بين التشديد والتخفيف: كيف حال كورونا المغرب؟

كانت الحالة الصحية متحكَماً بها خلال البدايات، ومع الحجر الصحي سُجّلَت أقل المعدلات في الإصابات والوفيات على التوالي، وكانت قليلة جداً، ومحصورة بين 0 إلى 10 وفيات يومياً. لكن بعد أن خففت السلطات من إجراءات الحجر الشامل، بدءاً من11 حزيران/يونيو 2020، تصاعد منحنى الإصابات تدريجياً. ولم يكن لدى الحكومة بديل، إذ راحت مواردها المالية تُستنزف بفعل آثار الإغلاق العام.
2021-05-06

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
| en
حيدر جبار - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

يوم 2 آذار/ مارس 2020، تسللت كورونا إلى المغرب، بلدٌ يمتلك بنية صحية بالكاد تكفي لتطبيب العلاجات الأساسية. جرى في البداية اللجوء اضطراراً إلى تبني إجراءات استباقية مشددة تهدف إلى احتواء فيروس كوفيد-19. لكن عبثاً، فكورونا عنيد، وما زال يراوح مكانه في البلد (كسواه من معظم بلدان العالم). لا حل إذاً سوى اللجوء إلى مرونة مترنحة بين إجراءات التخفيف والتشديد، ليس للقضاء على الفيروس كليّاً، وإنما بغية التقليص من انتشاره وحِدّتِه، و للتعامل معه وفقاً للإمكانيات اللوجستية والتقنية والاقتصادية المتاحة.

كورونا البدايات: تشديد ثم تخفيف تدريجي

التشديد كان عنوان الأيام الأولى من كورونا، إذ تبنت السلطات سياسةً احترازية ووقائية قاسية، من قبيل إقرار الحجر الصحي، والإغلاق العام للمؤسسات التعليمية والترفيهية والمقاهي، وغيرها من المنشآت، بدءاً من منتصف آذار/ مارس من العام الماضي 2020.

أنشأت وزارة الصحة أجنحةً خاصة بمرضى كوفيد 19 في جل المؤسسات الاستشفائية العمومية (الحكومية) في مختلف مناطق البلاد. خلال هذه الفترة،عُزّزت البنية الاستشفائية في البلد بتوفير 1200 سرير للإنعاش، و1500 للاستشفاء، و20 مختبراً للكشف عن الإصابات. وتمّ تجهيز المستشفيات الجهوية (1)  بـ 23 جهازاً للتصوير الطبقي (سكانر). وساهمت موارد صندوق تدبير جائحة كورونا (المخصص لجمع التبرعات ومساهمة المؤسسات) في شراء هذه المعدات بمبلغ ملياري درهم (حوالي 200 مليون دولار).

كان للحجر الصحي منافع، إذ سُجّلَت أقل المعدلات في الإصابات والوفيات على التوالي. الوفيات كانت قليلة جداً، محصورة ما بين 0 إلى 10 وفيات يومياً. كانت الحالة الصحية متحكَماً بها خلال البدايات، لكن بعد أن خففت (2)  السلطات المغربية من إجراءات الحجر الشامل، بدءاً من11 حزيران/يونيو 2020، تصاعد منحنى الإصابات شيئاً فشيئاً وبشكل تدريجي. آنذاك، لم يكن لدى الحكومة بديل، إذ راحت مواردها المالية تُستنزف بفعل آثار الإغلاق العام. كما أن وضع المقاولات والشركات صار على شفى الانهيار والإفلاس.

تسبب الرفع التدريجي للحجر الصحي (خلال المرحلة الثالثة، أواخر تموز/يوليو 2020) في تزايد الإصابات اليومية. وأيضاً ساهم في ارتفاع الرقم أنه جرى اكتشافها وإحصاؤها، بفضل رفع نسبة التحليلات المخبرية (من معدل يومي يقدر بـ 500 اختبار خلال فترة الحجر الصحي الأول إلى أزيد من 18 ألفاً بدءاً من ذلك التاريخ). قفز رقم الإصابات حتى وصل إلى 563 حالة إصابة كأعلى رقم يومي تم تسجيله خلال حزيران/ يونيو 2020. ثم وصل إلى ذروته يوم 31 تموز/ يوليو بتعداد بلغ 1063 حالة إصابة بكورونا. وتزامن تسجيل هذا الرقم مع حدث ما يسمى إعلامياً بـ"ليلة الهروب الكبير"، إذ أصدرت الحكومة يوم 26 تموز/ يوليو قراراً يمنع المغاربة من السفر خلال الأيام الأخيرة قبل العيد إلى 8 مدن مغربية كبرى، بغية احتواء كورونا في هذه المناسبة التي تَعرف تبادلاً للزيارات العائلية المحفزة لفرص انتشار الفيروس. لكن قرار الحكومة "الارتجالي" و"غير المدروس" جاء متأخراً ودون إخبار مسبق لأيام كافية للمغاربة. وكانت النتيجة أن الكثير منهم سافر قبل الساعات الأخيرة من تنفيذ القرار، وبالتالي وقع ما كان يُخْشَى منه: انتشار الوباء.

"لن نَرْقدَ في المستشفيات العمومية"

يُفَسَر (3)  تصاعد عدد المصابين بكورونا خلال صيف 2020، والأشهر التي تلته - بالدرجة الأولى - بتبعات قرار "ليلة الهروب الكبير". بلغت الأرقام أعلى مستوياتها خلال تشرين الثاني /نوفمبر 2020، الأمر الذي تسبب بامتلاء الوحدات الاستشفائية العمومية عن آخرها.

قفزت الإصابات إلى 563 حالةً كأعلى رقم يومي سُجل خلال حزيران/ يونيو 2020. ووصل إلى ذروته يوم 31 تموز/ يوليو فبلغ 1063 حالة. وتزامن تسجيل هذا الرقم مع حدث ما يسمى إعلامياً بـ"ليلة الهروب الكبير"، حين أصدرت الحكومة يوم 26 تموز/ يوليو قراراً يمنع السفر خلال الأيام الأخيرة قبل العيد إلى 8 مدن كبرى، فسافروا بكثافة في الليلة نفسها! 

أمام هذا الوضع، اضطرت وزارة الصحة إلى زيادة أسرة العناية المركزة، لتصل إلى 3 آلاف سرير، وتجهيز المستشفيات بـ 1151 جهاز تنفس صناعي (منها 426 للإسعاف الاستعجالي). وبحسب وزير الصحة، "تضاعف استهلاك الوحدات الاستشفائية للأوكسجين إلى أزيد من 15 مرةً". ولمعالجة هذا المشكل، تمّ "تأهيل شبكة السوائل الطبية في 20 مركزاً استشفائياً"، و"اقتناء وتركيب تسعة صهاريج للأوكسجين في مستشفيات بمدن طنجة، ومراكش، ووجدة، ومكناس، وأكَادير، وبني ملال، وورزازات، والدار البيضاء. وتتواصل الأشغال لتركيب سبعة صهاريج للأوكسجين في 7 مستشفيات أخرى".

يستفيد المغاربة من علاج واستشفاء مجانيين من مرض كوفيد-19 في المشافي العمومية. لكن لسان حال قطاع مهم منهم يقول :"لن نرقد في المستشفيات العمومية"، نظراً لما يعرفونه من تجارب سيئة، وتمثّلات مسبقة حول سوء المعاملة والخدمات المقدمة فيها. ذلك أن الحالة العامة لهذه المشافي ليست بخير، و70 في المئة (4)  منها تعاني من أوضاع مزرية. يتوفر البلد على 25385 سريراً في المستشفيات العمومية (5) ،و هذا الرقم غير كافٍ لاستيعاب كل المرضى، إذ سجل مع بداية كورونا انخفاضاً في معدلات الطاقة الاستيعابية السريرية بالمستشفيات، وهو 1.1 سرير لكل ألف نسمة. وهو معدل يقل عما هو مسجل لدى البلدان ذات الدخل المماثل (البنك الدولي).

بيد أن التطبيب كان مختلفاً خلال الأيام الأولى لكورونا، إذ كان يتم استقبال المصابين وإيواؤهم في أماكن متنوعة كالمؤسسات الفندقية، في ظل متابعة طبية منتظمة، كما كانت تقدم لهم نوعية أكل جيدة تحت إشراف شركة متخصصة في تموين الوجبات للقصر الملكي. ولم يحصل هذا الأمر إلا بعد أن عرّى مرضى كورونا على منصات السوشال ميديا واقع المستشفيات العمومية، من غياب خدمات أساسية كالأكل والنظافة أو رداءتها، إلى التجاهل الذي تعرضوا له من بعض الأطر الطبية، وعزلهم بشكل وُصف بـ"غير الصحي ".

لاحقاً، اختلف الوضع الاستشفائي، إذ صار مقلقاً، خاصةً لدى مرضى كورونا ذوي الحالات الحرجة. في هذا السياق، أكد جعفر هيكل (6)، أخصائيُّ علم الأوبئة ونائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة، بأنه جهزت قاعات للإنعاش لهذه الفئة في منازلها تتوفر على أجهزة ضخ للأوكسجين تحاشياً للعلاج في المستشفيات العمومية.

يقول هيكل: "هذا أمر خطير. إذ يجب أن تتم مراقبة هذه الحالات عن قرب في حال ما واجهت ضيقاً في التنفس. والكثير من هؤلاء يلقون نحبهم فور وصولهم إلى مستعجلات المستشفى بعد فوات الأوان".

تضاعف استهلاك الوحدات الاستشفائية للأوكسجين إلى أزيد من 15 مرةً. ولمعالجة هذا المشكل، تمّ "تأهيل شبكة السوائل الطبية في 20 مركزاً استشفائياً"، و"اقتناء وتركيب تسعة صهاريج للأوكسجين في مستشفيات بمدن طنجة، ومراكش، ووجدة، ومكناس، وأكَادير، وبني ملال، وورزازات، والدار البيضاء. وتتواصل الأشغال لتركيب سبعة صهاريج للأوكسجين في 7 مستشفيات أخرى. 

وحتى إن جاء المريض المصاب بأعراض ثقيلة في وقت مبكر إلى المستشفى، فهو سيواجه نقصاً أو ضعفاً في خدمات الإنعاش والتخدير، والسبب يكمن في قلة المعدات والكوادر. فإجمالي أخصائيي الإنعاش يصل إلى 200 أخصائي بالمستشفيات العمومية، وضعفهم يعمل في القطاع الخاص بتعداد يصل إلى 540 أخصائياً. أما أخصائيو التخدير فيبلغ عددهم 1902 طبيب أو أخصائي). وحضورهم ضئيل جداً في المشافي العمومية، إذ لا يتجاوز واحداً لكل 100 ألف نسمة من السكان. النظام الصحي يفرض عمل ممرضين اثنين لكل خمسة مصابين يرقدون بقسم العناية المركزة (7) . كما توصي منظمة الصحة العالمية بتوفير 6 أطباء تخدير كحد أدنى لكل 100 ألف نسمة. لكن الواقع الميداني لا يطابق هذه التوصيات، إذ هناك نقص مهول في هذه الكوادر بالمستشفيات الإقليمية، وأيضاً تلك الواقعة في الأقاليم البعيدة عن المدن المركزية (محور طنجة - الرباط - الدارالبيضاء).

هذا النقص في الكوادر الطبية، دفع فئةً من المغاربة من ذوي الدخل المرتفع والمتوسط إلى اللجوء للمصحات الخاصة لمداواة كوفيد 19 في المراحل التي تحتاج إلى العناية المركزة.استغلت هذه المشافي الخاصة الظرف الحرج (خاصة شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2020) حين سجلت المنشآت العمومية عجزاً في استيعاب المرضى، لتفرض أسعاراً استشفائية باهظة لعلاجهم، تراوحت ما بين 60 ألف درهم (حوالي 6 آلاف دولار) و140 ألف درهم (حوالي 14 ألف دولار).

يستفيد المغاربة من علاج واستشفاء مجانيين من مرض كوفيد-19 في المشافي العمومية. لكن قطاعاً مهماً منهم يرفضها نظراً لما يعرفونه من تجارب سيئة، وتمثّلات مسبقة حول سوء المعاملة والخدمات المقدمة فيها. ذلك أن الحالة العامة لهذه المشافي ليست بخير، و70 في المئة منها تعاني من أوضاع مزرية.  

يحبذ 90 في المئة من المرضى المنخرطين في التأمين الصحي، العلاج في مصحات القطاع الخاص. وعلى الرغم من أن مرض كوفيد-19 تتم تغطية مصاريفه من قبل مؤسسات التأمين الحكومية (مثل CNOPS). إلا أن التعويض المالي للاستشفاء من كوفيد- 19 في المصحات الخاصة، لا يتم في حينه من طرف مؤسسات التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، وإنما بعد تلقي العلاج. لذا يضطر المرضى الذين لا يملكون المبلغ الكافي للعلاج إلى الامتثال لشرط المصحات الخاصة، التي تفرض عليهم إيداع شيكات ضمان كآلية للدفع المسبق أولاً، ثم بعد ذلك يتم التكفل بهم.

بيد أن أصحاب هذه المصحات يبررون الغلاء في الأسعار بعلو تكلفة العلاجات، إذ تصل إلى 8 آلاف درهم يومياً (حوالي 800 دولار)، منها 5 آلاف درهم (حوالي 500 دولار) مخصصة فقط للأوكسجين والباقي للأدوية، دون احتساب أجور الكوادر الطبية ومصاريف وسائل الحماية التي يرتدونها قبل الولوج لقاعة الإنعاش التي يرقد فيها المريض، والتي قد تصل إلى 300 درهم للشخص الواحد.

حلولٌ: كلوروكين، مستشفيات ميدانية، وعلاج منزلي

اعتمد المغرب البروتوكول الصحي "كلوروكين" باعتباره حلاً مؤقتاً وعملياً لمداواة الحالات المصابة بكوفيد-19. شُرع بهذا الإجراء الطبي منذ منتصف شهر آذار / مارس 2020. وقد استثار هذا الدواء جدلاً طبياً في البلد وفي العالم. فوزير الصحة وخبراء في الأوبئة والصيدلة أشادوا به، ويرونه بمثابة بديل مؤقت عن التلقيح. لكن معارضيه يحذرون من مضاعفاته الصحية حسب جرعات استعماله، كالتأثير بشكل سلبي على العينين ودقات القلب. وبغض النظر عن هذه الطروحات، فالبروتوكول المعتمد كان سبباً كافياً للحيلولة دون الوقوع في حالة انفلات صحي قاتل، إذ استطاع هذا الحل، على الرغم من بعض مساوئه، أن يساهم في شفاء الكثير من المرضى، والخروج من الأزمة الصحية بأقل الأضرار. والشاهد على ذلك نسبة المتعافين، التي لم تتجاوز 70 إلى 80 بالمئة من المرضى.

وبالتوازي مع اعتماد الكلوروكين، تم إنشاء مستشفيات ميدانية (8) كخطوة عملية للتخفيف من الاكتظاظ الذي عرفته المستشفيات العمومية. بُني الأول في مدينة الدارالبيضاء خلال نيسان/ أبريل 2020، بطاقة استيعابية تضم نحو 700 سرير، وشرع في استقبال المرضى بدءاً من تموز/ يوليو من العام نفسه.

يتوفر 25385 سريراً في المستشفيات العمومية. أما إجمالي أخصائيي الإنعاش فيها فيصل إلى 200 أخصائي، وضعفهم يعمل في القطاع الخاص بتعداد يصل إلى 540 أخصائياً. أما أخصائيو التخدير فيبلغ عددهم 1902 طبيب أو أخصائي. وحضورهم ضئيل جداً في المشافي العمومية، إذ لا يتجاوز واحداً لكل 100 ألف نسمة من السكان. 

لكن، وبسبب امتلاء كل المنشآت الاستشفائية (بما فيها الميدانية)، اضطرت وزارة الصحة منذ آب/ أغسطس 2020 إلى اعتماد بروتوكول "العلاج المنزلي" للحالات التي لا تظهر عليها أعراضٌ، ولا أية علامة سريرية. ويشترط في هذا العلاج غياب عوامل الخطر (9). والأهم من ذلك، أن يعزل المريض في غرفة فردية جيدة التهوية. وفي حال وجود أشخاص يعيشون معه، يُشترط مغادرتهم المنزل طوال فترة العزل، والتي تبلغ 14 يوماً. وإذا استحال ذلك، فينبغي إخضاعهم لمراقبة طبية صارمة بشكل منتظم. لكن هذا الإجراء يواجه الكثير من العراقيل في تطبيقه على الفئات ذات الدخل المحدود التي لا تتوفر على مسكن لائق. لذا يظل تنفيذه مرهوناً بمجهودات المتابعة الطبية أكثر من رقابة السلطات الموسومة بالطابع الأمني.

"الطبيب فينا هوا ؟"

"الطبيب فينا هوا؟" (أين الطبيب؟). لعل هذا السؤال تكرر على لسان كل مريض يزور – عادةً - مستشفًى عمومياً. إذ يجد صعوبةً في إيجاده والحصول على التطبيب اللازم من طرفه.

يعود أصل المشكل إلى قلة الموارد البشرية. الإحصائيات الواردة على لسان وزير الصحة تفيد بأن الأطر الطبية المتوفرة حالياً لا تتعدى 1.5 لكل ألف نسمة، بينما الحد الأدنى المطلوب هو 4.45. و قُدِرَ النقص في الكوادر الصحية بـ 96 ألف مهني، منهم 32 ألف طبيب و64 ألفاً من الأطر شبه الطبية. تحاول الحكومة أن تستجيب للطلب العمومي على الأطر الطبية (إحصاءات رسمية 2019) (10)، بتخصيص 5500 منصب في قطاع الصحة ضمن ميزانية التوظيف لعام 2021، بزيادة 1500 منصب قياساً (11)بعام 2020. وعلى الرغم من أن البلد حقق تحسناً طفيفاً بخصوص عدد الكوادر قياساً بعام 2017، إلا أنه من الصعب أن يكون في مستوى شروط هذه الأزمة الصحية.

ويعيش أطباء القطاع العام في المغرب على وقع ضعف الرواتب، وعلى الرغم من حصولهم على درجة الدكتوراه، إلا أنهم يتقاضون راتباً يصل إلى 7000 درهم (حوالي 700 دولار) شهرياً، أي ما يوازي الذي يحصل عليه الأُجراء الحاصلون على درجة الماجيستر،وهو أقل بكثير من رواتب نظرائهم في القطاع الخاص، المجزية والمغرية جداً. وتطالب هذه الفئة بأن يكون التعويض متوافقاً مع مؤشر الرواتب، وهذا يعني راتباً شهرياً يناهز 1800 دولار.

إضافةً إلى ما سبق، يلامس أطباء القطاع العام مشاكل مهنية وتقنية رصدها تقرير أنجزه المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي لعام 2020، تشمل: غياب تحفيز في مستوى الوضع الاعتباري أولاً. ثم ظروف العمل الصعبة في مؤسسات العلاج والاستشفاء. وثالثاً انعدام التدبير العقلاني للموارد البشرية القائم على قياس الأداء. وأخيراً، استمرار العمل بنظام الوقت الكامل. هذه العوامل يرى معدو هذا التقرير بأنها تُساهم في تنامي هجرة الكفاءات الطبية. ولعل مغادرة 603 من الأطباء لبلدهم خلال عام 2018 لوحده خير دليل على ذلك، وهذا يعادل ما نسبته 30 في المئة من خريجي كليات الطب والصيدلة من السنة نفسها. و في فرنسا لوحدها، يوجد 7000 طبيب مغربي مقيم (منهم 6510 أطباء يمارسون مهنتهم بشكل مستمر، و430 طبيباً يمارسونها بشكل متقطع).

تأمين صحي فئوي

لا يستفيد كل المغاربة من التغطية الصحية (التأمين الصحي) بشكل متساوٍ، إذ تمنح الخدمة بشكل فئوي حسب كل قطاع مهني واجتماعي. فذوو الدخل المحدود الذين يعانون من هشاشة سوسيو-اقتصادية لا يستفيدون بالضرورة من التغطية الصحية الإجبارية ( AMO) (12) التي تضمن تأميناً وتعويضات مالية عن معظم الاستشفاءات والأدوية.

تصنف هذه الفئة ضمن تأمين يسمى "نظام المساعدة الطبية" (راميد)، إذ تم تعميمه في البلد بدءاً من عام 2011، ويصل منخرطوه إلى 16.5 مليون منخرط .لهذا النظام مساوئ، إذ لا يستفيد منخرطوه من العلاج المجاني بشكل كامل، فالمريض يساهم في تحمل مصاريف العلاج بشكل جزئي داخل المستشفيات العمومية. وهذا ما يحمل الكثير منهم إلى اللجوء لخدمات القطاع الخاص وتحمل أعبائه من استشفاء ودواء.

يعيش أطباء القطاع العام على وقع ضعف الرواتب، فيتقاضون راتباً يصل إلى 7000 درهم (حوالي 700 دولار) شهرياً، وهو أقل بكثير من رواتب نظرائهم في القطاع الخاص، المجزية والمغرية جداً. وتطالب هذه الفئة بأن يكون التعويض متوافقاً مع مؤشر الرواتب، وهذا يعني راتباً شهرياً يناهز 1800 دولار. 

تنامت هجرة الكفاءات الطبية. ولعل مغادرة 603 من الأطباء لبلدهم خلال عام 2018 لوحده خير دليل على ذلك، وهذا يعادل ما نسبته 30 في المئة من خريجي كليات الطب والصيدلة من السنة نفسها. وفي فرنسا لوحدها، يوجد 7000 طبيب مغربي مقيم.  

ليس نظام "راميد" لوحده من تعتريه الاختلالات، من قبيل حرمان جزء كبير من الأسر منه، وضعف التمويل الكافي للخدمات المقدمة. بل حتى نظام التغطية الصحية الإجبارية الذي تنفّذه مؤسسات التأمين العامة والخاصة يواجه بعض المشاكل، مثل ارتفاع أداء الدفع المسبق لتكاليف العلاج في انتظار استردادها، وضعف أو عدم كفاية التعويضات المالية المقدمة لجزء مهم من العلاجات والأدوية (يصل التعويض أحياناً لأقل من 50 في المئة من قيمة الأدوية والعلاجات). لكن تبقى ميزة هذه التغطية الصحية أنها تقبل بتعويض مصاريف العلاجات المرتبطة بكوفيد-19 في المصحات الخاصة، وهذا غير متوفر لمنخرطي "راميد" الذين يظلون عراةً بلا تغطية كافية تقيهم من الأمراض.

ولسنوات طويلة، ظل ما يناهز 50 في المئة من المغاربة دون تغطية صحية، ويستوجب عليهم دفع نفقات العلاج والأدوية من جيوبهم. وما زال الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية متدنياً، إذ لم يصل بعد إلى المتوسط العالمي المقدر بـ 10 في المئة من الميزانيات العامة. لكن الحكومة المغربية تعمل على زيادة هذا الإنفاق، إذ تم إطلاق مشروع الحماية الاجتماعية بنيّة تعميمها على قطاع كبير من المغاربة بشكل تدريجي بين سنتي 2021 و2023. ويتضمن هذا المشروع ضمان تغطية صحية إجبارية، للعلاج والاستشفاء، لـ 22 مليون مستفيد – ما يمثل تقريباً ثلثي السكان - بحلول نهاية سنة 2022، بكلفة مالية تقدر بحوالي 1.3 مليون دولار.

وفي المحصلة..

تعامُل المغرب مع أزمة كورونا في شقها الصحي بمزيج من المرونة والتشديد والتخبط، ضمن واقع لم يرتفع بعد عن مستوى الضعف والتردي والنقص الحاصل في المنشآت والكوادر الطبية وسوء ظروف عملهم. وعلى الرغم من تبني البلد لعملية مجانية التلقيح (أكثر من 9 ملايين جرعة حتى يوم 30 نيسان / أبريل 2021 ) وأهميتها كخطوة وقائية، إلا أن الوضع الكوروني مازال "مقلقاً"، لكنه "ليس منفلتاً" بالقدر المهول. الحكومة المغربية فطنت مؤخراً (واضطراراً) لأهمية هذا القطاع عبر تخصيص رقم مالي غير مسبوق، قدره 20 مليار درهم (حوالي 2 مليار درهم) ضمن ميزانية هذه السنة. إلا أن ذلك ليس كافياً. إذ لا يمكن مُداواة أو حتى دعم هذا القطاع مناسباتياً، بل هي فرصة تاريخية ليعيد المغرب النظر في سياساته الصحية لمواطنيه... بشكل دائم. 

محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________

1] توجد في المدن التي تُسَيّرُ الجهات الـ 12 للبلد، مثل الرباط والدارالبيضاء ووجدة وطنجة ومراكش وفاس وأكادير...إلخ.
[2] تم اعتماد الرفع من إجراءات الحجر الصحي على مراحل .المرحلة الأولى : قسم المغرب إلى منطقتي تخفيف بناءً على الحالة الوبائية ، المنطقة 1 أكثر تخفيفاً من المنطقة 2 . ثم لاحقاً في المرحلة الثانية، اعتمدت السلطات إجراءات صحية وأمنية مرنة ومتغيرة كل أسبوعين تقريباً، تراعي الحالة الوبائية لكل منطقة / جهة على حدة.
[3] أيضاً ساهم تشجيع السياحة الداخلية بين المدن (فترة الصيف) وعدم التزام بعض المصانع والضيعات الفلاحية والمواطنين في الأماكن العمومية بالتدابير الوقائية، في استفحال الوباء.
[4] وفقاً لدراسة أجرتها الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحياة ، وأصدرتها خلال سنة 2017.
[5] وفقاً لإحصاءات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية) لعام 2019.
[6] La hantise de l’hôpital public au Maroc retarde les diagnostics en cas d’infection au Covid-19.reportage par Ghalia Kadiri.le monde
[7] إحصاءات أطباء التخدير و الإنعاش على عهدة الفيدرالية الوطنية لأطباء الإنعاش والتخدير ومنظمة الصحة العالمية.
[8] تبلغ كلفة المستشفى الميداني للدارالبيضاء نحو 45 مليون درهم (حوالي 4.5 مليون دولار) على مساحة 20.000 متر مربع، وتم إنشاء مستشفيات ميدانية أخرى تباعاً في مدن ومناطق مختلفة كمدينة ابن سليمان وأكادير.
[9] كبر السن والاضطراب العقلي، والأمراض المزمنة والحمل والرضاعة.
[10] من بينهم 416 11 يعملون في القطاع العام و 545 13 في القطاع الخاص. أما أطر الجهاز شبه الطبي (ممرضين ومساعدين) فيصل إلى 657 31 إطاراً (إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط لعام 2019)
[11] أقل من طبيب واحد (0.72) لكل ألف نسمة (بيانات البنك الدولي)
[12] بحسب شبكة الدفاع عن الصحة،فإن 9 ملايين مغربي(حوالي ثلث السكان) استفادوا من التغطية الصحية الإجبارية عن المرض/ AMO خلال عام 2019 

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه