السينما "الموازية" في مصر

تعد صناعة السينما المصرية أهم وأكبر صناعات السينما في العالم العربي، وهي تحجز لنفسها مكاناً عالمياً. لكن هناك من يرى أن صناعة السينما المصرية الآن في تدهور. من هؤلاء صانعو أفلام شبان يعانون الأمرّين في صناعة أفلامهم، التي يسميها البعض مستقلة، بينما يتحفظون هم على هذه التسمية. أفلام نسمع عنها دائما في الأخبار لحصولها على جوائز مهرجانات دولية، في حين لا نرى لها ملصقا واحدا على صالة عرض سينمائية
2014-04-10

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
من الانترنت

تعد صناعة السينما المصرية أهم وأكبر صناعات السينما في العالم العربي، وهي تحجز لنفسها مكاناً عالمياً. لكن هناك من يرى أن صناعة السينما المصرية الآن في تدهور. من هؤلاء صانعو أفلام شبان يعانون الأمرّين في صناعة أفلامهم، التي يسميها البعض مستقلة، بينما يتحفظون هم على هذه التسمية. أفلام نسمع عنها دائما في الأخبار لحصولها على جوائز مهرجانات دولية، في حين لا نرى لها ملصقا واحدا على صالة عرض سينمائية بالقاهرة. تسمى أيضا أفلام "المهرجانات" أو "الاندرجراوند" أو "الميزانيات المنخفضة"، ولكن يرى بعضا من صانعيها أن كل هذه التسميات هي لعزل هذه الصناعة عن السينما المصرية وتنميطها بأنها الأفلام التي ليس لها جمهور، بعكس ما يسمى بالسينما التجارية، في حين أنهم يسعون لأن يكونوا جزءا من صناعة السينما المصرية وأن يكون لهم جمهور عادي.

التسمية الصحيحة ودور الدولة

نتحدث عن الأفلام الموازية، أو البديلة، أو الجديدة، أو أفلام المؤلف (التي يؤلفها ويخرجها الشخص نفسه) كما يسميها أصحابها، وهذه التسميات تأتي من رغبة هؤلاء الصناع في عمل منتج فني يختلف في طريقة إنتاجه ومضمونه عن الطرق السائدة، ويطرح أفكارا وموضوعات غير مسموح بتداولها في السياق السائد، فينتجون الأفلام بأنفسهم بعيدا عن شركات الإنتاج الاحتكارية الضخمة التي تفرض على صانعي الأفلام شروطا معينة لتتماشى مع ظروف السوق والمكسب والخسارة. يرون أنهم جزء أصيل من صناعة السينما في مصر وأنهم مسؤولون عن صناعة أفلام وجمهور وذوق مختلف، وتتعامل معهم الدولة ومؤسساتها النقابية والرقابية والمنتجين الكبار باعتبارهم على الهامش.يشير ياسر نعيم (صانع أفلام) أنه كان هناك وهما بأن السينما هي ملك لأشخاص معينين، وأنها صناعة صعبة ومعقدة وتحتاج لإنتاج ضخم، بالتالي يصعب أن ينضم لها أي شخص. لكن في الحقيقة بعد التطور التكنولوجي أصبح من السهل إنتاج الأفلام "الديجيتال"، وبإمكانيات إنتاجية متوسطة أو صغيرة. أما تامر سامي (مخرج أفلام) فيرى أن تسمية تجاري وغير تجاري لا تصلح، وأن التسمية الغربية مثلا لما يسمى هنا بالأفلام التجارية هي أفلام الـ "mainstream". هالة لطفي (مخرجة) ترى أن تسمية مستقلة تهدف إلى "وضعنا في أماكن بعيدة عن الجمهور، فيعرضون أفلامنا في سينمات خاصة أو مراكز ثقافية وليس في دور العرض الجماهيرية، وكأننا لا ننتظر مردودا أو جمهورا لأفلامنا"."الدولة من مصلحتها السيطرة على صناعة السينما فهو سلاح خطر بالنسبة لها" هذا ما يقوله ياسر نعيم ، ويضيف أن هذا بدا جليا منذ أن قررت تأميم شركات السينما والاسطوانات واستخدامها في الدعاية للدولة، لذا فهي مستفيدة من سيطرة كيانات رأسمالية احتكارية على صناعة السينما في مصر الآن. هالة لطفي ترى أن الدولة مسؤولة بشكل كامل عن تدهور صناعة السينما، منذ أن تخلت عن ميراث السينما المصرية لصالح بعض الشركات، ثم بيعت حكرا لبعض القنوات الفضائية الخليجية والتي قامت بالعبث بأصل هذه الأفلام واقتطاع أجزاء منها تحت دعوى الرقابة أو تغيير أسمائها، ومنذ أن سنت قوانين تحمي الاحتكار وتساعده، ومنذ أن تركت العديد من دور العرض مغلقة، ومنذ أن سمحت بضخ أموال خليجية ضخمة في صناعة السينما المصرية، تحكمت في شكل ونوعية المنتج السينمائي.

صعوبات إنتاجية وتوزيعية

منذ سنوات عدة اندمجت بعض شركات إنتاج الأفلام المصرية في كيانات إنتاجية ضخمة، والجدير بالذكر أن هذه الشركات تمتلك الكثير من دور العرض السينمائي في مصر. هنا تأتي المشكلة الأولى لصناع الأفلام الذين لا يرغبون في الخضوع لنمط إنتاج السوق. يشير ياسر نعيم أن هناك عدة وسائل للإنتاج البديل، فإما أن ينتج صانع الفيلم فيلمه على حسابه الخاص، أو يلجأ لصناديق دعم تعاونية، أو الدعم المتبادل بين صانعي الأفلام، أو المشاركة بالأجر في الإنتاج، أو اللجوء لصناديق دعم عربية، أو مهرجانات سينمائية، أو اللجوء لمنح مثل منحة وزارة الثقافة، وأخيرا اللجوء لكيانات إنتاج بديلة. كثير من صناع الأفلام يضطرون للعمل في أعمال أخرى ليس فقط لتمويل أفلامهم بل كي لا ينتظرون دخلا من هذه الأفلام، وهذا بالطبع يجعل كثير منهم غير متفرغ لصناعة السينما. يقول تامر سامي أن ظروف الإنتاج صعبة بالفعل، وحتى إن تمكن صانع الفيلم من إنتاجه فهو لن يحقق له أي دخل، لذا عمل هو مثلا في الصحافة وفي الدعاية، بل وعمل فترة كموظف جمارك. أما منحة وزارة الثقافة التي حصل عليها لإنتاج واحد من أفلامه، فاضطر أن يمر من أجلها بصعوبات وإجراءات بيروقراطية كثيرة وأحيانا معرقلة. وعن الكيانات الإنتاجية البديلة، تشير هالة لطفي إلى أن هناك بعض كيانات الإنتاج المحدودة مثل "حصالة"، والتي تسعى لدعم هذه الأفلام إنتاجا وتوزيعا ولخلق نوافذ جديدة وأسواق لهذه السينما.قدم مقترح من مجموعة من صناع السينما المصريين لأصحاب دور العرض من المنتجين الكبار، بأن يعرض فيلم قصير قبل الفيلم الطويل. ولكن هذا الاقتراح لم يفعل قط لا بدور العرض المملوكة للدولة أو تلك الخاصة. يقول تامر سامي "إن أصحاب دور العرض الخاصة رفضوا ذلك لأنهم لا يريدون الاستغناء عن الفقرة الإعلانية التي تدر عليهم أموالا طائلة. وهذا هو صلب المشكلة حيث أن المنتج هو الموزع وهو صاحب دار العرض".
لعلها بادرة تحمل الأمل أن تُفتتح قاعة عرض (سمّيت "زاوية") في 12 آذار/مارس الماضي بسينما أوديون بوسط القاهرة، من قبل "شركة أفلام مصر العالمية"، في سعي منها لتقديم مختارات بديلة من الأفلام العربية وأفلام أخرى من أوروبا وجميع أنحاء العالم. وتحاول "زاوية" تسويق الأفلام المحلية المستقلة وإتاحتها للعرض، وذلك لتشجيع الشباب من المخرجين المصريين والعرب. 

قيود نقابية ورقابية

المشكلة الأكبر أمام صناعة السينما الموازية تأتي من القيود الرقابية والنقابية. لكي يصبح صانع الأفلام عضوا في نقابة المهن السينمائية عليه أن يكون إما عاملا في التلفزيون أو خريجا للمعهد العالي للسينما. والمعهد لا يقبل أكثر من 8 أشخاص في العام (وبالواسطة، على حد قول ياسر نعيم)، ومن ناحية أخرى الدولة أيضا مسؤولة، يضيف ياسر " الدولة اتخذت حزمة من الإجراءات مثل تعديل قانون النقابات الفنية في العام 2005، حيث تحولت النقابات الفنية لمؤسسات حكومية، وأصبح بها عدد كبير من الموظفين، وكان الأهم بالنسبة لهم هو الكتلة التصويتية النقابية وليس دعم السينما بشكل حقيقي". هناك بالإضافة إلى الرقابة ثلاث نقابات تتحكم في صناعة السينما حتى لغير أعضائها، وهم نقابة المهن السينمائية، نقابة المهن التمثيلية، ونقابة المهن الموسيقية، ويضيف: "فإما أفبرك تصاريح كي أتمكن من العمل، أو أدفع رشى، أو انتظر سنوات كي يقر مجلس النقابة عضويتي، أو أخيرا أطعن في عدم دستورية استبعادي من عضوية النقابة".الأمر لا يقف عند هذا الحد. يقول تامر سامي "كي أتمكن من تصوير فيلمي علي أن أحصل على تصاريح من النقابات الثلاث حتى لو لم أكن عضوا فيها، فهم من يعطون الحق لمزاولة المهنة، والمشكلة في ذلك أن النقابة لا تعترف بالسينما المستقلة، بل وأن المنتجين أعضاء في النقابة مما يتسبب في تعارض مصالح واضح". ويضيف ياسر نعيم "إن لم أكن عضوا في النقابة فتصريح العمل الأول يتطلب مبالغ ضخمة، ولأعضاء النقابة أيضا حق الضبطية القضائية فيما يسمى بحملات تفتيش، فمن حق عضو النقابة إن رآني أقوم بالتصوير في مكان أن يلقي القبض علي إن لم يكن معي تصريح، وعادة ما يحل الموقف بالرشى، هذا بالإضافة إلى صعوبة الحصول على تصريح للتصوير بالشارع من وزارة الداخلية، فإن لم يكن معي تصريح يمكن أيضا لأمين الشرطة أن يلقي القبض علي أو أضطر لدفع رشى مجددا لإنقاذ الموقف، أما بعد الانتهاء من الفيلم فعلي الحصول على تصريح العرض العام من الرقابة وهذا أيضا يتطلب رسوما مالية ضخمة، حتى إن كنت سأعرض فيلمي في مركز ثقافي وليس في دار عرض سينمائية، لان بعض المراكز الثقافية لا توافق على عرض أفلام دون تصريح خوفا من الرقابة".تضيف هالة لطفي: "بعد أن انتهي من الفيلم علي أن أتنازل عن حقوقي كمؤلف ومخرج لشركة إنتاج لكي أتمكن من الحصول على الموافقة النقابية لأن القانون لا يعترف بالأفراد، وإن كان الممثلين بالفيلم غير أعضاء بالنقابة فعلي أن أدفع غرامة كبيرة عن كل ممثل غير عضو". هذا بالإضافة إلى أن هذه الغرامات لا تحدد وفق معايير واضحة. تضيف هالة، وهي عضو بنقابة المهن السينمائية، "لماذا يضطر الناس لأن يدفعوا أموالا طائلة في نقابة لا تقدم لهم شيئا وليسوا أعضاء بها، لماذا لا تحمي النقابة حق العاملين في عدد ساعات عمل وفقا للقانون؟ ولماذا لا توفر تدريبا للأعضاء؟ ولماذا لا تضغط من أجل فرض تأمين على الحوادث؟ النقابة لا تسعى لتطوير المهنة، وتحمي فقط الكيانات الرأسمالية الضخمة". تؤكد هالة أنهم ليسوا في مواجهة سينما السوق أو السينما التجارية، ولكنهم فقط يرغبون في خلق مساحة للتعبير عن أنفسهم.

كيان بديل

لكل ما سبق من صعوبات، يسعى السينمائيون "المستقلون" منذ سنوات لإنشاء كيان يعبر عن الشباب العاملين بالسينما ويدعم تنوع صناعة السينما وإتاحتها لكل الأشخاص بعيدا عن أصحاب المصلحة ، ويستطيعون أيضا من خلال هذا الكيان السعي لإيجاد حلول للقوانين المعرقلة لصناعة السينما في مصر أو تغييرها. وبما أن حق الانضمام أو عدم الانضمام الى النقابات، بالإضافة إلى حق تعدد النقابات مكفول في الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، فإن هذا الكيان يحاول الآن إنشاء نقابة "بديلة" لا تتدخل في شؤون أعضائها ولكن تنظم مصالحهم، وهذه النقابة هي "النقابة المستقلة للعاملين في صناعة الأفلام والسينما". تسعى مجموعة كبيرة من السينمائيين للانتهاء من إجراءات التأسيس ووضع خطة عمل لهذه النقابة البديلة، والتي يطمح السينمائيون الشباب أن تعبر عنهم وتدعمهم في المستقبل.

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!