سيدرك الإسرائيليون، قيادةً ومجتمعاً، أنهم كلما اعتقدوا أن الأمر استتب لهم، تأتي لحظة ينقلب فيها البنيان برمته، ويخرج جيل جديد يقاومهم، بتصميم ووعي مذهلين.
ظنوا بعد الانتفاضة الثانية أن مقاومة الفلسطينيين لهيمنتهم صارت محصورةً بقلة أو حتى بأفراد، وأن الكتلة الأعظم سلّمت أمرها لله، وراحت تسعى للتأقلم مع شروط العيش المتاحة، بل وحتى للفوز بأفضل الممكن، بدليل الساعين إلى النجاح من الفلسطينيين ، وأن قوى سياسية فلسطينية من اتجاهات مختلفة، وممثَلة بشخصيات متنوعة، انخرطت في الحياة السياسية الاسرائيلية، لا همّ لها سوى المساومة على موقعها ومكتسباتها ومناصبها...وأن السلطة الفلسطينية تتولى مهام "الإدارة الذاتية"، معفيةً الاحتلال من هذا العبء. وأن دولاً عربية، وإن كانت هامشية وتافهة (ومن ليس تافهاً هذه الأيام؟)، تأخذ إسرائيل بالأحضان، ممارسةً "صلحها" معها بأشد الأشكال ابتذالاً، إمعاناً في الاستفزاز من ناحية، وفي تعظيم الخدمة من ناحية ثانية..
المغزى الأساسي للانتفاض اليوم في فلسطين – كل فلسطين –هو هذا تحديداً: لن يستتب الأمر لكم في أي وقت، ولا في أي جهة من فلسطين. سيخرج الفتية والفتيات أبناؤها، جيلاً بعد جيل، لمقارعتكم، مستحضرين ما عاشه أجدادهم، النكبة في 1948 وكل ما تلاها. قائلين أنه ليس ماضياً، وأن النكبة مستمرةٌ ومتجددة. وسيقابَلون باحتضان عارم في المنطقة التي تُجدد، هي الأخرى، انتفاضاتها كل بضع سنين، معلنةً رفضها السحق الذي يجري تجريعه لها.
لا تهم التفاصيل. ولا يهم الاختلاف - المشروع – حول التكتيكات، وحتى على سواها من الظواهر و"الأغراض" التي يمكن أن تُساءَل. لا يقع قلب الموضوع هنا. وإنما في هذه الحقيقة الموضوعية: سيقاوم الفلسطينيون كل حين، بين إحباط وآخر، وعلى الرغم من أي ضياع وإنهاك وبؤس، إلى أن يدرك محتلوهم ومضطهِدوهم ومرتكبو المجازر بحقهم أنه لا رجاءَ لهم... فيهزَمون. هذا هو مآلهم.