صار شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام يأتي مجللاً بالسواد منذ عهد بعيد، يمكن التأريخ لذلك بذكرى "الانفصال" وانهيار الجمهورية العربية المتحدة في اواخر ايلول 1961، ثم بالمذبحة المنظمة ضد المقاومة الفلسطينية في أردن الملك حسين في "ايلول الاسود" في العام 1970، وصولاً إلى وفاة الحلم العربي مع رحيل جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين منه 1970.
ومن لطائف المصادفات أن دور الانعقاد السنوي للأمم المتحدة يباشر أعماله كل سنة في النصف الثاني من هذا الشهر.. وغالباً ما يحضره عدد محترم من الملوك والرؤساء والوزراء، عرباً وغرباً وشرقاً وعجماً. وقد شهد هذا التقليد ذروته الصاخبة في العام 1966، حين شارك فيه رؤساء عديدون، بينهم الرئيس الاميركي جون كينيدي، والرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف، ورؤساء مجموعة عدم الانحياز يتقدمهم جواهر لآل نهرو وجمال عبد الناصر وجوزيف بروز تيتو، وسوكارنو (اندونيسيا) وفيدل كاسترو (كوبا) الخ. وقد تميزت هذه الجلسة التاريخية بإقدام خروتشوف على خلع حذائه والضرب به على الطاولة اسكاتاً لرئيس الفيلبين الذي كان يهاجم "الدكتاتورية السوفياتية" في خطابه، تزلفاً لواشنطن.
المهم أن الدورة الحالية لاجتماعات الامم المتحدة قد تحولت إلى "سيرك" من النوع المضحك المبكي بأفضال الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي تصرف على طريقة الكاوبوي مع كثير من الزجل والتهريج: فهو قد طالب الدول الغنية من "رعاياه" من أهل النفط والغاز بدفع موجبات حمايتهم باعتباره يتولى رعايتهم وتأمينهم.. خصوصاً وانهم يملكون اكثر مما يستحقون وينفقون الاموال على الملذات والقصور، ولا يدفعون الضريبة كاملة لمن يرعاهم فيحميهم وهم يبعثرون ثرواتهم.. التي يحتاجها الاقتصاد الاميركي الناشط والذي يغمر الكون بمنتجاته الباهرة..
وعلى الرغم من احتشاد "العرب" ملوكاً ورؤساء (ولا ننسى الرئيس اليمني اللاجئ في السعودية والامارات، عبد ربه منصور هادي، برغم ان البلدان يحاولان احتلال اليمن ويعملان على قتل شعبها بصواريخ الطيران وقذائف المدفعية والدبابات ومرض الكوليرا ملتهم الاطفال..)، على الرغم من احتشاد وجهاء العرب في نيويورك، ومحاولتهم لفت نظر الرئيس الاميركي، ولو برد التحية، بعد فراغه من شتمهم، فان ترامب اكتفى بإصدار الامر، واندفع يغازل رئيس كوريا الشمالية، ويدافع عن علاقته "المميزة" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: العدوين ثم الخصمين ثم "الصديقين"!
عن العروبة في عصر الملَكيات المذهبة!
11-07-2018
انتهى أمر "العرب" كقوة مؤثرة ويمكن أن يُحسب لها حساب، سواء على المستوى الدولي او الاقليمي، اذ توزعوا - وغالباً كاتباع - بين المواقع الحاكمة في الادارة الاميركية (البيت الابيض ووزارة الخارجية والبنتاغون حيث وزارة الدفاع ومكاتب المخابرات العديدة، واشهرها السي. آي. أي)، نفطهم لواشنطن وبالسعر الذي تحدده، وكذلك الغاز.. والباقي "تكاليف" الحماية وصيانة العروش وتأمين تدفق النفط والغاز وممراته إلى "المصب" الاميركي .. بالدولار، ووفق الاسعار التي تحددها واشنطن!
ماذا ومن تبقى من العرب، عاربة ومستعربة، مع غياب مصر عن دورها القومي بأفضال الدكتاتورية الغبية التي تستدين بلا حدود او ضوابط حتى قارب الدولار عشرين جنيهاً.. بينما كان الجنيه يساوي، ذات يوم، وتحديداً في الستينات والسبعينات ثلاثة دولارات ونيف!
ما هذه المفارقة المدهشة: كلما زاد النفط والغاز من الثروات العربية الخرافية تراجعت قيمة نقدهم "الوطني"، وتعاظمت قيمة ديونهم، حتى أن الرئيس الاميركي قد وجه اليهم اهانات جارحة بإنفاقهم المتهور على القصور واليخوت (كالذي اشتراه الامير محمد بن سلمان وبالسعر الذي حدده صاحبه الملياردير الروسي الابيض، مشترطاً عليه النزول من اليخت فوراً، وتسليمه اليه ليجري أولى جولاته فيه..). وقطر تقدم "هبة" لتركيا قيمتها اكثر من عشرة مليارات دولار اضافة إلى قرض بقيمة مماثلة لحماية الليرة التركية من التدهور الخطير الذي منيت به نتيجة سياسة "السلطان" اردوغان.. وأما العراق فثروته منهوبة من الحكام الطائفيين في عصر الوصاية الاميركية عليه، والدولار يساوي ثروة من الدينار العراقي الذي كان يساوي ذات يوم اكثر من ثلاثة دولارات!
لا ضرورة للحديث عن العملة السورية في ظل الحرب في سوريا وعليها، حيث بات الدولار الواحد يساوي خمسين ليرة سورية او أكثر. أما في لبنان فالساحر رياض سلامه يخرج من كمه بين فترة واخرى علاجاً لتأمين سعر الدولار بألف وخمسمائة ليرة (وقد كان ذات يوم بثلاث ليرات فحسب..) وهكذا يحفظ ازدهار المصارف ويؤمن ميزانية الدولة العاجزة .. والمنهوبة.
في ظلال هذه الاوضاع العربية المزدهرة سُحبت قضية فلسطين من التداول، خصوصاً بعد القرار الاميركي الاول بتمكين العدو الاسرائيلي من نقل عاصمته من تل ابيب إلى القدس المحتلة، ثم بالخروج من وكالة الغوث الدولية المنبثقة عن الامم المتحدة والمعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين.. لكن محمود عباس، رئيس السلطة التي لا سلطة لها على أي شبر من فلسطين، وقد وقف امام الهيئة العامة للأمم المتحدة، بكامل اناقته، يطلب ما لا يُنال بعدما قدم في اوسلو القضية المقدسة على طبق من فضة للاحتلال الاميركي بالعنوان الاسرائيلي.