أعاصير سقطرى: تحالفات الضرورة اليمنية تبلغ نقطتها الحرجة

تكشف الأزمة الاخيرة في سقطرى "سيولة" الساحة اليمينة، ما يؤدي الى صراعات سياسية وعسكرية متلاحقة، وتبدل في التحالفات وفي تحديد المصالح، وضبابية في المشهد تزيد من استعصاء بلورة حل للوضع القائم.
2018-05-29

شارك
شجرة دم العنقاء وتعرف أيضاً باسم شجرة دم الأخوين، وهي شجرة نادرة تتواجد في جزيرة سقطرى اليمنية

دون أي مقدمات، قفزت الجزيرة الساحرة والمنسية في البحر العربي الى صدارة الاهتمامات السياسية والاعلامية، باعتبارها رمزاً "للسيادة اليمنية"، وضحية للتجريف البيئي و"الاطماع التوسعية" من قبل دولة الامارات العربية المتحدة، أو دولة "الاحتلال" مثلما وصفتها مصادر حكومية لوسائل إعلام دولية.

وعلى مدار أسبوع كامل، حبست الاوساط السياسية اليمنية والخليجية أنفاسها لمراقبة التصعيد الحكومي في وجه أبو ظبي. ونظراً لما تحظى به الجزيرة من أهمية جيوستراتجية ومن قيمة بيئية، ولما ألقي عليها مؤخراً من حمولة ايديولوجية، فقد رد البعض نشوب أزمتها إلى حالة من "اليقظة الوطنية" التي نزلت فجأة على الشرعية، بينما جادل آخرون بأن جوهر الصراع يتصل بأهمية الجزيرة بذاتها، لا باعتبارها جزءاً - فرعياً - من رقعة الشطرنج اليمنية. وراجت رهانات بأن مآلات هذا التصعيد ستؤسس لتحوّل جوهري في صيغة العلاقة التي تجمع الشرعية اليمنية بدول التحالف العربي.

إنقضى اليوم شهر على الأزمة، ودخلت الجزيرة نكبتها الكبرى بسبب الأعاصير الطبيعية.. أما قنابل الدخان السياسي فقد انجلت لتكشف تهافت معظم الحجج السابقة. فأزمة سقطرى لم تكن نقطة تحول جذري في الصراع، كما صوّرها الصخب الإعلامي المرافق لها، بل هي ببساطة جولة جديدة من المواجهات البينية في جبهة المناوئين للحوثيين. وهي في عمقها أزمة كاشفة لمعضلة حقيقية، لا تتصل بالسيادة اليمنية أو بالأطماع الاماراتية (لأن مفاهيم كهذه لا تنتمي الى واقع الصراع اليمني في لحظته الراهنة)، وانما تسلّط الضوء على مسألتين محوريتين: هشاشة التحالفات التكتيكية التي فرضتها الأزمة اليمنية والتي استحالت لاحقاً الى خصومات علنية زادت من تعقيد الصراع، وتراجع فاعلية القوى المحلية نتيجة ما يعتريها من ضعف بنيوي أمام الحسابات الاقليمية التي أصبحت تتحكم بمسار أي صراع داخلي، فيما يقبع دور اللاعبين اليمنيين عند الحدود الدنيا، أي اشعال فتيل الأزمة من دون التحكم بمآلاتها.

إن مقاربة الصراع الأخير حول سقطرى يقتضي أولاً تحديد طبيعة التنافس الاستراتيجي على موقعها الحيوي في البحر العربي والمحيط الهندي. فالجزيرة تندرج دولياً ضمن خارطة النفوذ الأميركي وذلك بفعل موازين القوى العالمية، قبل ان يكتسب نفوذ واشنطن غطاء سياسياً أكبر في العام 2010 بعد لقاء "صالح - بتريوس" الذي منح الولايات المتحدة امتيازات استثنائية في الجزيرة مقابل زيادة دعمها العسكري لليمن. وقد أفادت مصادر صحافية أميركية أن ذلك الاتفاق بين الرئيس اليمني السابق وقائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، تضمن البدء ببناء قاعدة عسكرية لم تكتمل حتى الآن، لكن واشنطن شاركت في بناء مطار الجزيرة المدني الذي يصلح ايضاً لتأدية بعض الوظائف العسكرية. أما إقليمياً فقد اشتد التنافس الثنائي بين الدوحة وأبو ظبي منذ نهاية العام 2011، لكنه اقتصر على "أدوات ناعمة" كالجمعيات الخيرية والرحلات الجوية والمشاريع التنموية والزيارات الأميرية. وأما بعد "عاصفة الحزم" فازدادت المنافسة خشونة وإن بقيت تحت المظلة السعودية، قبل ان يتحول التنافس الى صراع سياسي وتشهير إعلامي عقب اندلاع الأزمة الخليجية.

مقالات ذات صلة

أما الزاوية الثانية فتتعلق بسياق وحيثيات ومآلات الأزمة الاخيرة بين الشرعية وأبو ظبي، وجوهر التناقضات التي أدت الى تعميق الانقسامات داخل الحالة اليمنية وتحول الصراع الذي كان ثنائياً ومحلياً الى صراع متعدد يتداخل فيه المحلي والاقليمي وتتوزع ساحاته غرباً وشرقاً.

تصدّع تحالفات الضرورة

"إنقضّوا أو إنفضّوا"، هكذا وصف محمد حسنين هيكل دعوة الملك سلمان بقية الدول العربية للاشتراك في عمليات "عاصفة الحزم"، حين بدا واضحاً ان القرار السعودي لم يعد قابلاً للأخذ والرد، ذلك انه لم يكن وليد رغبة ذاتية مضمرة أو مخطط استراتجي متكامل، بل كان ردة فعل عاجلة لمجاراة المتغيرات اليمنية الداهمة عقب إنقلاب الحوثيين وتمددهم عسكرياً الى عدن، ولتثبيت التغيرات السعودية المتعلقة بانتقال السلطة من الملك عبد الله الى الملك سلمان، ومعه فعلياً من جيل الابناء الى جيل الأحفاد.

وقد حافظ الحضور العربي على نفسه في حدود التأييد السياسي والاعلامي، أو المشاركة العسكرية المحدودة.. باستثناء دولة الامارات العربية المتحدة والتي بدت جاهزة سياسياً وعسكرياً ومالياً للمضي حتى النهاية في النهج السعودي، بما رفعها الى مرتبة الشريك الاستراتيجي الذي لم يأتِ ليحزم حقائبه ويعود في اليوم التالي، ولكنه سيشترك في رسم مستقبل الصراع اليمني.

بيد أن هذه الشراكة لم تخلق بدورها رؤية استراتيجية مشتركة، وذلك بسبب محدودية الخبرة الخليجية في هذا النمط من الصراع، ولما تحفل به البيئة اليمنية من غموض وتعقيد وتقلب.

تكشف أزمة سقطرى هشاشة التحالفات التكتيكية التي فرضتها الأزمة اليمنية، والتي استحالت لاحقاً الى خصومات علنية زادت من تعقيد الصراع، وتراجع فاعلية القوى المحلية نتيجة ما يعتريها من ضعف بنيوي أمام الحسابات الاقليمية التي أصبحت تتحكم بمسار أي صراع داخلي، فيما يقبع دور اللاعبين اليمنيين عند الحدود الدنيا، أي اشعال فتيل الازمة دون التحكم بمآلاتها.

قدمت الرياض مطلع الحرب لأبو ظبي ضمانات سياسية قوية تمظهرت داخل "السلطة الشرعية" تُعزز بها حالة التوازن السياسي والعسكري بين دول "التحالف العربي" من جهة، وبين حلفاء الحرب المحليين من جهة اخرى. وفي هذا السياق، جاء تعين خالد بحاح نائباً لرئيس الجمهورية الى جانب منصبه كرئيس للوزراء، وتولت شخصيات سياسية تنتمي للحراك الجنوبي مقاليد السلطة المحلية في المحافظات الجنوبية المحررة. لكن هذه الضمانات اهتزت بقوة بعد مرور عام من الحرب، وإصدار الرئيس هادي حزمة قرارات أقال بموجبها خالد بحاح من منصبيه، وعين علي محسن الأحمر نائباً للرئيس والدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيساً للوزراء.

نجح هادي بتغيير قواعد اللعبة لإضعاف النفوذ السياسي الاماراتي الذي كان يتمدد على الارض، وبالمقابل عمدت أبو ظبي الى دعم قوات أمنية وعسكرية رديفة للشرعية، اشتركت بعمليات مكافحة الارهاب. بل هي ذهبت أبعد من ذلك، بالاشتراك في عمليات "الرمح الذهبي" (كانون الثاني/ يناير 2017) التي استهدفت تحرير الساحل الغربي وصولاً الى ميناء المخاء.. وهي بذا واجهت الاقصاء السياسي من الحكومة بإقصاء الشرعية من التواجد العسكري في الساحل التعزي.

تغيير قواعد الاشتباك هذه المرة حوّل التنافس الى صراع، اولاً من خلال تعديل ميزان القوى باستدعاء قوات عسكرية مرابطة في صعدة ونجران الى عدن وضمّها الى قوات الحرس الرئاسي، وثانيا بإقالة ما تبقى من حلفاء الإمارات الوازنين في الحكومة أو السلطات المحلية. وعليه فقد تكتل حلفاء أبو ظبي السلفيين والانفصاليين في كيان سياسي جديد سُمي "المجلس الانتقالي الجنوبي" برئاسة عيدورس الزبيدي، وتحوّلت القوات الرديفة للشرعية الى سلطات موازية في المحافظات الجنوبية.

وكان من المحتمل أن تتطور حالة الاستقطاب المحلي بين "الحراك الجنوبي" و"السلطة الشرعية" الى خلاف حاد بين الرياض وأبو ظبي لولا ان الساحة الاقليمية شهدت حدثين محوريين ساهما بتبريد الأجواء وتعزيز التفاهمات المشتركة، هما: صعود محمد بن سلمان الى ولاية العهد واندلاع الأزمة الخليجية مع الدوحة. وعليه دخل الصراع اليمني في حالة من الجمود او الستاتيكو العسكري والسياسي حتى نهاية العام 2017، وهدأت فيه المواجهات الثنائية بين "الشرعية والانقلاب"، لكن التناقضات البينية داخل كل جبهة ظلّت تتفاعل الى ان انفجرت وأعادت تشكيل المشهد.

تحالفات ما بعد صالح

مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على يد حلفائه الحوثيين في صنعاء أدخل تغييرات هامة على خارطة التوازنات المحلية، وفرض على جميع الاطراف مراجعة حساباتها. وفي مقدمة تلك الاطراف أبو ظبي التي لطالما اعتبرت صالح "حليفاً مفترضاً" في الشمال وراهنت على انقلابه على الحوثيين. وبعد أيام من مقتله، كان متوقعا ان تتجه الامارات للانفتاح على "حزب الاصلاح" (الاخوان المسلمين) والرئيس هادي، وهذا الانطباع عززه لقاء "جدة" الذي جمع الشيخ محمد بن زايد بأرفع قيادييَن إصلاحيين تحت رعاية الامير محمد بن سلمان.

لكن هذه الخطوة لم تكن أكثر من مناورة إماراتية لالتقاط الأنفاس عقب ما تجرّعته من خساره، واختارت أبو ظبي السير في الطريق الأصعب واعادة إحياء تركة صالح السياسية (عبر ابنه أحمد وقيادات "المؤتمر" الموالية له)، وعسكرياً (من خلال ابن أخيه طارق الذي جمع قوات الحرس الجمهوري في عدن وأسس ما عرف بـ"قوات المقاومة الوطنية" ويبلغ حالياً قوامها 15 ألف مقاتل).

وهكذا استولدت التصدّعات البينية داخل جبهتي الصراع ثلاثة معسكرات مختلفة، اثنان منها تحت رعاية دول "التحالف" والثالث معادي لها:
1- معسكر المحتكرين لـ"الشرعية": يمثله الرئيس هادي وحزب الاصلاح، ومرجعيته الرياض.
2- معسكر المقصيين من "الشرعية": يتكون من "المجلس الانتقالي الجنوبي" والقوات الموالية لطارق، وهو مدعوم إماراتياً ويلبي أهداف التحالف ايضاً.
3- معسكر المنقلبين على "الشرعية": ويستفرد به الحوثيون حالياً في صنعاء وهو يوالي طهران.

مقتل الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح على يد حلفائه الحوثيين في صنعاء أدخل تغييرات هامة على خارطة التوازنات المحلية، وفرض على جميع الاطراف مراجعة حساباتها. وفي مقدمة تلك الاطراف ابوظبي التي لطالما اعتبرت صالح "حليفاً مفترضاً" في الشمال وراهنت على انقلابه على الحوثيين.

زادت خارطة القوى الجديدة حدة الاستقطاب بين ممثلي الشرعية وحلفاء أبو ظبي في اتجاهين: أولاً التنافس على تقاسم السلطة داخل "المدن المحررة". وقد بلغ هذا الصراع ذروته في كانون الثاني / يناير الماضي حينما صعّد "المجلس الانتقالي الجنوبي" ضد حكومة بن دغر مطالباً بإقالتها. وتطور التصعيد السياسي الى اشتباكات مسلحة استمرت ثلاثة أيام، وتمكّنت خلالها مجاميع "الانتقالي" من محاصرة "قصر المعاشيق" محل اقامة الحكومة. غير ان الوساطة السعودية والضغوط الاماراتية أوقفت المواجهات التي لم يستفد منها "الانتقالي" سياسياً لكنه نجح عسكرياً بخفض التواجد المسلح للشرعية، وعدّل موازين القوى بحيث انتهت الجولة الاولى من الصراع لصالحه ميدانياً. وقد مثل ذلك للإمارات خطوة إيجابية لتجنب تداعيات سياسية أو عسكرية في عدن جراء دخول طارق صالح على خط المواجهات، وعدم تكرار سيناريو العام المنصرم، حين صعّدت الشرعية عسكرياً وسياسياً في العاصمة المؤقتة لتفرض معادلة جديد مفادها "عدن مقابل المخاء".

وفي اتجاه آخر، نشّطت المعارك المستعرة بين الحوثيين من جهة وبين القوات المدعومة من التحالف، حدة التنافس غير المباشر بين الشرعية وحلفاء أبو ظبي حول مكاسب "عملية التحرير"، لاسيما مع تقدم قوات طارق و"لواء العمالقة" جنوب محافظة الحُديدة وغرب محافظة تعز. وخلال الشهر المنصرم بلغ الصراع ذروته في تعز حين قرر "الاصلاح" الحشد سياسياً وجماهيرياً للتظاهر ضد طارق صالح باعتباره المسؤول عن قتل "شهداء الثورة". وحالياً تشهد المدينة توتراً أمنياً وعسكرياً بين المجاميع الموالية للإمارات والوحدات العسكرية التابعة للإصلاح. وبعكس عدن، فإن الجولة الثانية من الصراع في تعز لم تُحسم بعد لمصلحة أحد، لكن نتيجية التعادل جاءت بطعم الخسارة بالنسبة لـ"حزب الاصلاح".

سقطرى.. جولة ثالثة من الصراع

جاءت زيارة المبعوث الاممي، الذي التقى بمعسكر "المقصيين"، لتمنح أبو ظبي وحلفاءها اعترافاً ضمنياً أثار حفيظة الحكومة الشرعية ونشاطها. لذا قرر رئيس الوزراء احمد عبيد بن دغر، الذي غادر العاصمة المؤقتة بعد أيام من محاصرته في مقر إقامته في عدن، العودة اليها نهاية شهر نيسان / ابريل الماضي، ليبدأ جولة في محافظة أبين ثم محافظة حضرموت وصولاً الى جزيرة سقطرى التي أطال الإقامة فيها. وتزامن ذلك أيضاً مع زيارة قام بها نائب رئيس الجمهورية علي محسن الاحمر الى محافظة مأرب، ومن هناك عمل على لقاء عدد كبير من المسؤولين، وكذلك الشخصيات العامة الحضرمية.

خلال السنوات الفائتة، جرى تحييد سقطرى عن تداعيات الصراع البيني، وسادت حالة من المساكنة بين الشرعية والإمارات بخصوص الجزيرة استقامت على ركيزتين: اولاً اقتصار الدعم العسكري الاماراتي في الجزيرة على المؤسسات الرسمية من خلال اللواء الأول مشاة بحري، وعدم تشكيل أي قوة موازية، وثانياً منح أبو ظبي أفضلية التواجد الجيوسياسي في الجزيرة في إطار مهامها ضمن قوات "التحالف العربي"، وكذلك من خلال أدواتها الناعمة بالجزيرة. لكن هذه العلاقة اهتزت بفعل الهواجس التي رافقت زيارة رئيس الوزراء اليمني.

قرأت أبو ظبي زيارة بن دغر على أنها محاولة لنقل الصراع من المركز إلى الأطراف ومن الغرب الى الشرق، وهي ترى من واقع تجربتها أنه ثمة مساعي لفرض معادلة جديدة مفادها "سقطرى وحضرموت مقابل تعز والحديدة". وبحسب بيان الحكومة اليمنية، فان دولة الإمارات استجلبت مزيداً من المعدات العسكرية الى المحافظة، وهو ما زاد من توتير الأجواء، ولعلها أرادت استباق أي تصعيد سياسي من خلال تعديل موازين القوى العسكرية، خصوصا وأن حلفاءها في سقطرى أضعف من بقية المحافظات الجنوبية.

نجح بن دغر بدفع الصراع الى حافة الهاوية مستغلاً ضعف الموقف السياسي الإماراتي، وعمد الى استحضار وساطة سعودية لتسوية الاوضاع لمصلحته. لكن شركاءه في الشرعية عملوا على توجيه الصراع نحو الهاوية من خلال تسريبات إعلامية تصف التواجد الإماراتي بالاحتلال وتشير الى نية الرئيس هادي الغاء المشاركة الاماراتية في صفوف "التحالف العربي"، وهو ما زاد التأزم.

وقد أدت اطالة عمر الازمة بعد فشل الوساطة السعودية الاولى الى دخول أطراف جديدة للاستثمار في الصراع، منها الدوحة التي أخذت سقطرى نقطة ثابتة في وسائل إعلامها، وكذلك أنقرة التي أصدرت بياناً رسمياً عن وزارة خارجتيها لتأييد الشرعية ومهاجمة الإمارات.. التي حاولت بدورها تحسين موقفها السياسي من خلال حلفاءها في "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذين قاموا بحشد مئات المتظاهرين لتأييد أبو ظبي، وذلك بعد أيام من حشد "الاصلاح" عشرات المتظاهرين لتأييد الحكومة.

وبعد أيام من الشد والجذب نجحت الوساطة السعودية اخيراً بنزع فتيل النزاع وانهاء أي وجود عسكري مستحدَث من الإمارات، مقابل تهدئة لهجة الحكومة الشرعية. وبتعبير بن دغر "لم ينتصر أحد، ولم ينهزم آخر، بل انتصرنا جميعنا، واتفاقنا يقضي بعودة الأمر الى ما كان عليه".

اذاً انتهت الجولة الثالثة أيضا بالتعادل. إعلامياً هو بطعم الفوز للشرعية، وعملياً لا يبدو بطعم الهزيمة للإمارات، ذلك ان موقعها لم يهتز في الجزيرة، لكنها ستبقى برعاية سعودية تدير التوازنات وتحل الخلافات. كما ان الشرعية لم تقايض سقطرى مقابل عدن، لذا فان رئيس الحكومة مرّ الى العاصمة المؤقتة بضع ساعات فقط ومن ثم عاد الى الرياض. والجلي ان بن دغر كان محترفاً في إدارة خلافات الحكومة اليمنية مع الامارات، وعمل على تبريد الاجواء عندما رأى ان الازمة تكاد تحيد عن السكة. بيد ان المنظومة التي يعمل من خلالها تظل حافلة بالضعف والتناقض، وهي عاجزة عن إصلاح جوهر المشكلة المتعلق بشكل وطبيعة التحالفات. ومن منظور بن دغر فان "التحالفات وحدة في الاهداف، وشراكة في القول والفعل، وتكافؤ في الفرص".. ولا شيء من هذا ينطبق على وضع الشرعية مع قوى الداخل أو الخارج.

في الاخير، لم يتجاوز تصعيد الشرعية السياسي مربع التشهير اولاً ثم تطييب الخواطر لاحقاً، وذلك يعود الى عاملين رئيسيين:

أولاً، ان "السلطة الشرعية" لم تعد كذلك إلا صورياً، فهي فقدت عمليا مشروعيتها جراء عمليات الإقصاء التي مورست بحق بقية المكونات، واحتكارها من قبل طرف بعينه أفقدها عنصري الفاعلية والمصداقية. وليس من المصادفة ان تقف جميع الأحزاب السياسية التي هي جزء من "عملية الانتقال السياسي" (الاشتراكي، الناصري، تيار واسع من المؤتمر) ضد إجراءات التصعيد الاخيرة. وبمعنى آخر، فإما أن يتم ترميم وإصلاح الشرعية سياسياً او أنها ستظل "شرعية حزب الاصلاح" بنظر بقية القوى السياسية. كما ان السلطة تعاني من عجز بنيوي نتيجة الفساد والترهل وغياب الكفاءة.

أما العامل الثاني فيتعلق بحجم التوافقات السعودية - الاماراتية اليوم والتي تتغلب على أي خلافات جزئية تتعلق بالملف اليمني. إن دور اللاعبين الاقليمين بات أكثر محورية من دور القوى المحلية، لاسيما في ضبط مآلات أي صدام. وقد تجلى ذلك اولاً في مواجهات عدن.. وها هو يتكرر في سقطرى، ولا يستبعد ان يحصل أيضاً في تعز.

ينشر النص بالاشتراك مع "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية"

مقالات من اليمن

تحوُّلات العاصمة في اليمن

يُعدّ الإعلان الرئاسي عن نقل العاصمة الى "عدن"، في معناه القانوني، إجراءً رمزيّاً، لأن نقل العاصمة يقتضي إجراء تعديلات في الدستور اليمني، الذي لا يزال ينص على أن مدينة "صنعاء"...