الرواية السائدة في الغرب والتي تعتبر اسرائيل البطل والضحية في آن، تمكِّن هذا الغرب من ضرب عصفورين وربما ثلاثة عصافير، بحجر واحد: عبر دعمهم المتطرف للسياسة الإسرائيلية فإن الأوروبيين يفوِّضون لهذه الدولة دوراً - محفوفاً بمخاطر كبيرة جداً - كحارس لمصالحهم في الشرق الأدنى، ويكفِّرون (أو هم يعتقدون ذلك) عن ذنوبهم في المحرقة لقاء مقابل زهيد. وخلف هذا الحجاب من "الفضيلة" يمكنهم أن يُطلِقوا العنان لمكبوتاتهم الكولونيالية من خلال نظرتهم...
على أرض الواقع، تبدو سياسات السلطة المصرية تجاه أهالي سيناء معرقلة لعودتهم إلى أراضيهم بعد عقد دموي، سالت فيه دماء الآلاف منهم وكذلك من أفراد قوات الجيش والشرطة ضمن "الحرب على الإرهاب". ويثير هذا الوضع العديد من الشكوك لديهم في جدية وعود العودة، فقد سبق وتنازلت القاهرة للسعودية عن جزيرتين مصريتين مهمتين استراتيجياً ورمزياً وتقعان ضمن نطاق شبه جزيرة سيناء، هما تيران وصنافير.
الشاب الاسباني (وسواه) مرتزِق حروب، ويقاتل الى جانب اسرائيل، ولكنه أيضاً - كسواه من "المتعاقدين" مع المكاتب التي ترسلهم الى هناك بالاتفاق مع مكتب خاص في وزارة الحرب الاسرائيلية - يتبنى أفكاراً فاشية، تجعل له دافعاً "عقائدياً"!
في مؤتمر صحافي سُئِل العربي بن مهيدي، القائد الأسير من جبهة التحرير الوطني الجزائري، عن أخلاقيات إخفاء القنابل في سلال تسوّق النساء: "ألا تعتقد أنّه من الجبن استخدام سلال النساء وحقائبهن لنقل المتفجرات التي تقتل كثيراً من البشر؟" فأجاب بن مهيدي: "أليس أكثر جبناً أن تلقوا قنابل النابالم على القرى العزلاء، فيسقط من الضحايا الأبرياء ما هو أكثر بألف مرة؟ أعطونا قاذفاتكم وخذوا سلالنا".
كل منطقتنا مصطخبة بالألم والتحدي. كلها تشعر أن فلسطين - وغزة - جزء منها وفيها. كل الأنذال اضطروا للتراجع أو الاختباء على الأقل، دولاً وافراداً - عدا ربما الإمارات! -، وأما الدول الغربية الاستعمارية فقد خسرت ماء وجهها أمام العالم وأمام شعوبها هي نفسها، ولم يتبق لها سوى الثرثرة الخائبة بينما راح ناسها هم أنفسهم يشمئزون منها. وكل الناس حائرون بما عليهم ان يفعلوا ليساعدوا أهل غزة، وكلهم يعلنون تمسكهم...
بينما نحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من الأفضل لنا أن نتخلى عن القول المبتذل القديم بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وُلد من رحم الفظائع التي سبقته، وأن نعترف بأنه ولد جنباً إلى جنب مع واحدة من أبشع عمليات الإبادة الجماعية في القرن العشرين، تدمير فلسطين.