في الانتقاء الجيني المتعمد
في البداية سألتُ نفسي "لماذا لم يُنقل نزلاء "مؤسسات إيواء المسنين ذوي الاحتياجات الخاصة"(في فرنسا) الذين أصيبوا بعدوى فيروس كورونا إلى المستشفيات، وظلوا يموتون في مكان سكنهم نفسه". وجدت أجوبة مقتضبة وغير مكتملة، من هنا وهناك، لكن لا اعتراف أبداً بوجود انتقاء جيني نفعي.
1- في أول الأمر، لم تُجب الحكومة الفرنسية عن عدد الموتى في "مؤسسات إيواء المسنين ذوي الاحتياجات الخاصة".
2- تجلى النقص الصارخ في أسرّة المستشفيات أولاًمن خلال نقل بعض المرضى بواسطة القطار فائق السرعة، ثم نقلهم إلى ألمانيا وجمهورية التشيك.
3-أكدت شهادات عاملين في المستشفيات الفرنسية، بوضوح، وجود ممارسات فرز للمقبولين. آخر هذه الشهادات نشرت في 5 نيسان/ ابريل: " أحيانا يتم فصل أجهزة الإنعاش عن المرضى الأكبر سنّاً، والذين لديهم سوابق طبية كثيرة، حتى يُفسح المكان لمرضى آخرين (..) لا تتجاوز أعمار مرضانا السبعون عاما في أقصى حد. مما يعني انه، منذ أسبوعين، لم يعد يتم –إلا نادراً - توفير أسرّة الإنعاش للمرضى الأكبر سنّاً".هم يقدِّرون إذاً انه بعد السبعين يصبح الشخص غير ذي نفع ويمكن التخلص منه.
كنّا على حق!
20-03-2020
4- هناك ما هو أكثر خطورة، إذ يرخص المرسوم الذي نشر يوم 29 آذار/ مارس، لمؤسسات إيواء المسنين ذوي الاحتياجات الخاصة بإعطاء أدوية مسكنة ومخدرة لبعض المرضى المصابين بمرض كوفيد-19 (وهذا تلطيف للقتل الرحيم). ويسمح لهم المرسوم رقم20-20-360 هذا بإعطاء المرضى دواء "ريفوتريل" الذي لم يكن في العادة يُستعمل إلا في المستشفيات وتحت إشراف مشدّد.
الكسالى عديمي الكفاءة المسؤولين عن إدارة الحرب وسن التشريعات
لم يتم إقرار أي تدابير قوية، سواء تعلق الأمر بالجباية أو الصناعة، فضلا عن انعدام أي اتساق في قضية الأقنعة الطبية.
1-على سبيل المقارنة، يمكن أن نُذّكر بمثال فرانكلين روزفلت (رئيس الولايات المتحدة الامريكية من 1933 حتى 1945) الذي طلب -غداة الهزيمة الكارثية لفرنسا - يوم 16 أيار/مايو 1940،(بشكل استباقي: فالهجوم على "بيرل هاربر" لم يقع إلا في كانون الأول/ديسمبر 1941)من الكونغرس منح تراخيص إنفاق تمكِّن من انتاج "دبابات وبنادق وبواخر و50 ألف طائرة". ثم طلب منه في حزيران/يونيو 1940 أن "يأذن له بزيادة الضرائب بشكل كاف لمجابهة النفقات الاستثنائية التي يحتاجها الدفاع الوطني". كان "برنامج النصر" في طور الإعداد فعلا.
اكتفى الرئيس الفرنسي بالتلويح بكلمة "حرب" لكنه لم يضع أي برنامج كان للنصر، جبائياً /ضريبياً (كتفادي تسهيلات التداين) أو صناعياً (إلزام المؤسسات المؤهلة بإنتاج كميات كبيرة من الأقنعة الطبية وأجهزة اختبار الفيروس وأجهزة التنفس الاصطناعي، الخ.). لم يكن روزفلت الذي وضع مثل هذا البرنامج شيوعيا على حد علمي.
المتسلطون لا يَهزّهم شيء!
03-04-2020
2- انعدام الاتساق التشريعي أيضاً: كان ينبغي، قبل فرض ارتداء الأقنعة الطبية على المواطنين، وقف العمل ببعض تدابير القانون عدد 2010-119 المؤرخ في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2010 والذي يمنع إخفاء الوجه في الفضاء العام. لكنها ليست بتاتاً المرة الأولى التي يتجلى فيها نقص كفاءة الكسالى المكلفين بالإشراف على صياغة القوانين. فكثيراً ما يُسقِط المجلس الدستوري نصوص قوانين أعدّت على عجل في غالب الأحيان. ولقد لاحظتُ انه تمّ خلال العهدة الرئاسية للسيد ساركوزي (رئيس الجمهورية الفرنسية من 2007 حتى 2012) رفض 57 نصاً من جملة 99 نصاً عُرضت على المجلس، أي ان نسبة عدم المطابقة للدستور تبلغ 57 في المئة. أما بالنسبة للسيد هولاند (الرئيس الفرنسي بين 2012 و2017)، فنجد 25 نصاً غير مطابق للدستور. ولم أقم بعد بتحديث هذه الإحصائية.
فكرة أخيرة
نعيش زمناً مواتياً للأنبياء المتزايد عددهم، والذين "يُسرّعون غليان قدور المستقبل" (1) الوبائي والفلسفي والاجتماعي والاقتصادي. هكذا وعلى الأقل، فسأكون قد حظيتُ بفرصة أن أعيش لحظة يمكنني فيها ملاحظة كيف يتزايد الأنبياء وكيف تظهر نبؤاتهم وتنتشر.
*ترجمه من الفرنسية: محمد رامي عبد المولى
1-ملاحظة المترجم: هذه العبارة لكارل ماركس ويُقصد بها استباق المستقبل ("bouillir les marmites de l’avenir")