرفع عن كاهل إسرائيل، بصفتها "دولة احتلال" وفق القانون الدولي، عبء تحمّل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين.

بدأت "الأونروا" في عام 1950 بتقديم الخدمة إلى 750 ألف لاجئ فلسطيني. وبفعل "التكاثر الطبيعي" بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في عام 2020 حوالي 6.4 مليون لاجئ. ومن المتوقع أنّ يرتفع في عام 2030 إلى 8.5 مليون لاجئ. تموّل "الأونروا" عبر المساهمات الطوعية لأعضاء المجتمع الدولي التي ظلت ثابتة أو هي تنخفض، ما أدى إلى اتساع العجز الكبير في ميزانيتها.

بالإضافة إلى الخدمات الأساسية التي تقدمها "الأونروا" إلى اللاجئين الفلسطينيين، كالرعاية الصحية والتعليم الأساسي والمهني، وتوفير المأوى، فهي تحوّلت مع الوقت بالنسبة إليهم إلى إطار معنوي يتجمع اللاجئون حول مراكزه في مناطق عملياتها الخمس (الضفة الغربية بما فيها القدس، قطاع غزة، لبنان، سوريا، الأردن)، فتذكّرهم بأنّ إنهاء المعاناة لا يتم إلا بالعودة إلى الديار التي هّجروا منها عام 1948.

بالإضافة إلى الخدمات الأساسية التي تقدمها "الأونروا" إلى اللاجئين الفلسطينيين، كالرعاية الصحية والتعليم الأساسي والمهني، وتوفير المأوى، فهي تحوّلت مع الوقت بالنسبة إليهم إلى إطار معنوي يتجمع اللاجئون حول مراكزه في مناطق عملياتها الخمس (الضفة الغربية بما فيها القدس، قطاع غزة، لبنان، سوريا، الأردن)، فتذكرهم أنّ إنهاء المعاناة لا يتم إلا بالعودة إلى الديار التي هّجروا منها عام 1948. هذا التذكير المستمر تحوّل إلى شعور جمعي مثلت "الأونروا" بشعارها الأممي الأزرق أيقونته، فأضحت شاهداً تاريخياً على المعاناة وعلى حقهم بالعودة.

أضيف البعد الثقافي لهذا الشعور لدى الأجيال اللاحقة في مدارس "الأونروا" الذين ورثوا صفة اللجوء عن أجدادهم. المناهج التي تدرّس في مدارسها، وتوريث صفة "لاجئ" مرّرا الشعور الفلسطيني الجمعي بالمظلومية التاريخية التي تعرّض لها شعب فلسطين جيلاً بعد جيل. وفي محاولة لتفكيك هذا الشعور وتقويضه، ظهرت الدعوة في واشنطن لتفكيك "الأونروا" عبر طرح مؤيدي "إسرائيل" لقضيتي "المناهج" و"توريث اللجوء" في النقاش الأمريكي داخل الكونغرس.

مشكلة "أونروا"

بدأت "الأونروا" في عام 1950 بتقديم الخدمة إلى 750 ألف لاجئ فلسطيني. وبفعل "التكاثر الطبيعي" بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في عام 2020 حوالي 6.4 مليون لاجئ. ومن المتوقع أنّ يرتفع في عام 2030 إلى 8.5 مليون لاجئ. تموّل "الأونروا" عبر المساهمات الطوعية لأعضاء المجتمع الدولي، وعلى الرغم من الزيادة الطبيعية المضطردة في أعداد اللاجئين، والأزمات التي تعصف في أماكن تواجدهم كتفشي فيروس كورونا في الشرق الأوسط مؤخراً، والحروب والحصار في غزة وسوريا والانهيار الاقتصادي في لبنان.. إلا أنّ مساهمات المانحين ظلت ثابتة أو هي تنخفض، ما أدى إلى اتساع العجز في ميزانيتها إلى مستويات غير مسبوقة، وتأثرت بالتالي الخدمات التي تقدّمها، خاصة ضمن برامج الطوارئ التي تأتي كاستجابة عاجلة للأزمات. وأثّر العجز المالي للأونروا على مدار السنوات الماضية في مناطق عملياتها الخمس بمستويات مختلفة، فأعلنت، في يوليو/تموز 2011، تقليص برامجها الخاصة بالطوارئ.

ميّز المجتمع الدولي اللاجئين الفلسطينيين عن غيرهم من اللاجئين بـ"الأونروا". فبينما تخدم اللاجئين حول العالم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يخدم اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبتهم في 1948 وكالة أممية تخصّهم حصراً.

ومن ضمن البرامج التي قلصتها "أونروا" برنامج نشأ عام 2000 لمواجهة التأثيرات الاقتصادية للانتفاضة الفلسطينية الثانية على اللاجئين في فلسطين، ولاحقاً للتخفيف من وطأة الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007.

السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة، خاصة بعد 2007، أدت إلى مستويات مهولة من الفقر ما اضطر "أونروا" إلى تقديم معونات غذائية للأسر الأكثر هشاشة. ويقدّر أنّ 80 في المئة من الأسر الغزية تعتمد بشكل كلي على هذه المعونات لضمان مجرد البقاء، لأنهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية. وفي تموز/يوليو 2015 أعلنت "أونروا" أنها تعاني من عجز مالي كبير يقدّر بـ101مليون دولار أمريكي، وواجه اللاجئون الفلسطينيون لأول مرة خطر تأجيل افتتاح المدارس ومراكز التدريب المهني/ الفنّي التابعة لها في مطلع العام الأكاديمي الذي ينطلق في أواخر آب/أغسطس في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي مطلع أيلول/سبتمبر في الأردن ولبنان وسوريا. وفي يناير/كانون الثاني 2018 أنهت "أونروا" خدمات أكثر من مئة موظف من العاملين لديها بسبب العجز المالي، وقدّر حينها بنحو 174 مليون دولار. وطال هذا القرار مجمل المخيمات الـ 13 الموزعة على أنحاء متفرقة من الأردن. ثم أصبح من المعتاد أن تتوسل "أونروا" المجتمع الدولي كل عام طلباً للمساعدات المالية.

حلول أمريكية تقنية

يطرح مؤيدو إسرائيل في واشنطن المغرمون بالأرقام حلاً تقنياً لإيقاف الزيادة الطبيعية المضطردة في أعداد اللاجئين الفلسطينيين عبر إعادة تعريف "اللاجئ الفلسطيني". وتعرِّف الأمم المتحدة منذ نشأة "أونروا" بأنّه أي شخص "كان مكان إقامته الطبيعي هو فلسطين خلال الفترة 1 حزيران/يونيو 1946 إلى 15 أيار/مايو 1948 وفقد منزله وسبل معيشته نتيجة لنزاع عام 1948"، بالإضافة إلى الـ"منحدرين من صلب آباء مستوفين لهذا التعريف".
ثلاثة حلول أمريكية، أولها إنهاء الزيادة المضطردة في أعداد اللاجئين بسحب صفة "لاجئ فلسطيني" من الأبناء والأحفاد واقتصارها حصراً على الأجداد الـ 750 ألف اللذين لن يبقى منهم حيًّا في 2022 إلا المئات. وهكذا تفنى قضية اللاجئين الفلسطينيين بفعل "الفناء" الفردي الطبيعي.

الحل التقني الأمريكي الثاني ذو طابع اقتصادي، تبناه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترة حكمه بين عامي 2017-2021: "السلام الاقتصادي" كاستراتيجية عمل لحل الصراع "الفلسطيني الإسرائيلي". وفق هذه الاستراتيجية طرح ترامب حلّه الاقتصادي لقضية اللاجئين ويقضي بـ"تفكيك "أونروا" عبر إنهاء تمويلها. فقَطع التمويل الأمريكي عنها في آب /اغسطس 2018، علمّاً أنّ الولايات المتحدة كانت الممول الأول لل"أونروا" على مدار سنوات.

مطلع 2018، أنهت "الأونروا" خدمات أكثر من مئة موظف من العاملين لديها بسبب العجز المالي، وقدّر حينها بنحو 174 مليون دولار. ثم أصبح من المعتاد أن تتوسل الوكالة المجتمع الدولي كل عام طلباً للمساعدات المالية. وها المفوض العام للوكالة يعلن اليوم خياراً جديداً لتقوم برامج ومؤسسات دولية أخرى بتقديم الخدمات نيابة عنها وتحت توجيهها.

الحل التقني الأمريكي الثالث يتعلّق بتعديل الكتب الدراسية، وتبناه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وعليه، أعاد التمويل الأمريكي إلى "أونروا" منذ توليه الحكم لكن بشروط. ووقّعت الولايات المتحدة و"أونروا"، في 14 تموز/يوليو، اتفاقية إطار تعاون لعامَي 2021-2022 تركّز في الغالب على البنود المتعلقة بالإجراءات: كآليات الإبلاغ وإعداد التقارير والتعهدات المستقبلية. وأبرز القضايا التي طرحتها الاتفاقية هي تعديل الكتب المدرسية بتطبيق مبادئ "الحياد والاستقلالية وعدم التحيّز" و"نبذ العنف" و"التعصب" بما في ذلك "معاداة السامية". الترجمة الفلسطينية لهذه الإجراءات تعني: نبذ أعمال المقاومة الفلسطينية، وعدّم التحريض لمواجهة الاحتلال، بالإضافة إلى حذف الخرائط والعبارات التي تذكّر الأجيال بفلسطين التاريخية، ومحو ممنهج لتاريخ الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

وفي ظلال الدعوة الأمريكية الإسرائيلية إلى "تفكيك أونروا" مقابل الدعوة الفلسطينية إلى الحفاظ على وجودها، يأتي خيار "لازاريني" ليطرح حلاً تقنياً آخر لتجاوز أزمة التمويل، لكنّه حل شكلي، وهو يلاقي خطط واشنطن وتل أبيب، ويتقاطع معها.

مقالات من فلسطين

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

للكاتب نفسه

الحركة الطلابية الفلسطينية بالضفّة: أنا أقاوم.. أنا موجود

الحراك الطلابي في الشهر المنصرم داخل جامعات الضفة الغربية سياسي في جوهره، ويأتي في سياق محاولات الحركة الطلابية خلال السنوات الأخيرة استعادة تأثيرها على الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالنشاط...