اللقاح في المغرب: المغامرة الصينية!

اللقاح الصيني "سينوفارم" هو الأكثر حضوراً في عملية التطعيم المغربية، وقد أبرمت صفقة بين المغرب ومجموعة "سينوفارم" الصينية، باستثمار قدره 500 مليون دولار، لتصنيع هذا اللقاح محلياً، بغية إنتاج 5 ملايين جرعة شهرياً، وتعبئتها وتغليفها، وتصديرها إلى الدول المغاربية والأفريقية. وقد وقعت ثلاث اتفاقيات لبناء وحدات عالية التقنية للإنتاج، في "مدينة محمد السادس التكنولوجية" في طنجة.
2021-08-12

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
| en
مخطط مدينة طنجة تيك

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

بدأ المغرب منذ العام الماضي 2020، محاولاته لكسب حصته من اللقاحات من دول مصنعة لها، في ظل مناخ عالمي فاقد ليقينيته تجاه المستقبل، يشوبه التسابق نحو هذه المادة التي افتُرض أن بها الخلاص من فيروس كوفيد-19 المخيف. تنافسٌ على من يدفع أكثر، ومن يرضي حسابات من، ومن يتنازل من أجل كسب الحصة اللقاحية؟

لا تبدو التفاصيل مكشوفةً بشكل كامل في الحالة المغربية، سوى أن هذا البلد استطاع أن يعقد اتفاقيات مبكرة نوعاً ما مع جهات مصنعة عديدة، لعل أبرزها الجهة الصينية المصنعة للقاح "سينوفارم".لكن المغاربة لم يكونوا مطمئنين لهذا اللقاح في البداية، إذ أثار الكثير من السجالات العلمية والشكوك والمخاوف الشعبية حول فعاليته.

قبل التلقيح: مخاوف من "سينوفارم" الصيني

خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أعلن المغرب عن الشروع في عملية التلقيح، بعد إبرامه لعقود مع الشركة البريطانية - السويدية "أسترازينيكا" ومختبر الأدوية الصيني "سينوفارم"، من أجل اقتناء 65 مليون جرعة من اللقاحات ترسل إلى البلد على دفعات، بهدف تطعيم 80 بالمئة من السكان الذين يقدر عددهم بنحو 36 مليون نسمة.

لكن هذه الخطوة تأجلت أكثر من مرة، وتأخرت لأسباب تتعلق بتنامي التنافس والطلب العالمي على اللقاحات عامة، ومنها اللقاح الصيني "سينوفارم"، ولتعقيدات مرتبطة بمسألة الترخيص بعد التأكد من سلامة وفعالية اللقاحات.

خلال فترة الانتظار هذه، والتي دامت حوالي شهرين، تسللت إلى عموم المغاربة شكوك حول اللقاح الصيني "سينوفارم"، إذ صنفوه كدواء "غامض"، يأتي من بلد آسيوي لم يكشف الكثير عن تفاصيل لقاحه. لم تخلُ تعليقات المغاربة من المخاوف عامة، فقد اعتبروا اللقاح وسيلةً "للتحكم بهم" و"التآمر" عليهم من خلال "تركيب شريحة إلكترونية" أو "زرعها" بطريقة أو بأخرى، أو حتى التسبب في تحولات جينية بتحريض من "دول كبرى" ومؤسساتها العملاقة.

هذه المخاوف، بجرعاتها المبالغ فيها، أثارت سخرية مغاربة آخرين يرون بأن الموضوع لا يؤخذ وفقاً لهذه الخطابات المثقلة بالكثير من "الشعوذة الفايسبوكية" في فهم وتحليل وتبني رأي حيال مسألة تحتاج إلى التحري عن المعلومة العلمية وتمحيصها.

ووصل هذا النقاش إلى الأوساط العلمية. الخبير الصيدلاني، ورئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي، واحدٌ من هذه الأصوات العلمية التي أبدت مآخذها عليه، وأيدت مخاوف الجمهور تجاه فعالية اللقاح. ويرى غالي بأن "هناك تكتماً كبيراً" على نتائج التجارب السريرية الثانية والثالثة التي تخصه، مؤكداً أن "المشكل لا يكمن في الأعراض الجانبية للقاح، وإنما في حجم المناعة التي يقدمها"، وأوضح أن المجلات العلمية الكبيرة لم "تتحدث عن لقاح الصين لغياب المعطيات، وهذا التعتيم هو الذي يجعل التخوّف موجوداً، بخاصة أن التجارب التي أقيمت في المغرب كانت على أشخاص أصحاء، في حين سيُعطى اللقاح للذين يعانون من مشكلات صحية أو هشاشة، والمتقدمين في السن، ما يطرح السؤال حول نتائجه، ويفرض التريث".

في المقابل، خرجت أصوات علمية كثيرة لـ"تطمئن" المغاربة، وتؤكد في العديد من المنصات الإعلامية أن "لا خوف من هذا اللقاح"، وأنه، على الرغم من فعاليته غير الكاملة، التي لا تتجاوز 80 في المئة ،إلا أنه "مجربٌ في دول كثيرة، ولم يتم تسجيل أي خطر يهدد سلامة الملقحين". أما وزير الصحة خالد آيت الطالب، فأكد أن أعراض هذا اللقاح الجانبية على متطوعي التجارب السريرية البالغ عددهم 600 متطوع مغربي، لم تشمل سوى حالات قليلة جداً منهم، إذ اقتصرت على "أعراض خفيفة مثل الحكة في مكان الحقنة، أو الارتفاع في درجة الحرارة في اليوم الأول، أو الإحساس بالدوار".

كانت عملية التلقيح في المغرب سلسة ومحكمة التنظيم ضمن مستويات مقبولة في جل مراحلها خلال الأشهر السبعة الماضية، باستثناء بعض المشاكل التقنية التي اعترتها مؤخراً بسبب الضغط المتزايد على مراكز التطعيم من قبل فئات كثيرة بعد أن تم توسيع مجال استفادتها.

التلقيح في المغرب مجاني، ويجري في كل أنحاء البلد بدون استثناء. مبدئياً، تعطى الأولوية في توزيع الجرعات للمدن والأقاليم الموبوءة أكثر من غيرها، بغية التحكم في انتشار الفيروس، لكن لا توجد بيانات رسمية تبين مدى احترام هذا المعيار طيلة الشهور الفائتة.

تبددت هذه المخاوف والشكوك الشعبية شيئاً فشيئاً لدى قطاع واسع من المغاربة، بعد أن بثت المنصات الإعلامية لحظة تلقي الملك محمد السادس جرعته الأولى من اللقاح خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2021. وهكذا تغيرت نسبياً نظرة بعض المشككين والمتخوفين، لأن الخطوة – بحسبهم - لا تستدعي كل هذه الشكوك مادام حاكم البلد يُقْبِل عليها بكل ثقة.

وانطلقت عملية التلقيح..

في يوم 22 كانون الثاني/ يناير2021، استلم المغرب شحنةً أولى مكونة من مليوني جرعة من اللقاح البريطاني - السويدي "أسترازينيكا"، وُزعت على كل مدن وأقاليم البلد. ثم انطلقت عملية التلقيح، واستعانت وزارة الصحة بـ 24 ألفاً من أطرها الصحية العاملين في أكثر من 3 آلاف مركز للقاح، نصفها يتواجد في العالم القروي، دون احتساب الوحدات المتنقلة. ويتم بشكل إلكتروني التسجيل في موقع مخصص، أو إرسال رسالة قصيرة تتضمن رقم البطاقة الوطنية للمعني ، ليتم إعلامه بشكل سريع عن عنوان مركز اللقاح وموعد أخذ الجرعة الأولى. وإذا تعذر على المواطنين التواصل بهذه الوسائل في المناطق النائية، فيتم إبلاغهم عبر موظفي وممثلي وزارة الداخلية في القرى والمداشر.

اعتمد المغرب نظام الأشطر العمرية والفئات المهنية حسب الجرعات المتوفرة من اللقاح، إذ تم - في مرحلة أولى - استهداف الفئة العاملة بالقطاع الصحي، الذين تفوق أعمارهم الـ40 عاماً، وموظفي السلطات العمومية والجيش، والمسنين (75 عاماً فما فوق)، ثم تلت مرحلة الشريحة العمرية المتراوحة ما بين 65 و 74 عاماً، فالفئة ما بين 60 إلى 64 عاماً، ثم ما بين 59 إلى 40 عاماً، تبعتها فئة 30 إلى 39 سنة، فالفئة 29 إلى 25 سنة، إلى أن تمّ توسيع الشريحة العمرية إلى حدود 20 سنة فما فوق بدءاً من يوم 7 آب/ أغسطس الجاري.

التلقيح في المغرب مجاني، ويجري في كل أنحاء البلد بدون استثناء. مبدئياً، تعطى الأولوية في توزيع الجرعات للمدن والأقاليم الموبوءة أكثر من غيرها، بغية التحكم في انتشار الفيروس، لكن لا توجد بيانات رسمية تبين مدى احترام هذا المعيار طيلة الشهور الفائتة. وقد جرت الاستعانة في بداية حملة التلقيح بلقاحي "أسترازينيكا" و"سينوفارم"، لأنهما أقل تكلفة من الناحية المادية وظروف التخزين، إذ تحتاج لمستويات عادية من التبريد. وخزنت الجرعات المستوردة في مقرّ الوكالة المستقلة للتبريد، بمدينة الدار البيضاء، باعتبارها بنكاً للقاحات على المستوى الوطني في انتظار توزيعها على باقي مدن وأقاليم البلد.

أثناء التلقيح: مخاوف من "أسترازينكا"

مضت وتيرة التلقيح بشكل سلس طيلة شهري كانون الثاني/ يناير، وشباط/ فبراير2021، إلى أن أُبطئت خلال شهر آذار/ مارس بسبب تأخر شحنات لقاح "أسترازينيكا" المُصنع من طرف معهد السيروم في الهند، إذ عوّل عليه البلد خلال بدايات حملة التلقيح بشكل أساسي أكثر من لقاح "سينوفارم" (1)،الذي كانت إمداداته أقل طيلة الأشهر الثلاثة الأولى من حملة التطعيم. وعلى الرغم من ترخيص المغرب للقاحات إضافية مثل "سبوتنيكV" الروسي و"جونسون" الأمريكي، إلا أنه لم يستلم أيّاً منها خلال هذه الفترة.

يُفَسرُ تأخر وبطء وتيرة إرسال شحنات اللقاح من معهد سيروم الهندي إلى المغرب وباقي بلدان العالم، بانفجار الأزمة الوبائية التي شهدتها الهند، وهو ما فرض على هذا المعهد أن يركز على الاستجابة للطلب الهندي، ويعلق تصديره للجرعات نحو المغرب وغيره من البلدان المستوردة.

إلا أن توقف تصدير المصنع الهندي للقاح لم يكن سبباً وحيداً في تباطؤ وتيرة التطعيم بالبلد، بل كان لانتشار أنباء غير مؤكدة عن "حالات وفيات" بسبب جرعات "أسترازينيكا" دافعاً لعدول مؤقت لبعض المغاربة عن التلقيح. الموضوع أثار زوبعة مخاوف شعبية، وسجالات في الأوساط العلمية إثر قرارات تعليق استخدام هذا اللقاح أو التوقف تماماً عنه الذي اتخذته دول غربية، نتيجة تزايد حالات الوفيات وتخثر الدم لدى الملقحين. في هذا السياق، خرج من جديد عزيز غالي، ليعلن للرأي العام أن لقاح "أسترازينيكا" تسبب في وفاة ملقحين في المغرب: 3 وفيات بمدينة الدار البيضاء، وحالة وفاة واحدة بنواحي مدينة الجديدة. واتهم وزارة الصحة بـ"التكتم عن هذه الحالات" وسواها من المصابين بالأعراض الجانبية لهذا اللقاح.

في مطلع شهر تموز/ يوليو 2021، تسلل متحوّر "دلتا" إلى المغرب، في وقت كان البلد يتوسم خيراً في قرارات التخفيف التي جاءت بعد شهر صعب من التشديد خلال شهر رمضان. لكن هذه المعطيات تسببت في ارتفاع أرقام الإصابات يوماً بعد يوم، وقد وصلت لذروتها بعد عيد الأضحى، فبلغ أقصاها أزيد من 12 ألف حالة إصابة يوم 5 آب/ أغسطس.

وزارة الصحة المغربية نفت كلام غالي وسواه من الأصوات الكاشفة لـ"أضرار" هذا اللقاح، وأكدت "عدم تسجيل أية وفاة ضمن المستفيدين من لقاح أسترازينيكا نتيجة مضاعفات أعراضه الجانبية"، كما ذكرت بأن أعضاء اللجنة العلمية أفادوا بأن "فوائد لقاح أسترازينيكا تفوق مخاطره، وليس هناك أية صلة مباشرة بين هذه الأعراض الجانبية واستعماله".

دلتا يتسلل: توسيع التلقيح وعودة التشديد

في الأيام الأولى من شهر تموز/ يوليو 2021، تسلل متحوّر "دلتا" إلى الأراضي المغربية، في وقت كان البلد يتوسم خيراً في قرارات التخفيف التي جاءت بعد شهر صعب من التشديد خلال شهر رمضان.

وكانت إجراءات التخفيف قد شملت فتح الحمامات العمومية والشواطئ، والسماح بإقامة الأعراس مع مراعاة عدد محدد من الأشخاص، وخفض ساعات حظر التنقل الليلي من الساعة 11 ليلاً إلى الساعة 4:30 فجراً. والأهم، أنه تم فتح الحدود الدولية أمام السياح، وتسهيل عبور مغاربة المهجر عبر تخفيض أسعار تذاكر الرحلات الجوية والبحرية.

لكن هذه المعطيات تسببت في ارتفاع أرقام الإصابات يوماً بعد يوم، وقد وصلت لذروتها بعد عيد الأضحى، فبلغ أقصاها أزيد من 12 ألف حالة إصابة يوم 5 آب/ أغسطس. وكانت السلطات قد استنفرت من جديد، وأقرت التشديد الجزئي بدءاً من أواخر تموز/ يوليو الماضي، من خلال تمديد ساعات حظر التنقل الليلي، ليبدأ من الساعة 9:00 مساءً .كما أن التنقل بات صعباً أمام المواطنين بعد إجبارية التوفر على رخصة التنقل نحو المدن، وهو إجراءٌ بيروقراطي يتم استصداره في الإدارات التابعة لوزارة الداخلية. كما أنه منع السفر نحو مدن ثلاث سجلت أعلى معدلات الإصابات والوفيات: الدار البيضاء ومراكش وأكادير.

القرارات "الاحترازية" غير مفهومة من قطاع كبير من المغاربة، إذ يرون بأن منع التنقل الليلي لا يساهم بشكل ناجع في التحكم بالحالة الوبائية ما دام الناس ينخرطون بشكل جماعي في نشر كورونا من خلال ممارسات غير مسؤولة وفوضوية، كالزحام وعدم احترام تدابير الوقاية خلال النهار.

فرض هذا الواقع على السلطات الصحية أن تتعامل باستنفار، والمرور إلى السرعة القصوى في احتواء الوباء، لا سيما وأن متحوّر "دلتا" ينتشر أيضاً بين الفئات الشابة. والحل المتاح كان في زيادة مراكز التلقيح والكوادر الصحية من خلال استدعاء الممرضين المتقاعدين وحديثي التخرج والمتدربين، وتمديد ساعات العمل حتى الساعة الثامنة مساءً طيلة أيام الأسبوع، وتوسيع الفئات العمرية لتشمل حتى الشباب العشريني، وعدم الامتثال لشرط عنوان إقامة الملقَّح، إذ بإمكانه أن ينال تطعيمه في أي مركز في المغرب. وتزامنت هذه الإجراءات الصحية مع استلام المغرب لـ 4 ملايين جرعة من لقاح "سينوفارم" في الفترة الممتدة بين 27 تموز/ يوليو، و8 آب/ أغسطس 2021.

وعلى الرغم من أهمية هذا القرار، إلا أنه تسبب في حالة من الزحام الخانق والفوضى والعشوائية في معظم مراكز التلقيح. ما أثار انتقاد فعاليات طبية بسبب عدم الاكتراث لشرط التقيد بموعد مسبق، أو توفر شرط القرب، فغاصت المراكز الصحية المكلّفة بعملية التلقيح في اكتظاظ غير مسبوق.

بموازاة هذا القرار، كثّف المغرب من استيراده للجرعات اللقاحية لتشمل (علاوةً على استيراده للقاح سينوفارم خلال الشهور الأخيرة) لقاح جونسون الأمريكي الذي تسلم منه أزيد من 300 ألف جرعة كهبة من الولايات المتحدة الأمريكية في إطار مخطط الأمم المتحدة لتوزيع اللقاحات، "كوفاكس". بهذه الخطوة ضمن البلد بشكل سريع استفادة أزيد من 300 ألف مغربي بجرعة كاملة من المناعة، ذلك أن هذا اللقاح يمنح لملقحيه جرعة واحدة دون الحاجة إلى اثنتين مقارنة ببقية التطعيمات.

"الاحترازات" تتراوح بين التشديد والتخفيف

وعلى الرغم من توسيع دائرة استفادة المغاربة من التطعيم، إلا أن "الاحترازات" الحكومية مستمرة وإن بتفاوت بين التشديد والتخفيف. وتبرر الحكومة دوام هذه الإجراءات في أن تلقي حقنتي اللقاح ضد كوفيد-19 "لا يمنع من حمل الفيروس ونقله"، كما أن "المناعة الجماعية تستوجب تلقيح أكثر من ثلثي سكان البلاد على الأقل، وبالتالي لا بد من الاستمرار في التقيد بالإجراءات الوقائية بالنسبة للأشخاص الملقحين وغير الملقحين".

وعلى الرغم من إقرار الحكومة لقرار يقضي بإعفاء حاملي جواز التلقيح من إجراء احترازي يتمثل في منع التنقل والسفر بين المدن، إلا أن هذه الخطوة لم تشفع لأصحابها ،إذ سُجل تخبط وأحياناً "مزاجية" من قبل بعض رجال الأمن الذي فرضوا حصولهم على رخصة التنقل في الحواجز الحدودية بين المدن والأقاليم.

تسللت شكوك حول اللقاح الصيني "سينوفارم"، إذ صنفه الكثيرون كدواء "غامض"، يأتي من بلد آسيوي لم يكشف الكثير عن تفاصيل لقاحه. ولم تخلُ تعليقات المغاربة من المخاوف عامة، فقد اعتبروا اللقاح وسيلةً "للتحكم بهم" و"التآمر" عليهم من خلال "تركيب شريحة إلكترونية" أو "زرعها" بطريقة أو بأخرى، أو حتى التسبب في تحولات جينية بتحريض من "دول كبرى" ومؤسساتها العملاقة.

هذا الإجراء "الاحترازي" (كما تسميه الحكومة) وسواه الكثير، لم يتم إلغاؤه بعد بصفة نهائية، أو حتى تخفيف بعض هذه الإجراءات بشكل دائم، على الرغم من استمرار عملية التلقيح واستهدافها لفئات أساسية وفي الصفوف الأمامية ولملايين الأفراد من جل الشرائح العمرية. وحتى وإن كان هذا العدد غير كافٍ لتحقيق المناعة الجماعية الكاملة (أكثر من 10 ملايين ملقح حتى يوم 7 آب/ أغسطس) فإن القرارات "الاحترازية" غير مفهومة من قطاع كبير من المغاربة، إذ يرون بأن منع التنقل الليلي لا يساهم بشكل ناجع في التحكم بالحالة الوبائية ما دام الناس ينخرطون بشكل جماعي في نشر كورونا من خلال ممارسات غير مسؤولة وفوضوية، كالزحام وعدم احترام تدابير الوقاية خلال النهار. ثم "لماذا يتم إغلاق أماكن معينة وفتح أخرى؟ كغلق الحمامات العمومية والشواطئ خلال فصل الشتاء مقابل فتح الأسواق الشعبية والتغاضي عن الاكتظاظ في الأوتوبيسات مثلاً.. إنه عبث وازدواجية معايير". هكذا يقول معارضو إجراءات الاحتراز والتشديد.

تسوّغ الحكومة، ومعها اللجنة العلمية، باعتبارها مرجعاً استشارياً لها، في اتخاذ مثل هذه "الاحترازات"، قرار حظر التنقل الليلي المستمر لشهور طويلة مؤكدةً أنه ساهم في التقليل من عدد الإصابات خاصة خلال رمضان الفائت، المعروف بتزايد التجمعات البشرية أثناء الليل. كما أن الحكومة ترى بأن الحجر الصحي الجزئي والإغلاق الليلي أرحم من الحجر الصحي التام لعجلة الاقتصاد الوطني. فخطوة التشديد الكلي شبه انتحارية وستؤدي بالبلد نحو الانهيار. هنا، تحاول الحكومة أن تمسك بالعصا من الوسط، لكن بقرارات يشوبها بعض التخبط والعبثية والارتجال.

"السينوفارم" المغربي: نحو الاكتفاء الذاتي من اللقاح

في الوقت الذي يسارع فيه المغرب الخطى لتلقيح أكبر عدد ممكن من المغاربة درءاً لمخاطر الموجة الثالثة من كورونا (متحوّر دلتا)، يحاول البلد ألا يكتفي بتطعيم المغاربة بلقاحي "سينوفارم" و"أسترازينكا" وحسب، أو حتى بجونسون الأمريكي الذي حصل عليه في إطار برنامج "كوفاكس"، وإنما يتطلع لتبني لقاحات أخرى متنوعة، من بينها لقاح "فايزر" الأميركي، الذي نجح البلد في إبرام صفقة تخصه مع الشركة المصنعة، ويتوقع حسب مصادر صحافية محلية أن يتلقى 1.8 مليون جرعة دون تحديد موعد مضبوط لتسلمها. كما أن اللقاح الروسي "سبوتنيك V" سينضم إلى لائحة اللقاحات المعتمدة في المغرب، إذ سيُحقن به حوالي 20 في المئة من المغاربة. وفقاً لتصريح المندوب التجاري الروسي في المغرب.

ويبدو أن اللقاح الصيني "سينوفارم" سيكون الأكثر حضوراً في عملية التطعيم المغربية في الحاضر (2) والمستقبل، والشاهد على ذلك هو إبرام الصفقة بين المغرب ومجموعة "سينوفارم" الصينية باستثمار قدره 500 مليون دولار. والهدف: تصنيع هذا اللقاح محلياً بغية تعزيز الاكتفاء الذاتي من خلال إنتاج 5 ملايين جرعة شهرياً من هذه المادة وتعبئتها وتغليفها، وتصديرها إلى الدول المغاربية والأفريقية.

تبددت المخاوف والشكوك الشعبية شيئاً فشيئاً لدى قطاع واسع من المغاربة، بعد أن بثت المنصات الإعلامية لحظة تلقي الملك محمد السادس جرعته الأولى من اللقاح خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2021. وهكذا تغيرت نسبياً نظرة بعض المشككين والمتخوفين، لأن الخطوة – بحسبهم - لا تستدعي كل هذه الشكوك مادام حاكم البلد يُقْبِل عليها بكل ثقة.

عملياً، سيتم بناء وحدات عالية التقنية للإنتاج، في "مدينة محمد السادس التكنولوجية" في طنجة. وقد وقعت ثلاث اتفاقيات. الأولى هي عبارة عن مذكرة تعاون بشأن اللقاح المضاد لكوفيد 19 بين الدولة المغربية والمجموعة الصيدلية الوطنية للصين، "سينوفارم". والثانية هي مذكرة تفاهم حول إعداد قدرات تصنيع اللقاحات بالمملكة المغربية بين الدولة المغربية وشركة "ريسيفارم". أما الثالثة، فتتعلق بعقد يضمن وضع رهن إشارة الدولة المغربية لمنشآت التعبئة المعقمة لشركة "سوطيما" المغربية المتخصصة في صناعة الأدوية، بغية إنتاج اللقاح المضاد لكوفيد-19 التابع لشركة "سينوفارم" بين الدولة المغربية وتلك الشركة.

وبالمجمل..

كانت عملية التلقيح في المغرب سلسة ومحكمة التنظيم ضمن مستويات مقبولة في جل مراحلها خلال الأشهر السبعة الماضية، باستثناء بعض المشاكل التقنية التي اعترتها مؤخراً بسبب الضغط المتزايد على مراكز التطعيم من قبل فئات كثيرة بعد أن تم توسيع مجال استفادتها. ما زال أمام المغرب تحدٍ كبير في أن يخرج من هذه الأزمة الصحية بأقل الأضرار وبشكل مرن، وأن يتمكن من تجنب الأخطاء والتخبطات التي شابت بعض القرارات "الاحترازية"، على الرغم من أهميتها وواقعيتها إجمالاً.

عموماً، يمضي البلد بشكل جدي في تعاطيه مع عملية التلقيح قياساً بدول منطقته (الرابع عربياً والأول أفريقيا في عدد الملقحين/حتى يوم 7 آب/ أغسطس)، وحقق مكاسب في أن يلقح نسبة الثلث من السكان (أزيد من 30 في المئة حتى يوم 8 آب/ أغسطس 2021) وضَمِنَ مناعة كاملة للصفوف الأمامية والمسنين، كما أنه حظي بتصنيع اللقاح الصيني في أراضيه. فهل سيربح رهان تحقيق المناعة الجماعية في أقرب الآجال؟  

______________

(*) وفق الإحصاءات الصادرة عن الدكتور سعيد عفيف، عضو اللجنة العلمية للتلقيح التابعة لوزارة الصحة المغربية (منشورة في الصحافة المحلية)
(**) متابعة من كاتب المقال

______________

بهذا النص، يبدأ "السفير العربي" نشر مساهمات باحثاتنا وباحثينا عن سير عملية التلقيح ضد فيروس كوفيد-19 في المنطقة العربية. يصدر هذا "الدفتر" بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ.

______________

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________

[1]استلم المغرب منذ بداية حملة التلقيح 7 ملايين جرعة من لقاح "أسترازينكا" حتى يوم 27 شباط /فبراير 2021، مقابل 1.5 مليون من لقاح "سينوفارم" حتى 8 آذار/ مارس2021.
[2] استلم المغرب منذ بداية عملية التلقيح إلى حدود يوم 8 أغسطس/ آب 2021 ، 22.5 مليون جرعة من لقاح "سينوفارم"، وهي الأكبر مقارنة بعدد الجرعات المستلمة من لقاح "أسترازينكا" المقدرة بحوالي 8 مليون جرعة. 

مقالات من المغرب

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

للكاتب نفسه