بعد حصار دام لعام ونصف، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في شمال دارفور، غربي السودان، بعد انسحاب الجيش والقوة المشتركة. وبهذا التطور العسكري في مسار الحرب، يفقد الجيش آخر معاقله في إقليم دارفور، وتفقد القوة المشتركة معقلها الرئيسي.
أما عن كيفية سقوط الفاشر، فهو لا يعود فحسب إلى عوامل الحصار المضروب على المدينة، الذي انتهى إلى إنهاك قدرة المقاتِلين ابتداء، وإنما - ولأنه جرى مثله تماماً في عدد من المدن السودانية – فإنه عائد إلى أسباب تتعلق بالاختلال في تكافؤ القوة.
غير أن سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع ليس مجرد تطور ميداني عادي، والفاشر ليست فحسب مجرد مدينة ومقر لرئاسة فرقة للجيش، أو معقل للقوة المشتركة: سقوط الفاشر يعني طي صفحة في هذه الحرب، والانتقال كلياً إلى مرحلة جديدة. أما تداعيات ذلك فلا تخص مستقبل السودان وحده، بل يمتد تأثيرها المباشر على المنطقة..
الفاشر..أهمية عسكرية وجيوسياسية
ظلت الفاشر صامدة لعام ونصف، واقفة كحجر عثرة أمام سيطرة قوات الدعم السريع الكاملة على إقليم دارفور. صحيح أن الجيش والقوة المشتركة كانا محاصرين، وفي وضع دفاعي فقط حيال هجمات الدعم السريع، من دون تحقيق أي انفتاح لنفوذهم خارج المدينة، إلا أن هذا الوضع كان يمثل عاصماً من السيطرة الكاملة لقوات الدعم السريع على إقليم دارفور.
سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع ليس مجرد تطور ميداني عادي، والفاشر ليست فحسب مدينة مهمة، ومقرّاً لرئاسة فرقة للجيش، أو معقلاً للقوة المشتركة: سقوط الفاشر يعني طي صفحة في هذه الحرب، والانتقال كلياً إلى مرحلة جديدة.
بالنظرة التقليدية المباشرة، قد لا تكون للفاشر قيمة عملياتية، بحكم أن الإقليم كله تحت سيطرة قوات الدعم السريع، لكن قيمة الفاشر في أنها تمثل نقطة تحول مصيرية في هذه الحرب، عسكرياً، جيوسياسياً وإقليماً...
من الفاشر: صرخة السودان الوحيد
30-10-2025
عسكرياً: سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر يمكِّنها من الزحف إلى إقليم كردفان بشكل آمن كلياً، وإقليم كردفان، الرابط غرب البلاد بأواسطها، كان قد شهد خلال الشهور الماضية قتالاً شرساً، تبادلت فيه الأطراف السيطرة مراراً على مواقع ذات أهمية. وقبل سقوط الفاشر، كان إقليم كردفان يمثّل مسرح العبور الحاسم إلى فك الحصار عن الفاشر، إذ إن بسط الجيش سيطرته على مناطق حاكمة في كردفان يجعل حركته نحو دارفور أكثر سلاسة، بعد استعادة سيطرته على أواسط البلاد. وبالمقابل استماتت قوات الدعم السريع في القتال في كردفان حماية بالضرورة لسيطرتها على دارفور.
أما بعد سقوط الفاشر، فإن تمدد الجيش في إقليم كردفان يصبح أكثر صعوبة، فقوات الدعم السريع تسيطر بالكامل على غرب كردفان، باستثناء رئاسة فرقة الجيش المحاصَرة منذ شهور، وفي جنوب كردفان، تسيطر الحركة الشعبية المتحالفة مع الدعم السريع على عدة مناطق هناك، وتحاصر أخرى.
أما شمال كردفان، فبعد ساعات من سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، ناوشت تلك القوات بالاتجاه الشرقي، بشمال كردفان، حيث توغلت في عدد من القرى القريبة من الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ما يؤدي الى تضييق الخناق عليها أكثر من قبل، ومما يعرقل أية محاولة تحرك لقوات الجيش خارج المدينة. وإذا تمكنت قوات الدعم السريع من التمدد في شمال كردفان فإن التهديدات المباشرة ستصل إلى ولاية النيل الأبيض، ومدينة أم درمان - إحدى مدن العاصمة الثلاث. وتسعى قوات الدعم السريع على وجه السرعة إلى قطع الطرق الرئيسية الواصلة إلى مدينة الأبيض، بهدف قطع الإمداد وإحكام الحصار عليها.
بعد سقوط الفاشر، يصبح تمدد الجيش في إقليم كردفان أكثر صعوبة، فقوات الدعم السريع تسيطر بالكامل على غرب كردفان، باستثناء رئاسة فرقة الجيش المُحاصَرة منذ شهور. وفي جنوب كردفان، تسيطر الحركة الشعبية المتحالفة مع قوات الدعم السريع على عدة مناطق هناك، وتحاصر أخرى.
عسكرياً، فإن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر يمكِّنها من الزحف إلى إقليم كردفان بشكل آمن كلياً. وإقليم كردفان، الرابط غرب البلاد بأواسطها، كان قد شهد خلال الشهور الماضية قتالاً شرساً، تبادلت فيه الأطراف السيطرة مراراً على مواقع ذات أهمية.
سياسياً: بسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، صار الإقليم كله تحت نفوذها، مما يمكّنها من استغلال سيطرتها لتوطيد إدارتها الموازية في دارفور، وهي التي أعلنت قبل فترة عن حكومتها في مدينة نيالا، جنوب الإقليم. ومما لا شك فيه أن هذا التطور سيضعف من سلطة الدولة المركزية ويهدد بتفكك البلاد.
سيناريوهات متوقعة
تزامن سقوط الفاشر على يد قوات الدعم السريع مع تسريبات كثيفة حول تفاوض غير مباشر بين الجيش وتلك القوات في واشنطن. وعلى الرغم من النفي الرسمي الصادر من مجلس السيادة السوداني، إلا أن تقارير غربية عديدة لا تزال تتحدث عن التفاوض. وإذا كان بالفعل هناك بداية لأي شكل من التفاوض، فإن التطورات الهائلة، بسيطرة قوات الدعم السريع على إقليم دارفور يمنحها موقفاً تفاوضياً أقوى، مقابل موقف أضعف للجيش وشركائه، بعد خسارة آخر معاقلهم في الإقليم.
بعد ساعات من سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، تحركت تلك القوات بالاتجاه الشرقي، في شمال كردفان، حيث توغلت في عدد من القرى القريبة من الأبيض، عاصمة شمال كردفان، مما يعرقل أية محاولة لتحرك قوات الجيش خارج المدينة. وإذا تمكنت قوات الدعم السريع من التمدد في شمال كردفان، فإن التهديدات المباشرة ستصل إلى ولاية النيل الأبيض، ومدينة أم درمان - إحدى مدن العاصمة الثلاث.
تشير بعض المعلومات إلى أن هناك اتجاهاً قوياً لوقف أية تحركات عسكرية للطرفين، وذلك بأن يبقى كل طرف في مناطق سيطرته. وإذا حدث هذا، فإن الراجح هو تطبيق السيناريو الليبي. أما السيناريو الآخر، فهو أن يتمسك الطرفان بالحل العسكري. وإذا حدث هذا، فذلك يعني أن البلاد ستدخل في حرب استنزاف طويلة المدى، تطيل أمد الصراع، وتفتح الباب واسعاً أمام حرب شاملة ومعلنة، على المستوى الوطني العام.
وقد يؤدي هذا إلى نهج في التفاوض، يراعي ميزان القوة الجديد على الأرض، في حال مضت المبادرات المطروحة إلى نهاياتها بالتراضي، أو في حال فُرضت فرضاً بواسطة القوى الدولية. وتشير بعض المعلومات إلى أن هناك اتجاهاً قوياً لوقف أية تحركات عسكرية للطرفين، وذلك بأن يبقى كل طرف في مناطق سيطرته. وإذا حدث هذا، فإن الراجح هو تطبيق السيناريو الليبي. لكن السؤال يظل حائراً عن مصير القوة المشتركة لدارفور، المتحالفة مع الجيش، التي لن تقبل في أية حال من الأحوال انفراد قوات الدعم السريع بحكم إقليم دارفور. كما أن المجموعات الإسلامية الداعمة للجيش ترفض بشدة أية مساعٍ للتفاوض مع قوات الدعم السريع، ويبدو بوضوح أن الجيش يواجه صعوبة بالغة في أن يتخذ قراراً مستقلاً.
عودة الحياة في الخرطوم…تعافٍ هش وآمال حذرة
27-10-2025
أما السيناريو الآخر فهو أن يتمسك الطرفان بالحل العسكري. وإذا حدث هذا، فإن زحف قوات الدعم السريع إلى كردفان وأواسط البلاد يصبح مسألة وقت، مما يعني أن البلاد ستدخل في حرب استنزاف طويلة المدى، تطيل أمد الصراع، وتفتح الباب واسعاً أمام حرب شاملة ومعلنة، على المستوى الوطني العام.
 
		



