مصر وإثيوبيا.. حرب على المياه وعلى الكنيسة؟

مائتا عام من النزاع الدائر بين الكنيستين القبطية والإثيوبية حول ملكية "دير السلطان" الواقع داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس المحتلة. نزاع بدأ في العام 1820، متأثراً بالأوضاع بين الدولتين، وأيضاً ببعض الأطراف الدولية التي تتخذ من الملف ذريعةً لتثبيت أهدافها في أفريقيا. ثم استمر وتجدد بعبث من الاحتلال الإسرائيلي.
2021-06-13

رباب عزام

صحافية من مصر


شارك
"دير السلطان"، القدس - فلسطين.

في وسط شرق أفريقيا تنبع المياه من "بحيرة فيكتوريا" بحسب تسميتها الغربية. تتساقط الأمطار وتنشق الهضبة لتخرج مياهاً متدفقة، تفيض وتجري شمالًا عبر إحدى عشرة دولة في مسار يبلغ طوله 6650 كلم، مكونةً نهراً هو الأطول بين أنهار الكرة الأرضية، نهر النيل. غذى النهر الوديان الخصبة في شمال شرق أفريقيا، لتتشكل واحدة من أهم وأقدم الحضارات الإنسانية عبر التاريخ.. حضارة وادي النيل.

لكن النهر الذي كان سبباً في الحضارة الممتدة عبر آلاف السنوات، أصبح مؤخراً مصدر تفرقة لأبنائه. فمع تعنّت الدولة الإثيوبية، ورغبتها في استكمال المرحلة الثانية من ملء سد النهضة قبل موعده المحدد، رغماً عن مصر والسودان (دولتي الوسط والمصب، واللتين ستتعرضان لفقر حاد في المياه في حال استكمال المشروع. فالأولى يمثل النهر 97 في المئة من مواردها المائية، بينما الثانية تعتمد في 77 في المئة من احتياجاتها عليه)، صعدت الخلافات بين الأطراف الثلاثة، والتي قد تمتد حسب بعض التقديرات لحرب على المياه، أطرافها مصر وإثيوبيا والسودان.

والغريب أن الإثيوبيين استغلوا أزمة سد النهضة مع مصر لممارسة مضايقات ضد الأقباط، في "دير السلطان" بالقدس المحتلة. فقد أقدم الرهبان الإثيوبيون في 30 نيسان/ أبريل 2020، على نصب خيمة في باحة دير السلطان التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، وهو أمر معتاد في مواسم الاحتفالات.

 لكن الجديد هذه المرة كان رفع العلم الإثيوبي داخل المبنى في إشارة سياسية واضحة، ما أثار حفيظة الرهبان المصريين فأقبلوا على إزالة الخيمة والعَلم، لكن اشتباكاً حدث بين الطرفين تسبب بتدخل قوات الاحتلال الإسرائيلية التي فعلت لصالح الإثيوبيين، أما المصريون فيتساءلون حول علاقة ما فعله رجال الكنيسة الإثيوبية بالأزمة السياسية الدائرة بين مصر وإثيوبيا بخصوص مياه النيل وملف سد النهضة، إضافةً إلى العلاقة بين انحياز الإسرائيليين إلى الجانب الإثيوبي وعلاقته بملف تمويل السد؟

صراع آخر

مائتا عام من النزاع (1) الدائر بين الكنيستين القبطية والإثيوبية حول ملكية الدير، نزاع بدأ في العام 1820، متأثراً بالأوضاع بين الدولتين، وأيضاً ببعض الأطراف الدولية التي تتخذ من الملف ذريعة لتثبيت أهدافها في أفريقيا.

لم يكن حادث العام الماضي هو الأول بين الطرفين في سلسلة من الحوادث التي ارتبطت بأحداث سياسية، أكثر منها دينية، عبر مراحل تاريخية مختلفة (2) . وقد شهد الدير في نهاية نيسان/أبريل من العام 2017، اشتباكات بين عدد من الحجاج الأحباش (لفظ قديم أطلق على منطقة إريتريا وإثيوبيا وأجزاء من الصومال قبل انفصالهم) والرهبان الأقباط المصريين أمام الدير، ليعتصم الأنبا أنطونيوس - مطران القدس والكرسي الأورشليمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية - محتجاً ضد ما حدث.

وفي العام 2016 تقدم بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس الأنبا ثاؤفيلس، بعرض مصالحة بين الكنيستين القبطية والإثيوبية، ووافق الطرف المصري وشكّل لجنةً سافرت إلى فلسطين المحتلة، لعقد مفاوضات حضرها ممثلون عن كافة الأطراف المعنية، هدفها مناقشة ترميم الدير. وتشكلت لجنة هندسية مصرية، لكن مُنعت من الدخول إلى الدير، تبعتها لجنة أخرى هدفها التفاوض مع الجهات الإثيوبية، وتقديم ما يثبت ملكية الكنيسة القبطية للدير، لكن كل المفاوضات باءت بالفشل.

وبالطبع وجدت سلطة الاحتلال الإسرائيلي الفرصة سانحةً للتدخل، وقدّم وزير الأديان للكنيسة القبطية عرضاً لترميم الدير في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2018، لكنه قوبل بالرفض، لتقتحم قوات الاحتلال المكان عنوةً، وتبدأ في أعمال الترميم، وتعتدي على وقفة احتجاجية لمجموعة رهبان مصريين، مع أمر بتعطيل ممارسة الشعائر الدينية للأقباط.

الصراع المصري-الإسرائيلي

في العام 1981، كتبت مجلة الكرازة (3)  التابعة للكنيسة المصرية، مقالاً بعنوان: "زياراتنا للقدس مرتبطة بحل مشكلة دير السلطان"، طلبت فيه المجلة من الإسرائيليين إرجاع دير السلطان المغتصب من الأحباش والإسرائيليين إلى الكنيسة القبطية. سبق المقالَ هذا قرارٌ اتخذه المجمع المقدس في العام 1980 بعدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس في موسم الحج، يجدد تلقائياً لحين استعادة الكنيسة الدير المغتصب رسمياً منذ العام 1970، رداً على حروب الاستنزاف التي قادتها مصر ضد الجيش الإسرائيلي. ففي الوقت الذي كان فيه الرُهبان والكهنة الأقباط منشغلين في عشية عيد القيامة، اقتحمت القوات الإسرائيلية الدير واحتلته ومكنّت الرهبان الإثيوبيين منه، وأقاموا المتاريس لمنع المطران القبطي من الدخول.

يقع "دير السلطان" على السطح الملاصق لكنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك، والممر الموصل إلى سور كنيسة القيامة في الحي المعروف بحارة النصارى. و للدير أهمية خاصة عند الأقباط لأنه حلقة الوصل بين دير مار أنطونيوس حيث مقر البطريركية القبطية، وكنيسة القيامة التي تحتوي على قبر السيد المسيح. 

وقتها، لجأ الأنبا باسيليوس، المطران القبطي في القدس، إلى إقامة ثلاث دعاوٍ أمام القضاء الإسرائيلي، وقدم الوثائق الرسمية التي تثبت ملكية الأقباط للدير، لتصدر المحكمة قرارها بإعادته إلى الكنيسة القبطية، وتطبيق غرامة فورية على وزير الشرطة الإسرائيلي والأسقف الإثيوبي. لكن حكومة الاحتلال لم تلتزم بقرار المحكمة.

الدير ليس مكاناً دينياً فقط بالنسبة للمصريين، لكنه رمزٌ لسيادة الكنيسة القبطية المصرية، وأيضاً رمزٌ سياسي. فقد دأب المصريون في الفترات التي تلت هزيمة حزيران/ يونيو من العام 1967 على رفع العلم المصري على الدير، وهو الأمر غير المتعارف عليه في جميع كنائس العالم. ومع اتفاقية تحرير طابا في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في العام 1989، أقرت الاتفاقيات الصادرة من الصليب الأحمر في القدس، والتي كان منها اتفاقيةٌ لرفع العلم المصري على الدير والكنائس المصاحبة له.

تاريخ من تأجيج الصراع

لم تكن حكومة الاحتلال الإسرائيلي فقط من استغل أزمة الدير القبطي في تصفية خلافات مع مصر، لكن فعلت أيضاً الحكومة الأردنية (4) . ففي عامي 1959 و1960، انتهز الأثيوبيون فرصة خلو الكرسي البابوي المصري وكرسي مطران أورشليم بوفاتهما، وتقدم الأسقف الإثيوبي إلى السلطات الأردنية بصفتها مسؤولة عن إدارة أوقاف القدس، بطلب للاعتراف بملكية الكنيسة الإثيوبية للدير، لتشكل السلطات الأردنية لجنة للفصل في القضية، قاومتها مصر في العام الأول وألغت عملها. ومع المحاولة الثانية في العام التالي طلب محافظ القدس بإيعاز من الأردن من الكنيستين القبطية والإثيوبية الوثائق التي تثبت صحة ملكية أي منهما للدير، لكن الجانب المصري رفض تماماً تدخل السلطة المحلية في الأمر، ولم يمضِ سوى عام واحد ليصدر مجلس الوزراء الأردني قراره في العام 1961 بتسليم الدير إلى الإثيوبيين ،ومنع مرور الأقباط عبره إلى كنيسة القيامة. وبالفعل استحوذ الإثيوبيون على الدير.

لم تيأس محاولات الحكام الإثيوبيين منذ بدايات القرن الماضي. ففي أيلول/ سبتمبر من العام 1905، كلّف الملك منليك الثاني السفير الإيطالي في إثيوبيا بالاتصال بالبطريرك القبطي، وتقديم طلباته المتمثلة في ترك الأماكن المخصصة للرهبان الأحباش في الدير بحوزتهم، في مقابل اعترافهم بملكية الأقباط للدير بأكمله، وأيضاً تسليم نسخة من المفاتيح لهم، مهدداً بانفصال الكنيسة الإثيوبية عن القبطية إن لم تلق مطالباتهم القبول المصري. وفي العام التالي، صدرت تعليمات من الباب العالي العثماني بتسليم الأحباش نسخة من مفاتيح الدير، لكن حاكم القدس وقتها تلكأ في تنفيذ الأمر في انتظار الرد المصري من القاهرة. رضخت الكنيسة المصرية وخصصت لهم باباً من المدخل الشرقي. تلا ذلك فترة الحرب العالمية الأولى، حين أحكم الانتداب البريطاني قبضته على القدس. وفي العام 1920، أرسلت إمبراطورة إثیوبيا "زاودیتو" رسالةً إلى البابا كیرلس الخامس – صاحب الكرسي البابوي المصري - مطالبةً بأحقية الأحباش في الدير.

اتخذ المجمع المقدس في العام 1980 قراراً بعدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس في موسم الحج، ويجدد تلقائياً، لحين استعادة الكنيسة الدير المغتصب رسمياً منذ العام 1970، رداً على حروب الاستنزاف التي قادتها مصر ضد الجيش الإسرائيلي.

كان هذا الأمر تحركاً من الدولة العثمانية في محاولة للوقيعة بين السلطة البريطانية في القدس وبين المصريين. فأوعز الباب العالي إلى الإمبراطور الإثيوبي بموافقته على مطالبة الأحباش بملكية الدير، ليكون ذلك معرقلًا لجهود "حفظ الأمن" البريطانية في المدينة المقدسة. وسبق ذلك أيضاً في العام 1878 محاولة بطرس باشا غالي بمراسلة الصدر الأعظم العثماني للموافقة على طرد الأحباش من الدير نتيجةً لشغبهم المستمر، لكنه لم يستجب، فاستعان الإمبراطور الإثيوبي وقتها بروسيا، والتي كانت تحاول ضم الكنيسة الإثيوبية إلى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية لفرض هيمنتها الدينية على المنطقة. وبالفعل أقنع الصدر العثماني، وأحال الأمر لحاكم القدس للتحكيم بين الفريقين.

كيف آلت ملكية الدير للأقباط؟

يقع دير السلطان داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس المحتلة، على السطح الملاصق لكنيسة القديسة هيلانة، وكنيسة الملاك، والممر الموصل من كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة في الحي المعروف بحارة النصارى، و للدير أهمية خاصة عند الأقباط لأنه طريقهم المباشر، وحلقة الوصل بين دير مار أنطونيوس حيث مقر البطريركية القبطية وكنيسة القيامة التي تحتوي على قبر السيد المسيح.

ويرجع وجود الأقباط في الدير إلى زمن الملكة هيلانة في العام 325 الميلادي، حينما أمرت ببناء كنيسة القيامة على الموضع الذي وجدوا فيه قبر السيد المسيح، واستعانت بالأقباط لبنائها نظراً لتفوقهم في فنون العمارة. إلا أنه ومع صعود الحاكم بأمر الله الفاطمي إلى كرسي الخلافة، أمر بهدم الكنائس، حتى ذكرت بعض المصادر أنه هُدمت في عهده 130 كنيسة في أنحاء فلسطين، ومن ضمنها كنيسة القيامة، وهاجم قبر المسيح، وهدم الجدران الشرقية والغربية كلياً.

لجأ الأنبا باسيليوس، المطران القبطي في القدس، إلى إقامة ثلاث دعاوٍ أمام القضاء الإسرائيلي، وقدم الوثائق الرسمية التي تثبت ملكية الأقباط للدير، لتصدر المحكمة قرارها بإعادته إلى الكنيسة القبطية، وتطبيق غرامة فورية على وزير الشرطة الإسرائيلي والأسقف الإثيوبي. لكن حكومة الاحتلال لم تلتزم بقرار المحكمة.

 وتفاوض آنذاك الإمبراطور البيزنطي، قسطنطين التاسع، مع خلفاء الحاكم بأمر الله لإبرام معاهدة سلام، أعطته الإذن لإعادة بناء الكنيسة العام 1048، وكان ذلك سبباً مباشراً لقيام الحملة الصليبية الأولى. وبعدها قام الوزير الفاطمي الصالح بن رزيك بمصالحة الأقباط تعويضاً عن أفعال الحاكم بأمر الله، وأعطى لهم عهداً بالانتفاع بالدير، وهو ما جدده صلاح الدين الأيوبي في ملحق لـ"صلح الرملة" بعد ذلك، لكن صلاح الدين منح الأقباط عهداً بملكية الدير.

دير السلطان بين الوثائق المصرية والإثيوبية

تمتلك الكنيسة القبطية، وكذلك نظيرتها الإثيوبية العديد من الوثائق التاريخية التي اعتمدت كل منها عليها في إدارة الصراع على ملكية الدير طوال 200 عام مضت. ففيما يتعلق بالوثائق الإثيوبية، هناك كتاب الأنبا فيليبس، مطران الكنيسة الأثيوبية الأرثوذكسية بالقدس، المنشور في أسمرة في العام 1959، ويضم ثلاث وثائق: أولها العهدة العمرية تحت عنوان "صورة مرسوم حضرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه"، وجاء فيها: "هذا كتاب عمر بن الخطاب لعهد وميثاق أعطى إلى البطرك المبجل المكرم، وهو صوفرونيوس بطرك الملة الملكية في طور الزيتون بمقام القدس الشريف في الاشتمال على الرعايا والقساوسة والرهبان والراهبات حيث كانوا وأين وجدوا". الوثيقة الثانية فرمان السلطان سليمان في أيلول/ سبتمبر، جاء في مطلعها " بسم الله الحي القدوس بدأ ترميم الكنيسة الحبشية في القدس الشريف بسعي الأب الحبشي سنة 1500 الكائن مصروفها من إمبراطور الحبشة وبعض المسيحيين الأحباش". أما الوثيقة الثالثة ففي المحكمة الشرعية في القدس . (5)

أما الكنيسة القبطية فتعتمد على أكثر من 17 وثيقةً تاريخية، لعل أبرزها الملحق الخاص بالأقباط في صلح الرملة والذي كتبه صلاح الدين الأيوبي، وأكد فيه ملكية الدير للقبط. وهناك وثيقة أخرى ترجع للعام 1490، وجاء في مقدمتها: "وجد بخط أبينا في زمن الأب الأنبا يؤنس الطوخي الثالث بعد المئة أرسل الأرمن بالقدس مكتوباً يدعون فيه أن كنيسة القبط التي بالقيامة فوق المقبرة المحببة لهم، وأن كنيسة حارة زويلة الفوقانية للقبط، وأنهم أعطوها لهم عوضاً فحصلت بينهم في ذلك الزمان منازعة". ووثيقة أخرى بتاريخ 4 شباط/ فبراير سنة 1783، وغيرها من الوثائق المثبتة تاريخياً.

العلاقة بين الكنيستين

تعود العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، عندما تمكن أحد المصريين ويدعى "فرومينتوس" من نشر الدين المسيحي بين رجال البلاط هناك. وعند عودته إلى مصر طلب من البطريرك القبطي أن يرسمه مطراناً على إثيوبيا، وأصبح بهذا أول مطران للكنيسة الإثيوبية عينته الكنيسة المصرية، لينشَأ تقليد بأن يقوم بطريرك الإسكندرية بترسيم مطران الكنيسة الإثيوبية من بين الرهبان المصريين، ويأخذ المطران الجنسية الإثيوبية بمجرد وصوله إلى مقره.

 ظل هذا التقليد الكنسي معمولاً به حتى عام 1948 أي طوال ما يزيد على ستة عشر قرناً. وعلى الرغم من هذه التبعية التاريخية، إلا أن الإثيوبيين حاولوا مراراً الانفصال عن الكنيسة القبطية مدّعين أن عهدها عهدُ استعمار ديني وتبعية بغيضة - حسبما ذكروا في العديد من المقالات والكتابات. وقد اتخذ "دير السلطان" ذريعةً لاستمرار الصراع.

وعلى الرغم من إعلان الكنيسة الإثيوبية، بعد اتفاقية ثنائية مع الجانب المصري في العام 1948، انفصالها عن الكنيسة القبطية، إلا أن الأخيرة ما زالت لا تعترف بهذا الانفصال وتعتبره من طرف واحد فقط. وهو ما أدى لمحاولات الإثيوبيين المستميتة إلى إثبات ملكيتهم لدير السلطان بالقدس، في حين تتمسك الكنيسة القبطية بالدير لكونه طريق الأقباط المباشر للوصول إلى كنيسة القيامة، وتتمسك بروايتها في أن الأحباش حلوا ضيوفاً على الدير المصري، بعدما فقدت الكنيسة الإثيوبية أملاكها في العام 1654 بسبب عدم مقدرتهم على دفع الضرائب.

ويدار الدير بشكل فعلي من جانب الرهبان الإثيوبيين في كثير من الأوقات، بفضل مساندة سلطة الاحتلال الإسرائيلية للإثيوبيين، ويظهر ذلك أيضاً في الرواية المنشورة على موقع وزارة خارجية الاحتلال، والتي تعرض أن الكنيسة القبطية ضايقت الأحباش في القرن الثامن عشر، واستغلت فرصة الاضطرابات في الداخل الإثيوبي، وأجبرت كاهن الدير الإثيوبي على تسليم مفاتيحه لهم. وأنه حينما ضرب الطاعون البلاد، أحرق الأقباط مكتبة الدير لتختفي كافة الوثائق التي تثبت ملكية الأحباش له، وذلك نقلاً عن الرواية الإثيوبية.

.. على الرغم من ذلك ما زال الأقباط يحافظون على رفع العلم المصري على مبنى الدير، لما له من دلالات سياسية ودينية، ويتساءلون: كيف ومتى ستنتهي أزمة النيل - ومعها الدير - بين مصر وإثيوبيا؟ 

______________

[1] -ماجد عزت إسرائيل، "أضواء جديدة على مشكلة دير السلطان بين مصر وإسرائيل"، (ط. دار غرب، القاهرة،2020).
[2] - د. إيريس حبيب المصري، "قصة الكنيسة القبطية - الكتاب السادس (أ): 1928-1946 ، إصدار مكتبة المحبة (طبعة حديثة بدون تاريخ - ربما في التسعينيات من القرن العشرين) ص. 222
[3] - مجلة الكرازة، السنة الثانية عشرة، الجمعة 20 شباط/ فبراير 1981 (13 أمشير 1697ش.)، العدد الثامن، مقال الافتتاحية الأول.
[4] - أشار إلى ذلك الدكتور أنتوني سوريال، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة أسيوط في صعيد مصر، في دراسته "مشكلة دير السلطان بالقدس"
[5] - سجل 151 صحيفة 7 صفحة 11. 

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...