مرة جديدة، تهتزّ ولاية كيبيك الكندية بسجال حول الملابس الدينية. سجال حرّكته قصة شاب من الهنود السيخ، يلعب كرة القدم في أحد النوادي الرياضية. وشاءت الصدفة أنّ الفتى يرتدي العمامة (التربان) وفق ما تمليه عليه تقاليده. قام الاتحاد الرياضي في كيبيك بإبلاغه بأنّه ممنوع عن لعب كرة القدم وهو يغطي رأسه، وذلك "لأسباب أمنية".
ومثلما هو متوقع، أثار قرار الاتحاد الكروي ذاك الكثير من الحبر والكلام. أكثر الصحافيون من الكلام والكتابات، فكتب المحللون وعلّق المعلّقون. وبالطبع سارع السياسيون إلى الانخراط في النقاش، مع وضعهم نصب أعينهم هدف مغازلة الناخبين من خلال الاعتداد بتلك العلمانية التي تحوي كلّ شيء. وفي ما يشبه الإجماع، قال السياسيون إنّ الرموز الدينية محظورة في الأماكن العامة.
وقد اتّخذت رئيسة وزراء مقاطعة كيبيك بولين ماروا، التي تنقض حكومتها على البرامج الاجتماعية، موقفاً مدافعاً عن قرار الاتحاد الكروي لكيبيك، مدغدغةً بذلك الشعور القومي الكيبيكي. وبنتيجة السجال حول الموضوع، علّق الاتحاد الكندي لكرة القدم عمل الاتحاد الكيبيكي. وقد تطلّبت عودة الشاب الهندي المنتمي للديانة السيخية إلى ملاعب كرة القدم مع عمامته على رأسه، تدخُّلاً من الاتحاد الدولي لكرة القدم.
ليست تلك القصة الأولى من نوعها في البلاد. ففي العام الماضي، احتلّت قصة فتاة مسلمة صدارة الصحف على خلفية لعبها كرة القدم وهي ترتدي المنديل على رأسها. وقد ساند الاتحاد الدولي لكرة القدم الفتاة في قضيتها، وذلك على الرغم من الضجّة التي أثارها الاتحاد الكيبيكي أيضاً.
وفي كل مرة تتكرر هذه الحالات، تتسمّم العلاقات أكثر فأكثر بين الأقليات المهاجرة الوافدة إلى كندا، وخصوصاً الأقليات الإسلامية، من جهة، والمجتمع الكيبيكي من جهة ثانية.
وتجد الأقليات الدينية نفسها في فخّ المعركة الدائرة بين ولاية كيبيك وباقي ولايات البلاد. فكندا، كونها بلدا مستقبِلا للمهاجرين، اخترعت نظرية "الاستيعاب العقلاني" الهادفة إلى دمج المهاجرين الوافدين في بلدهم الجديد. ويهدف هذا المفهوم إلى السماح للأقليات الدينية بممارسة تقاليدها بالتناغم مع المجتمع المضيف.
على سبيل المثال، يمكن لمسلمٍ أن يطلب من رب عمله السماح له بالذهاب لتأدية صلاة الجمعة، على أن يعوّض وقت الصلاة بالعمل في نهاية اليوم. ويمكن لرب العمل أن يوافق على هذا الطلب في حال كان ذلك لا يؤثر سلباً على حسن سير العمل. لا تُحكم هذه العلاقة بقانون ولا بقاعدة، بل باتفاق بسيط بين الطرفين. ويمكن العثور على أمثلة مماثلة عدّة.
إلا أنّ نظرية "الاستيعاب العقلاني" لطالما أثارت غضب المجتمع الكيبيكي الذي يرى أنّ التعدد الثقافي الكندي تمّ فرضه بهدف إغراق ثقافته الفرنكوفونية في بحرٍ من الثقافات الأخرى.
تشتيت للانتباه
تحمل قصة هذا الشاب من ديانة السيخ، أكثر فأكثر ملامح هادفة إلى تشتيت الانتباه. فالتركيز الإعلامي على مثل هذه المسألة ذات الأهمية الثانوية، يساهم في حرف الأنظار عن التحديات الحقيقية. فبينما كان السجال متمحوراً حول العمامة التي يرتديها اللاعب الشاب، كان العديد من الموظفين ورجال الأعمال والمنتخَبين يدلون يومياً بإفاداتهم أمام لجنة تحقيق حول وجود فساد في العديد من الصفقات في كيبيك منذ سنوات، خصوصاً في مونتريال.
هي صفقات فاسدة تُحصى بالعشرات، وقد كلّفت سكان الولاية ملايين الدولارات.