الثِقل الحقيقي لا يُحمَل على عربات، بل يسكن القلوب. لا أحد ينجو بأبوابه ونوافذه، النجاة الوحيدة أن نحمل ذاكرتنا عارية، بلا خشب ولا حديد. ليبقَ البيت في مكانه، وليُدفن مع ذكرياته إذا سقط.
تحدّثت المشهري في حوار صحافي، عن تجاوزات مهولة وضغوط شديدة تحيط بها. لم تعلن عن عدد الموظفين الوهميين المحسوبين على إدارة الصندوق، لكنها قالت إنها تمكنّتْ من استبعاد 200 اسمٍ منهم. لم تتحدّث عن المبالغ التي تذهب إلى شبكة الفساد، لكنّها قالت إنّ العجز الذي كان على الصندوق حين تسلمَت إدارته بلغ 400 مليون ريال (ما يعاد 266 ألف دولار). إيرادات الصندوق كانت لا تتجاوز 90 مليونًا (60 ألف دولار)،...
ما يبدو مجرّد إجراء إداري هو في الواقع ممارسة سياسية واجتماعية، لإعادة توزيع الحق في الزمن، بين من يُسمَح له بالعبور ومن يُجبَر على الانتظار.. أو على الحرقة. الإقصاء هنا ليس عقوبة فردية بل آلية جماعية، تعيد إنتاج علاقة الهيمنة بين الشمال والجنوب: مجتمع بأكمله يوضَع في خانة الخطر، وتُبنى حوله جدران غير مرئية، تعيق الحركة وتُرسّخ الشعور بالدونية.
بدلاً من النزوح، وتأسيس حياةٍ جديدة، والبحث عن مستلزماتها التي ستكون مُكلفة بشكلٍ كبير، يأخذ الناس حياتهم معهم، ويُغيّرون المكان. ويا ليتَ تغيير المكان سهل، فالمكان في كلّ نزوح ليس مكاناً، ولا يتعدّى أن يكون محاولة أُخرى للعيش في جحيمٍ صغير.
قُدِّمت قبل أسابيع قليلة "مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الأحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري"، التي أطلق عليها قانون رقم (1) لسنة 2025، وهي سارية ابتداءً من شباط/ فبراير 2024، ويمكن تطبيقها بأثر رجعي على أي زواج سابق. فبحسب التعديل، للزوج حق تغيير عقد الزواج الذي أُبرم سابقاً بحسب قانون الأحوال الشخصية 188، الى ما اصطُلح عليه بالمدونة الشرعية، أي قانون رقم 1 لسنة 2025، حتى من دون علم الزوجة.
العمل المركزي للمرأة اليمنية هو الزراعة. وهي اعتادت على ممارستها في شتى مراحلها، سواء بمعية الرجل أو بدونه. وأما العلاقة بين الإنسان والأرض، فقد تجاوزت في حياة الإنسان اليمني مسارها النفعي، إلى فاعليتها في تشكيل المدخل والبعد الأساسي لتكوين شخصيته، ونمط تفكيره، وعلاقاته الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية والحضارية بصفة عامة. ووقد فتح دور المرأة المحوري في العمل الزراعي، نافذة للحرية، وأتاح لها الخروج إلى الرجال، غير متحرِّجة من الحديث معهم بأريحية،...
هَرّبت أغلب العائلات شبابها إلى مدن أوروبا، حيث ذابوا في الجدران هناك، فوقعتْ المسؤولية الكاملة على عاتق الفتيات، كي يحفظن مدينة اللجوء هذه من التحول إلى أنياب جائعة. يعملن، لأن الجوع غيمة ستسافر في سماء الجميع، وتُمطر كالسيل. وحدهن الشجاعات سيحتمين ويحمين أهاليهن بمظلات من عزيمة.
يُخيِّم على العالم شبحٌ من السواد الخانق. وثقوا أنه إن لم يكن اليوم، فغداً: لا نجاة من دون نجاة غزة.
"مول صفاقس" ليس مجرد مركز تجاري، بل هو بمثابة مشهد مركزي لإعادة تشكيل الفضاء الحضري وفق منطق السوق. بنيته المغلقة، أَمنيّته المشدّدة، علاماته التجارية المنتقاة، كلها تُنتج تصوراً خاصاً للمدينة كمساحة مُفلترة، محمية، محكومة بمنطق الاستهلاك والتمايز. إنه فضاء يُعيد صياغة العلاقات الاجتماعية من خلال تراتبية الوصول إلى المكان، ويُقسّم المدينة إلى داخل أنيق مُراقب وخارج فوضوي مُهمّش. السؤال إذاً لم يعد فقط: ما مستقبل صفاقس بعد نزع التصنيع؟ بل...
بينما يُحاصَر أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة خلف جدران وأسلاك شائكة منذ ما يقرب من عامين، ويتعرضون الى حرب إبادة نشطة، وتمنع عنهم سلطات الاحتلال وصول المساعدات الطبية والغذائية، فضلاً عن صعوبة نقل المصابين خارج القطاع، يتمتع المستوطنون الإسرائيليون بحرية التنقل، عبر منظومة علاقات دولية تحرص على توفير ممرات "برية" آمنة، وسفن إجلاء في أوقات الأزمات، فضلاً عن الرحلات الترفيهية والسياحية.
نقف الآن جميعاً أمام خياريْن، أمام اللحظة الصعبة، بين موتٍ وموت. أسأل نفسي كثيراً على مدار الأسبوع الماضي الذي قضيته في القلق والتفكير والتأمل: لماذا عليَّ أن أعيش في أقلّ من عاميْن كُل هذه التفاصيل والاختيارات، ليس لشيءٍ إيجابي أو جيّد، وإنما لمجرد أن أعيش. تَكرار المشهد نفسه: إمّا البقاء وإمّا النزوح. مرّةً من غزّة حتى شرقها، ومرةً من الشرق إلى رفح، ومن رفح إلى مكانٍ آخر داخلها، ومرةً أُخرى...
خلال الثلاثين عاماً من حكم عمر البشير، تعرضت جميع مدن السودان إلى إفقار تنموي ممنهج، بينما استحوذت الخرطوم على كافة الخدمات المموَلة من موارد هذه الولايات بشكل كبير. وتبعاً لذلك تدهورت الخدمات الصحية والتعليمية في مدن السودان المختلفة، علاوة على اتساع ظاهرة البطالة وانعدام فرص العمل والإنتاج في الولايات، الأمر الذي ضاعف من نزوح الأرياف والمدن نحو العاصمة، التي اكتظت أطرافها بالسكان. وفي إحصائية تقديرية أعلنتها ولاية الخرطوم بلغ تعداد...
أعلن وزير الصحة في آب/ أغسطس 2025 عن لائحة جديدة، رفعت الأسعار بشكل كبير، حيث تراوحت تكلفة الإقامة فقط لليوم الواحد بين 150 جنيهاً في القسم الاقتصادي، و550 جنيهاً في الأجنحة الخاصة، غير شاملة تكاليف الخدمات الطبية الأخرى، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في تكاليف جلسات الدعم النفسي والفحوصات الطبية. وتشير البيانات إلى فجوة حادة، بين عدد المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية الفعلية ونسبة الذين يصلون إلى العلاج، إذ لا يتلقى...
هل يكفي مجرد إقامة فعاليات ثقافية، لترك بصمة حقيقية وراسخة ومستدامة في واقع المجتمعات المحلية؟ ثم أن المسافات الشاسعة التي تفصل بين المناطق السياحية، وحال الطرق السيئة، ونقص الخدمات الأساسية، تشكل عقبات حقيقية أمام السياحة الداخلية، كما لا تتوافر في المناطق السياحية في الداخل مرافق إقامة، ولا خدمات فندقية كافية وتنافسية، ولا استثمارات حقيقية تدعم هذا القطاع.
"ولدتُ حيث وُلد المسيح، بين طبريا والناصرة، في قرية الشجرة بالجليل الأعلى. أخرجوني من هناك عام 48 وعمري عشر سنوات، إلى مخيم عين الحلوة في لبنان.. أذكر هذه السنوات العشر أكثر مما أذكره من بقية عمري، أعرف العشب والحجر والظل والنور، لا تزال ثابتة في محجر العين كأنها حُفِرت حفراً.. أنا لست محايداً، أنا منحاز إلى من هم "تحت".. الذين يرزحون تحت نير الأكاذيب وأطنان التضليلات وصخور القهر والنهب وأحجار...
السؤال الأكثر ترديداً على منصات التواصل الإجتماعي في العراق، منذ تفجُّر حادثة الطبيبة الراحلة بان زياد هو: "ما الذي بينك و بين الله يا بان، الذي جعل موتك يُطلِق فينا هذا الغضب الكامن ضد كل ما عانيناه من مظالم؟". فلربما قررت بان فعلاً إنهاء حياتها بنفسها، ولربما كانت قضيتها هي مجرد انتحار، غير إنها، مهما كانت حقيقة الأمر، وبدون أن تعلم، كشفت عن إجماع شعبي بأن الحق سيضيع بالسكوت عما...
مع شهر تموز/ يوليو 2025، تسارعتْ وتيرة تهاوي قيمة الريال بصورة مُفزعة. كان لا بدّ من تدخّل حكومي، لحفظ ماء وجه الدولة التي ينخرها الفساد والإحباط، وحال مزرية من اللامبالاة. حينها تجاوز سعر صرف الدولار الواحد حاجز 2800 ريال، وكان يقترب من 2900 ريال، والانهيار مستمر. تتّضح هنا بعض خيوط التلاعب المصرفي - وربّما السياسي أيضاً - المتجرِّد من المسؤولية. تتّضح كذلك فداحة الغفلة الحكومية عن ضبط المتلاعبين بالعملة، باعتبار...
شهد انصياع مصر الكامل للقرارات الاسرائيلية، بعد سيطرة حركة حماس على القطاع في 2007، محاولات ناجحة لكسره، أولها خرق الغزيين للسلك الشائك عام 2008، وثانيها قرار الرئيس مبارك نفسه، بفتح المعبر أمام حركة الأفراد والبضائع، بعد اعتداء إسرائيل عام 2010 على السفينة التركية مافي مرمرة، وهي جزء من ست سفن شكلت "أسطول الحرية"، وسقط في الاعتداء 10 شهداء من ركابها، وثالثها الفترة الذهبية بعد اندلاع الانتفاضة المصرية في كانون الثاني...
أسهمت بضائع التجار في كسر احتكار اللصوص. وعلى الرغم من أنني استغرب من حديثي عن هذا الأمر بشكلٍ طبيعي، لكن الطبيعي في ظلّ الحرب يتحوّل إلى شاذ، فيما تطفو على السطح الشوائب التي تسود المُجتمع، وتتحوّل إلى نمطٍ يومي واعتيادي. هذا ما نعيشهُ في غزّة: نُفاضِل بين احتكار التُجار واحتكار اللصوص. وهي بالتأكيد سياسة يسعى الاحتلال إلى ترسيخها، لإضعاف المُجتمع وإذلاله أكثر.
تجاوزتْ أدوار الاتحاد العام التونسي للشغل الطابع النقابي الصرف، ليتحوّل، في مفاصل تاريخية حاسمة، إلى قوة سياسية ومجتمعية مؤثرة، سواء في مقاومة الاستعمار، أو في صراعات التنمية، أو في اللحظات المفصلية مثل انتفاضة الخبز عام 1984، أو الوساطة الرباعية بعد الثورة، التي منحته جائزة نوبل للسلام سنة 2015. ولكن، هل يمكن لنقابة نشأت من رحم المصنع أن تُعيد ابتكار ذاتها في زمن المنصة؟ السؤال اليوم يتعلق بكيفية استمرار الاتحاد في...
المزيد