تسعى هذه المقالات الثلاث التي نشرت تباعاً إلى قراءة علاقة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948 مع سوق العمل والتعليم الإسرائيلي. وهي ترى أن إسرائيل تمارس سياسات احتواء ودمج اقتصادية، لتشجيع الفلسطينيين على الانخراط في مؤسسات الدولة، وبذلك تساهم في توسيع طبقة وسطى يحقق أبناؤها ذواتهم وطموحاتهم. إلا أن هذا الذي يوصف "تقدماً" ضمن مؤسسات الدولة، يبقى مشروطاً بالولاء السياسي للنظام، ويُبقي حيز الانتماء الفلسطيني إثنيّاً / ثقافياً، ويشترط عدم تحوّله إلى إرادة سياسية، وتنظيم جماعي يهدف لإسقاط النظام الصهيوني.
إلا أن الشاغل المركزي لهذه المقالات هو البحث عن عوامل داخل الخطاب الوطني الفلسطيني، وفي قلب أداء الحركات السياسية الفلسطينية، تجعل هذه السياسة الإسرائيلية ممكنة.
وتوضّح المقالات أن أحد أهم هذه العوامل هو أن الخطاب السياسي الذي انتشر، متّجهاً نحو التطلّع القومي أهمل تماماً (بل ورفض) القراءة الاجتماعية والطبقية (بمفهومها الأوسع) للواقع الاستعماري. وهو ما أنتج تصوراً بأن مكافحة العنصرية ممكنة من خلال إتاحة منافسة "متكافئة الفرص" لفلسطينيي الداخل في السوق الإسرائيلي، ونفى أي تصوّر يدمج بين مفاهيم التحرر الوطني ومفاهيم العدالة الاجتماعية ومناهضة الرأسمالية.
يستعرض صيرورة العلاقة بين "النُخب الاقتصادية" والحركات السياسية الفلسطينية في الداخل منذ السبعينيات، وكيف تجادلت هذه العلاقة عبر حقبة أوسلو ثم انفجار الانتفاضة الثانية ونتائجها. ويبيّن كيف كانت "سياسات الدمج" واحدة من استراتيجيات وأد الانتفاضة التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية بعد أن أوصت بها لجنة "أور" التي حقّقت بأحداث "أكتوبر 2000".
يستعرض شكل الخطاب الاجتماعي السائد الذي يُشرْعن الاندماج الاقتصادي، ولغة انتشاره بين الشباب، وأثره على الجدل السياسي والقيمي، أي أننا هنا أمام حفر ونبش في الحالة الذاتية. كذلك يُبيّن الآليات والوكالات التي تستخدمها إسرائيل لتحفيز هذه السياسة ولضبطها واستغلالها.
يستعرض أفكاراً عن أفق اندماج الفلسطينيين في المؤسسة الإسرائيلية، وعن الإمكانية المريبة في أن تُحوِّلنا تفاهة "التقدم" الشريرة إلى شركاء فاعلين في الجريمة الإسرائيلية المسعورة، ليس في فلسطين فقط، وإنما في العالم كله.