في الحادية عشرة والنصف من صباح 29 نوفمبر 2015 وصل إسماعيل السيد محمد إلى مطار الغردقة، قادمًا من العاصمة الألمانية برلين. حين وقف أمام مكتب الجوازات أعلمه الضابط المسؤول أنه سينتظر قليلًا لوجود اشتباه في الاسم، قبل أن يصطحبه أمين شرطة إلى ضابط جهاز اﻷمن الوطني بالمطار، والذي بدأ في تصفح جواز سفره وسؤاله اﻷسئلة المعتادة في مثل هذه الحالات، قبل أن يجد الضابط بين المتعلقات جهاز «لاب توب»، طلب من إسماعيل كلمة سر الدخول عليه، فمنحها له.
كانت هذه اللحظة بداية لفصل طويل، لم ينته حتى اﻵن، في حياة إسماعيل السيد محمد، فصلٌ اقترن فيه اسمه بتعريف جديد؛ ليصبح الباحث والكاتب «السجين» إسماعيل الإسكندراني.
القراءة في أوراق القضية 569 لسنة 2015، التي ضُمّ إسماعيل إليها -وقد اطلع «مدى مصر» عليها- فضلًا عن إلقاء هذه القراءة الضوء على تفاصيل مختلفة من حياته، وعلى كثير من التفاصيل القانونية الخاصة ببنية قضايا الإرهاب، فهي تلقي الضوء كذلك على أوضاع العاملين في الصحافة والبحث، وأولئك الفاعلين في الشأن العام، خاصة المهتمين بأمور اﻷمن والإرهاب، وهو ما يتضح أكثر بالحديث مع عدد ممَن اقتربوا من إسماعيل في فترات مختلفة.
في التاسع من نوفمبر 1983 ولد إسماعيل في الإسكندرية، وعلى مدار اﻷعوام الخمسة والثلاثين الماضية توالت الفصول في قصته؛ من التفاعل مع نشطاء محليين في مدينته اﻷم عام 2008، وهو في الخامسة والعشرين، تزامنًا مع صعود حركات مدنية تشتبك باﻷساس مع العمال وسكان اﻷحياء المهمشة، إلى العام 2010 مع ظهور محمد البرادعي وحملته الشبابية على أنقاض قضية تعذيب ومقتل خالد سعيد، ليصبح إسماعيل منسق تلك الحملة في الإسكندرية، وصولًا إلى دوره كعضو فاعل في الحملة الانتخابية المركزية للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح للترشّح لانتخابات الرئاسة عام 2012. ومن هذه المحطات السياسية إلى بروز اسمه كباحث معروف لمَن يتابع الوضع الأمني والعسكري في مصر، بعدما بات ضيفًا في العديد من القنوات الفضائية التي تحلل الأحداث في سيناء. خاصة مع مقالاته التي كتبها عن الوضع في سيناء في ذلك الوقت.
مثلما انعكست أهمية مقالات إسماعيل على بروزه كباحث، انعكست على وضعه في القضية، إذ أرفقت سلطات التحقيق بملف القضية المقالات التي كتبها؛ وهي سبع مقالات منشورة في موقع «السفير العربي»، يتحدث فيها عن الجغرافيا البشرية لسكان سيناء ووضعية الفلسطينيين المقيمين هناك، وخريطة المستثمرين وعلاقتهم بشخصيات عسكرية. بالإضافة إلى قصص صحفية أُخرى منشورة في جريدة «الأخبار» اللبنانية تتناول العمليات العسكرية في سيناء، وما وصفته القصص بـ «تربية الميول الثأرية لدى أهالي سيناء ضد القوات الأمنية» و«معاقبة المواطنين الرافضين للتعاون مع أجهزة الأمن».
حملت القضية المتهم فيها إسماعيل الإسكندراني عدة مفارقات، بداية من قضائه سنتين ونصف السنة قيد الحبس الاحتياطي، ما يتجاوز المدة القصوى للحبس المحددة في القانون، وانتهاءً بالحكم العسكري غير المعلوم بشكل قاطع الذي صدر بحقه، في 22 مايو الماضي. ففيما قالت مصادر صحفية إن حكمًا صدر بحبسه عشرة سنوات، نفى المتحدث العسكري ذلك دون أن يوضح حقيقة الحكم. وهي المتاهة القانونية التي يصفها طارق عبد العال، محامي إسماعيل، قائلًا: «حتى الآن لا نعرف الحكم. ولم يتمّ التصديق عليه. وهذا بالطبع يمنعنا من الطعن، وحسب قانون الأحكام العسكرية لا يوجد حد زمني أقصى يتوجب التصديق فيه على الأحكام».
غير أن هذه المتاهة القانونية تبدو متماشية مع باقي المفارقات التي حوتها القضية، والتي بدأت بملابسات توقيف إسماعيل لدى وصوله لمطار الغردقة.
النص الكامل على موقع "مدى مصر"
_______________
من مقالات اسماعيل الإسكندراني في السفير العربي:
- خراب الإسكندرية: جنرال ومقاول وكَحُول