دون قاع منظور، تتدهور الظروف المأساويّة التي يعيشها الوطن العربي، فتُغيّب فلسطين بين من ينتهز رمزيّتها لتعزيز مواقف رجعيّة قمعيّة، ومن ينتهز الظرف الإقليميّ للتحالف مع إسرائيل وتصفيها. ومع هذا، لا يُمكن لفلسطين أن "تُنقَذ" من خلال تقديسها فوق الخراب، ولا النأي بها "وتطهيرها" من مسار التاريخ الوحشي، بما يحمله من تكسّر لمجتمعاتنا العربيّة. فالأجدر تثبيت فلسطين، وتثبيت نكبتها، في مركز التفكير السوسيولوجي والثقافي العربي، والتأصيل والاحتواء المتبادل بين قضايا الوطن العربي وقضايا فلسطين، إبرازاً للوحدة العضويّة الطبيعيّة في الماضي والحاضر والمستقبل وتشديداً عليها.
من هنا ينطلق ملف "السفير العربيّ" في الذكرى التاسعة والستّين للنكبة. فهو لا يتعاطى مع النكبة وإسقاطاتها كشأن فلسطينيّ، إنما كشأن اجتماعيّ عربي عام، إذ تنعكس النكبة حتّى اليوم في تشظّي المجتمعات العربية، بسبب العلاقة التاريخيّة بفلسطين، وكذلك لكونه مورس في سياقها استئصال لجزء حيّ وفاعل من المجتمعات العربيّة ــ نقصد العرب اليهود ــ ونزعهم عن سياقهم الاجتماعيّ التاريخيّ (عبد الأمير الركابي)، وهو ما لا زال ينعكس حتى يومنا هذا في الحاضر الثقافي (محمد بنعزيز).
كذلك تحمل مقالات كتّاب الملفّ وكاتباته تحليلات للشأن الاجتماعي الفلسطيني يمكن تطبيقها (بعضها حرفياً!) على مأساة الحاضر العربي عامة: من تحويل التعدّدية المذهبيّة الطبيعيّة إلى تمزّقات طائفية (هشام نفّاع)، وسياسات التقسيم الجغرافي (كوثر قديري)؛ وما يتيحه انهيار الهويّة الوطنيّة من مكانات قانونيّة ــ سياسيّة "أقليّاتيّة" تأسست من باطن النزعات الاستعماريّة في القانون الدوليّ (سهاد بشارة)، وتكوّن الأنظمة جديدة على ظهر المأساة وتراجع الثورات التحرّرية (رازي نابلسي)، وما نشهده من "استهلاك" للمأساة العربيّة بحثياً وثقافياً بدل الانتاج المعرفيّ النهضوي (مجد كيال).. وهذا كلّه بالتأكيد والتشديد على ضرورة استنطاق الناس وذاكرتهم في بحث المأساة والتفكير بها (هنيدة غانم)، لئلا تتفوّق النظريّة على توقنا الإنسانيّ والذاتي للحريّة.
نشر الملف في أيار/ مايو 2017 تحت عنوان "النكبة 1948 بعيون 2017"