"الشارع ده كنا ساكنين فيه زمان
كل يوم بيضيق زياده عمّا كان
أصبح الآن بعد ما كبرنا عليه
زى بطن الأم مالناش فيه مكان"
ربما لا يوجد أصدق من هذين البيتين من شعر العامية للمصري صلاح جاهين، لوصف مخيم شاتيلا الذي "كان" للاجئين الفلسطينيين، قبل أن يتحول الى مساحة مختلطة المعالم من الهويات والجدران والأسلاك، يخيم عليها، لمزيد من التشويش، ضجيج الأماكن الضيقة وصراخ الناس الغاضبة والمتعبة، وما لا يمكن للصور تمثيله من روائح النفايات وهدير الدراجات النارية التي تخترق زواريباً كانت شوارع ذات يوم قبل ان تقضم منها بيوت أجبرت على التوسع لانتفاخها بقاطنيها المتزايدين.
اليوم، اصبح المخيم أقرب الى الملجأ: عمال مياومون، مصريون، سودانيون، اثيوبيون، وبالطبع، الاضافة الأهم من النازحين، أكانوا فلسطينيين سوريين نزحوا من مخيمات الدولة التي كانوا يعيشون فيها قبل الأزمة، او مجرد سوريين فقراء.
هكذا اصبح عدد "سكان" شاتيلا، إن كانت صفة السكن تنطبق على المكوث في هذا المكان، يقدر بين 22 و25 ألف بني آدم في مساحة لا تتجاوز كيلومتراً مربعاً، يعيشون في ظروف غير آدمية. كان يقال للمخيم انه مكتظ حين كان يؤوي مجرد ستة آلاف لاجئ. أما اليوم؟ فلا أدري ان كانت هناك كلمة أخرى تعبر عن مدى الاكتظاظ هنا.
يشير مضيفي الى نقطة لا تبعد اكثر من 200 متر في "شارع" رئيسي كنا نقف في منتصفه قائلًا "هنا يبدأ المخيم"، ثم يشير الى نقطة اخرى لا تبعد بدورها اكثر من 200 متر قائلاً "وهناك نهايته". فقط؟ تسأل مذهولاً. لكن كيف تستوعب هذه الجغرافيا الضيقة كل هؤلاء الناس؟ يبتسم جمال الهنداوي القائد في كشافة "يعبد" ساخراً وهو يشير الى الأعلى. تتبع حركة اليد لتكتشف عيناك من خلال شبكة كثيفة وفوضوية من الأسلاك الكهربائية وحبال الغسيل وتمديدات المياه، طوابقاً فوق طوابق، تكاد تلامس بعضها كلما علت، وتكاد شرفاتها تتداخل مع نوافذ البناية المواجهة. انتفخ المخيم افقياً فكان لا بد من الانفجار صعوداً. انها قوانين الفيزياء!
تلحق بمضيفك في الزواريب وعينك تسجل ككاميرا سينمائية الصور التي تنْشق عنها أبواب البيوت. الزقاق مظلم مع اننا في عز النهار. على ضوء "النيون" المريض، تلمح في الداخل النساء المنشغلات بالصراخ على الاولاد وقد ملأ دخان الطبيخ جو الغرفة فبدت صورهن ضبابية. هنا تكتشف عجائب هندسية كهذه الشرفة التي ترتفع سنتيمترات عن الشارع الطافح بالمياه. مياه لا تفقه إن كانت سقطت من السماء مطراً بلل للتو شبكة الاسلاك الكهربائية الخطرة فوقك، أو انها نبعت من "الريغار" (فتحة المجرور) تحت أقدامك، يخوض فيها اطفال بشحاطاتهم البلاستيكية صاخبين وهم يجرون خلف قطة أو خلف بعضهم، تزاحمهم وتزاحمنا دراجات نارية صاخبة المرور، لا تكلف نفسها حتى التباطؤ لتفادي الناس.
أصبح عدد "سكان" شاتيلا، إن كانت صفة السكن تنطبق على المكوث في هذا المكان، يقدر بما بين 22 و25 ألف بني آدم في مساحة لا تتجاوز كيلومتراً مربعاً، يعيشون في ظروف غير آدمية. وكان يقال للمخيم انه مكتظ حين كان يؤوي مجرد ستة آلاف لاجئ.
"ما اسم هذا الشارع؟" اسأل جمال وأنا التصق بالحائط لترك الموتورسيكل يمر عند مدخل المخيم من جهة أرض جلول. "ليس له إسم" يجيب بثقة. اليس هناك ولو مجرد اسم للدلالة على المكان؟ يقول "آه ممكن يقولوا جهة حي اللبنانيين أو الاستديو العصري". ستديو؟ يضحك ويروي لنا انه في هذا المكان "من زمان، كان هناك استديو تُصوَّر فيه أشهر الأفلام السينمائية". وبالفعل، يتبين أنه في هذا الاستديو جرى اعداد فيلم "بياع الخواتم" للأخوين رحباني والسيدة فيروز. اليوم، احتلت مهنية الحريري مكان الاستديو الذي دمره القصف الاسرائيلي العام 1973، حين كان مقراً لقوات "الصاعقة"، وما تبقى تحوّل الى سوق عشوائي وبعض البنايات.
هناك آلية "تملّك" خاصة في المخيم، تقوم على تسجيل المالك أو المستأجر لدى اللجنة الشعبية في المخيم، والتي تعتبر المرجع الرسمي حتى بالنسبة للدولة اللبنانية في أحيان كثيرة. فالفلسطيني لا يحق له رسميا التملك في لبنان(1).
يقول زياد حمو، أمين سر اللجنة الشعبية عن منظمة التحرير الفلسطينية، في تفسير هذه الخارطة السوريالية للمباني في المخيم، انها نتيجة "استغلال تجار الابنية لزيادة السكان"، ويضيف "صاروا يعمّروا بنايات حتى 10 طوابق بعد أن كان الحد الأقصى ثلاثة. فلا امكانية بالتوسع خارج المخيم كونه محاط بالأملاك الخاصة".
في مخيم شاتيلا اليوم حوالي 5 آلاف وحدة سكنية حسب حمو الذي يقدِّر سكان المخيم ب 25 الفاً إذا "اعتبرنا معدل العائلة الوسطي 5 افراد فقط، بينهم أقل من 8 آلاف فلسطيني - لبناني! ويضيف: "هذه النسبة تتغير حسب كلفة المعيشة التي تدفع بالمزيد من الفقراء للسكن هنا. لذلك تجدين اللبناني والسوري، والفلسطيني - السوري والفلسطيني - اللبناني. تجدين من لجأوا من مخيم تل الزعتر(2) ومن مخيم النبطية(3) وجسر الباشا(4) وقسم من مخيم نهر البارد ممن لم يستلموا جميعهم بيوتهم بعد(5)". ثم يقول "حسب آخر احصائية قامت بها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني (التي أحصت الفلسطينيين في لبنان ب 174 الف شخص) ولسنا موافقين عليها، فإن عدد الفلسطينيين في شاتيلا اليوم هو 4 آلاف. لكن حسب وكالة الأنروا، فالمسجلين عندها 8 آلاف. تقديرنا انهم أقل بقليل لأن الكثير من المسجلين تركوا المخيم بعد اكتظاظه وتدهور الخدمات فيه، وقاموا بتأجير بيوتهم للوافدين الجدد".
ولكن كيف تنشط سوق العقارات التي أدت الى هذا العمران العشوائي الخطير على السلامة العامة؟ يجيب "هناك عدة انواع من البيع. بيع السطح مع الهواء، أي باستطاعتك ان تبني طابقاً واحداً، أو تشترين كل الهواء، أي باستطاعتك ان ترتفعي ما اردت بعدد الطوابق"! "وبكم متر الهواء؟" نسأله ممازحين. يقول ضاحكاً "بين 3 و5 آلاف دولار".
هذا التغير الديموغرافي للمخيم لم يبدأ بالنزوح السوري العام 2011، بل "بعد حرب المخيمات"، يقول جمال الهنداوي. ويشرح: "يومها خرج كثيرون من أهل المخيم وجاء مكانهم أناس جدد، أغلبهم فلسطينيون - سوريون ومواطنون سوريون، وصاروا أصحاب أملاك داخله". ويضرب الهنداوي مثالاً "بجانب المخيم هناك الحي الغربي ومن الجنوب حي الحرش. في هذين الحيين كانت تسكن كثافة فلسطينية عالية حوالي 70 في المئة لكن نتيجة الاجتياح الاسرائيلي والمجزرة (صبرا وشاتيلا العام 1982) وحرب المخيمات (1983)، اليوم لا تتعدى نسبة الفلسطينيين في هذه الاماكن النصف في المئة!".
يفسر جمال انتشار العمران العشوائي بسيطرة قوى الأمر الواقع على قرارات المخيم. ويشرح "هناك المخيم، وهناك محيطه الذي بناه بعض أهلنا مستغلين فرصاً وفرتها ظروف سياسية كالوجود السوري (1976 - 2005) الذي دعم جهات معينة وغطاها. هؤلاء إما بنوا على المشاع أو على الأراضي المحيطة بالمخيم بعد ان زعموا حصولهم على اذن صاحب الارض".
ولنفهم مدى استفحال البناء العشوائي وانعدام قوانين السلامة فيه، يروي لنا جمال انه عندما بنى بيته منذ 40 عاماً، أشرف مهندسون من وكالة الأنروا على البناء ووضع الاساسات وفق خارطة. ثم يضيف "بين العام 1975 و1980، كان منزل أبو قاسم الحاج أعلى بناء في المخيم. يرتفع 3 طوابق وفوقها غرفة من التنك على السطح لأجل سهر أولاده الشباب. بيتنا كان طابقا أول. كنا عندما نقف على السطح نرى الجبل كله. اليوم لتستطيعي رؤية الجبل عليك ان تصعدي الى الطابق الثامن. 70 في المئة من بيوت المخيم كانت أرضية. كانت هناك شوارع في المخيم، اليوم اسمها زواريب. تحت بيتنا كان هناك شارع يسمح اتساعه بمرور سيارة. الشارع الذي دخلنا منه جهة أرض جلول، كان يتسع لمرور سيارتين ذهاباً واياباً مع رصيفين، كان عرضه 12 متراً. اليوم لا يتعدى الاربعة أمتار".
كان في المخيم كثافة فلسطينية عالية لكن نتيجة الاجتياح الاسرائيلي والمجزرة (صبرا وشاتيلا العام 1982) وحرب المخيمات (1983)، فاليوم نسبة الفلسطينيين فيه ضئيلة.
وكيف يحصل الأمر؟ بسياسة القضم البطيء وانعدام الرقابة وقمع المخالفات. يضرب مثالاً "مقابل بيتنا كان لجارتنا طابق أرضي، عملت غرفة على السطح كانت تصعد اليها بسلم خشبي، ثم الله رزقها فقامت ببناء درج يقضم من الشارع! طبعا أبي استاء واحتج، الا ان الجيران قاموا ضده بحجة انها مسكينة". لكن الامر لم ينته هنا: "بعد حرب المخيمات، قضمت متراً اضافياً من الشارع لتكبير البيت وفوقه متراً لدرج جديد! عندها أخذ أبي 80 سم من الشارع، فأصبح الشارع زاروبة". ثم يقول "السيناريو نفسه في كل المخيم".
تزيدنا ماجدة جواد من الشعر بيتاً. تؤكد منسقة برنامج حقوق المرأة في "جمعية النجدة الاجتماعية" التي تركت المخيم بعد حرب المخيمات أن "هناك أبنية آيلة للسقوط في شاتيلا». وتضيف انه خلال تلك الحرب (1983) "بيننا وبين اخوتنا الشيعة" (حركة أمل) بنينا سواتر ترابية حول المخيم كونه كان مكشوفاً من كل الجهات للقناصين المتمركزين في الأبنية العالية. بعد الحرب، وحين أراد الناس اعادة اعمار بيوتهم التي هدمت على أطراف المخيم، اشرفتُ شخصياً كجمعية على العملية ووزعنا الحديد لتأسيس الابنية جيداً، كما أردنا أن تكون مرتفعة لأربعة طوابق تحسبا لأحداث مماثلة. لكن بعد ذلك حصلت فوضى، استغلتها اللجان الشعبية وصارت تعطي تراخيصاً مقابل مئة دولار لكل من يريد زيادة الطوابق، دون مراعاة قدرة الاعمدة الأساسية على التحمل. ثم انتشرت أبنية من دون أعمدة أساس اصلاً، وهي اليوم آيلة للسقوط". وتضيف أم نادر، أنه "فضلا عن ذلك ولارتفاعها الكبير حجبت تلك الابنية الشمس من كل الجهات، فعششت الرطوبة بالبيوت لدرجة انها تنقِّط في الداخل، وعندما نرفع الفرش عن الارض تكون مبللة بالماء. تصوري. لذا استشرى الربو بين القاطنين. ولغياب الشمس وضيق المكان انتشرت أمراض الاكتئاب والضغط والسكري". ثم تضرب مثلاً "حين أكون في مركزنا بالمخيم، أظن ان الجو في الخارج ماطر، لكني افاجأ حين أخرج بأن الجو مشمس". هي "تمطر" فقط داخل بيوت المخيم.
لكن للمناطق العشوائية سيئات أخرى تقليدية كتراكم النفايات وانتشار الحشرات، اضافة للآفات الاجتماعية كالبطالة والعنف والمخدرات وربما الدعارة، فما أهمها هنا؟
يسارع زياد حمو الى الرد: "البطالة". ثم يشرح "العاطل عن العمل سيبحث عن أي مصدر للنقود. استطراداً من الممكن ان يكون هذا المصدر اي شيء".
يؤكد جمال الهنداوي بدوره على مشكلة البطالة. يقول "هناك بعض العنصرية التقليدية التي لها علاقة بالبطالة المتزايدة نظراً للمنافسة الشديدة وضآلة فرص العمل. قبل الأزمة كان عملي، كمعلم جلي بلاط، قليل، نظراً لضغط المنافسين السوريين في قطاع البناء. ولكن بعد الأزمة السورية انعدم العمل تماماً. أنا لم اضرب ضربة واحدة منذ 5 سنين مثلاً. وقد احتدمت المنافسة اليوم حتى بين السوريين القدامى في لبنان وبين اخوانهم من النازحين الجدد، لدرجة أن القدامى صاروا يشتكون من أن النازحين الجدد "ما خلولنا شغل". الكثير من الناس غيروا مهنهم بسبب هذا الموضوع".
البطالة وضيق أفق المستقبل والسكن الظالم، أليس من البديهي السؤال عن انتشار المخدرات؟ لا ينفي حمو أن مشكلة المخدرات "موجودة ولكن ليس بالحجم الذي يتداوله الاعلام". نقول له ان هذا ما قاله منذ سنتين في مقابلة: الم يتغير الوضع؟. يجيب "هناك مشكلة لا شك، ولكن الرؤوس الاساسية قامت بتصفية بعضها البعض". وبالتالي، ألم يرثهم أحد؟ يجيب "بلى: كان هناك شخص مثلا يستدين حتى السيجارة ولكنه يملك اليوم ثلاثة بيوت في المخيم. هذا مثلً، كان مغطّى بأحد التنظيمات. لكني تحدثت أمس تحديداً الى احد المسؤلين الأمنين بشأنه وسيحل أمره قريبا".
لكن بالدخول الي المخيم ومقابلة بعض أهله، تبين ان المشكلة أكبر بكثير.
تقول سيدة قابلناها هناك أن بيع وتعاطي المخدرات صار علنياً في شاتيلا. تقول ذلك عن معرفة، فزوجها كان يتعاطى. تقول انه «"في شارع اريحا يدخنون الحشيش علناً. يبيعون المخدرات علناً. رأيتهم بعيني. أسكن على مقربة منهم. نرى السيارات الغريبة تأتي وتتوقف عند مدخل الزاروب ومن فيها يطلبون: اعطني بعشرة آلاف ليرة أو بعشرين. مساء لا تستطيعين المرور من الزاروب بسبب الرائحة. زمان كان في خجل، اليوم حتى أنهم لا يخجلون. حتى زوجي كان يدخن في الخارج لانه كان يستحي أن يدخن أمامي. تجدين قناني السيمو (دواء للسعال) مكسرة في الزاروب. وجدت مرة حبوب ترامادول مع زوجي. هناك انواع كثيرة اخرى مثل سيلفيا والفراولة وباز، اضافة الى الكوكايين والهيرويين". كوكايين وهيرويين؟ لكنها ليست مخدرات رخيصة الثمن! تقول "ابن جيراننا كنا نسمع صراخه حين يكون بحاجة، يصبح صوته مثل صراخ الحيوان ويخيف الاولاد. معاشه كله يصرفه على الكوكايين".
هناك استفحال للبناء العشوائي وانعدام لقوانين السلامة فيه، ففي الماضي كان مهندسو وكالة الأنروا يشرفون على البناء ووضع الأساسات وفق خارطة. 70 في المئة من بيوت المخيم كانت أرضية. اليوم، لرؤية الجبل يجب الصعود الى الطابق الثامن..
"مخيمنا هنا غير مغلق"، يقول زياد حمو، ويضيف "الدخول والخروج منه حر. أي لا حراسات من أي جهة من جهات مداخله: لا من مدخل صبري حمادة ولا من محطة المقداد ولا مدخل أرض جلول ولا مدخل الانروا ولا مدخل المزبلة الأساسية باتجاه المقبرة الجماعية"(6)!
"مدخل المزبلة الاساسية"! يا للهول. هناك مدخل باسم الزبالة! نذهب لتفقد المكان فيتبين انها أدهى من مزبلة: هي مركز ضخم لفرز الزبالة. هنا يصب كل الذين نشاهدهم في الشوارع ينقّبون في مستوعبات القمامة، لتفريغ محصولهم. المساحة كبيرة جداً، والرائحة والوسخ والخردة تملأ المكان. تمطر بشدة، فتجري سواقٍ من "عصير الزبالة" باتجاه المخيم الذي يقع، فعلاً هذه المرة، على أرض منخفضة عن مركز الفرز. ربما هو اليأس من النظافة بوجود هذا المكان ملاصقاً للمخيم الذي يجعل الناس تهمل أكوام النفايات في أزقتها الضيقة تحت أنوف شبابيكها؟
نسأل جمال "اليس المفروض ان الانروا تقوم برفع الزبالة؟". يجيب ان مشكلة الانروا كونها "تشتغل على مقاييس موحدة في كل الاماكن دون الأخذ بخصوصية بعضها". ويشرح "في مقاييسها مثلاً لكل ألف شخص طبيب، و7 موظفين يزيلون النفايات الخ.. بالطبع التعداد المعتمد عندها هو للاجئين المسجلين لديها. بالنسبة لشاتيلا هناك تقدير أن الفلسطينيين - اللبنانيين لا يتعدي عددهم 6 الآف. خدمات الانروا هي لهؤلاء الستة آلآف، لكن من يرمي الزبالة هم25 الفاً يسكنون المخيم. اضيفي الى ذلك عدم التقيد بساعات رفع القمامة. ما أدى الى ظهور أنواع جديدة من الحشرات البيتية كالصراصير الكبيرة والجرذان، وتكاثف أسراب الذباب والناموس بشكل غير مسبوق".
ويشتكي جمال من ان المشكلة في ضبط "الضيوف" هي انه لا رأس لهم. عكس الفلسطينيين أبناء المكان. واللجان الشعبية؟ الا تستطيع أن تفرض نظاماً؟ يجيب: "اللجان زي لبنان ما حدا قادر يفرض شي. نحن جزء من هذا المجتمع. ولدت وربيت هنا. هذا النمط من السلوك "أصبحت أفكر مثله".
"ستسافرون ولأي حُلم؟"
22-04-2014
ولكن، هل هذه هي كل مشاكل سكان العشوائيات؟ بالطبع لا. هناك التحرش وهناك العنف. بالأمس، قتل فلسطيني سورياً في المخيم بطعنة خنجر. الفلسطيني كان قد تلقى طعنتين من القتيل إثر خلاف على طلب بإقفال شباك لتمديد أسلاك كهربائية. السوري اغلظ في الكلام للفلسطيني، فما كان من الأخير الا ان قفز ليتعارك معه، فعاجله السوري بطعنتين، فما كان من المطعون إلا أن أخذ الخنجر من يده وسدد طعنة قتلت السوري! المفاجئ أن الاثنان كانا، كما قدر بعض الشهود، تحت تأثير المخدرات. هذا غيض من فيض.
تتلقى النساء والأطفال الحصة الكبيرة من العنف في المخيم كونهما الحلقة الأضعف، إضافة للعنف المعنوي الذي يتعرض له كل سكان المخيم بسبب ظروف السكن غير اللائق بالبشر. لكن النساء، كما تقول ماجدة جواد يسكتن غالباً "شفقة على أزواجهن وظروفهم المعيشية الصعبة من جهة، وخوفاً من هروب الاولاد الى الشارع المخيف".
عن العنف والمخدرات، يؤكد زياد حمو مسؤول اللجنة الشعبية في شاتيلا أنها موجودة ولكنها، نسبة لبقية المخيمات، متدنية. لا أعلم إن كان هذا التصريح، بعد كل ما شاهدناه في مخيم شاتيلا المنكوب فعلاً، مدعاة للارتياح. لكن قريبة لقاتل السوري التقيناها هناك قالت لنا أن عناصر الشرطة في المخفر الذي أعتقل قريبها قالوا لها التالي: "هناك صيت بأن مخيم عين الحلوة هو الأسوأ بين مخيمات لبنان كلها، لكن في الحقيقة المخيم الأسوأ بينها هو مخيم شاتيلا". في الحالتين، لا يمكنك إلا ان تشعر بالغضب لحال المخيم الذي يتعرض اليوم لمجزرة ربما أبشع من المجزرة الشهيرة التي ارتكبت بحق أبنائه من قبل إسرائيل وميليشياتها.
ينشر بالاشتراك مع "متراس"
_______________
1- كان يحق للفلسطيني التملك وفق مرسوم صادر في العام 1969 الا انه جرى تعديله العام2001 . ونص القانون الجديد رقم 296 على انه "لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص اذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين".
2- مخيم تل الزعتر كان يقع شمال شرق العاصمة بيروت ودمر العام 1976 بمجزرة شهيرة بعد حصار دام 52 يوماً من قبل الميليشيات المسيحية اليمينية اللبنانية وقوات النظام السوري المساندة لها، ويقال ان اهله أكلوا لحوم الكلاب ومات بعضهم عطشاً. راح ضحية مجزرة تل الزعتر ما يقارب الالفي شخص.
3- مخيم النبطية جنوب لبنان، دمره القصف الاسرائيلي العام 1974.
4- ميليشيات اليمين المسيحي اللبناني حيث ارتكبت فيه مجزرة مطلع الحرب الأهلية ذهب ضحيتها أكثر من 200 شهيد.
5- برغم مرور 12 عاماً على الاشتباكات التي دمرت المخيم الاشهر شمال لبنان، وكانت بين الجيش اللبناني وتنظيم "فتح الاسلام" العام 2007، لا يزال العديد من أهالي المخيم لاجئين خارجه بانتظار اكتمال اعادة اعمار بيوتهم المدمرة.
6- المقبرة الجماعية لمجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها ميليشيات اليمين اللبناني باشراف جيش الاحتلال الاسرائيلي العام 1982.