كعناوين الأفلام الكبرى التاريخية، أو تلك الأخرى المستقبلية المنسوجة من الخيال العلمي. للكلمة الأجنبية إيقاع أعلى من الرحيل والنزوح والالتجاء. هي كلها معاً، وأشد. تميد الجغرافيا تحت الأقدام، فلا البحار ولا الصحاري والبراري تقوم بدورها الحاجِز. وتعجز السياسة، فلا الأسلاك الشائكة ولا عصي الشرطة أو ذل معسكرات التجميع تتمكن من ردع هذا التدفق. تحضر صور تهجير الفلسطينيين في 1948، وحقول الخيام اللامتناهية وقصص التخفف من طفل مات في الطريق.. سُلبوا أرضهم وطُردوا عنوة وبالتخويف، لكن المحيط كان، رغم كل شيء، على قدر من التماسك وربما العافية، فتمكن من استقبالهم. خضعت حيواتهم إلى شروط من القهر ولا زالت، إلا أنهم كانوا ضحايا لعدو خارجي غاشم ومؤامرة دولية محكمة. وحين رحل العراقيون تباعاً (ما مجموعه 4.2 ملايين من أصل 33.4 مليونا) هرباً من ديكتاتورية مجنونة وحروب طاحنة متوالية، حطوا أيضا في المحيط، ولو أن بعضهم وصل إلى أصقاع قصية.. هم الراسخون في الأرض الذين لم يعرفوا الهجرة طوال تاريخ يمتد لأكثر من خمسة آلاف سنة، كان جلهم يعرف أنه عائد، كما أصبح شعار الفلسطينيين: "عائدون".
أما ملايين السوريين من كل جنس الذين يتدفقون باتجاه أوروبا، فيغرق منهم من يغرق ويقضي من لا يسعفه حظه، ولكن المشهد لا ينقطع. هناك بالطبع آخرون، من قلب إفريقيا أو من أطرافها النازفة، ومن أفغانستان وسواها، وبالطبع من بلدان في أميركا اللاتينية، لكنها ليست شعوبا بحيلها كما هو حال السوريين، الذين تجاوز عدد من هم في exodus عدد من بقي متسمرا في مكانه، مختارا أو مجبراً لا فرق: 11.7 مليون سوري من أصل 23 مليونا هم مجمل السكان. 11.7 مليونا من أصل 52.9 مليون نازح في العالم كله عام 2015، بملياراته السبع (وهو تضاعف كبير، إذ كانوا 19.4 مليونا في 2005).
قرَّر بعض أوروبا التعامل مع الواقع بعقلانية: استقبال اللاجئين على أساس المبادئ الإنسانية الجميلة، وتناقص النمو السكاني في القارة، والحاجة ليد عاملة يسيرة. زلزال، بعد سنوات من خطاب رسّخ الرُهاب من الآخر وبالأخص المسلم، وزلزال لسبب موضوعي يتعلق بضخامة العدد الفوري. سيتم استيعابهم، ويصبحون بعد جيلين أوروبيين "من أصول سورية".
هذا الذي يجري أمامنا مشهد من التاريخ، أما السياسة فمبحث آخر.