الكوتا المسيحية في العراق: تمثيل مُعلّق

النظام الذي إدّعي أنه أُنشئ لتأمين التنوع، تحوّل إلى أداة لإعادة إنتاج الاصطفاف الطائفي والإقليمي داخل المكوّنات الصغيرة. وبينما يتناوب "بابليون" و"البارتي" على احتكار التمثيل، يبقى الناخب المسيحي بين خيارين أحلاهما مرّ: أن يصوّت لمرشّح لا يمثله، أو أن يقاطع عملية انتخابية تُدار من خارجه.
2025-11-28

سيزَّر إيوان جارو

طالب جامعي، من العراق


شارك
كنيسة الكوش التاريخية تطل على سهل نينوى

منذ أن خُصّص للمكوّن المسيحي - الآشوري خمسة مقاعد في البرلمان العراقي (في بغداد، نينوى، كركوك، أربيل، ودهوك)، كان الهدف أن تُمثِّل هذه المقاعد جسراً يربط "الأقليات" ببنية الدولة الجديدة. غير أن التجربة سرعان ما تحولت إلى نموذج مصغّر لتشابك القوى العراقية: مقاعد محجوزة اسماً للمكوِّن، ومفتوحة فعلياً لتأثير المراكز السياسية الكبرى.

على مدى دورتين انتخابيتين، أحكمت حركة بابليون، بقيادة ريان الكلداني المقرب من إيران وقوى الاطار التنسيقي، قبضتها على معظم مقاعد الكوتا المسيحية، مستفيدة من ثغرة "قانونية"، تتيح لأي ناخب التصويت لمقاعد المكوّن، من دون اشتراط الانتماء الديني أو القومي. هذا النظام جعل من الكوتا المسيحية مجالاً مفتوحاً أمام القوى الشيعية المسلحة، التي رأت فيها أداة لتعزيز حضورها داخل البرلمان في وجه خصومها.

طوال تلك المدة، ارتبطت "بابليون" بخطاب محور المقاومة، وشاركت في مواقف سياسية منسجِمة مع الحشد الشعبي وحلفائه الإقليميين، فيما تراجع حضورها في الملفات الاجتماعية والخدمية الخاصة بالمكوِّن المسيحي. يقول الباحث في شؤون الأقليات حارث عبد الحميد: إن "بابليون تحولت من حركة تمثل الآشوريين، إلى جناح سياسي داخل الفضاء الشيعي الموالي لإيران، الأمر الذي همّش صوت الآشوريين المستقلين داخل البرلمان" (Al-Monitor).

في المقابل، بقيت مناطق الوجود الآشوري في سهل نينوى وسهل أربيل تعاني من ضعف الإعمار، وغياب فرص التوظيف، ونزيف الهجرة المستمر، بينما انشغلت الحركة في الصراع على المناصب النيابية والرمزية.

على مدى دورتين انتخابيتين، أحكمت حركة بابليون، بقيادة ريان الكلداني المقرب من إيران وقوى الاطار التنسيقي، قبضتها على معظم مقاعد الكوتا المسيحية، مستفيدة من ثغرة "قانونية"، تتيح لأي ناخب التصويت لمقاعد المكوّن، من دون اشتراط الانتماء الديني أو القومي. هذا النظام جعل من الكوتا المسيحية مجالاً مفتوحاً أمام القوى الشيعية المسلحة، التي رأت فيها أداة لتعزيز حضورها داخل البرلمان في وجه خصومها.

أشار تقرير مركز البيان إلى أن "التحالفات الأيديولوجية للكتل المسيحية المنضوية تحت جناح بابليون لم تُسْفِر عن أي تحسّن في واقع المكوّن، بل زادت من عزلته السياسية والاجتماعية" (Bayancenter.org).

في الانتخابات الأخيرة (2025)، بدت النتائج وكأنها تصحيح محدود. فقد فاز مرشحان من كتلة بابليون (أسوان سالم صادق، وإيفان فائق جابرو)، فيما فاز ثلاثة من خارجها: سامي أوشانا كوركيس في دهوك، كلدو رمزي أوغنا في أربيل، وعماد يوحنا في كركوك (Shafaq News).

لكن خلف هذا التنويع الظاهري، برز نفوذ آخر - الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) - الذي دعم بعض مرشّحي الكوتا المسيحية في أربيل ودهوك، مستفيداً من قواعد تصويت واسعة داخل مناطقه. وقد أشار تقرير SyriacPress إلى أن "البارتي ضخّ آلاف الأصوات المنظَّمة لصالح مرشحين مسيحيين مقربين منه، ليضمن استمرار نفوذه داخل مقاعد الكوتا، في مقابل تراجع نفوذ بابليون عليها" (SyriacPress).

ويذهب محللون إلى أنّ هذا النمط من الدعم الانتخابي جعل من الكوتا المسيحية "ميدان توازن" بين قوى كبرى، لا تمثيلاً لمجتمع أصيل يعاني التهجير وتناقص السكان. فالحزب الديمقراطي، الذي يسعى إلى توسيع نفوذه السياسي في المناطق المختلطة، يرى في الكوتا المسيحية وسيلة لضمان حضور رمزي داخل البرلمان العراقي من دون الاصطدام مع بغداد مباشرة.

يقول الناشط نرسي دانيال في مقابلة مع Syriac Press: "لا فرق بين أن تكون الكوتا بيد الحشد أو البارتي، طالما يُصادَر صوت الناخب المسيحي الحقيقي. نحن لا نملك خياراً سوى إعادة تعريف الكوتا كمجال تمثيلي مستقل، لا كامتياز يمنحه الكبار".

في الانتخابات الأخيرة (2025)، بدت النتائج وكأنها تصحيح محدود. فقد فاز مرشحان من كتلة بابليون فيما فاز ثلاثة من خارجها. لكن خلف هذا التنويع الظاهري، برز نفوذ آخر - الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) - الذي دعم بعض مرشّحي الكوتا المسيحية في أربيل ودهوك، مستفيداً من قواعد تصويت واسعة داخل مناطقه.

إلى جانب ذلك، أشار تقرير مركز البيان إلى أن هذا التناوب في السيطرة "يُبقي المكوّن في موقع التابع السياسي لا الفاعل الوطني"، وأن ضعف المؤسسات المسيحية المستقلة وعدم تمويلها الكافي يجعلانها عاجزة عن خوض منافسة متكافئة.

أما الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا)، فقد جدّدت في بيانها عقب الاقتراع الخاص وصْفها لما حدث بأنه "سطو على إرادة المكوّن وإلغاء عملي لجوهر الكوتا كمبدأ دستوري".

كل هذه المعطيات تكشف عن مفارقة جوهرية: فالنظام الذي ادّعى أنه أُنشئ لتأمين التنوع تحوّل إلى أداة لإعادة إنتاج الاصطفاف الطائفي والإقليمي داخل المكوّنات الصغيرة. وبينما يتناوب "بابليون" و"البارتي" على احتكار التمثيل، يبقى الناخب المسيحي بين خيارين أحلاهما مرّ: أن يصوّت لمرشّح لا يمثله، أو أن يقاطع عملية انتخابية صارت تُدار من خارجه.

في نهاية المطاف، يبدو أن إصلاح الكوتا لن يتحقق إلا إذا أُعيد تعريفها قانونياً، لتصبح قائمة على سجل ناخبين خاص بالمكوّن المسيحي، بما يضمن أن يكون صوته نابعاً من داخله لا من خارج إرادته السياسية.

بهذا المعنى، تغيَّر اللاعب ولم تتغيّر القاعدة: من تبعية للنفوذ الشيعي المسلح إلى تبعية للنفوذ الكردي الحزبي. ويعلّق الناشط جورج إسحاق من دهوك لـ"المدى": "خرجنا من دائرة بابليون، لكننا لم نغادر دائرة التبعية. ما لم تُعد الكوتا لأبناء المكوّن فقط، سنبقى مجرد ورقة تستخدمها القوى الكبرى لتجميل ديمقراطيتها".

حوّل هذا النمط الكوتا المسيحية الى "ميدان توازن" بين قوى كبرى، لا تمثيلاً لمجتمع أصيل يعاني التهجير وتناقص السكان. فالحزب الديمقراطي، الذي يسعى إلى توسيع نفوذه السياسي في المناطق المختلَطة، يرى في الكوتا المسيحية وسيلة لضمان حضور رمزي داخل البرلمان العراقي، من دون الاصطدام مع بغداد مباشرة. 

في المقابل، اعتبرت الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) أن ما جرى "سطوٌ على إرادة المكوِّن، وانحدار سياسي يعكس حجم الاستلاب الذي يُمارَس بحقّ شعبنا" (من بيان رسمي صدر بعد التصويت الخاص).

كما طالبت منظمات مسيحية بإصلاح جذري لقانون الكوتا، بإنشاء سجل ناخبين خاصّ بالمسيحيين، على غرار ما يحدث في أنظمة الحصص العادلة، لضمان أن تكون الأصوات نابعة فعلاً من داخل المكوّن. (SyriacPress, May 2025)

تتضح من كل هذه المؤشرات مفارقة لافتة: أن نظام الكوتا الذي يفترض أنه شُرِّع لتثبيت التعددية، صار أداةً لذوبانها. فحين تُنتزع مقاعد المكوّن بأصواتٍ لا تنتمي إليه، وحين تتحوّل الكتل الممثّلة له إلى أطراف في محاور إقليمية، يفقد النظام غايته الأساسية.

إنّ التمثيل الحقيقي "للأقليات" لا يتحقق عبر بقاء المقاعد شاغرة بأسماء جديدة، بل بإعادة الاعتبار للهوية السياسية المستقلة، بعيداً عن مظلة التبعية للشيعة أو الأكراد، أو أي طرف آخر من القادة السياسيين الذين يطلقون على أنفسهم "الأغلبية"، بحيث ننطلق من التنازل عن لغة المكوِّنات والذهاب إلى مشروع ولغة الدولة الوطنية الجامعة.

______________________

المصادر:

• A Small Voice in a Game of Giants: Manipulating the Christian Quota in Iraq Bayancenter.org (2025). [https://www.bayancenter.org/en/2025/10/12640/]

• Iraq’s 2025 Elections: Minority Quota Under Spotlight, Shafaq News (8 Nov 2025). [https://shafaq.com/amp/en/Report/Iraq-s-2025-Elections-Minority-quota-under-spotlight]

• Iraq’s Christian Babylon Movement Aligns with Pro-Iran Bloc, Al-Monitor (12 Apr 2022). [https://www.al-monitor.com/originals/2022/04/iraqs-christian-babylon-movement-aligns-pro-iran-bloc]

  • Zowaa (Assyrian Democratic Movement) statement after special vote (2025). متاح ضمن تقارير جريدة المدى.

• Chaldean-Syriac-Assyrian and Christian Leaders in Iraq Call for Electoral Reform, SyriacPress (12 May 2025). [https://syriacpress.com/blog/2025/05/12/chaldean-syriac-assyrian-and-christian-leaders-in-iraq-call-for-electoral-reform-to-protect-their-quota-representation/]

• Kurdistan Democratic Party Dominates Iraq’s Minority Quota Seats Amid Widening Christian Boycott, SyriacPress (12 Nov 2025).

• [https://syriacpress.com/blog/2025/11/12/kurdistan-democratic-party-dominates-iraqs-minority-quota-seats-amid-widening-christian-boycott/]

مقالات من العراق

«البصرة عطشانة».. وجع عاصمة العراق الاقتصادية الذي صار شعارا انتخابيا

على الصعيد السياسي، يتصاعد الخطاب المطالب بإنقاذ المناطق المنكوبة من شح المياه مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث يوجّه النواب والمرشحون مطالبهم إلى الحكومة، وتحديدا رئاسة الوزراء، للضغط على تركيا من...

الهوية الإيزيدية في الفن

فؤاد الحسن 2025-10-09

يحمل الفن لنا تاريخاً يمكن اعتماده للنظر من زاوية أخرى إلى المجتمع. هذا النص يسعى إلى محاولة التقاط الإنتاج الفني، بوصفه بديلاً من التاريخ الاجتماعي والديني الإيزيدي، بسبب الغياب شبه...

للكاتب/ة