جُنّت اسرائيل بسبب تقرير "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" ("الاسكوا"). نشر التقرير الطويل (75 صفحة) بعد دراسة مستفيضة كلف بها باحثون عالميون مرموقون، وهو يقول إن إسرائيل أنشأت منظومة سيطرة على الفلسطينيين تقوم على إدارة أشكال متعددة من التمييز العنصري ضدهم. وبعد شرح آلياتها، يعتبر التقرير أن تفتيت الفلسطينيين هو استراتيجيتها، فكل جماعة فلسطينية تدار بقانون مختلف: القانون المدني المطبق على فلسطينيي 1948 (وهم 1.7 مليون إنسان) يمنع من ليس يهودياً من تملك الأرض (باعتبار 95 في المئة من الأراضي في 1948 ملك "الدولة")، وقانون الإقامة الدائمة المطبق على سكان القدس (وهم حوالي 300 ألف إنسان) يعرقل حصول المقدسيين على التعليم والرعاية الصحية والعمل والبناء، والقانون العسكري مطبق على الضفة الغربية وغزة (4.7 مليون إنسان منهم 2.87 مليون في الضفة و1.9 مليون في غزة) وهؤلاء بلا "حقوق" ومشتبه بهم تعريفاً، وأما الفلسطينيون في الشتات وهم رابع تلك الفئات أو "الفضاءات" فممنوعون من العودة إلى مدنهم وقراهم، على الرغم من أن أي يهودي في العالم يمكنه في أي وقت "العودة" إلى إسرائيل (ما يسمونه "العليا"). والتقرير بذا يهاجم مبدأ "يهودية الدولة" الذي تمارسه إسرائيل منذ تأسيسها، وتطالب اليوم بإقراره من العالم كله وأولهم بأن يقبل به رسمياً ضحاياها الفلسطينيين، ما يعني تشريع نظام التمييز العنصري القائم.
ويقول تقرير الإسكوا أنه، وإن كان لكل واحد من هذه القوانين سياقاته التاريخية إلا أن "هناك غرض وقصد" من التدابير المتخذة. وهو استنتاج قاطع، يستخدم المحاجة القانونية ليصل إلى أن هذا الوضع يقع في نطاق "اتفاقية مناهضة الابرتهايد" التي تعتمدها الأمم المتحدة، وأن هناك حاجة إذاً لإعادة إحياء "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة الفصل العنصري" وكذلك "مركز الأمم المتحدة لمناهضة التمييز العنصري"، وهما هيئتان حلتا في 1994 حين انتهى نظام الابرتهايد في جنوب إفريقيا. ويحدد التقرير أن النظام المطبق على الفلسطينيين يصل إلى "حد ارتكاب جريمة ضد الإنسانية"، وتلك تهمة كبرى تترتب عليها تبعات جسيمة. لغة التقرير قانونية وهو يستند إلى مبادئ ونصوص الأمم المتحدة والقانون الدولي. وهنا مكمن خطورته. فهذا ليس أدباً لحركة ما أو لمثقف ما، هذه الأمم المتحدة! ما تعيه تحديداً ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا في رسالة استقالتها من منصبها التي وجهتها إلى انطونيو غوتيريش، أمين عام الهيئة الدولية (الذي تقلد منصبه منذ أقل من ثلاثة أشهر) بعدما أمرها بسحب التقرير. تقول له: "ليس بالأمر البسيط أن تستنتج هيئة من هيئات الأمم المتحدة ذلك". فعلاً!! وهو ما يجعل هذا التقرير يدخل التاريخ كخطوة كبرى سيُعتد بها في سياق معركة طويلة.. تماماً كما كان للمعركة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا تواريخ محددة، بعضها يخص خطوات اتخذت في الأمم المتحدة نفسها. وأما سحبه من الموقع الرسمي فلن يلغيه.
ترتد إسرائيل في معركتها هذه ــ الخاسرة بالتأكيد، والتي تشبه محاولة "حجب الشمس بغربال" ــ إلى ضرب المناضلين المنخرطين في الحملة العالمية المطالبة بـ"المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" عليها (BDS)، لأنها قائمة على نظام تمييز عنصري. صنفتها اسرائيل رسمياً خطراً استراتيجياً عليها وخصصها نتنياهو بتصريحات في ..الأمم المتحدة وسواها، وراح وزراءه يضعون الخطط ويتخذون التدابير العملانية ضدها، وذلك على نطاق العالم كله.
وكان متوقعاً أن تُضرَب الهيئة الفلسطينية المؤسسة للحملة والمشرفة عليها، علماً أن ذلك لا يعطِّلها بأي حال من الأحوال، فهي عالمية حقاً، تنظيمياً وفكرياً وسياسياً. وفي تدبير سخيف، لجأت السلطات الإسرائيلية في الأيام الماضية إلى استدعاء عدد من المناضلين والتحقيق معهم وتهديدهم بالكبائر، ومنهم عمر البرغوثي، منسق مكتب فلسطين (BNC)، الذي يحقق معه بتهمة.. "التهرب الضريبي"(!)، بعد ليّ عنق الحقائق. فالرجل لا يحوز على الجنسية الإسرائيلية، ووضعه الضريبي والقانوني سليم تماماً في.. رام الله، حيث مكتب الخدمات الهندسية الالكترونية الذي يمتلكه، وكل ما في الأمر أنه متزوج من سيدة فلسطينية من أراضي 1948، وبالتالي فهو يمتلك الحق بالإقامة الدائمة مع زوجته، وهو تمييز عنصري آخر.
حملة القمع والترهيب هذه ما زالت جارية.. وهي للمتابعة.
إفتتاحية
الأبرتهايد الإسرائيلي
مقالات من فلسطين
رحلة البحث عن رغيف
كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...
خالدة جرار مسجونة في قبر!
"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...
اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة
لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...
للكاتب نفسه
الوحش الكاسر... الوحوش!
لا يفعل "نتنياهو" الحرب الوحشية الممتدة لينقذ رأسه من المحاكمة والسجن. هذه فكرة ليست ساذجة فحسب، بل غبية.
كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"
تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...
الكذب بوقاحة مضاعَفة إذ تَدّعي البراءة
يتصرف هؤلاء كما لو أن اختيار "السنوار" جاء من عدم، بل وكدليل على جنوح الحركة إلى التشدد، وإلى المنحى العسكري والقتالي، مع أن "حماس" نفسها قالت إنه ردّها على اغتيال...