انتخابات «الإخوان» الداخلية والسلوك التصويتي للأعضاء

جماعة «الاخوان المسلمين» التي صعدت للحكم في مصر بعد عقود من التدافع السياسي مع أنظمة ملكية وجمهورية، حافظت على نمط من السياسة البرغماتية التي مكنتها من الاستمرار في الحياة ومقاومة الاستئصال. لكنها ما زالت في العديد من جوانب وجودها لغزاً. ويشمل الغموض الكيفية التي تنتخب الجماعة والحزب قياداتهما، والآلية التي تدفع بالبعض إلى القيادة وتستبعد البعض الآخر...بداية، الجماعة هي التي
2012-11-14

أحمد بان

رئيس وحدة دراسات الحركات السياسية والاجتماعية بمركز النيل


شارك
غرافيتي في أحد شوارع القاهرة

جماعة «الاخوان المسلمين» التي صعدت للحكم في مصر بعد عقود من التدافع السياسي مع أنظمة ملكية وجمهورية، حافظت على نمط من السياسة البرغماتية التي مكنتها من الاستمرار في الحياة ومقاومة الاستئصال. لكنها ما زالت في العديد من جوانب وجودها لغزاً. ويشمل الغموض الكيفية التي تنتخب الجماعة والحزب قياداتهما، والآلية التي تدفع بالبعض إلى القيادة وتستبعد البعض الآخر...

بداية، الجماعة هي التي تقرر كل ما يتعلق بالحزب، فهي التي أنشأته من بين أعضائها العاملين (العضوية الأرقى داخل الجماعة)، وهي من يموله ويختار قياداته، بدءاً من أمناء المحافظات وحتى الرئيس والنائبين والأمين العام. كما ان الحزب لا يعلن أي موقف تجاه أي أمر من دون موافقة الجماعة، لذا لم يكن غريبا في كثير من الأحيان أن يُسأل عن موقف الحزب من أمر، فيتأخر الرد حتى الموعد الدوري الذي ينعقد فيه مكتب الإرشاد، أو يتأخر الأمر أكثر لو استدعى أخذ رأي مجلس الشورى.

تراتبية القرار داخل هيكل الجماعة مكونة من شعبة، فمنطقة، فمكتب إداري محافظة، ثم في النهاية مكتب الإرشاد. وبالتوازي مع ذلك، هناك مجلس شورى شعبة، فمجلس شورى منطقة، فمجلس شورى محافظة، ثم في النهاية مجلس الشورى العام. ويراقب مجلس الشورى في أي مرتبة الوحدة المناظرة له، وهي مجلس الإدارة. لكن ذلك يبقى نظرياً، فمن يدعو لاجتماعات المجالس الشورية، ويرأس اجتماعاتها، ويحدد جدول اعمالها، هو رئيس مجلس إدارة الهيئة المقابلة، ما يعني أنه لا يوجد عملياً فصل بين الهيئة التنفيذية والهيئة الرقابية، بل ترأس الهيئة الأولى الثانية.

وبخصوص الانتخابات، فجمعية الناخبين ليست الجمعية العمومية للأعضاء. فالعضوية داخل الجماعة نوعان: عضوية خاملة وعضوية نشطة. وتشمل الأولى الأعضاء من فئة محب ومؤيد ومنتسب، وهذه الفئة تمثل 90 في المئة من قواعد الإخوان. أما الاعضاء النشطون فهم من فئتين: منتظم، وعامل. أما المنتظم فتقف عضويته النشطة عند حدود أصغر وحدة إدارية، وهى الشعبة، حيث من حقه أن يرشح وينتخب في مجلس شورى الشعبة وعضوية مجلس شورى الشعبة، دون منصب الرئيس أو نائبه المقصور على فئة «العامل».

أول مجالات العضوية النشطة والمشارَكة في الإدارة والقرار، هو مجلس شورى الشعبة الذى يُنتخب من أربعين عضوا، هم من ينتخبون بدورهم مجلس إدارة الشعبة، المكون من رئيس، ونائب، وخمسة أو سبعة أعضاء. وفي انتخابات الإخوان، لا يرشح أحد نفسه، فالكل مرشح، والكل ينتخب، ولا ينتخب أحد نفسه. بالطبع، كان هذا في الأصل، قبل أن تضغط الممارسة الديموقراطية خارج الجماعة على داخلها، فتقبل بأن يرشح نفسه من يرغب في الترشح من دون حرج. ولكن من يفعل تحيط به نظرة سلبية تتجه مباشرة إلى اتهامه بأنه صاحب هوى وغرض، ويفتقر للتجرد، بحيث لا يحظى في الغالب بتأييد واسع داخل أوساط من يفترض بهم أن ينتخبوه .

لكن، من يقرر أن هذا عامل، وهذا منتظم، وهذا منتسب، وغير ذلك من مراتب العضوية؟ هذا في الحقيقة هو مربط الفرس، وبوابة المرور لصف القيادات والمسؤولية، أو الاستقرار في المراتب الدنيا. إنها لجنة التربية، أهم لجان الجماعة، التي تعد مناهج تربية الأعضاء، وتشكل معتقداتهم الفكرية والحركية، والتي تحدد أيضا الشروط الواجب توافرها فيهم، والأهداف التي يجب أن يحققوها: نظرياً، في جوانب التربية (معرفة ومهارة وسلوكاً)، وعملياً، في مواصفات وشروط العضوية والتهيؤ لأسرار التنظيم، ويمكن التعبير عنها بأنها جملة شروط تتعلق بمهارات الكتمان وقلة الكلام والفضول، والطاعة، وضعف الذاتية، واحترام التعليمات، والتقيد الحرفي بها، والميل للتنسك، والمحافظة على الشعائر، والثقة التامة بالقيادة، التي يتعبد بطاعتها والدعاء لها، حيث انها بحسب تعبير بعض القيادات «تنصر حتى بأخطائها». يقوم على لجنة التربية أعضاء يُختارون بعناية من قبل أعضاء النظام الخاص في الجماعة، وأعضاء «تنظيم 65»، ومن يحظى بثقتهم من الأجيال اللاحقة. ولا يتسرب الى تلك اللجنة شخص لديه ميل الى حرية التفكير أو الخيال، أو من المسيسين، بل هم جميعاً ممن يمارسون لونا من الانفصال الشعوري والوجداني عن المجتمع الذي يظن أن اسلامه لم يكتمل لا في التصور ولا في السلوك. هذا هو المصفى الأول الذى يمر عبره الأعضاء الى مراتب العضوية التي تشرف عليها لجنة التربية والتي تحتكم إلى معايير وصفية مرتبطة بالتقييم والتقدير الشخصي، الموصول بتقاليد التنظيم وأهدافه وشروطه.

أما المصفى الثاني الذى يضمن ألاَّ يتسلل إصلاحي لمواقع القرار، في أي دائرة من دوائره وحلقاته، فهو حملات التشويه والاغتيال المعنوي المنظم الذى تديره مجموعة ضيقة داخل التنظيم ممن يعتبرون أنفسهم حراس المعبد. وهذه الأسلحة تشرع في مواجهة أي إصلاحي استطاع أن يفلت من المصفى الأول بإخفاء ميوله الإصلاحية، أو ملكاته في التفكير والنقاش والمحاججة. فتطلق حزمة من الاتهامات في هدوء تستهدف التشكيك في النيات والأهداف، وصدق الانتماء للتنظيم، فتسمع عبارات من قبيل «أخونا الفاضل يسمع لخصوم الدعوة من العلمانيين والليبراليين واليساريين، ويطيل الجلوس معهم»، «أخونا لديه تميع في الأفكار والمعتقدات»، حتى وصل الأمر إلى الاتهام في العقائد، «أخونا ليس لديه الجلد الكافي لتبعات الدعوة»، «أخونا لم يسجن سوى لفترة قصيرة أو لم يسجن أصلا»، «أخونا لا نعتقد أنه سيكمل معنا الطريق»... كل هذه المقولات وغيرها تكررها على أسماع الإخوان قيادات تاريخية لها حظ من النضال، وطول المكوث في المعتقلات، ما يضفي على كلامها مسحة من التجرد والحدب على الدعوة، تحقق لها القبول والتسليم لدى القواعد الإخوانية، التي تختزن هذا الكلام حتى يظهر أثره في صندوق الانتخاب. ولعل من المفيد أن نذكر في هذا السياق ما ورد على لسان الصحافي عبد الجليل الشرنوبي، رئيس تحرير موقع إخوان أون لاين السابق، حول ما تم أثناء انتخابات التصعيد لأمانة حزب الحرية والعدالة بالقاهرة، والتي ترشح لها ثلاثة من قيادات الإخوان، اثنان منهم محسوبان على التيار المحافظ الذي يحظى بثقة التنظيم، هما أسامة ياسين وعمرو زكي، أما الثالث فكان محمد البلتاجي، القيادي السياسي اللامع، وأحد رموز التيار الإصلاحي داخل الجماعة والحزب، والذي لا يحظى بثقة التيار المحافظ القابض على السلطة في الجماعة والحزب. كانت الرسالة الشفهية التي مررتها قيادة التنظيم للناخبين، المختارين أصلا بعناية التنظيم، تقول: «طبعا الثلاثة أخوة أفاضل، بس الأخ عمرو زكي مشغول بالإعلام وتأسيس قناة الإخوان مصر 25، والأخ البلتاجى أنت أدرى بتسرعه في التصريحات، أما الأخ أسامة فهو أكثرهم انضباطاً وامتلاكاً لوقته». وهذه عينة من رسائل التوجيه المباشر للقواعد في كل انتخابات تجري، مع تغير الأسباب والحيثيات بحسب الشخص والموقع. ولعل هذا يفسر للمراقبين كيف غادرت الجماعة قيادات إصلاحية لامعة، كعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب وغيرهما.

هذه الرسائل السلبية تبدأ في الانتشار حول أي شخص من الإصلاحيين لمجرد بروزه داخل التنظيم وازدهار شعبيته خارجه. حتى ان كثيرا من الإخوان كانوا يتداولون مثل هذه الرسائل حول عبد المنعم أبو الفتوح قبل الثورة بعشر سنوات، وكان وقتها عضوا في مكتب الإرشاد. ولما ارتفعت حظوظه في الوصول لموقع المرشد العام في أعقاب وفاة مأمون الهضيبي، تكفلت تلك الماكينة بالإجهاز على تلك الحظوظ بنشر المزيد من الشائعات حوله. تنشط تلك الرسائل عبر اتصال ممنهج بكل قواعد الناخبين. تلك ببساطة الطرق التي تجعل الأمور تؤول في النهاية لتلك القيادات، وهي اجمالاً من فريق المحافظين الذين يحظون بثقة التيار القابض على مقاليد السلطة في الجماعة سابقا، وفي الدولة لاحقا. بينما يخرج الآخرون من الجماعة ملتحفين بالصمت حتى يموتوا، بدعوى الغيرة على المشروع الإسلامي، أو حفظ أسرار التنظيم، أو حفظ حقوق الأخوة...

إذاً ثقافة الاختيار ومعاييره هي خليط من قيم يسوقها التنظيم باعتبارها دينا يتعبد به، مفرداتها الثقة بالقيادة، السمع والطاعة، الابتعاد عن المعارضة. وكثيرا ما يعتد بعضهم بحديث غير معروف النسب عن الرسول: "إنما أهلَكَ من كان قبلُكم كثرة سؤالهم واختلافهم على علمائهم".

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

دراما شباب الإخوان

أحمد بان 2013-10-22

وقف يتسامر مع زميله في نوبة حراسة مقر الاعتصام في رابعة متسائلا: هل أجرمنا حين أردنا أن نحيا كما يريد ديننا؟ هل أجرمنا لأننا نريد أن ننتزع وطنا يحترم ناسه؟...

خريطة الحركات السلفية في مصر

أحمد بان 2013-04-10

شعار أحدى قنوات التلفزة السلفية في مصر هو: «شاشة تأخذك إلى الجنة». وها الطرق الى الجنة تتفرع الى تيارات سلفية عدة، تتلاقى وتتقاطع وتتوالد الواحدة من الاخرى، أو تتعايش، أو...

السلفيون والإخوان من انقلب على الآخر؟

أحمد بان 2013-03-19

أصاب التصدع العلاقة بين شركاء وحلفاء الأمس، حمَلة المشروع الإسلامي، حماة الشريعة ، من تصدوا معا لكتابة دستور الدولة الإسلامية، وخاضوا معا معركة استلاب الدولة المصرية وتحويل مسارها باتجاه مشروع...