لا تخلو المنطقة من الأسباب التي تؤدّي إلى نشأة أو تفاقم الاضطرابات النفسية، ويتعلق معظمها بالأوضاع السياسية. حيث تظل العديد من البلدان العربية (فلسطين وسوريا واليمن والعراق) فريسةً لصراعاتٍ لا تنتهي، تروّع الشعوب وينتقل تأثيرها من جيل إلى جيل. هذا هو الحال أيضاً في ليبيا والجزائر بعد سنواتٍ من الحرب الأهلية، بسبب غياب سياسة مصالحة مُلائِمة. كما يضاعف النزوح الجماعي، كالذي تشهده السودان، من مخاطر الاضطرابات النفسية.
لا يمكننا التكلم عن فانون دون التطرق لتحليله للعنف وسايكولوجيا الاضطهاد، خصوصاً خلال الحقبة الحالية التي يطبعها الدمار والموت. ماذا كان فانون ليقول عن الإبادة الاستعمارية و"سيل القتل" اللذين يحدثان الآن في غزة وفي أماكن أخرى في العالم؟
يبدو بشكل ملموس أن هناك ما يشبه "الانقلاب" الطبقي، ليس فحسب بفعل الإهمال الصريح للشرائح الدنيا المفْقرة بشكل متسارع ومريع، والتي لا يلقى إليها بالٌ أبداً، بل بـ"الانتقام" ممن كانوا طبقة وسطى أو ميسورة في السابق، ويسكنون تاريخياً في تلك الأحياء "اللائقة"، بينما يجري تركيز اهتمام الترفيه والعناية على شريحة محدودة العدد، ونابتة كالفطر، لا تمتلك أي تأصيل أو جذور في تاريخ تلك المدن. وتستدعي هذه الملاحظة الحفر في الواقع،...