الانتصار المُر والخسارة المُشرفة!

لم يظن أحد منذ عام مضى أن مصر ستقبل على انتخابات رئاسية جديدة، ولم يكن في مخيلة أحد أيضاً أنه سوف يكون في مقدمتها رجل عسكري يجد حوله مَن يسبِّحون بحمده آناء الليل وأطراف النهار، ولا يتوقع أحدُّ عاقل أنها سوف تؤول في نهاية المطاف إلى غير "المشير". فتبدو الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر وكأنها استفتاء على شرعية رجل واحد فقط.معركة اللافتات واستعادة عبد
2014-04-23

أحمد عبد العليم

كاتب وباحث سياسي من مصر


شارك
من الانترنت

لم يظن أحد منذ عام مضى أن مصر ستقبل على انتخابات رئاسية جديدة، ولم يكن في مخيلة أحد أيضاً أنه سوف يكون في مقدمتها رجل عسكري يجد حوله مَن يسبِّحون بحمده آناء الليل وأطراف النهار، ولا يتوقع أحدُّ عاقل أنها سوف تؤول في نهاية المطاف إلى غير "المشير". فتبدو الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر وكأنها استفتاء على شرعية رجل واحد فقط.

معركة اللافتات واستعادة عبد الناصر

بدأت معركة اللافتات سريعا بمجرد الإعلان عن فتح باب الترشُّح للانتخابات الرئاسية في مصر، وكانت أبرزها تلك المتعلقة بدعم المشير السيسي ويأتي بعده بمرتبة أقل المرشح حمدين صبّاحي، لأنه نظرياً فسوف تنحصر "المنافسة" بين هذين المرشحين، هذا على فرض وجودها بينما تدعم أجهزة الدولة بكل طاقاتها المرشح الأول. وقد تركّزت معظم اللافتات الداعمة للمشير السيسي في أنه "الحلم القومي"، واقترنت كثير منها بصور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وانطلقت لافتات أخرى مبرزة صورة "البطل" و"الزعيم" على فرض أن الشخصية المصرية تبحث دائما عن المنقذ أو المُخلِّص، بحسب ما أكّد أحد شيوخ البدو في حديث تلفزيوني له عن المشير السيسي، وكذلك إحدى السيدات وهي ممسكة بصورة تشبه البطاقة الشخصية في مصر يوجد فيها صورة واسم المشير ووظيفته فيها باعتباره "منقذ مصر".
في حين جاءت اللافتات الداعمة للمرشح حمدين صبّاحي والتي عانت من اعتداءات ومشاحنات مع بعض المؤيدين للفريق السيسي، مكتفية بصورة صبّاحي ومعنونة "حملة دعم حمدين صباحي"، وبالأسفل اسم المحافظة التي علقت بها تلك اللافتة، ضمن حملة قام بها المؤيدون للرجل في مختلف المحافظات اقترنت بتوزيع أوراق خاصة للتعريف به وبتاريخه الوطني ونضاله السياسي.

ما خسره السيسي قبل أن يفوز!

تظل حقيقة أن اللحظة التاريخية هي التي صنعت السيسي بانحيازه لإرادة الناس في الإطاحة بنظام الإخوان الفاشل، أكثر تصديقاً من أن السيسي هو الذي صنع اللحظة التاريخية. السيسي بات بطلًاً في أعين عدد كبير من المصريين من دون أن يحتاج إلى كرسي الرئاسة. والسؤال المطروح يتعلق بهذا الخيار: ألم يكن من الأفضل له أن يظل على كرسي وزارة الدفاع محتفظاً بمكانته، وبعيدا عن ألاعيب السياسة في ظل وطن ملغم بالأزمات، ومحتفظاً بسلطة كبيرة غير مقترنة بمسؤولية، وكأنه يملك ولا يحكم، أو يحكم ولا يدير، أو يدير ولا يُسأل؟ قرار ترشُّحه يأتي بالأساس لخدمة دائرة كبيرة من المنتفعين في أماكن عدة، ولكنه يضعه فوق فوهة البركان محملاً بمسؤوليات جسام وسلطة جديدة لن تضيف إليه كثيراً كرئيس للبلاد. فهو قد خسر بالتالي احتفاظه بمكان يمنحه سُلطة كبيرة ولا يُحمّله مسؤولية إلى مكان يمنحه سُلطة محمّلة بمسؤولية كبيرة، ما سوف ينتقص من رصيده القادم لأن إدارة بلد مثل مصر في ظل ظرف استثنائي مثل الذي تعيشه ليس أبدًا بالأمر اليسير.
كذلك خسر المشير السيسي وهج اللحظة التاريخية التي أوجدها أو وُجد فيها، وهي اللحظة التي انحاز فيها لإرادة بعض المصريين وأطاح بالإخوان. خسر وهج أن انحيازه ذاك لم يكن من أجل سلطة، وكسب الإخوان من ترشُّحه تأكيد أن ما حدث انقلاب وليس ثورة، لأن الانقلاب في معناه القانوني هو التدخل لإزاحة سلطة من أجل الاستحواذ على السلطة، وبالتالي جاء قرار ترشحه ليصب بدرجة ما في مصلحة الإخوان.

ما كسبه صبّاحي قبل أن يخسر

يُحسب لحمدين صباحي الذي حاز في آخر انتخابات رئاسية حوالي خمسة ملايين صوت وجاء في المرتبة الثالثة بعد رجل الإخوان مرسي ورجل نظام مبارك الفريق شفيق، نزوله للانتخابات الرئاسية، وهو للمفارقة مكسب للمشير السيسي لأنه يمنح الانتخابات شرعية وحراك سياسي. ورغم أن نتائج الانتخابات محسومة مسبقاً، إلا ان صبّاحي ليس منافساً سهلاً، وسوف يصبح ما سيناله من أصوات رقما لا يستهان به في معادلة واقع الشارع المصري الذي يشهد مظاهرات لا تهدأ ضد المشير السيسي من قِبل الإخوان والمتعاطفين معهم. وبالتالي، فسوف تصبح القوة التصويتية مع صبّاحي نوعاً من التأكيد على وجود طريق ثالث بين المشير ورفاقه من جانب والرئيس المعزول مرسي وإخوانه من جانب. كذلك كسب صبّاحي أنه لم يرضخ للمزاج العام الرافض حتى لمجرد منافسة المشير، وهو المزاج الذي استجاب لضغوطاته مرشحون آخرون وانسحبوا حتى قبل أن تبدأ المعركة.

ما يجب أن يعيه الرئيس القادم

في كل الأحوال على رئيس مصر القادم أن يدرك أن ثمة مجتمعا ثائرا وحراكا لا يهدأ ودولة تعاني أزمة، وأن الإطاحة بمبارك قد تمَّت بينما كان يتمتع بظهير لا يستهان به من مؤسسات الدولة ورجال الأعمال والمنتفعين وعدد كبير من البسطاء، وأنه تمت الإطاحة بمرسي في عنفوان نظامه مدعوما بإخوانه، وهم عدد ليس بالقليل. وعلى رئيس مصر القادم أن يدرك أن أكثر من يبايعونه الآن هم أول من سوف يتخلون عنه إن فشل، وأن مَن يصنعون منه نصف إله اليوم هم أول من سوف يكفرون به غداً ويلعنونه إن سخط عليه الناس.

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

المرأة المصرية واعظة بالمسجد

قررت وزارة الأوقاف تعيين 144 امرأة واعظات في المساجد كجزء من "تجديد الخطاب الديني" الذي دعا اليه الرئيس السيسي. المبادرة تبدو شكلية بالنظر للاشتراطات المصاحبة لها ولوجود  110 آلاف مسجد...