عائشة تيمور، زينب فواز، ملك حفني ناصف، نبوية موسى (وغيرهن كثيرات)، نساء من "ربّات القلم"، ناضلن بأقلامهن، وكثيرا ما اقترن ذلك بعمل على الأرض. وكان ذلك مع نهايات القرن التاسع عشر. ومما له دلالة كبيرة أن القضايا نفسها لا تزال هي المطروحة في النقاش في المجتمعات المسلمة: القوامة، المساواة، عمل المراة..
هذه مجموعة أبحاث تناولت بعضاً من تراث رائدات النهضة النسائية العربية الذي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. هنّ بالترتيب التاريخي: عائشة تيمور، زينب فواز، ملك حفني ناصف، نبوية موسى...
هؤلاء النساء من "ربّات القلم"، اللاتي ناضلن بأقلامهن، وكثيراً ما اقترن ذلك بعمل على الأرض أيضا، من خلال تأسيس مدارس لتعليم البنات (نبوية موسى) أو الانخراط في جمعيات وأنشطة نسائية (كما فعلت مَلَك على سبيل المثال)، من أجل الارتقاء بأوضاع المرأة ورفع المظالم عنها. وقد كنّ واعيات بدور الكتابة والنشر في تغيير الواقع ونشر الوعي، فقد كتبت زينب فوّاز في معرض حديثها عن عمل المرأة وأهميته لأسرتها ولمجتمعها "أمّا المؤلِّفة ففضلها عظيم ونفعها عميم".
وتكشف أعمال هؤلاء النساء عن أن المرأة – على الرغم من شروط ذلك العصر - لم تكن غائبة عن نقاش قضاياها والدعوة لإصلاح أوضاعها منذ البداية. ولم يقتصر حضورها على ردّة الفعل، بل كانت سبّاقة ورائدة في هذا السياق. فبينما صدر كتاب "تحرير المرأة" لـ قاسم أمين عام 1899، نجد عائشة التيمورية تنشر رسالتها "مرآة التأمل في الأمور" عام 1892، وزينب فوّاز تنشر موسوعتها "الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور" عام 1894/1895، ومن قبل كانت تنشر آراءها في العديد من الصحف.
النقطة الثانية أن تراث هؤلاء النساء يفنّد الادعاء المكرّر إلى حد الملل الذي دائماً ما يواجَه به كل من يجمع كلمتي "قضية" و"المرأة" في جملة واحدة! الادعاء بأن إثارة هذه القضية مرتبط بالغرب وضدّ ثقافة المجتمع، إن لم تكن نوعاً من المؤامرة. بينما نجد هؤلاء النساء ينتقدن الغرب ويؤكدن استقلال ثقافاتهن في مواجهته، وإن لم يمنعهن ذلك من الإفادة منه، والمقارنة بين منجزات المرأة هناك ونشاطها في خدمة مجتمعها وما تحظى به من احترام وتقدير، وخمول المرأة هنا وانتقاص حقوقها وقدرها.
ويلفت نظرنا حينما نعود لما كتبته هؤلاء النساء أن القضايا نفسها لا تزال هي المطروحة في النقاش في المجتمعات المسلمة: القوامة، المساواة، عمل المرأة... ويدهشنا الرؤى التقدمية التي عبرن عنها، وقد عشن وكتبن قبل قرن وربع قرن!
وقد أنجزتْ هذه الأبحاث ونُشِرت خلال الفترة من أيلول/سبتمبر 2016 وحتى أيار/مايو 2017 على صفحات باب "تراث" بجريدة الحياة اللندنية (*) التي توقفت عن الصدور، وحتى أرشيفها الإلكتروني لم يعد متاحاً، ومن هنا تأتي أهمية إعادة نشرها – بإضافات معتبرة إلى معظمها - كي تكون في متناول القرّاء والباحثين، ولكي يبقى تراث هؤلاء النساء في النور، وهو جدير بذلك.
- زينب فواز التي أسمت نفسها "حاملة لواء العدل"
- السفور والحجاب واستبداد الرجال في نسائيات مَلَك حفني ناصف
- "المرأة والعمل" عند نبوية موسى: الكتاب والنموذج
- عائشة التيمورية ومحاولة رائدة لقراءة النصّ الديني من منظور نِسْويّ
- على خطى عائشة التيمورية: مفهوم "القوامة" في فكر مثّقَّفات مسلمات معاصرات
(*) باستثناء مقال "نبوية موسى" المنشور في موقع مجلة "ميم" الإلكترونية في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. وقد حذف أرشيفي كاملاً، لذا نعيد نشر هذا النص.