ارتبط الماء في المغرب بكل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وطرح عدة مشاكل إنْ توفر بكثرة (سيول، فيضانات) بُعيد هطول الأمطار بغزارة، وكذلك أثناء الندرة (جفاف، قحط) وما يخلفانه من أوبئة ومجاعات..
عرف البلد استمرار بعض مظاهر الديانات المرتبطة بالماء، وأحيطت الثروة المائية بهالة من القداسة لدى السكان، فكان القدماء يقدّمون هدايا للآلهة شكراً لوفرة الماء أو استدراراً له، بينما بنوا القنوات والنافورات، ونفّذوا عمليات معقدة لتزويد المدن بالمياه. بينما يعد المغرب اليوم من بين 30 دولة ستعاني من ندرة المياه خلال السنوات القادمة.
المطر والعلم
يعرف المغرب نوعين من المناخ، مناخ متوسطي بالشمال يتسم باختلاف درجات الحرارة حسب الفصول والمناطق، حيث يكون فصل الشتاء معتدل الحرارة وتساقطاته غير منتظمة، مع صيف حار وجاف. فيما يُعرف الجنوب بالمناخ الصحراوي، وارتفاع درجات الحرارة، وقلة الأمطار طيلة السنة، مع ارتفاع المد المداري. ويتدرج معدل التساقطات في السهول الشمالية الغربية ما بين 600 إلى 400 مليمتر سنوياً، وهو 200 مليمتر بالهضاب الشرقية والجنوبية، في حين تقل التساقطات عن 100 مليمتر بالمناطق الصحراوية. وتتلقى المرتفعات بجبال الأطلس والريف أكبر الكميات التي تصل إلى 800 مليمتر سنوياً.
في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2017 كان البلد يملك حوالي 23 مليار متر مكعب في المتوسط سنوياً، بينما يبلغ العجز السنوي في المياه نحو مليار متر مكعب. فيجري اللجوء إلى الاستمطار من خلال تلقيح السحب تقنياً لكسر تأثير المرتفع "الأصوري" ( حاجز من الضغط الجوي المرتفع) الذي يَحول دون وصول الاضطرابات الجوية والكتل الهوائية إلى المغرب.
يتدرج معدل التساقطات في السهول الشمالية الغربية ما بين 600 إلى 400 مليمتر سنوياً، وهو 200 مليمتر بالهضاب الشرقية والجنوبية، في حين تقل التساقطات عن 100 مليمتر بالمناطق الصحراوية. وتتلقى المرتفعات بجبال الأطلس والريف أكبر الكميات التي تصل إلى 800 مليمتر سنوياً.
وقد عرف مخزون السدود المخصصة للاستعمال الفلاحي تطوراً بلغ 4.62 مليار متر في كانون الثاني/ يناير 2019. وسجل الخبراء المغاربة زيادة في نسبة التساقطات عبر تقنية الاستمطار الصناعي بنسبة تتراوح ما بين 17 في المئة و20 في المئة، وذلك عبر مقارنة التساقطات المطرية والثلجية بين تساقطات منطقة غير مستهدفة بالتقنية مع أخرى مستهدفة.
يبدو أن الاستمطار الصناعي يفنّد المزاعم القائلة بأن قوًى غيبية هي من تعطي المطر أو تحبسه.
طقس الاستمطار "تاغونجا" بالمغرب الصحراوي
اشتهرت عمتي عائشة بعشق التراث اللامادي، فهي شاعرة وفنانة شعبية وإحدى حارسات التراث اللامادي بالقرية التي يُتحدَّث فيها باللغة الحسانية القحة الشبيهة بموريتانيا، وهي تنظم موكب "تاغونجا" كل خريف عند انحباس المطر.
تصنع الدمية المعروفة بـ"تاغونجا" من هيكل عبارة عن عصاوين متعامدتين على شكل صليب، أما رأسها فهو "مرغفة" مزينة بـ"الصوصية" التي تستعمل لحياكة شعر الماعز لنسج "الفليج" التي تتألف الخيمة الصحراوية من ثمانية أجزاء منه.
تلبس "تاغونجا" الملحفة الصحراوية وإزاراً أبيض. تزين بـ" ضفيرة العروس" والعقيق و"اللبان" وغيرهم من أدوات الزينة الصحراوية. تحملها عمتي "عائشة" متقدمة الموكب الذي يطوف بها جل القرى المجاورة لقريتها. يتألف الموكب من النساء المتقدمات في العمر والأطفال وكذا بعض النساء الشابات والعازبات. تردد النسوة البيت الشعري التالي، طلباً للغيث: "تاغونجا إيلا إيلا.. تجيب السحاب بلا كلا". هذا بالنسبة للصحراويين، أما الأمازيغ فيرددون "تبل غونجا نومنس ربي.. ولي إركان أدي كا نزار". والمعنى هنا: سألنا الرب الذي له ملك كل شيء.. أن يأتينا بالمطر.
يجري اللجوء إلى الاستمطار من خلال تلقيح السحب تقنياً لكسر تأثير المرتفع "الأصوري") حاجز من الضغط الجوي المرتفع) الذي يحول دون وصول الاضطرابات الجوية والكتل الهوائية إلى المغرب.
يقدم كل رجل يرغب في رؤية "تاغونجا" مبلغاً من المال للموكب، ويعطي أصحاب كل بيت توقف عنده الموكب أُعطية من زرع أو تمر أو سكر أو مال، بعد أن يرشهم بالماء أولاً. يطوف الموكب جل القرى، ويلّمُ العطايا لإعداد معروف "تاغونجا" أملاً بنزول المطر. يتشارك الجميع في الطعام على أمل نزول الغيث.
الطاعون الجديد يغزو المغرب الصحراوي
يخشى أهالي المغرب العميق أن تنضب آبارهم، وتنزل الفرشة المائية لواحاتهم الشاسعة خلال العقود القادمة، بسبب الإفراط في استغلال المياه لري مزارع البطيخ الأحمر، وعدم عقلنة استعمال المياه. ويهابون أن تعمَّ محافظات المغرب الصحراوي مشاهد شراء الأهالي للماء، كما يبتاعون الحليب من موزعي الماء من أصحاب الصهاريج والدارجات ثلاثية العجلات، واصطفاف النساء في الشوارع والأزقة وهن ينتظرن بائعي المياه بالتقسيط.
لذا شهد المغرب حراكاً احتجاجياً بكل المناطق التي تشهد دخول الزراعات الشرهة للمياه. إنه حراك احتجاجي متواصل من أجل قطرة ماء.
المغرب: الأرض لمن؟
02-05-2019
ورد في موقع وزارة الفلاحة المغربية: "عصرنة الفلاحة السقوية عبر تنمية السقي الموضعي على نطاق واسع اعتماداً على تحويل تقنيات الري المستعملة ذات الكفاءة المحدودة، بحيث أن الهدف هو الوصول إلى تجهيز حوالي 50 في المئة من المساحة الإجمالية المهيأة على الصعيد الوطني لتقنيات السقي الموضعي، وهو ما يصبو إليه البرنامج الوطني لاقتصاد مياه السقي في إطار التدابير الأفقية لمخطط المغرب الأخضر، وذلك عبر التخفيف من الإجهاد المائي الذي يعتبر العقبة الأساسية أمام الرفع من الإنتاجية الفلاحية". ويعتمد هذا البرنامج على التحويل الشامل للسقي الخارجي عبر الرش إلى السقي الموضعي على مساحة تقدر بـ 550 ألف هكتار على مدى 10 سنوات، وذلك بوتيرة تجهيز متوسطة بحوالي 55 ألف هكتار في السنة."
وصفت عجوز من أهالي المغرب العميق زراعة البطيخ الأحمر بـ" الطاعون الجديد"، وتنبأت بأنه سيرغم أهالي المغرب العميق على الرحيل من أرضهم بسبب استهلاكه للفرشة المائية.
فقد أدى توالي سنوات الجفاف والتصحر والانجراف وزحف الرمال وتحويل المزارعين الكبار والمتوسطين وجوههم إلى واحات المغرب الصحراوي وخلقهم لمزارع البطيخ الأحمر، إلى نضوب الفرشة المائية ونزول مستواها بسبب تعميق المزارعين للآبار بالمناطق التي شهدت اعتماد زراعات دخيلة على المناطق الصحراوية. وصفت عجوز من أهالي المغرب العميق زراعة البطيخ الأحمر بـ"الطاعون الجديد"، وتنبأت بأنه سيرغم الأهالي على الرحيل من أرضهم بسبب استهلاكه للفرشة المائية.
يشكل الماء نسبة 92 في المئة من مكونات البطيخ الأحمر. خلال مذاكرة مع أحد الخبراء الزراعيين الفرنسيين عام 2006، قال بالحرف" إن المناطق التي تصدّر البطيخ الأحمر وغيره، إنما تصدر المياه".
المغرب الصحراوي ..جنة المزارعين
يعتبر المغرب الصحراوي اليوم جنة المزارعين لجنيهم أرباحاً خيالية من بيع البطيخ الأحمر والأصفر. غزت هذه الزراعات المنطقة منذ مطلع القرن الحالي، ودرج المزارعون المحليون على تغيير الزراعات المحلية المتأقلمة مع ندرة المياه وشح التساقطات، وساروا على نهج المزارعين الدخلاء.
فلماذا ولّى المزارعون وجوههم إلى المغرب الصحراوي جاف المناخ وقليل التساقطات المطرية عوض الجهات الخصبة ودائمة التساقطات؟ خصوبة الأرض والتي تعرف محلياً بعبارة "الأرض سخونة"، وشساعتها. فضلاً عن سهولة الحصول على العقار بأثمان بخسة، ووفرة الثروة المائية، وقربها بحيث لا يكلف تجهيز الآبار بالمغرب الصحراوي سوى قليل من المال. كما يعرف المغرب الصحراوي مناخاً حاراً يؤدي إلى نضج مبكر للمزروعات، وبالتالي التسويق المبكر، على النقيض من المناخ الرطب في بلدان المجال المتوسطي، إذ يصل المنتوج المغربي إلى الأسواق الأوروبية والعالمية أولاً.
أنهار المغرب تنبع من قلبه
17-06-2016
يحتل البلد المرتبة الأولى من حيث انخفاض سعر الكيلوغرام من البطيخ الأحمر فيصل إلى 0.69 يورو (ما بين 7 - 8 دراهم). ويصل سعر الإسباني إلى 0.5 يورو، أما سعر اليوناني فيصل 0.29 يورو، والإيطالي يبلغ 0.36 يورو. وتُعرف إسبانيا واليونان وإيطاليا بأنها بلدان مشهورة بزراعة البطيخ الأحمر، بينما يحتل المغرب المرتبة الأخيرة في حجم الإنتاج. تنتج إسبانيا 364 مليون كيلوغرام من البطيخ الأحمر أي ( 364 ألف طن)، في حين ينتج المغرب 156 مليون كيلوغرام. غير أن المغرب يحتل المرتبة الثانية من حيث قيمة الأرباح بملايين اليورو تبلغ قيمة أرباح إسبانيا 428 مليون يورو، أما المغرب فتصل عائدات الصادرات منه إلى 107 مليون يورو، بينما تصل عائدات إيطاليا إلى 106 مليون يورو، وتبلغ عائدات اليونان 53 مليون يورو.
ووقعت تراجعات في حجم المساحات المزروعة في معظم البلاد، لتنتقل من 18156 هكتاراً عام 2008 إلى 16156، وسُجل أن الجهات الخصبة والمطيرة عرفت تراجعاً على مستوى المساحات المزروعة، فقد بلغت المساحة المزروعة بجهة الوسط 4000 هكتار خلال عام 2010، وتقلصت إلى 2600 هكتار عام 2014. بينما بلغت المساحة المزروعة بجهة سوس ماسة 3000 هكتار خلال عام 2010 لتتقلص إلى 1700 هكتار عام 2014. وفي جهة الغرب بلغت المساحة المزروعة 2500 هكتار خلال عام 2010، لتتقلص بدورها إلى 2000 هكتار.
يتهم فاعلون محليون مخطط "المغرب الأخضر" بتشجيع الزراعات الشرهة للمياه، ويلتمسون من الوزارة الوصيّة على قطاع الفلاحة بناء وإنشاء سدود جديدة، واستكمال سياسة السدود التي انطلقت عام 1984.
أما في جهة الشرق فقد شهدت المساحة المزروعة ارتفاعاً، إذا بلغت 1000 هكتار عام 2010، ثم ارتقت المساحة المزروعة إلى 3000 هكتار عام 2014. وشهد المغرب الصحراوي تمدداً في المساحات المزروعة بالبطيخ الأحمر والأصفر، إذ شهد عام 2010 زراعة 600 هكتار، ثم ارتقى الرقم إلى 3000 هكتار عام 2014.
سجل إذاً صعوداً على مستوى المساحة المزروعة ورقم الإنتاج في المغرب الصحراوي، بينما يحدث العكس في المدن الداخلية والقريبة من الساحل التي اشتهرت بزراعة المزروعات الشرهة للمياه، والتي عرفت تراجعاً للمساحة المزروعة وحجم الإنتاج... الأمر الذي سيؤدي بسكان المغرب الصحراوي إلى الهجرة بعد مواجهة نضوب المياه، وظهور بوادر أزمة لهذه الجهة، فاضطر صغار المزارعين المحليين إلى تعميق آبارهم.
ما العمل؟
وعلى الرغم من توفيره لفرص شغل يومية في قرى المغرب العميق، وتحسين دخل الفلاحين الكبار والمتوسطين وبعض صغار المزارعين الجدد، لكن استنزاف الثروة المائية سيخلق مشكلة كبيرة للأجيال القادمة للتزود بهذه المادة الحيوية.
واقع العاملات الزراعيات في المغرب
08-05-2017
وخلال ندوة حول الثروة المائية، دعا صحافي وباحث عالمي إلى منع زراعة البطيخ الأحمر والأصفر بالمغرب الصحراوي، بسبب خطورته على الأمن المائي. بينما طالب آخرون بترشيد استعمال المياه من خلال اعتماد الزراعات غير الشرهة للمياه. يقول المثل الشعبي الشهير "تكايس على الميهة، راه الجفاف ضرب كل جهة" أي لا تضيع الماء، إن الجفاف قد عمَّ كل جهة. لذا تدعو باحثة محلية إلى عقلنة استعمال المياه، وإلى إقران الدعم مع ملائمة زراعة النخيل، والمزروعات التي لا تستهلك المياه بكثرة، وتدعو إلى منع زراعة البطيخ الأحمر لمن يتلقى دعم وزارة الفلاحة. ويقول الناشطون المحليون أنهم "ليسوا ضد الاستثمار الزراعي بالمغرب الصحراوي، وأنهم يباركونه، ولكنهم يدعون إلى عدم الإفراط باستهلاك المياه، وتهديد السكان بالعطش والهجرة فلا يحفظ الأمن المائي للأجيال القادمة".
ويتهم فاعلون محليون مخطط "المغرب الأخضر" بتشجيع هكذا زراعات شرهة للمياه.. ويلتمس ناشطون من الوزارة الوصيّة على قطاع الفلاحة بناء وإنشاء سدود جديدة واستكمال سياسة السدود التي انطلقت عام 1984.
خلاصة
تحكي الرواية الشفوية الشعبية أن الذئب لا يحتاج إلى منبع للمياه ليشرب، لأنه اكتسب خبرة في البحث عن الماء ليروي عطشه. فيكفيه أن يقوم بحفر حفرة صغيرة في الوادي، ثم تتدفق المياه الراكدة فيروي عطشه. ثم يواصل رحلته بحثاً عن التمور الجيدة التي تشتهر بها واحات المغرب الصحراوي.
ويقول المسنون: إن واحاتهم لم يعرف الجوع إليها سبيلاً عبر الزمن بسبب وفرة الثروة المائية المتوفرة على عمق بسيط لا يتعدى أمتاراً قليلة، وجودة التمور.
لكن إن استمرت زراعة المزروعات الشرهة للمياه لن يبقى للبشر ولا للذئب ماء ليروي ضمأهم.
لذا وجبت الدعوة إلى ترشيد استهلاك المياه بالمغرب العميق، وإعادة النظر في مسألة توزيع المياه، وخلق مزارع للنخيل بدل البطيخ الأحمر والأصفر.