تقزمت الدولة في لبنان برئاساتها المثلثة ووزارتها الثلاثينية التي تُزينها ست نساء، وقضائها الذي كنا نخالف ضميرنا ونوهم أنفسنا بافتراض انه مستقل، وان قضاته لا يمسهم العيب ولا تأخذنا شبهة باستقلاليتهم وسهرهم على ابقاء ميزان العدالة ثابتاً بلا عوج، والقانون مشفوعاً بالضمير لا ينطق الا بالحق ولا تأخذه في الحق لومة لائم.
أثبتت الوقائع أن العميل عامر الياس الفاخوري الذي كان "الحاكم العسكري" لمعتقل "الخيام" إبان الاجتياح الاسرائيلي لبنان 1982 وتولى فيه، وبإشراف المحتل، تعذيب المئات من المواطنين "المتهمين" بمقاومة الاحتلال، مما ادى إلى وفاة بعضهم وإلحاق التشوه بالعديد ممن تعرضوا لتعذيبه واضطهاده لأنهم حاولوا مقاومته بالسلاح القليل المتوفر، وبصدق وطنيتهم واستعدادهم للتضحية بأنفسهم في مواجهة المحتل الاسرائيلي قاهر ارادتهم ومستعمر ارضهم.
مع التحرير في 25 ايار/مايو 2000، انتقل عامر الفاخوري مع مَن انتقل من العملاء إلى الأرض المحتلة (فلسطين)، فتولاه من جنّده، ورتبوا أمر سفره الى الولايات المتحدة الاميركية حيث حظي بالترحيب والاكرام، واستقبله بعض كبار السؤولين في البيت الابيض، بمن فيهم الرئيس الاميركي دونالد ترامب.. وتمّ تزويده بجواز سفر أميركي.. وهكذا جاء إلى لبنان مفترضاً انه محصن ضد العدالة، على الرغم من ارتكابه جريمة الخيانة العظمى.
في بيروت التي دخلها بجواز سفره الاميركي، "لم تنتبه" اليه الأجهزة الامنية، خصوصاً وان موظفين في السفارة الاميركية في بيروت قد شاركوا في استقباله في المطار ونقله إلى حيث رغب، من دون أن يعترض أحد على حامل الجواز المذهب والمحصن بالنجوم المتلالئة.
ولقد اكتشف بعض ضحايا العميل الجلاد وجوده في بيروت، يجول ويلتقي من يشاء، فأبلغوا السلطات المعنية بوجوده، مع التذكير بتاريخه الاسود في التعامل مع العدو وفي اقدامه شخصياً على تعذيب بعض من اشتبه بأنهم وطنيون وبالتالي مقاومون.
وكان أن اوقف، حين تطوع بعض ضحاياه للإبلاغ عن وجوده مع كشف تفصيلي بإنجازاته في معتقل الخيام وأصناف التعذيب المروع التي كان يستخدمها باستمتاع، وعلى مشهد من جموع المعتقلين لتأديبهم على.. وطنيتهم!
..هنا بدأ الفصل البوليسي والتدخل الاميركي الفظ في أعمال القضاء واسقاط حصانته. ففي الفترة بين الاستجواب والمحاكمة، وقبل أن تغادر السفيرة الاميركية السابقة اليزابيت ريتشارد لتأتي بعدها السفيرة الجديدة دورثي شيا. وقعت الاعجوبة التي لا سابق لها: اقتيد عامر فاخوري إلى المحكمة العسكرية في بيروت (بوصفه "مواطناً أميركياً" وليس عميلاً للعدو الاسرائيلي..). فأصدر القاضي الذي يخاف من واشنطن أكثر مما يخاف من الله ويخاف على الوطن، قراره بالإفراج عن هذا العميل المزدوج لأميركا وللعدو الاسرائيلي. وهكذا أطلق سراحه في ليل الشفاعة، وتغاضى أصحاب القرار عن واجباتهم الوطنية واولها وأخطرها: حماية الوطن والمواطنين من خيانة عملاء الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة الاميركية حيثما كانوا وكائنة ما كانت حصانتهم الداخلية أو الخارجية.
لن نترحم على العدالة..ولن نفقد الأمل بنزاهة القضاة مجتمعين.
ولكننا نعرف حق المعرفة من ساند فسلح عدونا الاسرائيلي ودعمه بالمال والسلاح، وسهل له اختراق العديد من الانظمة العربية والاعتراف بدولة هذا العدو وتسليحها بأحدث مبتكرات السلاح القاتل ( الطيران، الدبابات ، الصواريخ بعيدة المدى..)، ثم "اقنع" بعض الدول العربية بضرورة نسيان ما كان، والتعامل مع الواقع بالعقل، والاهتمام بالمستقبل بدل الغرق في الماضي وذكرياته الثقيلة..وهكذا توالى اعتراف الدول العربية بكيان العدو، محتل الأرض المقدسة وقاهر الارادة القومية، وراعي انقسام الدول العربية وسقوط تضامنهم، بل تجرؤ بعضها على الاعتراف بدولة العدو واستقبال رئيس حكومتها وبعض وزرائها وعزف النشيد الوطني في استقبالهم كضيوف مكرمين..من دون أن ننسى أن ثلاثة من سفراء الدول العربية قد حضروا اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب ومعه رئيس حكومة العدو الاسرائيلي نتنياهو "صفقة القرن" التي تعطي كيان العدو معظم أرض فلسطين وتفرض على الفلسطينيين التنقل بين مدنهم وقراهم عبر الأنفاق!
ماذا بعد هذا الانهيار الوطني والقومي وهذا التفريط بالكرامة الوطنية والعزة وحفظ كرامة الانسان العربي والشهداء في ميدان الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في ارضه..
لا اسم آخر للخيانة!
والمتساهل في حقوق وطنه وكرامة شهداء الدفاع عن الارض المقدسة هو من يستحق العقاب اكير من هذا الخائن الذي يستحق أن يحفر اسمه (وامثاله) على صخور نهر الكلب.. وهذه المرة باللغة العبرية حتى يكون عبرة لمن يعتبر!انقشوا اسم عامر الياس الفاخوري والقضاة الذين "برأوه"، والمتدخلين لإخراجه من السجن وتهريبه في ليل، حتى لا تنسوا..فلقد دفع اللبنانيون من دمائهم وارزاقهم وهناءة حياتهم أغلى بكثير مما يستحق العملاء والعاملين لحساب العدو ضد اهلهم ووطنهم وكرامة شهدائهم الذين افتدوا تراب الوطن بدمائهم.
وطني لو شُغلت بالخلد عنه لنازعتني اليه في الخلد نفسي